ديمقراطية سعودية وفق الطريقة السلفية

 

شبكة النبأ: اعتنق أحد علماء الدين المشهورين الأكثر تشدداً في المملكة العربية السعودية مبدأ الديمقراطية. فهل ينبغي علينا أن نقلق أم نشيد بذلك؟

فقد ظهرت جماعة «الإخوان المسلمين» حتى الآن باعتبارها الفائز السياسي الواضح من الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي. ففي كل من مصر وتونس، فازت الأحزاب السياسية المرتبطة بـ «الإخوان»  بالسلطة كاملة في انتخابات ديمقراطية. لكن «الجماعة» ليست الحركة الوحيدة التي تخلط بين الإيمان والسياسة في الشرق الأوسط الجديد: فالسلفيون - أي المحافظون المتشددون الذين يشكلون نموذج حياتهم وفقاً للنبي محمد والأجيال الثلاثة الأولى من القادة المسلمين بعد وفاته - ينحّون جانباً سنوات من المعارضة الثيولوجية للديمقراطية ويشاركون في اللعبة السياسية.

حيث يؤكد هارون ي. زيلين وهو عضو برنامج ستاين للإستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى في تحليل نشر له مؤخرا، انه قد وصل هذا التغير الهائل إلى عقر دار السلفيين في وقت مبكر من الأسبوع الثالث من تموز/يوليو عندما أعلن الشيخ السلفي السعودي المعروف سلمان العودة عبر موقع التواصل "تويتر" وعلى صفحته على "الفيسبوك": "قد لا تكون الديمقراطية نظاماً مثالياً، لكنها الأقل ضرراً، ويمكن تطويرها وتكييفها لكي تستجيب للاحتياجات والظروف المحلية".

ويرى هارون ي. زيلين، بالرغم أن اللافت هو أن إعلان الشيخ العودة جاء عبر برامج الوسائط الاجتماعية الإنجليزية وليست العربية، حيث يبلغ أعداد جمهوره بالملايين وليس بعشرات الآلاف، إلا أنه ينطوي على معانٍ مماثلة لما قاله تشرشل - بمحاكاته للقول المأثور لرئيس الوزراء البريطاني الراحل عندما ذكر: "يُقال إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم باستثناء جميع الأشكال الأخرى التي تمت تجربتها".

يمثل إعلان العودة أهمية بالغة ويرجع ذلك إلى تاريخه وشعبيته داخل الوسط السلفي. فقد كان أحد الزعماء الرئيسيين لحركة الصحوة في المملكة العربية السعودية التي دخلت في صراع مع آل سعود بلغ ذروته خلال حرب الخليج في أوائل التسعينات من القرن الماضي. فخلال تلك السنوات، وقّع علماء دين سعوديون رئيسيون ونشطاء من حركة الصحوة على عريضتين يستنكرون فيهما الملوك السعوديين جراء اعتمادهم على الولايات المتحدة ودعوا إلى إنشاء مجلس شورى، من شأنه أن يمنح سلطة أكبر للمؤسسة الدينية في تقرير ما إذا كانت التشريعات تتوافق فعلياً مع الشريعة الإسلامية.

ويشير هارون ي. زيلين، قد نظر آل سعود إلى تلك العريضتين على أنهما تشكلان تهديداً مباشراً على سلطتهم، واعتقلوا بعدها الشيخ العودة وغيره من شخصيات الصحوة في عام 1994. ولم يتم الإفراج عن العودة حتى عام  1999. وعلى الرغم من أن العودة لم يكن صريحاً في انتقاداته للنظام منذ الإفراج عنه، إلا أنه ليس جزءاً من المؤسسة الدينية الرسمية ويحظى بمستوى من الاستقلالية، وهو ما مكّنه من الحفاظ على أتباع كثيرين من دون أن ينظر إليه على أنه خادماً متزلفاً للحكومة.

وفي أوائل التسعينيات كان أسامة بن لادن أحد الشباب السعوديين الذين تأثروا بقوة بموقف العودة ضد النظام السعودي. فقد كان زعيم تنظيم «القاعدة» ينظر إلى الشيخ باعتباره مُعلماً فكرياً، ويُزعم أن بن لادن أخبر حارسه الشخصي أبو جندل بأنه لولا تعرض العودة للسجن لم كان ليجهر بصوته عالياً ضد العائلة السعودية الحاكمة.

ويلفت زيلين، يُبرز إعجاب زعيم تنظيم «القاعدة» تأثير العودة ليس فقط بين صفوف التيار السلفي الرئيسي، لكن أيضاً بين صفوف بعض الأجنحة الأكثر تطرفاً في الحركة. فالشيخ العودة نفسه لم يكن قط من المتعاطفين مع تنظيم «القاعدة». وقد استنكر أفعال بن لادن أثناء شهر رمضان عام 2007 قائلاً: "أخي أسامة، كم من الدماء أُريقت؟ كم من الأبرياء والأطفال والمسنين والنساء قتلوا ... باسم تنظيم «القاعدة»؟ هل ستكون سعيداً للقاء ربك سبحانه وتعالى وأنت تحمل وزر مئات الآلاف أو الملايين من هؤلاء الضحايا على ظهرك؟"

وقبل الانتفاضات العربية كانت الغالبية العظمى من السلفيين تنظر إلى الديمقراطية على أنها أمر مناقض للإسلام. ويقوم جوهر حُجة السلفيين على أن انتخاب المُشرِّعين لسن قوانين ينتهك حكم الله، الذي هو صاحب السيادة الوحيد الحقيقي في العالم. ومن ثم فإنه من خلال إعلاء سيادة الديمقراطية فإن المرء يساوي بين البشر والخالق وبالتالي فأحدهما يعبد الآخر. ونتيجة لذلك، لا يكون المرء مسلماً حقاً لأن معتقداته انزلقت نحو الشِّرك. ومع ذلك، فإن الأحزاب السلفية المنتشرة بسرعة في منطقة الشرق الأوسط تُظهر التحول الهائل بعيداً عن هذا الموقف العقائدي.

لكن ملاحظات العودة هي اعتراف بالمشهد السياسي المتغير في الشرق الأوسط. فلائحة الأحزاب السلفية القانونية في الدول العربية التي تنتقل إلى الديمقراطية هي في ازدياد مستمر. فهناك  ثلاثة  أحزاب سلفية في مصر، حظت معاً بنسبة 25 في المائة من المقاعد في البرلمان، بينما يوجد حزب سلفي واحد في كل من ليبيا وتونس واليمن. ومع التقبل السريع لهذه الأحزاب كطرف فاعل في اللعبة السياسية، فإن هذا العهد الجديد قد يشهد انتشار تأسيس حركات سياسية على يد سلفيين لم يكونوا مُسيّسين في السابق.

ويرجح هارون ي. زيلين، قد يكون لتعليقات العودة أصداء أكبر في الدول التي لا تزال ترضخ تحت حكام سلطويين من تلك التي تشهد تحولاً سياسياً. وإذا ما اتبع سياسة تكون أكثر صراحة ووضوحاً خلال الأشهر أو الأعوام القادمة، لا سيما باللغة العربية، فقد يؤدي ذلك إلى إحياء المحاولات الفاشلة السابقة لإصلاح حكم آل سعود أو حتى خلعه. ومع ذلك، يظل هذا الاحتمال بعيداً- فالمملكة تبدو مستقرة على المدى القصير.

والديمقراطية قد عرّضت السلفيين إلى سؤال صعب: هل يحافظون على نقائهم العقائدي أم يحاولون إحداث تأثير فعلي في مصيرهم - وهو الطريق الذي كان مغلقاً أمامهم في ظل أنظمة استبدادية؟ يبدو أن بعض السلفيين يمتلكون من البصيرة وبُعد النظر ما جعلهم يدركون ضرورة الانضمام إلى العملية الديمقراطية.

ويتابع زيلين مقاله، بطبيعة الحال فإن المشاركة في العملية الديمقراطية لا تجعل المرء ليبرالياً من حيث المعنى التنويري للكلمة. فلا تزال هناك بعض الأسئلة الهامة بشأن تحول الجماعات السلفية نحو الديمقراطية، على سبيل المثال: هل يشكل ذلك التزام عملي أو أيديولوجي حقيقي بالمبادئ الديمقراطية؟ هل الانضمام إلى العملية سيعمل على تبني هذه الأحزاب لنهج ليبرالي إلى درجة أنها تستطيع توفير المزيد من المنافسة في العملية الانتخابية، أم أن ذلك سيخلق ضغطاً شعبياً بين الأحزاب الإسلامية لإثبات من يتبع إرادة الله حقاً؟ ما زال من المبكر جداً تقييم الأجوبة على هذه الأسئلة بطريقة أو بأخرى، ولكن نتيجة مشاركة السلفيين في اللعبة السياسية سوف تتباين على الأرجح من بلد إلى آخر، وفقاً للسياق المحلي.

كما أن مشاركة السلفيين في اللعبة السياسية تثير اعتبارات سياسية هامة ينبغي على الولايات المتحدة أن تضعها في الاعتبار. صحيح أن الحكومة الأمريكية، والغرب بشكل عام، لديهم نقاط تلاقي أيديولوجي قليلة مع الحركات السلفية. على سبيل المثال، تود كافة الأحزاب السلفية إنهاء المعاملات المصرفية القائمة على الفائدة التي تعتبرها حراماً من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، ولديها وجهة نظر ضيقة جداً تجاه حقوق الأقليات والنساء والمثليون جنسياً. لكن إشراكها في العملية السياسية الرئيسية ينطوي على احتمالية جذب الأفراد بعيداً عن التفسيرات الجهادية الأكثر تطرفاً للسلفية. وقد تكون هذه الحركات أطرافاً سياسية مزعجة، بيد توفر الديمقراطية منفذاً أكثر إيجابية للتغيير بدلاً من العنف.

ويركز هارون ي. زيلين في ختام مقاله التحليلي، تبرز ملاحظات العودة تحولاً أيديولوجياً مهماً داخل الحركة السلفية على مدى السنة والنصف الماضية. وهي تشير إلى أنه ينبغي على الولايات المتحدة الاستمرار في انتهاج سياسة تساعد الديمقراطيات العربية الناشئة على الانفتاح وتشجعها على ذلك، بحيث يستطيع الأفراد بداخلها تشكيل مستقبلهم بأنفسهم. إن السلفيين مستعدون لأن يصبحوا أطرافاً سياسية فاعلة في الشرق الأوسط الجديد وينبغي منحهم مساحة لمواصلة تطورهم الأيديولوجي.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/آب/2012 - 12/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م