المسلسلات التلفزيونية ورسائلها

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: التلفزيون هذا الجهاز الذي تعددت اشكاله والوانه واحجامه، والذي لاتجد بيتا الا وفيه جهازا واحدا على الاقل، يعتبر في نظر الكثيرين، أحد أهم وأخطر وسائل وأدوات الاتصال الجماهيري لما يملكه من ميزات وإمكانات هائلة لا يمكن أن تكون محايدة أو بعيدة عن سيطرة وهيمنة النظم والثقافات والأيديولوجيات وصراعاتها وتناقضاتها في جميع بلدان العالم لأنها محط لصراعات وتناقضات قوى واتجاهات سياسية وحضارية.

والمادة المقدمة عبر هذا الجهاز (سياسية – فنية – ثقافية – دينية – ترفيهية) لا تنفصل عما يريده القائمون عليه، فبالاضافة الى ارباح الاعلانات، وارباح التسويق للبرامج، فانها تقدم رسالة معينة عبر تلك المواد، تعبر عما يريده المالك للقناة التلفزيونية(حكومية – خاصة)..

في كل عام يكثر الجدل حول المسلسلات التلفزيونية التي تعرضها المحطات الفضائية في شهر رمضان، وهو جدل يبدأ قبل عرضها ويتواصل حتى فترة متاخرة بعد العرض..

تتنوع اسباب هذا الجدل ومنطلقاته، فهناك اسباب دينية مثلما حصل مع مسلسل عمر، وهناك اسباب اجتماعية، واسباب ثقافية فيما يتعلق بالتاثير الثقافي على الاسرة العربية وعلى اساليب التنشئة والتربية، اضافة الى اسباب نفسية وسلوكية..

الحقيقة ان هذا الجدل لا يجب ان يقتصر على المسلسلات الرمضانية بل يجب ان يمتد الى بقية المسلسلات التي تعرض في بقية العام، مثل المسلسلات الامريكية او التركية المدبلجة الى اللغة العربية والتي تاخذ حيزا كبيرا من المتابعة والاهتمام طيلة ايام السنة..

في التاثير الذي يتركه التلفزيون على الاطفال، دلت دراسة عربية حديثة تهدف إلى معرفة معايير النمو للطفل ما قبل المدرسة إلى أنه إذا كان 90 % من الأطفال يقضون وقتهم أمام شاشة التلفزيون فإن 2.8% فقط منهم من يشاهد البرامج الخاصة بهم، أما نسبة 76.2% تشاهد بالخصوص برامج الكبار. وبينت دراسة أجريت في إحدى المدن الأمريكية أن الأطفال يشاهدون من برامج الكبار ما يعادل أربعة إلى خمسة أضعاف ما يشاهدونه من البرامج الخاصة بهم. وتتعزز هذه المواقف أكثر عندما تغيب رقابة الآباء، فالأطفال يصبحون أسياد أنفسهم يستهلكون البرامج التلفزيونية في غياب تام لآبائهم وقد يزيد الوضع تعقيدا عند وجود أكثر من جهاز تلفزي لدى الأسرة الواحدة. وبهذا الصدد يقول إيريك شوفاليي(إن الآباء يلعبون دور الوسيط، ينبغي أن يعملوا على توجيه أبنائهم لما يريدون مشاهدته، إلا أن ما نلاحظه هو أنهم يجهلون المنتوجات التلفزيونية بحيث أنهم يتحدثون عن برامج لم تعد موجودة منذ عدة سنوات). وعلى هذا الأساس فإن التلفزيون يسعى دائما إلى ملء الفراغ والفجوات التي يتركها الآباء إلى درجة أضحى الأطفال في كثير من الأحيان وكأنهم أبناء طبيعيين للتلفزيون.

تقول الاعلامية فوزية سلامة وهي تشير الى بعض المسلسلات (هذا العام دون غيره فرضت القنوات الفضائية على المشاهد انواع جديدة من الطغيان بدءا من الحوار البذئ وكأنه جزء من مؤامرة لكي ينسى المشاهد قيم الجمال ويتبنى القبح كوسيلة للتفاهم والتواصل. اذا تعودت العين والاذن علي الوجوه القبيحة والالسنة الاقبح والافعال العنيفة تسربت تلك المعاني الي الاذهان واصبحت جزءا من السلوك. الشتائم والخلاعة وضرب النار واراقة الدماء هي العملات المتداولة التي لم يكن المشاهد المصري في الماضي تعود عليها او قبل بها).

وعن الاعلانات تقول: (كدت الا اصدق نفسي حين اكتشفت ان الفاصل الاعلاني استمر ٢٠ دقيقة كاملة. وبحسبة بسيطة ادركت ان الزمن المخصص للاعلان يساوي اربعة اضعاف الزمن الذي خصصته القناة لبث المسلسل الذي اختار المشاهد ان يتابعه. ومعني هذا ان العمل الفني اصبح ملء فراغ لفرض طغيان غسل الادمغة بالاعلانات. الهدف من الاعلان هو جني الارباح الخيالية للقناة وجني الارباح للشركات المنتجة للبضائع المعلن عنها. والمشاهد هو الهدف والضحية ان لم يكن لأن الاعلان يسوقه لشراء ما لا ينفع فلأن تكاليف الاعلان تحمل علي سعر المنتج. أي انها في النهاية تخرج من جيبه لا من جيب اصحاب القنوات او اصحاب الشركات).

وحتى تلك الفسحة الضيقة من الوقت التي يغطيها العمل الفني فانها تكون محكومة بعدة اعتبارات ليست في صالح المشاهد كما يذهب الى ذلك الكاتب عمر كوش: (عند تناول الأعمال الدرامية الرمضانية وفق منظور ثقافي نجد أن السمة الغالبة لها هي التسطيح وتغييب العقل وانتفاء التفكير، إذ نادراً ما نعثر على مسلسل يحترم عقل المشاهد، ويقدم له عملاً فنياً مميزاً، ويمتلك موضوعاً ذا قيمة ثقافية أو سياسية أو اجتماعية، بل إن العديد من المسلسلات لا تحترم الثقافة والمثقفين، وتسخر أحياناً من صورة المثقف، وتهزأ من أدواره. وأسهمت مثل هذه الأعمال في نسج عقل يمكن تسميته بالعقل التلفزي، يتكون من خليط من العقول التي تفرض نفسها في الخطاب الشائع، بوصفه العقل الوحيد الموثوق، إذ يحتقر هذا العقل كل ما يمت بصلة بالفلسفة والأدب والشعر، أي كل شيء ليس له أو لا يحقق مردودية اقتصادية بمقتضى معيارية وأخلاقيات اقتصاد السوق. ويطرح هذا العقل الأسئلة والاستفسارات ذاتها في مختلف المسلسلات الدرامية، حيث يتم تلفيق الأجوبة ذاتها، في إجماع مستغرب حول «الأسئلة ذاتها و«الأجوبة» ذاتها، إنه التواطؤ الذي يُحلّ الاستفسارات محل الأسئلة، ويميّع الأجوبة).

وحول المواد والمسلسلات التي تقدم بقية العام وجد انطون رحمه في دراسة حول وسائل الإعلام وأثرها على القيمة التربوية في المجتمع المعاصر، أن معظم قيم الشباب أقرب إلى القيم المعروضة في التلفزيون. ففي مقارنة بين القيم التي يحملها الأطفال والشباب والتي تظهر في سلوكهم اليومي واتجاهاتهم، وبين القيمة التي تنطوي عليها الرسائل التلفزيونية وكذلك القيمة التي تنطوي عليها الكتب المدرسية أو التي تسعى إليها التوجهات الأسرية، فإننا نجد أن معظم قيم الشباب والأطفال أقرب إلى القيمة التي تتضمنها الرسائل التلفزيونية ومن أمثلة ذلك اتجاهاتهم نحو الحب والجنس والعنف ومخالفة الأعراف التقليدية.

وتتفق هذه النتيجة مع نتائج الكثير من الدراسات التي وجدت أن القيم التقليدية التي تقوم الأسرة على إيجادها لدى الطفل آخذة في الضمور مقابل القيم المستمدة من الأفلام والمسلسلات الأمريكية.

ويتنامى هذا الدور الذي تلعبه الدراما مع تنامي الدور الذي يحتله التلفزيون داخل الأسرة وفي عملية التربية والتنشئة الاجتماعية فقبل اقتحام التلفزيون للبيوت كانت قاعدة التربية ثلاثية الزوايا البيت والمدرسة ودور العبادة إلا أنه مع دخول التلفزيون إلى المنازل احتل هذا الجهاز الرسمي الأكثر أهمية والأشد فعالية والأعمق أثراً والأوسع انتشاراً والأسهل تناول، إحتل الإرشاد والتوجيه مرتبة متقدمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/آب/2012 - 6/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م