كوفي عنان... مبعوث اممي أسقطته المؤامرات

 

شبكة النبأ: انتهت مهمة المبعوث الاممي كوفي عنان في سوريا بعد اعلان استقالته من هذه المهمة بسبب بعض الصعوبات والمشاكل الكبيرة التي حالات دون انجاح مبادرة السلام التي دعا اليها، ويرى بعض المراقبين ان انان قد وصل الى طريق مسدود بسبب تعنت بعض الدول الكبرى التي تسعى الى فرض سيطرتها على القرار الاممي يضاف الى ذلك وجود دور تأمري خطير من قبل اطراف اخرى تهدف لاستمرار الصراع في سوريا من خلال دعمها المباشر للجماعات المسلحة وتوفير غطاء شرعي لها ومنكرين في الوقت ذاته شرعية النظام السوري في الدفاع ارضة وسلامة مواطنيه من خلال استخدام وسائل التضليل الاعلامي.  

وأقر كوفي عنان بفشل محاولاته لإحلال السلام في سوريا وألقى باللائمة في الفشل على القوى الكبيرة التي تزعم أنها تؤيده. وكانت سوريا هي أفضل فرصة أمام عنان (74 عاما) لمحو آثار فشل الدبلوماسية في رواندا والبوسنة ودارفور والصومال والعراق وهو الفشل المرجح أن يطغى على إنجازاته من جهود وساطة هادئة ومساع للقضاء على الفقر والايدز مما جعله أهلا للفوز بجائزة نوبل للسلام عام 2001 .

بدا صوت عنان متأثرا عند إعلان تخليه عن مهمة السلام في سوريا وألقى الأمين العام السابق للأمم المتحدة باللائمة على مجلس الأمن الدولي الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا بحق النقض (الفيتو). وقال عنان "عليكم أن تدركوا أنه لا يمكنني بصفتي مبعوثا أن أريد السلام أكثر مما يريده أصحاب القضية أنفسهم وأكثر مما يريده مجلس الأمن أو المجتمع الدولي لأن هذا مهم." وأضاف "في الوقت الذي نحتاج فيه -ويحتاج فيه الشعب السوري بشدة- للعمل يستمر تبادل الاتهامات واللعنات في مجلس الأمن."

تولى عنان مهمة الوساطة في فبراير شباط وكان يرى محاولة حل الأزمة "واجبا مقدسا" لكنه قال إنه يدرك أنه ربما جيء به قبل الأوان أو بعده. وتداعت جهود عنان للسلام بالفعل بعد فشل وقف لإطلاق النار أعلن في 12 ابريل نيسان لكن الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي ظلت تقول إن خطته للسلام هي السبيل الوحيد للمضي قدما مما جعله يبدو كورقة توت تخفي عزوفا عن التحرك.

وقال عنان "على الرغم من أن كثيرين يطلقون عليها اسم خطة عنان فإنها خطة مجلس الامن. أقرت بموجب قرار لمجلس الأمن.. يجب التذكير بهذا وأعتقد أن أعضاء المجلس يجب أيضا أن يتذكروا هذا." واجتمع عنان مع "مجموعة عمل" بشأن سوريا في جنيف يوم 30 يونيو حزيران وأشاد بالاتفاق الذي توصلت إليه باعتباره انفراجة.. لكن الاتفاق لم يكن له تأثير لأن نصه خلا من أي ذكر للفصل السابع الذي يجيز استخدام العقوبات في حالة سوريا.

وتخلى كوفي عنان الامين العام السابق للأمم المتحدة عن دور مبعوث السلام الدولي بشأن سوريا محبطا من "تبادل الاتهامات" في الامم المتحدة بينما أصبحت الاوضاع في سوريا دامية بدرجة متزايدة. وبينما كانت تدور معارك في حلب المدينة الثانية في سوريا بين مقاتلي المعارضة والقوات الحكومية. وقال بان جي مون الامين العام للأمم المتحدة "كوفي عنان يستحق إعجابنا الكبير لأسلوبه المنكر للذات الذي وظف فيه مهاراته الهائلة ومكانته لهذه المهام بالغة الصعوبة والتي قد لا تعود عليه بالشكر." وتجري مشاورات للإيجاد بديل له. وبدت مهمة عنان التي تركزت على وقف لأطلاق النار في ابريل نيسان لم يتماسك على الاطلاق وكأنها غير ذات صلة عندما اشتد القتال في دمشق وحلب واماكن اخرى.

وبدأت روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تبادل الاتهامات بشأن من الذي يتحمل المسؤولية عن اعلان عنان المفاجئ. وقال دبلوماسي رفيع في مجلس الامن انه حان وقت الاعتراف "بعدم جدوى مجلس امن عقيم تماما" ازاء سوريا. وعبرت سوريا عن اسفها لتخلي عنان عن دوره كوسيط دولي. وقال عنان ان مواصلة تسليح كل الاطراف في الصراع والجمود في مجلس الامن قوض قدرته على البحث عن حل دبلوماسي. وقال عنان للصحفيين "زيادة العسكرة على الارض والافتقار الواضح للوحدة في مجلس الامن ساهما بصفة اساسية في تغير الظروف لممارسة دوري بطريقة فعالة."

وفي مقال نشر في صحيفة فايناشنال تايمز بموقعها على الانترنت قال عنان ان روسيا والصين وايران "يجب ان تبذل جهودا منسقة لأقناع القيادة السورية بتغيير مسارها وانتهاج انتقال سياسي"

وكتب عنان يقول انه يجب على القوى الغربية والسعودية وقطر بدء "الضغط على المعارضة لتوافق على عملية سياسية شاملة تضم الطوائف والمؤسسات المرتبطة حاليا بالحكومة."

وقال الرئيس الروسي فلايمير بوتين وهو مؤيد قوي للأسد انه يأسف لقرار عنان بالتخلي عن مهمته واشار اليه على انه "دبلوماسي رائع". وقال فيتالي تشوركين سفير موسكو لدى الامم المتحدة للصحفيين في نيويورك ان القوى الغربية التي اعترضت على "مقترحات معقولة ومتوازنة" في مجلس الامن قوضت جهود السلام التي يقوم بها عنان من البداية.

وكان للبيت الابيض تفسير آخر. وألقى باللوم كله على موسكو وبكين اللتين استخدمتا حق النقض (الفيتو) ضد ثلاثة قرارات استهدفت زيادة الضغط على الرئيس السوري بشار الاسد وبالتالي قوضتا مهمة عنان. وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض ان "استقالة عنان تسلط الضوء على تقاعس روسيا والصين في مجلس الامن التابع للأمم المتحدة عن دعم قرارات .. قرارات لها مغزى ضد الاسد تجعله مسؤولا وتحاسبه."

وعبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيج عن نفس وجهة النظر. وقال في بيان "نفهم ان احباط عنان يرجع الى استخدام النقض (الفيتو) في مجلس الامن والمجتمع الدولي غير قادر على تقديم الدعم الذي يحتاجه ويطلبه." وقال هيج مجددا ان خطة السلام المكونة من ست نقاط لسوريا مازالت افضل حل سياسي لتأمين نهاية للصراع. ويشترك معه في هذا الرأي السفير الفرنسي جيرار ارو رئيس مجلس الامن هذا الشهر.

ويقول دبلوماسيون من الامم المتحدة ان واشنطن مقتنعة بأن مجلس الامن يمكنه ان يقوم بدور له مغزى في الازمة السورية لان روسيا والصين استخدمتا حق النقض (الفيتو) في البداية ضد قرار دعمته دول غربية وعربية في اكتوبر تشرين الاول. لكنهما ايدتا على مضض الجهود الاوروبية لمحاولة حمل مجلس الامن على اتخاذ اجراء.

وأصدرت السفيرة الامريكية لدى الامم المتحدة سوزان رايس بيانا لم يشر الى قيام الامم المتحدة بدور في حل الصراع السوري. وقالت رايس "سنواصل العمل على وجه السرعة مع شركائنا في المجتمع الدولي - ومن بينهم أكثر من 100 دولة صديقة للشعب السوري - للإسراع بانتقال وتقديم الدعم للمعارضة وتلبية الاحتياجات الانسانية الهائلة المتزايدة للشعب السوري."

وقال دبلوماسيون بالمجلس في تصريحات خاصة ان الولايات المتحدة ودولا عربية خليجية أصيبت بالإحباط على نحو متزايد في الاسابيع الاخيرة لما يرون انه التزام عنان الدؤوب بالدبلوماسية في وقت يعتقدون ان كل سبل الحوار مع الرئيس السوري بشار الاسد.

وقال ارو مبعوث فرنسا لدى الامم المتحدة ان المجلس بلغ حالة من الجمود التي لا يمكن رأبها لكنه قال انه سيكون امرا خطيرا للدول ان تخرج عن نطاق الامم المتحدة لحل الصراع السوري. لكن هذا يحدث بالفعل. ويقول دبلوماسيون بالأمم المتحدة ان الولايات المتحدة وقوى غربية اخرى والسعودية وقطر زادت الدعم للمعارضين وتتوافق مع وجهة النظر بأن الحرب الاهلية في سوريا ستكون طويلة ودامية.

وفي سوريا اشتد القتال من اجل السيطرة على حلب وهي أحدث ميدان للقتال. واستخدم المسلحون دبابة استولوا عليها في قصف قاعدة جوية عسكرية يتوقع أن تستخدم نقطة انطلاق لتعزيزات الجيش في المعركة المرتقبة للسيطرة على حلب. ويبرز القتال في اكبر مدينتين سوريتين انزلاق البلاد السريع نحو حرب أهلية شاملة. بحسب فرنس برس.

وتتابع القوى العالمية الوضع في سوريا بقلق متزايد مع تداعي الجهود الدبلوماسية للتوصل الى حل عن طريق التفاوض وتفاقم العنف الذي أودى بحياة ما يقدر بنحو 18 الف شخص. وتحاول القوات الحكومية المزودة بالأسلحة الثقيلة إخراج قوة من بضعة آلاف من مقاتلي المعارضة من المدينة في معركة يمكن أن تمثل نتيجتها نقطة تحول في الصراع. ومن جانبها اتهمت سوريا تركيا بأنها تلعب "دورا رئيسيا" في دعم الارهاب بفتح مطاراتها وحدودها أمام القاعدة وجهاديين آخرين لشن هجمات داخل الأراضي السورية.

في السياق ذاته قالت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية إن إيران تلقي باللوم على دول غربية وعربية في فشل خطة السلام التي أعدها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان من أجل سوريا وذلك بعد يوم من إعلان المبعوث الدولي أنه سيترك دوره كوسيط للسلام.

ونقلت الوكالة الايرانية عن وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي قوله "إشارة السيد عنان إلى عدم وجود وحدة في مجلس الأمن ليست إشارة إلى الصين وروسيا. يقوم الأمريكيون بالإسقاط ويحاولون طرح رأيهم الخاص بدلا من الواقع. "وبشكل عام فإن الدول الغربية وبعض الدول الاقليمية لم تكن تريد أن تنجح خطة السيد عنان لأنها لن تحقق أهدافها إذا حدث ذلك." وعبر مسؤولون ايرانيون مرارا عن تأييدهم لمساعي عنان التي تركزت على وقف لإطلاق النار. وقال عنان مرارا إن على ايران بوصفها قوة إقليمية المشاركة في محاولات التوصل الى حل سلمي للأزمة السورية لكن الغرب رفض أن تلعب طهران اي دور.

وكان زعماء ايرانيون قد اتهموا الغرب بالتآمر مع دول عربية للإطاحة بالقيادة السورية وتعزيز وضع اسرائيل في المنطقة من خلال دعم جماعات مسلحة متطرفة. و قالت ايران إنها مستعدة لاستضافة محادثات بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة وهو عرض رفضه أعضاء بالمعارضة السورية. وقال صالحي "ستستمر خطة السيد عنان لانها الخطة الأفضل على الطاولة." وألقى المتحدث باسم الخارجية الايرانية رامين مهمان باراست في وقت سابق باللوم على "بعض الدول المتدخلة" في فشل خطة عنان ذي النقاط الست. بحسب رويترز.

وكان من المفترض أن تنهي خطة السلام الصراع في سوريا بوقف فوري للعنف وسحب الأسلحة الثقيلة وقوات الجيش السوري من المناطق العمرانية وتوصيل المساعدات الانسانية والسماح بدخول الصحفيين والتوصل إلى انتقال سياسي. ونقلت الوكالة الايرانية عن مهمان باراست قوله "هذه الدول لم تقدم يد العون وحسب... في كل مرة كانت خطة عنان تنجح فيها في ناحية ما كنا نشهد تصاعدا في الأعمال الإرهابية في سوريا."

كوفي عنان

نشأ عنان في مناخ منقسم عرقيا في مسقط رأسه غانا لكن كانت للحوار قيمة وكان الصراع الشامل نادرا. وكانت هناك فترة من التفاؤل والثقة في غانا بعد استقلال البلاد عن بريطانيا. وقال فريد ايكهارد الذي كان متحدثا باسم عنان أثناء توليه الامانة العامة للأمم المتحدة "كان يؤمن بفكرة أنه لا يوجد مستحيل وكان دائما ما يتطلع للنتيجة الأفضل."

لمع اسم عنان كوسيط بعد نجاحه في وقف صراع متنام في كينيا في عام 2007 عندما أدى نزاع على نتائج انتخابات رئاسية إلى مذابح عرقية قتل فيها أكثر من 1200 شخص. وأجلس عنان المتنافسين في غرفة وقال لهما "هناك كينيا واحدة فقط." وأقنع عنان أحدهما بقبول منصب رئيس الوزراء في حكومة مشتركة وانتهى العنف. لكن سجل عنان قبل ذلك لم يحظ بنفس القدر من النجاح. كان عنان رئيسا لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في عام 1994 عندما أقر بأنه كان ينبغي أن يفعل المزيد للحيلولة دون مذابح قتل فيها 800 ألف من أبناء عرق التوتسي ومن المعتدلين من عرق الهوتو في رواندا.

وكان مثار اللوم الأكبر هو عدم تحرك عنان بعد أن وصلته رسالة من الجنرال روميو دالير قائد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تحدث فيها عن مخابئ سلاح يبنيها متعصبون من الهوتو استعدادا لقتل جماعي. وبعد سنوات قال عنان "ظننت في ذلك الوقت أنني أفعل الأفضل... لكنني أدركت بعد الابادة الجماعية أنه كان هناك ما يمكن بل وينبغي أن أفعله لدق جرس الانذار وحشد الدعم."

وفي كتاب لاذع تناول فشل العالم في منع ما حدث في رواندا لم يذكر دالير عنان إلا بالثناء وتحدث عن "إنسانيته وتفانيه من أجل محن الاخرين." وعند انتهاء عمله في الامم المتحدة في عام 2006 اعتبر عنان أن من بين إنجازاته ترسيخ مفهوم المسؤولية عن حماية المدنيين عندما يتقاعس أو يعجز الحكام عن فعل ذلك. لكن كوارث دبلوماسية شابت فترة تولي عنان للأمانة العامة للأمم المتحدة.

قال عنان إن من أسوأ لحظات حياته عجزه عن وقف إراقة الدماء في إقليم دارفور بالسودان وبرنامج النفط مقابل الغذاء والحرب بالعراق التي بح صوته بعدها لشهور. وتكشفت فضيحة النفط مقابل الغذاء في أوائل عام 2004 عندما تبين أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين تمكن من مراوغة البرنامج الذي بلغت قيمته 64 مليار دولار وكان يهدف لتخفيف معاناة العراقيين العاديين بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضت بعدما غزت القوات العراقية الكويت.

وعلى الرغم من اتهام عدد قليل من مسؤولي الأمم المتحدة بالتربح من ذلك البرنامج ألقي باللائمة على المنظمة الدولية بسبب تراخي الإدارة وعدم التنبه إلى أساليب صدام. ورغم تبرئة ساحة عنان من أي تجاوز تبين أن ابنه كوجو استغل صلات في الأمم المتحدة لتحقيق مزايا شخصية. وحدث بعد ذلك ما هو أسوأ.. فقد تعرض مقر الأمم المتحدة في بغداد للقصف يوم 19 أغسطس آب عام 2003 وقتل 22 شخصا بعدما قرر عنان تحت إلحاح من الولايات المتحدة إعادة موظفين كبار بالأمم المتحدة إلى العراق. بحسب رويترز.

وبصوت مختنق قال عنان في آخر مؤتمر صحفي له كأمين عام للمنظمة الدولية "آلمني ذلك بقدر ما تألمت لموت شقيقتي التوأم." وكانت إفوا عنان شقيقة عنان قد توفت في عام 1991 . وكان عنان أمينا عاما للمنظمة الدولية أيضا وقت وقوع مذبحة سربرنيتشا في البوسنة عام 1995 حين فشلت قوات حفظ السلام الدولية مجددا في الحيلولة دون وقوع أعمال القتل. وكان هناك أيضا إخفاق في الصومال سبق إخفاق رواندا. ويقول مدافعون عن عنان إنه حاول توفير قوات كافية والحصول على دعم من القوى الكبرى لإحداث اختلاف في البوسنة ورواندا. ويقول منتقدون إنه كان يعرقله احترامه لحدود تعلم ألا يتجاوزها خلال عمله لعقود كموظف في الأمم المتحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/آب/2012 - 19/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م