ثقافة الـــ آي باد (iPad) في العراق!

مهند حبيب السماوي

لأسباب يرجع أغلبها لعوامل خارج عن ارادته وحدود إمكانياته، عانى الكثير من ابناء الشعب العراقي من جهل واضح بالأجهزة الالكترونية الحديثة، وخصوصاً الهواتف النقالة من نوع smarts phone التي تمتاز، من الناحية التقنية، بامتيازات كثيرة وامكانيات متعددة ووظائف جديدة، وتتصف، من الناحية المادية، بارتفاع اسعارها وغلاء ثمنها لدرجة ان من يستطيع شراءها هم فقط الطبقة الغنية التي " يتبجح" ابناءها، بحمل هذا الهواتف النقالة من غير ان يعرف غالبيتهم حقيقة هذه الاجهزة ومجالاتها المتنوعة وفاعليتها المتعددة وامتداداتها الوظيفية.

هذه الاجهزة الالكترونية الحديثة التي تأخرت في الوصول للمجتمع العراقي، بسبب قبضة نظام صدام الامنية المُحكمة على المجتمع ومنع انفتاحه على العالم الاخر، لايقتصر عملها على الاتصال فقط ! بل امتدت في عملها وافق مداها وسعة مجالاتها الى مساحات ابعد من الاتصال الهاتفي، بل أضحت لها وظائف تكاد تشكل في مجملها ثورة تقنية جديدة في عالمنا المعاصر الذي تتفجر فيها الثورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل مكان !.

وكان عام 2010 وبالضبط (السابع والعشرون من كانون الثاني منه) هو التتويج النهائي، على الاقل في عصرنا هذا، لسلسة الاجهزة الالكترونية المختصة بالاتصال، اذا اعلنت شركة أبل الامريكية(Apple) عن منتوجها الابداعي الجديد وهو جهاز الـــ آي باد (iPad) الذي شكل نقطة تحول كبرى في تاريخ التقنيات والاجهزة اللوحية متعددة اللمس.

بالطبع جهاز الايباد لم يكن حلقة مستقلة في حد ذاته بل يمثل نهاية سلسلة منتجات واجهزة وسائط متعددة التي بدأت باطلاقها شركة أبل منذ 10 نوفمبر 2001 حينما اعلنت عن جهاز الـ آي بود ((iPod التي تغيّرت على اثره صناعة وتسويق الموسيقى!، واطلقت متجر الـ آي تونز (في 29 نيسان 2003) وهو متجر وسائط متعددة على الشبكة العنكبوتية تديره الشركة ويتم الوصول إليه بواسطة برنامج آي تونز.

ثم فجرّت شركة ابل عالم الهواتف النقالة التقليدية عبر اطلاق جهاز الـ آي فون (iPhone) الذي يقوم بعدة وظائف ابرزها تشغيل " ملفات وسائط متعددة من خلال تطبيق آي بود، والاتصال من خلال تطبيق الهاتف، والكاميرا الرقمية من خلال تطبيق الكاميرا، وجهاز إنترنت لوحي من خلال تطبيق متصفح الإنترنت سفاري (متصفح)"، والذي قام ستيف جوبز صاحب الشركة ومديرها التنفيذي بتقديمه للعالم يوم 9 كانون الثاني 2007.

الثورة الجديدة في منتجات أجهزة الوسائط المتعددة التي صنعتها وسوّقتها شركة آبل، بالاضافة الى شركات اخرى بعد ذلك حذت حذوها وقلّدت طريقتها في العمل، تجاوزت مرحلة الاتصال، بل ان الاتصال جزء يسير من وظائفها كما أشرنا اعلاه، حيث اصبحت لها شاشات متعددة اللمس وتقوم بتشغيل أنواع عديدة من الوسائط مثل الفيديوات والموسيقى والالعاب والكتب والصحف والمجلات بالصيغ الإلكترونية التي ابتركت لها شركة ابل موقع آي بوكس(iBooks) الذي يبيع الكتب الطريقة نفسها التي تبيع بها موقع آي تيونز الاغاني.

يوضح والتر ايزاسكون، وهو المدير التنفيذي لمعهد أسبن والرئيس الاسبق لقناة CNN ومدير تحرير مجلة تايم ومن كتب عن سيرة حياة انيشتاين وبنجامين فرانكلين، في كتابه " ستيف جوبز"، الذي تحدث فيه عن سيرة مؤسس شركة آبل ومديرها التنفيذي بصورة شاملة، بان ستيف جوبز استطاع تغيير عالم الموسيقى بتصنيعه للــ آي بود(iPod) اي بود... ومن خلال الـ آي باد(iPad) واب ستور(App Store) بدا يتغير عالم الاعلام بدءا من النشر الى الصحافة الى التلفاز الى الأفلام، فأمسى التعامل مع هذه المفردات بعد أنتاج هذه السلسة من الأجهزة مختلفاً بشكل كبير عما سبقه من الفترات الزمنية السابقة.

لذا تجد ستيف جوبز يتساءل في مؤتمر الاعلان عن الــ آي باد(iPad) في 27 كانون الثاني عام 2010 في سان فرانسيسكو، بعد أن علّق في صالة العرض شاشة تظهر عليها جهاز ايفون وبالقرب منه حاسب محمول وتتوسطهما علامة استفهام.... تساءل... هل يمكن ان نضع شيئا بينهما؟

واجاب ستيف جوبز" لابد ان يمكننا، الجهاز الجديد، من تصفح الانترنيت ورسائلنا الإلكترونية والصور وتسجيلات الفيديو والاستمتاع بالموسيقى والالعاب والكتب الالكترونية " فالــــ" حواسب المحمولة لاتفيد في اي شيء... لدينا شيء افضل نحن ندعوه iPad (آي باد)"وهو " أكثر حميمية من الحاسب المحمول". كما يتعرض الى ذلك بالتفصيل ايزاسكون في كتابه عن جوبز السالف الذكر.

اذن... جهاز الايباد ليس منتج جديدة لشركة ابل فحسب... انه منهج جديد.. رؤية جديدة... اداة جديدة للتعامل مع العالم والاخر... وهذا واضح من شكل الاعلان الذي تم تقديمه لستيف جوبز، والذي رفضه بعد ذلك لاسباب لاتخص موضوع المقال، عن الجهاز، اذ، وكما يوضح والتر ايزاسكون، كان الاعلان عبارة عن "مشهد لطيف لرجل يرتدي بنطال جينز باهت اللون وكنزة فضفاضة ويستلقي على مقعد ويتفحص رسالة الكترونية والبوم صور وجريدة نيويورك تايمز وكتبا ولقطة فيديو بجهاز آي باد (iPad) القابع فوق ساقيه".

وهو الامر الذي لايعرفه اكثر من يستخدم هذا الجهاز في العراق، وحتى الشريحة المثقفة في العراق تجهل مشروع ستيف جوبز الذي عبر عنه بمقولة اشار فيها الى انه يريد " تدمير الحقائب المدرسية وحماية العمود الفقري للتلاميذ من حقائب الظهر من خلال ابتكار نصوص ومناهج الكترونية"، وهو الامر الذي يشكل ثورة جديدة في عالم التعليم من خلال نقل الكتب الورقية ومضموناتها الى نصوص الكترونية داخل هذا الجهاز.

مثل هكذا مشاريع لن نتفاءل ابدا ونتوقع انها سوف يكون لها ولادة في العراق في المستقبل القريب لان الساسة في بلادنا واحزابهم وكتلهم السياسية مشغولة بأمور اخرى وقضايا ثانية ليست لها علاقة بمستقبل التعليم في البلد ولا مايمكن ان تكون عليه صورة العراق بعد 10 سنوات.

في العراق يشتري الشباب جهاز الــ آي باد لغرض الانغماس في العابه وتطبيقاته المتعلقة بالترفيه وإضاعة الوقت، وأعرف الكثير منهم ممن يسألوني الاسئلة " السخيفة " التي يختصرها سؤال " مافائدة هذا الجهاز؟... وهو سؤال غريب! تكمن غرابته في أنه يأتي بعد شراء الحهاز وليس قبل عملية الشراء.. مما يعني ان المستهلك هنا يشتري السلعة قبل ان يعرف اهميتها وفائدتها وهو أمر يعود لتأثير الدعاية الاعلام ربما او امور اخرى تتعلق بعقدة التفاخر وشراء الاشياء الفاخرة.

وهنا يكون هذا الجهاز مصدر لتدمير الذات وتسطيح الشخصية وتخديرها بالعاب وتطبيقات تصل الى 500 ألف تطبيق في متجر آبل ستور (Apple Store) التابع لشركة آبل الذي يشرف عليه مئات المهندسين والمبرمجين الذين يتفننون ويبدعون في انشاء برامج والعاب وتطبيقات قد تستغرق فيها اياما " ان لم نقل اشهرا " حتى يمكن الملل منها.

ومن خلال ملاحظة بسيطة للسياسيين العراقيين ومدى علاقاتهم بهذا الجهاز فأنها لاتزال تتأرجح بين الجهل به وباهميته من ناحية.. وبين الاستعمال الشخصي له فقط من ناحية أخرى، فانا شخصيا رأيت رئيس الائتلاف العراقي الدكتور ابراهيم الجعفري يستعمل هذا الجهاز، كما رأيت مستشار السيد رئيس الوزراء الاعلامي الاستاذ علي الموسوي يحمله في بعض لقاءات رئيس الوزراء.

انا لا اطمح في الواقع، حاليا على الاقل، ان تقوم الحكومة العراقية بتوزيع هذه الاجهزة على المدارس ولا في الجامعات، فالمشاكل التي تواجهها، وأكثرها بسبب نظام التوافق والمحاصصة الفاسد بامتياز، تمنعها من التفرغ لمثل هكذا مشاريع تهم مستقبل الانسان العراقي الغارق في مشكلات نقص الخدمات والارهاب الاعمى والفساد المستشري في بعض مرافق الدولة ومؤسساتها.

في مقالتي هذه كنت أرغب، وهو الهدف الاساسي منها، ان أسلط الضوء على التغييرات التي حدثت في العالم وفي رؤيته للاشياء وتعامله معها، اذ الامور تغيرت والاشياء لم تعد على حالها والكثير منا لايعرف ما الذي يحصل في العالم عموما وفي عالم التقنية خصوصا لذا وجدتني اسهبت قليلا في حديثي على هذه الاجهزة لتعريف القارئ بها وبأثرها ونتائجها التي تتخطى النواحي الاقتصادية والمالية.

على الساسة في العراق، وما اكثر نصائحنا لهم، ان ينتهوا من مشكلاتهم لكي يتفرغوا للعراق ومستقبله الذي لن ير النور ولن يُصبح مشرقا مادمنا لحد الان لم نتفق على منهج واضح شفاف ثابت لبناء الدولة وادارتها في الفترة الحالية والمقبلة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/آب/2012 - 10/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م