تركيا تغرق في الوحل السوري بعد ان استنفدت وسائلها

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يرى الكثير من المراقبين ان تركيا باتت بمكان لا تحسد عليه، خصوصا بعد استعصاء المشروع الخليجي الغربي الرامي الى اسقاط الاسد والحكومة السورية، على الرغم من التكلفة والجهود الباهظة التي تكبدتها تلك الاطراف.

فتركيا تدرك ان جميع استنتاجاتها بخصوص الازمة السورية اثبتت عدم صحتها اسوة بالنصائح التي تلقتها من الانظمة المناوئة للأسد، ومما فاقم حراجة الموقف التركي انها لم تعد قادرة على حماية نفسها او الحد من الاثار الجانبية لمشروع اسقاط الاسد، بعد ان انقلبت الكثير من اجندات السحر على الساحر، وفرزت الكثير من التهديدات الجدية لأمن تركيا الداخلي والخارجي بشكل مباشر وخطير، الى جانب خسارتها ثقة الكثير من الدول المؤثرة سياسيا واقتصاديا.

حيث باتت أنقرة تشعر بالقلق من ان حزب العمال الكردستاني يستغل الفوضى في سوريا لتوسيع نفوذه، وعبر وزير الخارجية التركي عن خشيته من ان تصبح سوريا معقلا لما اسماه "لارهابيي حزب العمال الكردستاني او القاعدة".

وفي تصريح يكشف عمق الازمة التي تمر بها الحكومة التركية قال داود اغلو الذي تحارب بلاده حزب العمال الكردستاني منذ 1984 ان "لا مجال لشغور للسلطة في سوريا" قد يستفيد منه متمردو حزب العمال الكردستاني مشددا على ان الفترة الانتقالية يجب ان تنتهي في اسرع وقت في سوريا.

وتدهورت العلاقات بين أنقرة ودمشق الى أدنى مستوى بعد سنوات أقامت خلالها تركيا "علاقات جوار جيدة" مع الاسد وخففت القيود على الحدود وشاركت في مناورات عسكرية مشتركة.

وأصبح رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان الان واحدا من أشد منتقدي الاسد وطرح امكانية التدخل العسكري في سوريا اذا أصبح حزب العمال الكردستاني يمثل تهديدا هناك.

ووفرت تركيا ملاذ آمنا لمنشقين عسكريين سوريين، أقاموا قواعد لما يسمى الجيش السوري الحر في جنوب تركيا وحصل بعضهم على تدريب من جانب ضباط أتراك وقطريين وسعوديين يعملون من قاعدة سرية قرب مدينة أضنة.

كما سهلت ولا تزال تدفق المقاتلين القادمين من دول عربية، وصفوا بالمتشددين، فيما اكدت العديد من التقارير الاعلامية على ان تنظيمات القاعدة باتت تنتشر على الحدود التركية السورية، بعد ان قررت انقرة غض النظر عن تواجدهم هناك.

فيما اتهم اردوغان مؤخرا دمشق بعد ان قطعت انقرة علاقاتها به بانه "سلم" العديد من المناطق في شمال سوريا الى حزب العمال الكردستاني محذرا من ان تركيا قد تمارس حقها في مطاردة هؤلاء المتمردين في سوريا. بحسب رويترز.

واشتدت الاشتباكات بين الجيش التركي ومتمردي حزب العمال في الأسابيع الأخيرة في جنوب شرق تركيا قرب حدود سوريا. وقام أشخاص يُشتبه في انهم من متشددي الحزب بنصب كمين لحافلة عسكرية تركية في اقليم إزمير الغربي وقتلوا جنديا وأصابوا 11 شخصا آخرين على الاقل.

وفي مقابلة مع صحيفة تركية مطلع يوليو تموز نفى الاسد ان تكون سوريا سمحت لحزب العمال الكردستاني بالعمل على اراضي سورية قريبة من الحدود التركية.

وتشتبه تركيا في ان حركة كردية سورية هي حزب الوحدة الديمقراطي الكردي له صلات بحزب العمال الكردستاني. ويعتقد محللون أتراك ان الاسد سمح لحزب الوحدة الديمقراطي بالسيطرة على الامن في بعض البلدات في شمال سوريا لمنع السكان المحليين من الانضمام الى ما يسمى بالجيش السوري الحر.

وتركيا منزعجة من النفوذ المتنامي لحزب الوحدة الديمقراطي وتشتبه في أن له صلات بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض منذ 28 عاما صراعا انفصاليا في تركيا أسفر عن سقوط أكثر من 40 ألف قتيل.

ورفض داود أوغلو مهندس سياسة حسن الجوار التركية (التي لم تعد قائمة)، انتقادات بأن تركيا لم تكن مستعدة للوضع في شمال سوريا. وقال "يوجد ذعر ليس له مبرر. نؤكد اننا توقعنا كل هذا... قوة تركيا على التأثير في سوريا لم تضعف في أي مكان أو في أي حادث."

وحذر حزب الوحدة الديمقراطي الكردي تركيا من التدخل في المنطقة وقال انه ليس لديه ما يخشاه.

الى ذلك كشفت تصريحات أدلى بها اللواء الإيراني الكبير حسن فيروز ابادي والتي أنحى فيها باللائمة على تركيا في إراقة الدماء في سوريا، متهما في الوقت ذاته السعودية وقطر بمساعدة الولايات المتحدة في ذلك، ان أنقرة وطهران باتا على طرفي نقيض، وظهور صراع سياسي اقتصادي بين تلك الدولتين قد يكلف تركيا الكثير.

كما شهد ملف العلاقات مع بغداد توترا غير مسبوق منذ انهيار نظام صدام عام 2003، لوح على إثره العراق بعصى العقوبات الاقتصادية ضد جارته الشمالية، خصوصا ان العراق هو ثاني شريك اقتصادي مع تركيا بعد المانيا، حيث بلغت معدلات التبادل التجاري بين البلدين الى عشرة مليارات دولار سنويا، وسبق للحكومة العراقية ان اعربت عن احتجاجها بوصف رئيس الوزراء التركي بالسلطان العثماني الجديد، نظرا لما اعتبرته سياسات مشبوهة تمارسها أردوغان.

وأرسلت تركيا عربات مدرعة وبطاريات صواريخ إلى مناطق تقع على حدود المناطق الكردية في شمال سوريا، ولم تظهر دلالة على أن القوات التركية ستعبر الحدود لكن تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي حذرت من أن أي هجوم ينشأ عن وجود لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا قد يعطيها مبررا للتدخل. وشنت أنقرة قصفا متكررا على شمال العراق الذي يديره الأكراد وأرسلت قوات إلى المنطقة التي توجد فيها معسكرات لحزب العمال الكردستاني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/آب/2012 - 4/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م