الذكر الحكيم والفكر الحربى عند سيف الله المسلول

هلال ال فخر الدين

يمكن اعتبار مفتاح شخصية الامام على المثيرة للجدل هي شخصية الفارس حيث نلاحظها وفق ما اختطها في ادوار حياته وممارساته كما يؤكد ذلك الاستاذ العقاد في عبقرية الامام ويؤكد هذه الحقيقة الامام نفسه حين يقول لقد مارستها وانا لم ابلغ العشرين ولان وقد ضرفت على الستين فقد ضرسته تجارب الحروب مع ذؤبان الاعراب واحزاب الكفر والنفاق حتى اعتبر فارس الاسلام وقديسه بجمعه للمتناقضات فهو الضراب بالسيفين والطاعن بالرمحين في سوح الجهاد وهو البكاء الخاشع الناسك في رحاب صومعة الله.. وهنا نرجع بذاكرة تاريخ الجهاد الإسلامي الى غزوة ذات السلاسل نموذجا.

تعتبر غزوة ذات السلاسل من الغزوات البطولية الخطيرة والحساسة التي قادها الإمام علي بجدارة وبسالة وبأمر من رسول الله (ص) بعدما فشل عددٌ من شيوخ الصحابة في تحقيق النصر، وهزيمتهم أمام الأعداء. ومما يدل على عظمة وأهمية الانتصار الذي حققه بطل الاسلام الامام علي حيث ان الله عز وجل أنزل لدوره و فضله في هذه الواقعة سورة العاديات التي تتحدث عنها.

غزوة بذات السلاسل: أما سبب تسمية هذه الغزوة بذات السلاسل فيعود إلى شد المسلمون الأسرى بالحبال، فكانوا كأنهم في السلاسل.

مشاهد ووقائع خائبة: في السنة الثامنة للهجرة النبوية المباركة، أخبر رسول الله (ص) بأن أثنا عشر ألفاً من ذؤبان الاعراب وأعداء الإسلام قد تحالفوا في ما بنيهم، واجتمعوا في منطقة (وادي اليابس) وهم عازمون للتوجه إلى المدينة للقضاء على الإسلام، ومصممون على قتله (ص) أو قتل حامل لواء الهدى الامام علي بن أبي طالب.

كيف عرف المسلمون خطة العدو:

تختلف الروايات في كيفية معرفة الرسول (ص) بخبر تجمع الأعداء وخطتهم، فهناك أقوال ثلاثة:

1. إن الرسول (ص) تعرف على خطة العدو بواسطة الوحي، يقول علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: نزل جبرائيل على محمد (ص) وأخبره بقصتهم، وما تعاقدوا عليه وتواثقوا.

2. إن النبي (ص) كان من عادته إرسال العيون إلى مناطق العدو لرصد تحركاتهم وكشف خططهم في وقت مبكر، ولقد استطاع رسول الله (ص) بواسطة العيون التي بثها في تلك المناطق أن يعرف نوايا الأعداء وما يبيتونه للرسالة قبل أن يتمكن العدو من القيام بتطبيق مخططاته والإغارة على المدينة.

3. إن أعرابياً جاء إلى النبي (ص) وأخبره باجتماع قوم من العرب بوادي الرمل للتآمر عليه وعلى الإسلام، ـ وأضاف ـ بأنهم يعملون على أن يبيتوه بالمدينة.

الرسول القائد يباغت الاعداء ويفشل مخططات التآمر

أمر النبي المصطفي محمد (ص) مؤذنه بأن ينادي في المسلمين: الصلاة جامعة، فعلى مؤذن النبي (ص) مكاناً مرتفعاً ونادى: الصلاة جامعة، فسارع المسلمون إلى الاجتماع في مسجد النبي، فصعد (ص) المنبر وقال في ما قال: «... أيها الناس، إن هذا عدو الله وعدوكم قد عمل على أن يبيتكم فمن لهم...؟ ».

فانتدب شيوخ المهاجرين للدفاع عن الإسلام ومقابلة العدو، فأمر النبي (ص) عليهم أبا بكر، فسار أبو بكر بتلك المجموعة إلى قبيلة (بني سليم) – وقد دعى النبي على هذه القبيلة ولعنها لانها كانت وستبقى راس كل فتنة وكيد للرسالة وهي التي كانت على حلاف مستتر مع ابى بكر لدعمه ومناصرته بعد السقيفة فجأة برجالها الى المدينة فلما ابصرهم ابو بكر مقبلين وهو خارج من السقيفة مع رهطه قال: الان احسست بالنصر !! نظر مصادر التاريخ والسيرة - وكانت قبيلة بني سليم تسكن في شعب واسع، فلما أراد المقاتلون المسلمون أن ينحدروا إلى الشعب عارضهم بنو سليم وقاوموهم، فانسحب أبو بكر، ولم يتمكن من أداء مهمته.

يقول القمي في تفسيره: قالوا ـ أي بنو سليم لأبي بكر ـ: ما أقدمك علينا؟

قال: أمرني رسول الله (ص) أن أعرض عليكم الإسلام فان تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون لكم ما لهم، وعليكم ما عليهم، وإلا فالحرب بيننا وبينكم. فهدده زعماء تلك القبيلة ـ وهم يباهون بكثرة رجالهم ومقاتليهم ـ بقتله وقتل من معه، فارعب لتهديدهم وعاد بجماعته إلى النبي(ص).

غضب الرسول (ص) لعودة الجيش الإسلامي خائباً، فأمر عمر بن الخطاب أن يتولى قيادة تلك المجموعة ويتوجه بها إلى العدو. فتوجه عمر بن الخطاب بالجيش الإسلامي إلى تلك المجموعة المتآمرة، لكن العدو كان هذه المرة أكثر تحسباً ويقظة، ذلك لأن جيش العدو استقر هذه المرة عند فم الوادي وكمن وراء الأحجار وتستر تحت الأشجار بحيث لم يتمكن المسلمون من مشاهدتهم، فباغتوا المسلمين بالخروج مرة واحدة عندما حل الجيش الإسلامي بذلك الوادي.

فلم تتمكن المجموعة الإسلامية من تحقيق النصر في هذه المرة أيضاً، وعادة جحافل المسلمين متقهقرة وأصدر عمر الاوامر بالانسحاب كما فعل الأول من قبل، وعاد الجيش الإسلامي إلى المدينة خائبا مذعورا ومهزوماً ولم يحقق شيئاً.

فاستاء الرسول (ص) من هذه الانكسارات المتلاحقة وكره من عمر هذا الموقف.

وهنا قام عمرو بن العاص وقال: ابعثني يا رسول الله إليهم، فإن الحرب خدعة، فلعلي أخدعهم، فأنفذه رسول الله (ص) مع جحافل من المسلمين لمقابلة العدو، لكنه ما إن وصل إلى الوادي حتى خرج إليه بنو سليم فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة.

احبط المسلمون احباطا شديدا وحزنوا حزنا عميقا للهزائم المتتالية، فعمد رسول الله (ص) إلى ارسال كتيبة من الصحابة ولكن بقيادة سيد الفتيان وفارس الاسلام وكاشف الكرب عن وجه رسول الله سيف الله المسلول الامام علي بن أبي طالب وبعثهم لمناجزة العدو الغاشم.

اسباب نزول السورة لأكابر النواصب

 يذهب علماء السلف مذاهب شتى في سبب نزول سورة العاديات ليبعدوها عن جامع الفضائل والسابق الى المكارم الصديق الاكبر الامام على و يجحدوا الواقع ويزيفوا الحقيقة لكن يأبى الحق الا ان يظهر ويظهر على صفحات من مرد على النصب والعداء لأهل البيت (ابن تيمية الحراني) قال: (في غزوة السلسلة جاء أعرابي فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جماعة من العرب قصدوا أن يكبسوا عليه بالمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من للوائي؟ فقال أبو بكر: أنا له، فدفع إليه اللواء، وضم إليه سبعمائة، فلما وصل إليهم، قالوا: ارجع إلى صاحبك، فإنا في جمع كثير، فرجع، فقال في اليوم الثاني: من للوائي؟ فقال عمر: أنا، فدفع إليه الراية، ففعل كالأول، فقال في اليوم الثالث أين علي؟ فقال علي: أنا ذا يا رسول الله: فدفع إليه الراية، ومضى إلى القوم، ولقيهم بعد صلاة الصبح، فقتل منهم ستة أو سبعة، وانهزم الباقون، وأقسم الله تعالى بفعل أمير المؤمنين فقال: (والعاديات ضبحا) السورة المحدث: ابن تيمية منهاج السنة -: 8/115

لافتى الا على ولاسيف الا ذو الفقار في الميدان:

توجه سيف الله المسلول الامام علي بالجيش الإسلامي إلى العدو، لكنه سلك طريقاً غير معروف، وكان يريد بذلك إخفاء خطته، حتى إن الذين خرجوا معه تصوروا أنه يقصد العراق. نعم استعان علي بالكتمان والسرية والتخفي كتكتيك عسكري، فأخفي كل شيء عن العدو لمباغتته وسلب حذره واستعداده، فكان يسير بأفراده ليلاً ويكمن نهاراً، وكان يستريح خلال النهار حتى دنا من ارض العدو دون أن يشعر العدو بالجيش الإسلامي.

وقبل أن يصل بطل الاسلام الامام علي إلى النقطة الاستراتيجية الحساسة أي مدخل الوادي أمر الجيش بالنزول والاستراحة لاستعادة النشاط واستعداداً لمداهمة العدو على حين غرة، ولكي لا يشعر العدو بالجيش الإسلامي أمرهم بان يكموا أفواه خيولهم حتى لا يسمع العدو صهيلها.

وعند الفجر صلى قديس هذه الامة وراهبها الامام علي بالمسلمين صلاة الصبح، ثم صعد بهم الجبل حتى وصل إلى القمة، ثم انحدر بهم ـ بسرعة فائقة ـ إلى الوادي حيث يسكن طغام واشقياء (بنو سليم) فأحاط المسلمون بهم وهم نيام، فلم يستيقظوا إلا وقد تمكن المسلمون من محاصرتهم، فأسروا منهم فريقاً، وفر آخرون.

وبهذا أرعب العدو إرعاباً شديداً فقد معه توازنه وقدرته على المقاومة ففر من المعركة مخلفاً وراءه غنائم كثيرة استولى عليها المسلمون، وهكذا اكتمل النصر وعاد الجيش الإسلامي بقيادة فارس الاسلام الامام علي إلى المدينة ظافراً منتصرا باذن الله مكللا بغار الفتح والغنائم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/آب/2012 - 20/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م