شبكة النبأ: مظهرهم الانيق وترتيبهم
وابتسامتهم التي يستقبلون ركاب الطائرات بها، تدل على انهم سعداء
ومستمتعين حد المتعة في أداء وظيفتهم، لكنني اكتشفت خلف هذه الابتسامة
الكثير من المعاناة والهموم وطاقة كبيرة من التحمل والصبر والشجاعة..
انهم مضيّفو الخطوط الجوية العراقية.
يقول المضيّف الذي ارتأى أن نسمّيه أبو حيدر" في بداية تسلمي
لوظيفتي منذ احدى وعشرون سنة كانت معايير التضييف في الخطوط الجوية
العراقية من ارقى نوعياتها على مستوى المنطقة والشرق الأوسط، ونفس
الشيء بالنسبة لجودة الاسطول الجوي الذي كانت تمتلكه، لكنها تأثرت
حالها حال بقية نواحي الحياة في بلدنا، حيث تراجع نشاط خطوط النقل
الجوي تراجعا ملحوظا على مدى العقدين الاخيرين بفعل الحروب المتعددة
التي مر بها العراق وحالات عدم الاستقرار.
وتعد الخطوط الجوية العراقية من أقدم مثيلاتها على مستوى الشرق
الأوسط وأكثرها تطورا إبان فترة السبعينيات من القرن الماضي، ولكن
الحروب المتعددة التي مرت على العراق وفترة الحصار ومن ثم الأحداث التي
أعقبت التغيير عام 2003، كلها ظروف أدّت إلى تراجع قطاع النقل الجوي
عموما في البلاد، حتى أصبحت شركة الخطوط الجوية مثقلة بنوعيات طائرات
قديمة وديون متراكمة جعلتها في مؤخرة الخطوط الجوية على مستوى المنطقة
والعالم.
المضيّف ابو حيدر الذي بدت عليه علامات الخبرة والمراس في التعامل
مع الركاب واحتياجاتهم والحالات الطارئة التي تعترضهم لم يخفِ استياءه
ووجد في هذا الحديث متنفساً عمّا يشعر به فقال" هناك نواحي عديدة قد
طالها الضرر في قطاع النقل الجوي فلم تعد هناك طائرات حديثة توازي ما
موجود في دول الجوار على الأقل، بل هناك أشبه بالمافيا التي تسيطر على
هذا القطاع من خلال شركات تجارية لأشخاص متنفذين تقوم باستئجار أرخص
الطائرات وأقلها تقنية وأردئها نوعية، لتنقل المسافرين العراقيين، وهذا
الامر ينسحب على قابلية هذه الطائرات في الطيران بأجواء مختلفة، ومن ثم
تظهر السلبيات على شكل تاخير في مواعيد انطلاق هذه الطائرات من والى
العراق".
ويوضح ابو حيدر" هذا التأخير وعدم الدقة في مواعيد الهبوط والانطلاق
بالنسبة لطائراتنا أصبح ظاهرة يومية تشكل ضررا لسمعة الطيران العراقي
في مطارات العالم، حتى أصبح المسافر لا يفضل السفر عبرها إن وجد البديل
المناسب".
وعند الاستفهام عن انعكاس هذه الحالات على المضيّفين بيّن ابو حيدر"
هذه المسألة أصبحت تشكل حرجا كبيرا فهل تصدق ان الناس أصبحت تتجاوز
علينا بالكلام الجارح والنقد اللاذع الذي يصل لحد الكلام البذيء، بسبب
تأخر مواعيد وصول وانطلاق الطائرات، فهم يعتقدون اننا احد أسباب
التأخير في حين نحن نعاني كما يعاني المسافر، من حيث اننا نبلّغ بموعد
اقلاع حسب الجدول المبيّن في المطار لكننا نفاجئ كما المسافر بتأخر
الموعد لعدة ساعات ولا يوجد أمامنا سوى الانتظار".
وأوعز مجلس الوزراء العراقي الى وزارة المالية إقراض الخطوط الجوية
العراقية 300 مليون دولار لغرض تمويل شراء طائرات نقل مدنية، فيما قرر
المجلس تأجيل استلام أربع طائرات من شركة كندية حتى إشعار آخر، بسبب
استمرار خلافات مالية مع الخطوط الجوية الكويتية التي تطالب خطوطنا
بتسديد ديون سابقة.
وكانت الحكومة العراقية وقّعت في أيار 2008 عقدين الأول مع شركة
بوينغ الأميركية لشراء 40 طائرة، والثاني مع شركة بومباردير الكندية،
لشراء عشر طائرات، بقيمة إجمالية بلغت خمسة مليارات دولار، إلا أن
الخطوط الجوية الكويتية قدمت شكوى للمحكمة الكندية العليا طلبت فيها
وقف عملية توريد الطائرات إلى العراق..
واتفق العراق مع الكويت خلال زيارة رئيس الحكومة نوري المالكي
الأخيرة للكويت في آذار 2012، على إنهاء قضية التعويضات المتعلقة بشركة
الخطوط الكويتية.
وليست طائرات الخطوط الجوية (المؤجَرة) هي وحدها من يعاني من التخلف
انما مطاراتنا وخاصة الموجودة في المحافظات، فهي أشبه بمسقفات كبيرة
مقطعة بقواطع حديدية، بعيدة كل البعد عن مواصفات التنظيم والتكنولوجيا
والخدمات الموجودة في مطارات العالم.
وينسحب الواقع المتردي لمستوى ادارة الطيران المدني على كفاءة
المضيّفين رجالا ونساء وخاصة الجدد منهم، لأنهم لم يحظوا بفرص تدريب
كافية وفق معايير فنية عالمية انما هي مجرد تعاملات نمطية على مستوى
شركات النقل الجوي التي تصنَّف بدرجات متاخرة جدا، يتضح هذا من خلال
النشاط والحيوية في الخدمة التي تقدمها على سبيل المثال المضيفات
التركيات طوال الرحلات الجوية بلا توقف ولا حتى لدقائق، في حين ترى
علامات التردد والخجل والسكون على وجوه مضيفات خطوطنا الجوية حتى يشبّه
لك إنهن بحاجة إلى رعاية وليس العكس!
الغريب في الأمر انه أثناء حديثنا كان جالسا بجانبي نائب معروف في
البرلمان العراقي بوضع استياء كبير وشكوى وتذمر من تأخر موعد إقلاع
الطائرة التي أقلتنا من اسطنبول إلى النجف، فبادرتهُ بالسؤال" سيادة
النائب انتم ايضا توجهون الشكوى للمضيّف وهو ضحية كحال المسافر فما هو
دوركم وقد تسلمتم مسؤولية الدفاع عن مصالح الناس وحقوقهم والسهر على
توفير مستلزمات العيش الكريم لهم؟ فقال وكأنه طرح الحل الناجع" سأدعو
لمحاسبة مسؤولي الطيران المدني على هذه المهزلة التي تتفاقم يوما بعد
آخر حيث لا مواعيد دقيقة لخطوطنا الجوية ولا مقومات راحة للمسافر ولا
طائرات حديثة كحال خطوط الطيران في بلدان العالم". وأكمل حديثه بـ سوفَ
وسوفَ من دون أن يبدي أحد من الحاضرين قناعته بكلام السيد النائب.
ولا أخفيكم ان الأخ المضيّف كان قد ساعد هذا البرلماني في حمل
حقيبته لكبر سنّه دون أن يعرفه، وحينما علمَ ماهيته همسَ المضيّف في
أذني قائلاً" لو علمتُ انه برلماني لما ساعدتهُ في حمل حقيبته!". |