العراق... بين مارثون الاصلاح المفترض والازمات المستدامة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: إن التطورات الأخيرة في العراق، اي الخلاف العراقي الكردي، تشي بأزمة حادة قد تقود البلاد الى أزمات أكثر خطورة، لاسيما أن الحسابات الإقليمية والدولية لا تزال تتحرك بصورة واضحة في الساحة السياسية وتترك تأثيراتها عليها بوضوح كبير، ويعيش العراق منذ أشهر على وقع أزمة سياسية على خلفية ملف النفط وهوية مدينة كركوك المشتعلة بين الجانبين الكردي والعراقي، لتندلع بعد ذلك أزمة بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد، على خلفية المواجهة بالحدود السورية لتكون جبهة جديدة في الخلاف بينهما، حيث ادت الكثير من الإشكاليات السياسية الأخرى التي اندلعت في الفترة الأخيرة وتأججت بفعل تمسك الكتل السياسية وقادتها كلٌ برأيه وموقفه الذي يستند الى مصالح الكتلة او الحزب، الى تضارب في المواقف وتحالفات ذات طابع شللي، ففي ظل انشغال القادة السياسيين بالخلافات السياسية واستمرار مسلسل المناورات  والاتهامات والإستراتيجيات وألأجندات السياسية تحت غطاء كامن لغايات مجهولة والاهداف غير معروفة المقاصد، كلها امور تضع العراق خلف قضبان الاستقرار، ففي الوقت الذي تتهم رئاسة اقليم كردستان العراق المالكي بالسعي الى عسكرة المجتمع واشاعة العنف، يرفض المالكي هذا الابتزاز السياسي ويدعو الأحزاب السياسية الأخرى لدفعها للتفاوض بشأن الأزمة الحالية وإلا عليها مواجهة انتخابات مبكرة، مما يعني ان ساسة العراق يعتمدون إستراتيجية الحلول طويلة المدى في تحقيق النصر على الخلافات، وهو ما سيؤدى بالتبعية إلى الحد غليان الازمات وتكاثرها، لذا أصبحت مخاوف الشعب التي نتجت ذلك نيران الخلافات السياسية المتجددة بين تلك جميع الاطراف السياسية، التي تشترك في تشريح جسد العراق وتجذر المخاوف في قلوب العراقيين، ومازالت مسيطرة على مستقبلهم المجهول، لذا سيتعين على العراقيين حل مشاكلهم لوحدهم ونبذ جميع الإطراف الخارجية، ففي ظل الاتهامات العراقية المتبادلة من خلال تصريحات المسوؤلين من الجانبين وتراشق الكلمات والقاء اللوم على طرف دون غيره،  كلها امور تنذر بفشل جهود المصالحة، إذ إن صراع الإرادات العراقية غالباً ما يكمن تلك التصريحات والخطط الفعلية وصراع المصالح، ويمكن أن تُستنبط منها الحقائق والإشكاليات لمعرفة ما يخبّئ لها المستقبل وإمكانية تكرار أخطاء الماضي أو المضي نحو المجهول، لكن الواقع يدل على ان التصريحات مجرد تبرير او هروب من المسؤولية قد لا تتم المحاسبة عليها الآن لكن التأريخ – كما اثبتت التجارب- لا يتساهل مع المخطئين بحق شعوبهم.

جبهة جديدة من الخلاف

فقد اسفل علم كردستان بألوانه الأخضر والأبيض والأحمر تراقب قوات البشمركة الكردية من وراء حواجز ترابية بنيت على عجل جنود الجيش الوطني العراقي الذين تحصنوا على بعد اقل من كيلومتر واحد على جزء مهجور من الطريق، ولوهلة اقترب الوضع من مواجهة في أوضح مظاهر الخلاف المتزايد بين بغداد ومنطقة كردستان شبه المستقلة بشمال العراق، وتفاقمت الخلافات بشأن عائدات النفط الآن بسبب تضارب وجهات النظر المتعلقة بحركة المعارضة السورية المسلحة والخلافات الإقليمية التي تطرح تساؤلات بشأن وحدة العراق، ودفع مسؤولو بغداد ومسؤولون أكراد كل على حدة بقواته الى الحدود السورية بهدف تأمينها من الاضطرابات في الدولة المجاورة لكن ذلك وضع جنودا عراقيين من العرب والأكراد وجها لوجه على امتداد الحدود الداخلية المتنازع عليها، وتدخلت واشنطن وتم تجنب اشتباك محتمل. لكن المواجهة فتحت جبهة جديدة في العلاقات الهشة بين بغداد والأكراد في اطار مسعاهم للحصول على مزيد من الحكم الذاتي من الحكومة المركزية، وقال اسماعيل مراد قاضي وهو من البشمركة وكان جالسا تحت سقيفة من القش للاحتماء من الشمس وقد وجه رشاشه صوب ابناء بلده الذين يحرسون موقع الجيش العراقي وليس نحو الحدود الخارجية "لا نريد أن نقاتل. كلنا عراقيون لكن اذا اندلعت الحرب فنحن لا نهرب، وتظهر خنادق وخيام الجيش العراقي وراء جزء خال من طريق أصبح ارضا محايدة بحكم الأمر الواقع في هذا الخط الأمامي الصغير. على مقربة تثير سيارات محلية الغبار فيما تحاول سلوك طرق جانبية لتفادي الموقعين، خلف البشمركة بطارية مدفعية هاوتزر من عيار 122 مللي توجه فوهاتها صوب الخط العراقي. إنها جزء من تعزيزات تسلحية ثقيلة أرسلتها كردستان والعراق الى المنطقة المتنازع عليها على بعد كيلومتر من الحدود السورية، والمنطقة الحدودية هي دائما نقطة ساخنة محتملة وتصاعد التوتر بين بغداد وكردستان عقب انسحاب القوات الامريكية في ديسمبر كانون الاول الذي أزال عازلا بين الحكومة المركزية التي يهيمن عليها العرب والأكراد الذين يديرون منطقتهم شبه المستقلة منذ عام 1991، وحدثت مواجهات بين وحدات الجيش الوطني العراقي والبشمركة من قبل لتنسحب قبل اندلاع اشتباكات مباشرة اذ اختبر كل جانب أعصاب الطرف الاخر دون اي رغبة في المواجهة، وازدادت الخلافات بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس كردستان مسعود البرزاني حدة منذ الانسحاب الامريكي، ومن أبرز نقاط الخلاف الاراضي المتنازع عليها التي يزعم كل من العرب والأكراد أحقيتهم بها واحتياطيات خام النفط التي تستقطب الآن عمالقة الصناعة مثل ايكسون وشيفرون الى كردستان مما يزعج بغداد التي تقول إنها تملك حقوق التنمية النفطية، وعلى الرغم من أن منطقة كردستان شبه مستقلة فإنها مازالت تعتمد على بغداد في حصتها من عائدات النفط الوطنية، وتزداد كردستان تقاربا مع تركيا المجاورة اذ تتحدث عن سبل لتصدير نفطها دون الاعتماد على بغداد. وتتهم حكومة المالكي كردستان بمخالفة القانون بتوقيع صفقات مع كبريات شركات النفط، وأدت حركة المعارضة المسلحة ضد الرئيس السوري بشار الاسد الى ارتفاع هوة الخلاف بين بغداد واربيل، ووجدتا نفسيهما على طرفي النقيض في صراع إقليمي. ويقاوم العراق وايران حليفة سوريا الدعوات الى رحيل الأسد. وتجري كردستان محادثات مع المعارضة الكردية في سوريا وتزداد تقاربا مع تركيا التي ترعى خصوم الاسد، وقال جوست هيلترمان من المجموعة الدولية لمعالجة الازمات "الى جانب البعد المحلي هناك بعد سوري... وبالتالي يصبح للسيطرة على الحدود وما يمر منها أهمية كبيرة، كانت هذه الخصومات واضحة حين بدأت القوات العراقية الانتشار على الحدود السورية للمساعدة في السيطرة على اللاجئين وتداعيات الأزمة ورفض جنود البشمركة إعطاءها الإذن بالدخول الى ما اعتبروه جزءا كرديا من المناطق المتنازع عليها، وقالت مصادر بالحكومة الكردية إنه بعد دعوات من واشنطن وافق الجانبان على التعاون تفاديا لاشتعال الموقف وسحب القوات متى تنتهي الأزمة السورية، لم تكن هذه المرة الاولى التي يتدخل فيها مسؤولون أمريكيون في الخلافات السياسية العراقية. بحسب رويترز.

في العام الماضي أرسل البشمركة عشرة آلاف مقاتل الى مدينة كركوك النفطية المتنازع عليها رسميا لحماية المواطنين هناك. وأدى وجودهم الى بذل الولايات المتحدة جهودا كبيرة لتهدئة التوتر، ولم تسحب قوات البشمركة مقاتليها الا بعد شهر. وقال محللون إن الخطوة جزئيا كانت اختبارا كرديا لعزيمة المالكي متى ترحل القوات الامريكية، ويقول مسؤولون اكراد إن قوات البشمركة سيطرت على المنطقة القريبة من الحدود السورية في اجزاء متنازع عليها من محافظة نينوى لفترة طويلة ولا ترى حاجة لانتشار الجيش العراقي. وتعمل شرطة الحدود الوطنية العراقية هناك بالفعل، ويرى بعض المسؤولين الأكراد أن الانتشار العسكري لبغداد على الحدود يأتي في إطار محاولات للسيطرة على اراض، وقال جبار ياور قائد قوات البشمركة "هذه القوة جاءت دون تنسيق او اتفاق وبالتالي قررت قوات البشمركة منعها، وردت بغداد بأنه يجب أن يكون الجيش العراقي مسؤولا عن حدود البلاد خاصة في ظل الاضطرابات في سوريا واتهمت السلطات الكردية بإعاقة الجيش، وتم نشر القوات بمجرد أن أعلنت كردستان عقد صفقات نفطية مع توتال الفرنسية وجازبروم الروسية وهما أحدث شركتين كبيرتين تتجاهلان تحذيرات بغداد من احتمال خسارة العقود مع الحكومة المركزية اذا وافقتا على تطوير حقول كردية، ويخشى زعماء العراق الشيعة من أن يؤدي إنهيار فوضوي لسوريا الى صعود نظام سني وان يؤدي ذلك الى إثارة المحافظات العراقية السنية على الحدود التي تشعر بأن المالكي يهمشها، وترفض بغداد دعوات دول الخليج الى رحيل الاسد، على النقيض استضافت حكومة البرزاني نشطاء من المعارضين الاكراد السوريين وحثتهم على توحيد صفوفهم لتشكيل جبهة للإعداد لأي نظام بعد الاسد، ولا يخجل المسؤولون الاكراد من الاعتراف بأن لديهم هدفا بعيد المدى هو إقامة دولة كردستان المستقلة وهم يرون فرصة ليحصل اكراد سوريا على قدر من الحكم الذاتي بعد سنوات من القمع، وتنجر تركيا القوة الإقليمية الى النزاع بشكل متزايد فتشجع كردستان العراق لكنها في نفس الوقت تخشى بشدة إذكاء نزعة انفصالية كردية اوسع نطاقا في جنوبها الشرقي، وتريد أنقرة من كردستان أن تساعد في ضمان الا تصبح المناطق الكردية من سوريا ملاذا لمتمردي حزب العمال الكردستاني الذين يقاتلون حكومة أنقرة للحصول على مزيد من الحكم الذاتي في جنوب شرق تركيا، وتدهورت العلاقات بين انقرة وبغداد بشدة.

عسكرة المجتمع واشاعة العنف

في سياق متصل اتهمت رئاسة اقليم كردستان العراق رئيس الوزراء نوري المالكي بالعمل على "عسكرة المجتمع" و"اشاعة العنف" بعد يوم من دعوته الشرطة الى "الضرب بيد من حديد"، وقال المتحدث باسم رئاسة الاقليم الكردي اوميد صباح في بيان "لا يمر يوم الا ويفاجئنا فيه (...) المالكي باظهار جوانب اخرى من نواياه وخططه لعسكرة المجتمع العراقي ودعم خيارات العنف كوسيلة للوصول الى الغايات السياسية"، واضاف "سبق وان (...) اظهرنا خشيتنا من سلوكيات رئيس مجلس الوزراء التفردية وقلنا ان البلاد والعملية الديموقراطية تواجهان مخاطر حقيقية في ظل ممارسات لا يقدم عليها سوى من له مقاصد ونوايا تسلطية لاقصاء وتهميش الآخرين"، وتابع "ان ما يتحدث به السيد رئيس مجلس الوزراء دعوة صريحة لإشاعة العنف وتبني ممارسة خياراته، وهذا خرق آخر من خروقاته الكبيرة للدستور"، ودعا المتحدث "القوى الديمقراطية وشركاءنا السياسيين" الى العمل على "عدم السماح بارجاع البلاد ثانية الى ظلمات الديكتاتورية المقيتة"، وكان المالكي قال في كلمة القاها خلال حفل تخريج ضباط في الشرطة "سيكون عليكم (...) الضرب بيد من حديد على كل من يعبث بامن البلاد واستقرارها وسيادتها، وهي مهمة ترتبط بحماية الدولة ونظامها السياسي وبالدستور"، وتحاول قائمة "العراقية" بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي وقوى كردية يدعمها رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني منذ اسابيع سحب الثقة من حكومة المالكي على خلفية اتهامه بالتفرد بالسلطة، وكان بارزاني شن على مدى الاشهر الماضية هجمات متكررة ضد المالكي، فيما اوقفت سلطات الاقليم تصدير النفط بسبب خلافات مالية مع الحكومة المركزية.

انتخابات مبكرة

في المقابل حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من انه سيدعو إلى انتخابات مبكرة إذا رفضت الأحزاب السياسية الأخرى التفاوض على إنهاء أزمة بشأن اقتسام السلطة تهدد باحياء التوترات الطائفية، ودخلت الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية العراقية في أزمة منذ انسحاب آخر جندي امريكي من العراق في ديسمبر كانون الاول حيث يسعى خصوم المالكي في الوقت الحالي إلى سحب الثقة من رئيس الوزراء الشيعي، وقال متحدث حكومي ان بيان المالكي ليس دعوة فورية لإجراء انتخابات مبكرة وانما إشارة إلى الأحزاب السياسية الأخرى لدفعها للتفاوض بشأن الأزمة الحالية وإلا واجهت انتخابات مبكرة، وقال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء العراقي إنه إذا رفضت الأحزاب الأخرى الجلوس على مائدة المفاوضات وأصرت على خلق أزمة بعد أزمة فان رئيس الوزراء سيجد نفسه مضطرا للدعوة لانتخابات مبكرة، ومن الممكن ان يحقق المالكي واتباعه مكاسب في الانتخابات القادمة مع الوضع في الاعتبار الطبيعة المفككة للاحزاب التي يدعمها السنة والاكراد، ومن غير المقرر اجراء انتخابات برلمانية في العراق قبل 2014 لكن الحكومة الائتلافية الحالية غارقة في تشاحن سياسي منذ تشكيلها قبل 18 شهرا بعد انتخابات غير حاسمة عام 2010 في العراق العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك)، وينص الدستور العراقي على سلطة رئيس الوزراء في دعوة الرئيس إلى حل البرلمان وهو ما من شأنه فتح الباب لاجراء انتخابات مبكرة خلال 60 يوما. بحسب رويترز.

ويتهم خصوم المالكي مدرس اللغة العربية السابق بالهيمنة على السلطات في الدولة ويقولون انه لم ينفذ الاتفاقات لتقاسم المناصب الوزارية في الحكومة خاصة فيما يتعلق بوزارتي الدفاع والداخلية، وقال النائب في البرلمان حيدر الملا الذي ينتمي لكتلة العراقية المعارضة الرئيسية ان المالكي يصبح ديمقراطيا فقط عندما تخدم الديمقراطية مصالحه لكنها اذا تقاطعت مع مصالحه يبدأ في التحدث بأسلوب دكتاتور، وقال ان حزبه سيحترم قرار الاغلبية ودعا المالكي إلى احترام الدستور، ونجح المالكي حتى الان في التصدي لمحاولات الاطاحة به حيث أن كتلة العراقية المدعومة من السنة أساسا والنواب الأكراد وبعض الحلفاء الشيعة لرئيس الوزراء يجدون صعوبة في حشد الأغلبية المطلقة من النواب اللازمة لاجراء تصويت على سحب الثقة من حكومته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/آب/2012 - 4/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م