ماذا تريد تركيا من العراق؟

الزيارة التاريخية لكركوك

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ايران ستسقط مثل تفاحة فاسدة، عنوان الغلاف الذي حمله احد اعداد مجلة المجلة السعودية والذي صدر على ما اذكر في العام 1998... نعم ستسقط ايران مثل تفاحة فاسدة، لكن في احضان من؟

واضعوا السياسات الامريكية لا يريدون سقوطها في احضان الدب الروسي، لاعتبارات جيوبوليتيكية مستقبلية تشكل خطرا كبيرا على مناطق النفوذ الامريكي. لكنهم لا يمتلكون في ذلك الوقت المداخل لهز الشجرة واسقاط التفاحة في احضانهم.

ماذا عن سورية؟... انها احدى البوابات... وماذا عن العراق؟

انهم اخذوا يطرقون ابوابه، واخذ الطرق يتصاعد.

السيد (لا) لا يعجب الاتراك، مثلهم مثل الكثيرين من القوائم والكتل السياسية العراقية.

السيد (لا) واقصد به رئيس الوزراء نوري المالكي لا يعجب اصحاب الخزائن السعودية او القطرية، ولا يعجب مطبخ الافكار في تركيا، وغيرهم من دول اخرى.

جزء من ترتيبات القوى العالمية الكبرى، تحجيم النفوذ الايراني في المنطقة، للحفاظ على تدفق الثروات النفطية لادامة عجلة الاقتصادات الراسمالية، وهو نفوذ يطمح الى التوسع بحكم الطموحات، التي يمليها الاقتصاد والمساحة الجغرافية وعدد السكان اضافة الى اعتبارات تاريخية، بالمقابل تركيا تشعر بحجم هذا النفوذ وقدرته على التوسع بالمخالب الحالية او بمخالب نووية مستقبلية.

العراق بوابة خلفية للنفوذ المتصارع على المصالح والامتداد، وعلى ارضه مشتركات كثيرة للجارين المتصارعين، ليس اقلها اتباع المذهبين الشيعي والسني، وبنسب متفاوتة.

الاكراد في منتصف المسافة بين هذا الصراع، لكنهم الى الجانب التركي اقرب من الايراني، بحكم ان المشروع الجديد للشرق الاوسط يتم برعاية امريكية وباموال سعودية وقطرية وبمساحات لوجستية تركية.

الازمات في العراق ولّادة، وهي كثيرة التفريخ والانجاب، سحب الثقة من السيد (لا) باء بالفشل رغم حجم الضجيج وكثرة الصراخ، والاستجواب لازال معلقا في الفراغات العليا لسقوف السياسة العراقية.

كل ازمة تكشف عن نوايا المأزومين... خذ مثلا سحب الثقة، ورغم كل الشعارات التي ارتدت لبوسا وطنيا وديمقراطيا الا انها في النهاية جاءت صريحة وواضحة، لا للمالكي تحديدا، في ولايته الحالية او في ولاية ثالثة.

ابطال سحب الثقة، تراجعوا الا الطرف الكردي، الذي بقي مصرا، فلا يمكن التعامل مع المالكي، والتهديد بالانفصال مستمر، وحجب الحصة المالية عن الاقليم اعلان حرب، كما سمعنا من السيد مسعود البرزاني. والحرب هذه الايام لا تعني المواجهة المسلحة المباشرة، لا ضير من افتعال ازمة جديدة، وهذه المرة منع القطعات العسكرية التابعة للسلطات الاتحادية من التقدم الى الحدود مع سورية، لان تلك الحدود هي من ضمن المناطق المتنازع عليها، والتي هي نافذة المفعول كما يقول الاكراد.

اكثر المتطرفين في معارضتهم للمالكي لا يستطيع ان يوافق على ما فعله الاكراد في مثل هذا الموقف، وجاءت التصريحات متناقضة ومرتبكة، لا مانع من انتشار القطعات اذا سبق ذلك تنسيق بين المركز والاقليم.

معروف ان اشتداد الحصار على اي جهة داخلية بسبب مواقفها، يستدعي منها اللجوء الى سند وداعم خارجي، وهو ما فعله الاكراد، بعد ان انفردوا في مسالة التعاطي مع الازمة السورية، عبر تدريب مقاتلين داخل الاقليم، ما استدعى نفيا وتقليلا للاعداد التي تم تدريبها، الا ان الاتراك كان لديهم الخبر اليقين، مما ادى الى غضبهم حول حجم تلك الاعداد.

فبدلا من 300 مقاتل كما تم الاتفاق عليه، بين الاقليم وتركيا، ارتفع العدد الفعلي الى 3000 مقاتل دون علم الاتراك.

كيف يمكن امتصاص الغضب التركي؟

لا مانع من ادخاله كطرف اساسي في الصراع مع المركز... الفرصة سانحة، ودعوة الزيارة الى الاقليم وكركوك سيلبيها الاتراك بطيب خاطر، فهم بحاجة الى التقدم خطوات في تعاطيهم مع الشأن العراقي، ولا مانع من فتح المظلة التركية باتساع اكبر صوب كركوك، قدس الاقداس بالنسبة للاكراد.

في معرض التبرير لهذه الزيارة، سمعنا بموافقة السفارة العراقية، والسفارة العراقية تتبع وزارة الخارجية التي يديرها وزير كردي هو هوشيار زيباري، والتنازع يحصل كثيرا بين الانتماء الاثني وبين الواجب الحكومي.

عرب كركوك، وهم القاعدة التقليدية للقائمة العراقية كان موقفهم رافضا لهذه الزيارة، متناغما مع الموقف الرسمي للقائمة في بغداد، كما صرحت ميسون الدملوجي.

التركمان الذين يشعرون بالضعف امام قوة الاكراد والعرب كانوا بحاجة الى مثل تلك الزيارة التي قرأوا عناوينها الابرز، المظلة التركية سوف تساهم في حمايتهم، فكان ترحيبهم بتلك الزيارة من هذا المنطلق.

تركيا لا تعترف بالجميع قدر اعترافها بمصالحها التي تجد دائما من يلبيها عند اول اشارة، وهي لا تكف عن التذكير بقوتها العسكرية حتى وهي توقع اتفاقيات الاستثمار مع الاقليم، وزير الخارجية التركي في كركوك، والمدفعية التركية تقصف القرى الكردية داخل الحدود العراقية، مثلما فعلت عند زيارة السيد مسعود البرزاني الاخيرة الى تركيا ومثلما تفعل دائما. انها ترتدي قفازان في تعاملها مع الاكراد، قفاز الاستثمارات وهو القوة الناعمة، وقفاز القبضة الحديدية في قصفها للاكراد على الحدود.

والقفازان خانقان اذا دعت الحاجة مستقبلا، فالمصالح الاقتصادية على اتساعها وحجمها مع الاقليم لا يمكن ان تكون بحجم المصالح الاقتصادية مع جميع مناطق العراق، وهي مصالح يمكن ان يلوي بها العراق كل ذراع الان او بعد سنوات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/آب/2012 - 16/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م