مفاهيم نفسية وتأثيرها على الانسان

علي اسماعيل الجاف

التبرير

هو نوع الأليات العقلية التي ترمي الى مواراة النزاعات الخبثية عن طريق المغالطة اللاشعورية في الإفصاح عن الدوافع الحقيقية.

وهو حيلة دفاعية تقي الأنسان من الاعتراف بالفشل أو الخطأ أو العجز، كما يحدث عندما يصدر عن الفرد تصرفات صادرة عن دوافع غير مقبولة اجتماعيا، فيصمد تفسير سلوكه تفسيراً يبين لنفسه وللناس ان سلوكه له أسبابه المعقولة المقبولة من المجتمع. وليس معنى هذا ان يكون السلوك نفسه مقبولا ولكن التبرير يعني أننا نبرر سلوكناً متى يبرر في نظرنا ونظر الناس معقولاً ويعفينا من الاعتراف بالدوافع الحقيقية غير المقبولة.

وللتبرير طرق للحصول عدة منها اعتذار الفرد عن فشله في الحصول على شيء بأنه لا يميل الى هذا الشيء أو يكرهه. وكمثل السكير الذي يبرر استمراره في احتساء الخمر بأنه يساعده على النوم أو المقاومة للبرد أو بمناسبة عيد الميلاد أو أنه شراب جديد وأنه يرغب في تجربته من باب العلم بالشيء... الخ، تلميذ يكره المدرسة (دافع لا شعوري غير مقبول اجتماعيا) ويتأخر عن المدرسة كثيراً، مبرراً تأخره بمرض والدته أو عدم إيقاظها اياه في الموعد المناسب، ومن الآباء من يبرر عقابهم الشديد لأطفالهم بأن ذلك لصالحهم في حين ان الدافع الحقيقي هو تصريف غضب الآباء. والطالب الذي رسب في الامتحان ويعيد العام الدراسي مقنعاً نفسه في الإعادة إفادة.

من هذا نرى ان التبرير حيلة يدافع بها عن نفسه ما يؤذيها ويسبب لها القلق. هو حيلة يتنصل بها الفرد من عيوبه ومتاعبه ويموه عليها. هو حيلة يلجأ أليها كل مقصر أو فاشل أو معتد أو عاجز أو مخطئ وهو حيلة مشاعة بين الكبار والصغار خاصة بين من تناقض أفعالهم ما لديهم من مبادئ خلقية ومن ينساقون وراء عواطفهم ونزواتهم وعاداتهم الضارة.

الاعلاء

وهي حيلة يسعى بها الفرد الى الارتفاع بالدافع أو الرغبة أو العاطفة المكبوتة الى مستوى أرفع أو أعلى أو أسمى.

فهي عملية تحويل الطاقة النفسية من ميدان وتوجيهه الى ميدان أخر أبعد مدى في جلب القبول الاجتماعي. فالشخص الذي يشعر بدافع عدواني قد يعلى هذا الدافع الى أعمال اجتماعية مقبولة مثل الصيد أو الملاكمة أو قطع الأشجار الى بعض ذلك المهن كالجراخة أو الجزارة، والشخص الذي يخفق في دراسته قد ينقلب الى رجل أعمال ناجح والمراهق الذي يلجأ الى التفوق في الفن أو الرياضة هو أعلاء للدافع الجنسي الذي يخفق في اشباعه فالشخص الذي يحال بينه وبين اشباع الدافع الجنسي قد يقوم في اعلائه ويلجأ الى كتابة القصص الغرامية أو الشعر أو عمل اللوحات الفنية وفي اعلاء تصريف كالطاقة الجنسية المكبوتة أو أنقاص من حدة التوتر. ولكنه ليس تصريفاً كاملاً ولا انقاصا تاماً وذلك لأن الإشباع الجنسي لا يحقق الدافع الجنسي وحده وإنما يحقق كذلك كثير من الدوافع الأخرى المرتبطة به مثل الحاجة الى الرفيق والرغبة في الاعتماد على الغير والأبوة والسيطرة، وهذه الدوافع لا يمكن اشبعاها بالسلوك البديل الذي أعلينا به الدافع الجنسي.

الكبت

الكبت هو حيلة هروبية تلجأ اليها الانا لطرد الدوافع والذكريات والأنكار الشعورية المؤلمة أو المحزنة وإكراهها على التراجع اللاشعور أو (العقل الباطن) فنحن نكبت ما يسبب لنا الضيق والألم وما تعانيه ذواتنا الشاعرة، وما يضر بمصالحنا في المجتمع وما يتنافى مع المثل الأخلاقية والجمالية وكل ما من شأنه ان يخرج كبريائنا أو يمس احترام أنفسنا. والجزء اللاشعوري من (الانا) هو الذي يقوم بعملية الكبت، يقوم بها باملاء من (الانا الأعلى) دون ان تعلم بها الذات الشاعرة ولذا يعتبر الكبت عملية لا شعورية أو حيلة دفاعية يدافع بها الفرد عن نفسه كلما يزعجه أو يجرح كبريائه أو يمس تقبل المجتمع له، ويمنع بها الدوائر الثائرة المحظورة – وخاصة الدوافع العدوانية والجنسية – ان تتحقق بصورة صريحة مباشرة يمكن ان تضده أو تؤثر على صلاحه في المجتمع.

وفي هذه الرغبات والنزوات التي يكبتها الفرد تصبح في حظيرة اللاشعور مستقرة بدون حدود زمانية أو مكانية بالمعنى الذي تفهمه الذات الشاعرة وتظل متحركة فيه لا تموت، تعمل على الخفاء وتلح جاهرة في الظهور، وقد يبدو أثرها في السلوك الظاهري بصورة صريحة كبعض فلتات اللسان أو زلات القلم، أو تظهر بصورة رمزية كالأحلام أو بصورة شاذة كأعراض الأمراض النفسية واضطرابات شخصية والانحرافات الخلقية والمشكلات السلوكية وغيرها.

ولا شك ان للكبت أثار ضارة متعددة. فالدفاع المكبوت لا يبقى خاملاً بل يعمل باستمرار على دخول مجال الشعور، فتظل المعركة مستمرة بين الدفاع المكبوت والقوى المسببة للكبت التي تعمل على طمسه. وفي ذلك استنزاف للطاقة النفسية مما قد يترتب عليه تعباً جسمانياً مستديماً ليس له أي سبب فسيولوجي ظاهر، أو غير ذلك من الأثار التي قد يكون بعضها ضار والبعض لا ضرر له.

ولكي نوضح بعض الأثار التي قد تترتب على الكبت في المثال التالي:

لو ان فتاة لها شقيقة أجمل مظهراً منها بشكل يؤثر عليها بين الناس يحوطها المعجبون أينما حلت فأن هذه الفتاة ستعاني ولاشك من الغيرة من شقيقتها فاذا كانت في قرارة نفسها تميل الى الإحساس بالغيرة ولكنها تصر على عدم الإفصاح عنها، فأنها في الغالب ستكبت هذه الغيرة مما قد يترتب عليه أحد أمرين أو هما معا: فهي قد تنمي ازاء شقيقتها سلوكاً ودياً للغاية أو قد تلحق بها أذى أو ضرر بحيث تعتقد مخلصة بأن هذا الضرر لم يكن مقصوداً رغم أنه في الحقيقة سلوك مصدره تلك الغيرة اللاشعورية.

والغيرة أو العداء المكبوت الذي يظهر بصورة مودة مبالغ فيها هو أحد نتائج الكبت التي تعرف بالتحويل العكسي حيث تظهر النزعة المعارضة للنزعة التي كيفت بشكل مغال فيه يظهر الحب المكبوت بصورة عداء شديد.

الاسقاط

حيلة لا شعورية تتلخص في ان ينسب الشخص عيوبه ومناقصه ورغباته المستكرهة ومخاوفه المكبوتة التي لا يتعرف بها، الى غيره من الناس أو الأشياء أو القدر أو سوء الطالع وذلك تنزيهاً لنفسه وتخففاً مما يشعر به من القلق أو الخجل أو النقص أو الذنب فترى الكاذب أو الجحود أو الأناني أو المتعصب الذي لا يشعر بوجود هذه الصفات في نفسه ينسب الكذب أو الجحود أو الأنانية أو التعصب الى غيره. والزواج الذي تنطوي نفسه على رغبة مكبوتة في حياته يميل الى اتهام زوجته بالخيانة وكثيراً ما يكون ارتياب الفرد في الناس وعدم ثقته فيهم اسقاطاً والارتياب في نفسه وعدم ثقته فيهم. ومن مظاهر الأسقاط وعظ الناس وإرشادهم الى تقويم أنفسهم من عيوب يتسم بها الواعظ وهو لا يدري. بل كثيراً ما يكون مفيداً أخطاء الناس دليلاً على عقدة ذنب... فبالاسقاط نحكم على أنفسنا حين نحكم على الغير... أنها اعترافات أكثر من ان تكون اتهامات.

والاسقاط واضح كل الوضوح في كثير من الأمراض العقلية اذا يسقط المريض رغباته الدفينة وشكوكه وكراهيته اللاشعورية على العالم الخارجي فيتخيل اليه أنها صادرة موجودة في نفس الآخرين. فقد تتهم المريضة رجلاً بأنه يحبها ويغازلها ويراسلها في حين أنها هي التي تحبه وتود ان تغازله وان تراسله. والأسقاط يؤدي غرضاً مزدوجاً: فيه تخفف من مشاعرنا ودوافعنا البغيضة ونعمى عن رؤية أنفسنا كما هي عليه في الواقع – لذا كان حيلة خداعية – كما أنه يجعلنا في حل من نقد الناس واتهاماتهم والمبادرة الى لومهم قبل ان يلومونا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/آب/2012 - 25/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م