هل الانسان المعاصر يدمر البيئة؟

 

شبكة النبأ: البيئة هي طبيعة المكان الذي يعيش فيه الانسان، وهي نظام إلهي يلائم الكائنات، لذا يعد العبث بالنظام البيئي تدميرا متعمدا لها، يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله): إن (البيئة الطبيعية تشمل كل ما يحيط بالإنسان سواء كان جماداً أو نباتاً أو حيواناً مـن بحار وجبـال وهضاب وسهول في أحوالها المختلفة من حرارة وضغط ورياح وأمطار وغير ذلك، وهذه البيئة قرر الله سبحانه وتعالى لها أحكامها وأحكم صنعها كسائر ما خلق).

إذن للحياة معالمها التي تنبئ الآخرين بحضورها الفاعل والمتجدد، على العكس من معالم السكون والموت والجفاف الذي يحيل الاشياء كلها الى الموت وتوابعه، لذا كان الانسان ولا يزال مطالبا باحياء معالم الحياة متمثلة بالخضرة الدائمة، لذا لابد الانسان أن يحافظ على الطبيعة وجمالها وأصالتها، لاسيما ما يتعلق بالبساط الاخضر الذي يفرش الارض ويعطيها لونا أخّاذا يريح النفس ويهدّئ الاعصاب ويثير في النفس مكامن الجمال والاستحسان لهذا المنظر الطبيعي او ذاك، حتى شاعت المقولة ذائعة الصيت (الماء والخضراء والوجه الحسن) تعبيرا عن أهمية محافظة الانسان على أصالة الطبيعة خاصة نباتاتها واخضرارها وأريج عطرها الذي ينتشر في الاجواء الربيعية او غيرها ليحيلها الى أماكن رائعة تبهج النفس وتريح القلب وتسرّ النظر في آن.

لكن هل يمكن للانسان العاقل أن يؤذي نفسه من دون أن يعرف بذلك، أم يقتصر أذى النفس على المجانين ؟، في الجواب نقول نعم ثمة من الناس الذي يُقال عنهم بأنهم عقلاء لكنهم يؤذون أنفسهم على نحو غير مباشر، وهذا ما يثير العجب والاستغراب، إذ بدلا من أن يدفع الانسان العاقل الضرر عن نفسه وذويه ومحيطه يساعد من حيث يدري او لايدري على إلحاق الأذى بنفسه ومحيطه !! من خلال اللامبالاة التي تتلبسه في تعامله مع الطبيعة ومع الاراضي الخضراء تحديدا.

فبدلا من أن يضاعف الاون الاخضر الجميل الهادئ الذي يكسو وجه الارض يعكل على إزاحة هذا اللون وإبداله بلون رمادي متجهم يثسر التقزز والاشمئزاز ويجعل الاعصاب متوثبة ومستفزَّة على الدوام، ولكن كيف يحدث ذلك ؟.

لقد سطا الانسان بعقليته (ذات البعد الاحادي) المصلحي الفردي، على مساحات واسعة ذات تربة خصبة خضراء أصلا وحوّلها الى استخداماته الخاصة بعيدا عن العلمية والموضوعية التي يجعلها خلف ظهره حين يتعامل مع الطبيعة والارض، فيعمل على تحويل المساحة الخضراء الى دار للسكن !! ولا تنحصر هذه الحالة بفرد او بمجموعة افراد بل جماعات كثيرة، الامر الذي يضاعف كثيرا من طمر الاخضرار وقتل البساتين بحجة اقامة دور السكن او المشاريع الاخرى الاستثمارية او الاقتصادية او غيرها.

علما ان الانسان كان في ازمنة مضت افضل تعاملا مع البيئة، يقول الامام الشيرازي: (من عادة البشرية أنهم ينحتون مـن السهول قصوراً، وينحتون من الجبال بيوتاً، وهي عادة كانت قبل عادٍ وبعدهـا وحتى يوم القيامة. فمن يسافر إلى المناطق الجبلية يجد فيها بيوتاً وبساتيناً وقصوراً سفحيّة، فالبيوت منحوتة في داخل الجبال، والمزارع والبساتين تقام على السفح). لهذا هناك تجاوز من لدن الانسان الراهن، حيث أن المشكلة الأكبر في هذا المجال تتمثل بغض الطرف القانوني عن مثل هذه التجاوزات، فعلى الرغم من وجود قوانين سارية المفعول تحضر تحويل البساتين والاماكن الخضراء الى دور سكنية او مشاريع اقتصادية او خدمية، لكنها غير مفعّلة او أنها لا تُطبق على نحو واضح وشامل لكي تحد او توقف التجاوزات الهائلة التي تأخذ من جرف المساحات الخضر لتصب في صالح اللون الرمادي او ما يُطلق عليه بالتصحر، ناسين أو متجاهلين الخطر المتعاظم للتجاوز على الطبيعة، ولعل السبب الذي أكده علماء الطبيعة مرارا فيما يتعلق بالعواصف الترابية وكثرة الغبار يكمن في مثل هذا التعامل العشوائي مع الارض او مع الطبيعة بشكل عام، فطالما أن مثل هذه التجاوزات قائمة ومستمرة فإن اختلال الجو وتلوث الهواء أمر لا مفر منه.

كما أن العواقب الناتجة عن ذلك لا يمكن أن تُكبح ما يؤدي الى حالات وفاة كثيرة بين كبار السن والمرضى بالربو وغيره، ناهيك عن الحد من أنشطة الناس بصورة عامة والتوقف عن العمل بأنواعه في الاجواء المغبرة، إذن فالنتائج السيئة لا تتعلق فقط بتناقص اللون الاخضر ولا بالتجاوز على الطبيعة، ولا بغياب الحس الجمالي لطبيعة المكان وما شابه، بل الامر يتعدى ذلك الى فاعلية النشاط البشري والصحة العامة، والمخاطر الجمة التي يمكن أن يتعرض لها الانسان وهو يتغافل عن أفعاله الخاطئة بهذا الخصوص، حيث يغيب الرقيب الفردي نتيجة للجهل او اللامبالاة يرافقه غياب التطبيق القانوني بحق المخالفين من لدن الجهات الرسمية المختصة، بمعنى أن الخطأ يشترك به المواطن مع المسؤول في ظل عشوائية التخطيط والتطبيق والشعور بالمسؤولية المشتركة. وهنا يستدعي الامر جملة من الخطوات التي لابد أن تُطبَّق على الارض من اجل حماية البيئة ومنها مكافحة التصحّر، ونقترح الخطوات التالية:

- تفعيل القوانين السارية بحق من يتجاوز على الاراضي الخضراء كالبساتين وغيرها وعدم التهاون في هذا المجال قط.

- تخصيص أماكن سكنية كافة وحصرها بالمناطق غير الزراعية.

- نشر الوعي بين الناس حول خطورة تحويل الاراضي الزراعية والبساتين والمناطق الخضراء كافة الى أماكن سكن وما شابه.

- التنبيه المستمر على ان التلوث المناخي والعواصف وما شابه يعود الى تجاوزات الانسان المستمرة على المناطق الخضراء.

- تفعيل الجهد الحكومي من خلال زراعة المناطق الخالية بالنباتات وانواع الثيل وما شابه وعدم الاكتفاء بالمناطق التي تقع داخل المدن، بل زرع الأحزمة الخضر حول المدن.

- لابد لوزارة الزراعة القيام بدورها بهذا الخصوص على نحو أفضل وذلك بالتعاون مع الجهات المختصة كوزارة البلديات التي يجب أن تحد من ظاهرة تحويل البساتين الى قطع سكنية.

- النظر الى مشكلة التصحر بعين المسؤولية الجادة التي ترصد الاسباب وتضع المعالجات اللازمة من خلال لجان متخصصة في هذا المجال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/آب/2012 - 12/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م