مانديلا في عقده المائة... سيرة تكللها العطاء

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يعد نيلسون روليهلالا مانديلا الرئيس الأسبق لجمهورية جنوب إفريقيا أحد أبرز المناضلين والمقاومين لسياسة التمييز العنصري التي كانت متبعة في جنوب إفريقيا، اذ انه  دائما ما اعتبر مانديلا أن المهاتما غاندي المصدر الأكبر لإلهامه في حياته وفلسفته حول نبذ العنف والمقاومة السلمية ومواجهة المصائب والصعاب بكرامة وكبرياء، حيث  بدأ مانديلا النشاط السياسي في معارضة نظام الحكم في جنوب إفريقيا الذي كان بيد الأقلية البيضاء، وذلك أن الحكم كان ينكر الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا، حتى اصبح اليوم اشهر سجين سياسي في العالم بعد ان امضى 27 عاما في سجون نظام التمييز العنصري، فقد أحيت جنوب افريقيا الذكرى الخمسين لاعتقال زعيمها نلسون مانديلا، وفي مناسبة أخرى أطفئ نلسون مانديلا شمعته الرابعة والتسعين، في وقت لم تعد فيه هذه المناسبة شخصية وعائلية بقدر ما اصبحت عيدا كبيرا في جنوب افريقيا ومناسبة لانطلاق نشاطات ونقاشات بشأن افضل السبل لمواصلة نضاله من أجل المصالحة الوطنية، كما أنه قرر العودة مؤخرا إلى مسقط رأسه وقد تكون العودة هذه المرة نهائية، وتبقى اجواء الاحتفال في جنوب افريقيا مستمر بفضل رائد العدالة مانديلا وانجازاته التي حققتها من اجل جنوب افريقيا.

عيد ميلاد مانديلا الرابع والتسعين

فقد تمنت جنوب افريقيا عيد ميلاد سعيدا لنلسون مانديلا بمناسبة بلوغه الرابعة والتسعين في يوم دعي فيه الجميع الى التكثيف من اعمال الخير تكريما لاول رئيس اسود للبلاد عرف بتفانيه في سبيل الاخرين، وانطلقت الاحتفالات في كل مدارس جنوب افريقيا حيث انشد اكثر من 12 مليون طفل عند الساعة الثامنة (الساعة السادسة ت.غ.) "هابي بيرثداي" خاص للرئيس السابق مرفقة ب "وي لاف يو تاتا" (نحبك ايها الاب)، وكانت مؤسسة مانديلا ووزارة التربية ووسائل اعلامية عدة دعت كل سكان جنوب افريقيا الى ان يحذو حذوهم اذ ان الفكرة تقوم على تحطيم الرقم القياسي لاكبر جوقة في العالم مع 20 مليون منشد، وبمبادرة من مؤسسة مانديلا اصبح 18 تموز/يوليو "يوم مانديلا" (مانديلا داي) الذي باتت تعترف به الامم المتحدة منذ ثلاث سنوات كنداء عالمي يدعى فيه الناس الى تكريس 67 دقيقة من وقتهم لمساعدة الاخرين وفقا للقيم التي دافع عنها اول رئيس اسود لجنوب افريقيا، والدقائق السبع والستون هذه التي قد يمضيها الشخص في طلاء مدرسة او تنظيف متنزه او مساعدة نزلاء مستشفى للمسنين، تشكل السنوات التي امضاها مانديلا في نضاله السياسي، جامعة فيتفاترسراند (فيتس) في جوهانسبورغ حيث نال مانديلا شهادة في الحقوق، زايدت على ذلك داعية طلابها الى ان يكرسوا 94 دقيقة لهذه الاعمال، وفي هذا الاطار بادرت زعيمة المعارضة هيلين زيله الى مرافقة دورية ليلية في حي تزرع فيه عاصبات الرعب فيما سيسلم بوناناغ نغوينيا المسؤول الثاني في الشرطة كراسي نقالة الى اطفال معوقين، في مدرسة في سويتو زارتها، قال مديرها بول راميلا متوجها الى التلاميذ "انه يوم مهم جدا لنا جميعا. (..) نحن هنا لنحتفل بميلاد شخص مهم جدا، شخص حررنا من الفصل العنصري، واضاف "مانديلا كرس 67 عاما من حياته من اجل تحسين حياة الاخرين. لقد قام بالكثير من اجلنا"، وتتوالى البرقيات من جنوب افريقيا والخارج مهنئة مانديلا بعيد ميلاده. وقد اشاد الرئس الاميركي باراك اوباما وزوجته ميشال ب"ارادته الحديد" و "استقامته الكاملة" و"تواضعه"، وفي فرنسا سيرفع اطفال لافتة عند اطلاق دورة فرنسا للدراجات في بو (جنوب غرب)، اما الامين العام للامم المتحدة بان كي مون فاعتبر ان "نلسون مانديلا كرس 67 عاما من حياته من اجل حمل التغيير الى الجنوب افريقيين. هديتنا له يجب ان تكون تغير العالم لجعله افضل"، وفي حين تحتفي جنوب افريقيلا بالرجل الذي جنبها حربا اهلية وجسد حلم بلد متعدد الاعراق، شدد كاتبو افتتاحيات ومخضرمون في مكافحة الفصل العنصري على ان التحرك الحالي للمؤتمر الوطني الافريقي حزب مانديلا، يحيد عن المثل التي نادى بها، وخلال ندوة على شرف مانديلا اشاد فرانك شيكان (61 عاما) المناضل المخضرم، بالرجل العظيم لكنه انتقد الحزب الحاكم منذ العام 1994. بحسب فرانس برس.

واوضح "كان نهج قيادة غير قابل للمساواة او الارتشاء. الناس كانوا مستعدين للموت. لم تكن هناك مناقصات ومنازل وسيارات فارهة. اما الان فالشباب والكبار على حد سواء من كوادر الحزب يكافحون من اجل السلطة والظفر بالمناقصات"، وسيحتفل نلسون مانديلا بعيد ميلاده محاطا بافراد عائلته في دارته في كونو (جنوب شرق)، مسقط رأسه حيث بات يمضي غالبية وقته الان، وقد تصدرت صوره الصفحة الاولى لكل الصحف في جنوب افريقيا مع زيارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون له، ويبدو رمز النضال ضد الفصل العنصري في صحة جيدة في هذه الصور، وقالت حفيدته نديليكا لصحيفة "ذي سويستان" انه سيتناول بمناسبة عيد ميلاده الكروش (معدة الحيوان) وهو طبقه المفضل، وترأس مانديلا جنوب افريقيا من 1994 الى 1994 بعدما امضى 27 عاما وراء القضبان في ظل نظام الفصل العنصري. وقد انسحب من الحياة السياسية العام 2004. وبسبب وضعه الصحي الضعيف لا يشارك الا نادرا في مناسبات عامة الان. وكان اخرها حضوره المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم في جوهانسبورغ في تموز/يوليو 2010.

ذكرى الخمسين لاعتقال مانديلا

في سياق متصل تحيي جنوب افريقيا ذكرى مرور نصف قرن على اعتقال بطلها نلسون مانديلا قرب دوربان ليصبح اشهر سجين سياسي في العالم بعد ان امضى 27 عاما في سجون نظام التمييز العنصري، وسيتم في المكان ذاته الذي تم توقيف مانديلا فيه تدشين نصب تذكاري وذلك بحضور رئيس جنوب افريقيا جاكوب زوما، ومانديلا البالغ من العمر 94 عاما كان تم توقيفه من قبل الشرطة في 5 آب/اغسطس 1962 قرب هويك على بعد مئة كلم شرقي دوربان وذلك حين كان عائدا سرا من جوهانسبورغ بعد زيارة لتلك المدينة الكبيرة شرق البلاد. ولم يفرج عنه الا في 11 شباط/فبراير 1990، وكان مانديلا وصل لتوه من رحلة طويلة جاب خلالها بلدان افريقيا المستقلة حديثا وصولا الى لندن. واسهمت هذه الرحلة في التعريف به وبقضية بلاده على الساحة الدولية، وفي جنوب افريقيا ذاتها اصبح موضوع اثارة في الصحف المحلية بسبب ظهوره واختفائه المفاجئين في احد الاماكن في الوقت الذي تجد الشرطة فيه في طلبه، وكان مانديلا اسس قبل ذلك باشهر الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الافريقي الذي كان تم حظره في 1960، وذلك بهدف زعزعة سلطات البلاد من خلال عمليات حرب عصابات، وفي دوربان كان قدم للمناضلين المحليين في الجناح المسلح ولالبير لوثولي رئيس المؤتمر الوطني الافريقي، تقريرا عن رحلته في الخارج، وكان متنكرا في شكل سائق ودخل جوهانسبورغ باسم مستعار هو ديفيد موتساماي في سيارة المخرج المسرحي الابيض البشرة سيسيل ويليامز، وكان للمفارقة يجلس مكان الراكب (وليس السائق) ويناقش امكانيات الهجوم على خط السكك الحديدية الموازي للطريق حين اوقفته الشرطة على بعد مئة كلم من دوربان، وروى مانديلا اثناء زيارة للمكان في 1993 "محاولتي الفرار كانت تنطوي على مخاطرة (..) وقدرت ان اللعبة قد انتهت"، واضاف "تمت عملية التوقيف بلياقة كبيرة وبكل ادب. كان الشرطي يقوم بواجبه وقام به بموجب القانون"، ولم يعرف ابدا من وشى بمانديلا، وقال المحامي جورج بيزوس احد اقاربه "لم يكن يتعرف عليه اصدقاؤه بمن فيهم انا لانه يدرك انهم موضع مراقبة وملاحقة". واضاف "كان مفاجئا معرفة انه تم توقيفه في هويك (..) وعرفنا لاحقا انه لم يكن حذرا كفاية"، ونال مانديلا شهرة من خلال تامينه دفاعه عن نفسه خلال محاكمته التي لبس اثناءها اللباس التقليدي المصنوع من جلد فهد، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات لتنظيمه مؤتمرا محظورا ولخروجه من البلاد بدون ترخيص قبل الحكم عليه بالسجن المؤبد في 1964 بعد ان اكتشفت السلطات انه كان رئيس الذراع المسلح، بالطبع لم يكن هناك شيء يشير اثناء سنوات حكم الفصل العنصري الى مكان توقيف مانديلا على الطريق القديمة بين دوربان وجوهانسبورغ التي اصبحت طريقا سريعة، واقيم نصب تذكاري متواضع في 1996 لم يعد يظهر بعد اقامة المنحوتة الضخمة التي ستدشن والمكونة من خمسين قضيبا من المعدن ترمز الى سنوات السجن. وقبالة المعلم يمكن من خلال لعبة اضاءة رؤية صورة اول رئيس اسود لجنوب افريقيا. بحسب فرانس برس.

وافتتح العام الماضي في المكان معرض مؤقت عبارة هو نموذج مصغر لمعرض متحف الفصل العنصري في جوهانسبورغ، وذلك بانتظار بناء متحف، واقيم في المكان مقهى ومتجر للتذكارات. كما تركزت فيه بائعات مطرزات موشاة بحلي الزولو وكذلك شركة لنزهات الذواقة يمكن ان تستضيف الراغبين في الزواج، وقال فارني هاريس ماسك ارشيف مؤسسة مانديلا ان ذكرى اعتقال مانديلا "تذكر البلاد باهمية الطريق التي تم قطعها"، واضاف ان "الماديبا (اسم قبيلة مانديلا الذي اصبح يستخدم تحببا للاشارة الى الجنوب افريقيين) يعيشون حاليا في جنوب افريقيا ديموقراطية في حين كان يتعين عليهم قبل خمسين عاما القتال من اجل الحرية"، وتابع "حتى اذا كان لا يزال علينا مواجهة الكثير من التحديات والحياة لا تزال صعبة للكثير من الجنوب افريقيين، فقد قطعنا شوطا" مهما، وستشهد الذكرى ايضا في 26 اب/اغسطس تنظيم ماراثون مانديلا الذي ينتهي عند النصب الجديد.

مسقط رأسه

على الصعيد نفسه عاد الرئيس الجنوب إفريقي السابق نلسون مانديلا إلى بلدة كونو مسقط رأسه في إقليم كاب الشرقي (الجنوب)، بحسب ما كشفت الرئاسة الجنوب إفريقية في بيان لها، وكان بطل الكفاح ضد نظام الفصل العنصري البالغ من العمر 93 عاما يقطن في منزله في جوهانسوبرغ منذ نهاية كانون الثاني/يناير. وأشار الناطق باسم الرئيس ماك ماهاراج في بيان موجز إلى أنه "في الأشهر الأخيرة، تم ترميم منزل الرئيس السابق مانديلا في كونو"، داعيا وسائل الإعلام إلى احترام خصوصية الرئيس السابق وحياة عائلته الخاصة، وكانت وكالتا أنباء دوليتان قد أثارتا حفيظة السلطات في كانون الأول/ديسمبر بعد أن وضعتا آلات تصوير في منازل سكان في كونو لالتقاط صور في اليوم الذي يكون فيه نلسون مانديلا في أسوأ حالاته، تولى نلسون مانديلا رئاسة البلاد بين العامين 1994 و 1999، بعد أن أمضى 27 سنة في السجن في عهد نظام الفصل العنصري، وانسحب من الحياة السياسية في العام 2004. بحسب فرانس برس.

ولم يعد أول رئيس أسود للبلاد يشارك كثيرا في المناسبات الرسمية بسبب هشاشة صحته، وتترقب وسائل الإعلام المحلية والدولية على حد سواء أي مؤشر يدل على تدهور وضعه الصحي، ويعود ظهوره العلني الأخير إلى المباراة النهائية لكأس العالم في كرة القدم التي نظمت في جوهانسبورغ في تموز/يوليو 2010. أما ظهوره الأخير في وسائل الاعلام الجنوب إفريقية فيعود إلى 7 تشرين الثاني/أكتوبر 2011 خلال الاحصاء السكاني، وفي نهاية شباط/فبراير، أدخل نلسون مانديلا المستشفى لفترة وجيزة بسبب آلام في البطن. وخرج من المستشفى بعدما أجرى فحوصات معمقة لم تكشف عن أي مرض خطير.

اول ظهور اعلامي منذ دخوله المستشفى

من جانب أخر ظهر زعيم جنوب أفريقيا الاسبق نيلسون مانديلا على التلفزيون يتسلم شعلة احتفالا باليوبيل المئوي لحزبه المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم وذلك في أول ظهور اعلامي له منذ دخوله المستشفى في فبراير شباط، وتحدث مانديلا -بطل محاربة التمييز العنصري البالغ من العمر 93 عاما -بايجاز خلال الحفل الذي جلس فيه محاطا باسرته في منزله الريفي ببلدة كونو قائلا "اعتدت ان اكون زعيما لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي" وعبر عن سعادته بحمل الشعلة، ويعاني مانديلا الذي نقل الى المستشفى في فبراير الماضي من ضعف عام ونادرا ما يظهر في لقاءات عامة خلال السنوات القليلة الماضية. وكانت اخر مرة ظهر فيها تلفزيونيا في اكتوبر تشرين الأول من العام الماضي عندما تم تصويره وهو يملأ نموذجا للتعداد السكاني بمنزله في جوهانسبرج، وانتقل مانديلا الذي منح جائزة نوبل للسلام لدوره في انهاء التمييز العنصري على أيدي الاقلية البيضاء في وقت سابق من هذا الاسبوع إلى كونو بجنوب شرق البلاد حيث ولد ونشأ، ورغم تنحيه في نهاية فترته الرئاسية الاولى عام 1999 لايزال مانديلا وهو أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا يحتل مكانة كبيرة في نفوس شعبه. بحسب رويترز.

اغتيال مانديلا

الى ذلك ادين شخص عد العقل المدبر لمؤامرة دبرها رجال بيض لاغتيال نيلسون مانديلا، اول رئيس اسود في جنوب افريقيا، بتهمة الخيانة، وقضت محكمة في بريتوريا بأن قائد مجموعة بويرماغ، مايك دو توا، الذي وقف وراء تفجير 9 قنابل في بلدة سويتو بجوهانسبرغ عام 2002، وبذا يكون أول شخص يتهم بارتكاب الخيانة في جنوب افريقيا منذ انتهاء حقبة حكم الاقلية البيضاء فيها عام 1994، ويقول محللون إن العلاقات العرقية ما زالت متوترة في جنوب افريقيا،  ويضيفون ان الجماعات المتطرفة مثل بويرماغ لا تحظى سوى بدعم قليل، ونطقت المحكمة العليا في بريتوريا بحكمها ضد دو توا الاكاديمي السابق بعد محاكمة دامت تسع سنين، ونقلت وكالة افريكان برس اسوشييشن عن القاضي إبين جوردان قوله ان دو توا قد كتب برنامج عمل للثورة يهدف الى طرد معظم السود من جنوب افريقيا وقتل اي شخص منهم يقف في وجه هذا المسعى. بحسب البي بي سي.

وقال شهود امام المحكمة ان جماعة بويرماغ قد قامت بعدد من الهجمات بالقنابل في سويتو في عام 2002 ، وقتلوا شخصا واحدا، كما خططت الجماعة للقيام بانقلاب واغتيال نيلسون مانديلا الذي كان قضى27 عاما في السجن قبل انتخابه رئيسا عام 1994، حيث عمل كقوة موحدة في المجتمع بعد عقود من حكم الاقلية البيضاء، وقال الشهود إن الجماعة خططت لاغتيال عدد من البيض الذين يعارضون رؤيتهم لدولة قائمة على عرق واحد نقي، ويحاكم الى جانب دو توا نحو 20 شخصا اخر، الا أن المحكمة لم تبت بقضاياهم وتصدر احكامها عليهم بعد، وقدم نحو 200 شخص ادلة للدولة عن عمل الجماعة من بينهم مخبرون للشرطة داخل الجماعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/آب/2012 - 20/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م