إسرائيل تهيء لدولة المستوطنين

لا لدولة للفلسطينيين

ماجد الشّيخ

يتواصل الزحف الاستيطاني الرسمي وغير الرسمي (العشوائي حيث يجري تشريعه لاحقا) عبر اقتطاع المزيد من الأرض الفلسطينية وتشريد أصحابها، حتى في المناطق المحسوبة على أنها أراضي الدولة الفلسطينية المفترضة، ما يضع، وقد وضع منذ زمن، ما يسمى "حل الدولتين" على سكة نفي إمكانية إقامتها أو قيامتها، في ظل القضم المتواصل لأرضها ولسيادتها ولمقوماتها كدولة مستقلة ذات سيادة؛ وفي المقابل يجري تهيئة الأرض ديموغرافيا لإقامة دولة الاستيطان والمستوطنين المدعومة من كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ القابلة القانونية لإنشاء مثل هذه الدولة، وذلك في مهمة تاريخية "خلاصية" تقدم لكيان "المشروع القومي الصهيوني" رافعة تطبيق نفي الوجود الوطني الفلسطيني على أرض فلسطين، ومواصلة تخليص الأرض من وجود شعبها تاريخيا عليها، وإحلال سرديات وجود توراتي متخيل، يجري منحه سمات "الوجود التاريخاني" الذي لم يثبت آثاريا حتى اللحظة؛ لا في القدس ولا في غيرها من مناطق الوجود السكاني الذي قطن فلسطين في السنوات التي سبقت أو لحقت بمزاعم التوراة حول وجود المملكة أو الممالك اليهودية ما بعد السبي البابلي.

 آخر خطط ومخططات القضم الاستيطاني المتواصل في الضفة الغربية كما في القدس، ما ابلغ به وزير الدفاع إيهود باراك المحكمة العليا، انسجاما مع تقرير "لجنة ليفي"، عن نية الجيش هدم ثماني قرى في جنوب جبل الخليل، بحجة ان المنطقة هامة جدا لتدريبات الجيش، وتقع حسب ما نشر ضمن "منطقة النار 918". لا سيما في ظل مخاوف من أن يقوم الفلسطينيون بجمع معلومات أمنية حول أساليب الجيش الإسرائيلي، لاستعمالها في عمليات فدائية. وقد أكدت "لجنة ليفي" مجددا ما كانت المحكمة الإسرائيلية العليا قد أكدته منذ العام 1967 من أن أراضي القدس والضفة الغربية التي جرى احتلالها بالحرب، لا ينطبق عليها توصيف "أراض محتلة"، وذلك بزعم أنها لم تكن خاضعة لدولة ذات سيادة؛ ما يبيح للاستيطان والمستوطنين التصرف بها على هواهم.

 وفي الوقت الذي يذكر ان "المنطقة الأمنية الهامة" تشمل اراضي زراعية فلسطينية قرب المستوطنات يمنع أصحابها من الوصول اليها، وذلك بحجة أنها "منطقة نيران" وهو تعبير سبق للحكم العسكري أن استعمله بعد حرب 1948 ضد من تبقى من مواطنين فلسطينيين في وطنهم، بهدف مصادرة أراضيهم، فإن ما يجري اليوم في الضفة الغربية هي محاولة تطبيق مضمون نفس القانون الصادر عن حكم عسكري كان قد ورثه من قانون احتلالي سبق أن أقره الانتداب البريطاني قبل الإعلان عن قيام دولة إسرائيل. وها هي هذه الدولة الاحتلالية/الإحلالية تقوم بتجديده وتجديد مفاعيله الاحتلالية ضد مواطني قسم آخر من الأرض الفلسطينية التي جرى احتلالها عام 1967.

 وفي ما يُشار إلى تضاعف أرقام المستوطنين في المناطق المفترض أن تكون ضمن نطاق الدولة الفلسطينية العتيدة، ثلاث مرات أكثر من الفلسطينيين، يستشري الاستيطان في كافة أرجاء مدينة القدس؛ حيث كشفت معطيات موازنة الحكومة اليمينية الحالية، أنه تم رصد مبلغ يتجاوز المليار ونصف المليار شيكل من الميزانية العامة، لصالح مستوطنات الضفة الغربية والقدس، اضافة الى المصروفات العامة التي توظفها مختلف الوزارات لخدمات المستوطنين.

 هكذا.. وكأن "المشروع القومي الصهيوني" ما برح في بدايته، أو في بواكيره الأولى، فيما الوضع الوطني الفلسطيني والعربي، ما برح على حاله: عجز من جهة وتواطؤ مكشوف؛ أقله مع هذا العجز من جهة أخرى، ودفن للرأس في الرمال. فالمأساة؛ مأساة النكبة يُعاد اليوم إنتاجها من جديد، احتلالا ومصادرة للأرض وتشريدا لأصحابها ولو نحو شتات داخلي أول الأمر، بل ونحو المنافي القريبة والبعيدة؛ فلئن كانت النكبة الأولى بالجملة، فما يجري اليوم ومنذ الأمس القريب وغدا، إنما هو يأخذ طابع التشريد وإعادة التشريد، والاحتلال وإعادة تأكيد الاحتلال بالمفرق.. أو بالتقسيط، كل ذلك ضمن خطط ومخططات معلنة؛ لم تعد تخفى أو تتخفى وتتقنع تحت شعارات وذرائع مضمرة؛ والهدف الواضح والمعلن: إعادة احتلال ومصادرة ما لم يصادر من أراضي الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وإعادة احتلال المناطق الحدودية مع الأردن، وتكريس انفصال المدن والقرى والمخيمات، وقطع تواصلها داخليا وخارجيا عن مناطق الاحتلال الأول (فلسطين عام 1948) ومناطق الاحتلال الثاني (القدس – الضفة الغربية وفي داخل الضفة ذاتها) علاوة على وضع أسس انفصال غزة بالطبع عن باقي مناطق الوطن الفلسطيني. ليقال غدا أن دولة الفلسطينيين هي فقط ما يقع جغرافيا في قطاع غزة؛ أما جغرافية الوطن الفلسطيني أو ما كانته تلك الجغرافيا يوما، فهي لا تعدو أن تكون سوى وطن آخر ذا هوية أخرى.

 في طيات كل هذا يكمن الهدف الصهيوني المتمثل منذ البدء في نفي أي حق للفلسطيني في أرض وطنه، بل في نفي حق تواجده ووجوده كإنسان، وبالتالي نفي الهوية الوطنية الفلسطينية واعتبارها وكأن لم تكن. فقد بات واضحا أن مخططات تجديد "المشروع القومي الصهيوني" لا تتضمن فقط نفي إمكانية قيام دولة فلسطينية محدودة ومحددة في إطار ما اتفق عليه في أوسلو، بل أضحى واضحا أن المطلوب نفي ملكية الفلسطيني لأرضه، أو بيته أو أية أملاك هي ملك آبائه وأجداده منذ آلاف السنين. وهذا ما يجري في القدس منذ زمن، وما جرى وسوف يجري تكثيفه وفقا لمخططات هدم القرى والاستيلاء على المزيد من الأراضي في الضفة الغربية؛ وتشريد المزيد من المواطنين الفلسطينيين ولو إلى مناطق شتات داخلي، أو الدفع بهجرات لها طابع الترانسفير الفردي أو الجماعي إلى الخارج، جراء المضايقات والضغوط الاحتلالية المتواصلة، ضد أفراد وعائلات وجماعات هنا أو هناك أو هنالك من الأرض الفلسطينية.

 هي دولة المستوطنين إذن ما يجري التهيئة لها، في كامل مساحة ما يفترض أنها ارض الدولة الفلسطينية، فما العمل إزاء ما يجري من تدابير يمينية متطرفة، تقودها حكومة من أعتى حكومات اليمين المتطرف في تاريخ إسرائيل منذ إنشائها، ورغم ذلك هناك من يحلم بمفاوضات يمكن أن تفضي إلى دولة مستقلة، بينما هناك في الوضع الوطني الفلسطيني، من يحلم بأن تكون غزة هي نهاية مطاف "دولة فلسطينية" بمواصفات "عقيدية ربانية"، فيها الكثير من الوهم أو الأوهام بأن تكون عاصمة "خلافة"؛ بالتأكيد سيطول انتظارها؛ كانتظار غودو.. بكل ما يحمله هذا الانتظار من كوارث ونكبات متجددة؛ موصوفة ومشهود لها أنها من صنيعة أو صنائع بعض "الأقربين" المتمرنين، إلى جانب العدو أو جبهة مجموع الأعداء المتمرسين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/آب/2012 - 25/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م