استثمار شهر رمضان معرفيا

 

شبكة النبأ: شهر رمضان شهر ثقافي بامتياز، تكثر فيه الامسيات الثقافية/ الفكرية/ الفنية/ الدينية، وأمسيات الفلكلور الشعبي، حتى الألعاب التي يلجأ اليها الصغار والكبار، لها نكهتها وخصوصيتها الرمضانية التي تختلف عن الشهور الاخرى.

استثمار شهر رمضان ثقافيا ينبغي أن يكون هدفا للمؤسسات والمنظمات الثقافية الرسمية (التابعة والمتفرعة عن وزارة الثقافة) والاهلية (المهنية مثل اتحادات الكتاب والادباء، والصالونات الشخصية) وغيرها، هذه المنظمات اذا كانت جادة في تفعيل المشهد الثقافي عموما، فإن الوقت الامثل لتحقيق هدفها هذا، هو شهر رمضان.

الناس بعد الافطار يبحثون عن الفائدة والمفاكهة، للتخفيف من وطأة الصوم (الجوع والظمأ)، كذلك هناك تحرك لتعويض سبات النهار، حيث تسود بعد الافطار، حالة من الانشراح والانفتاح النفسي لدى الجميع، فيهبّ الناس للبحث عن منافذ يستمدون منها الفائدة والمتعة والترويح النفسي من خلال اجواء الفكاهة.

كان هذا يحدث في أزمنة خلت، ليس جديدا على المجتمع الاسلامي والعربي العيش في مثل هذه الاجواء، في مصر مثلا هناك مناطق تبقى مستيقظة حتى الفجر، تمارس حياتها الثقافية والدينية بانشراح وتواصل، كما يحدث مثلا في منطقة (سيدنا الحسين) حيث تعج المنطقة بالتواشيح والابتهالات والاناشيد التي تريح النفس قبل السمع، وتزيد من تعميق الجانب الروحي للانسان على حساب المادي، وهناك نوع من الدبكات او التجمعات تنشد ما هو ديني او فلكلوري متعارف ومتوارث عن الاجداد، لكنه يقرض حضوره بقوة بين الناس الحاضرين ليزيدهم متعة ومعرفة، وسمو روحي مطلوب.

في كربلاء المقدسة هناك محافل وبيوتات ومجالس ثقافية ودينية وفكرية تعقد في هذا الشهر بصورة يومية بعد الافطار، فمثلا لدينا ديوان آل كمونة، معروف في مركز المدينة بأنشطته الثقافية والاجتماعية، ولدينا الحوزات العلمية والمؤسسات التابعة لها وما تقدمه من انشطة دينية توعوية طيلة هذا الشهر المبارك، كذلك لدينا صالونات شخصية تفتح ابوابها بعد الافطار، واحيانا قبل الافطار، فيما تنشط بعض المنظمات الثقافية مثل نادي الكتاب وقصر الثقافة واتحاد الادباء وما شابه.

ولكن من المفيد التذكير هنا، أن هذه الانشطة تفتقد للتنسيق والادارة شبه الموحدة، بالاضافة الى ذلك غياب الجهد الرسمي او ضعفه، بمعنى اننا في متابعتنا لانشطة المدينة الثقافية في شهر رمضان، نلاحظ انها لا تتناسب وقيمة هذا الشهر كفرصة ذهبية للتثقيف، مثلا ليس هناك نشاط مسرحي او فني ترعاه الحكومات المحلية، وحتى لو كان هناك نشاط فهو محدود ولا يؤدي الهدف المطلوب، ويكون في الغالب ذا طابع شكلي يخلو من الهدف الجوهري، أي ان الحكومة او الجهات الرسمية التي تقوم به تهدف الى الاستعراض اكثر من الهدف التثقيفي الحقيقي، وغالبا ما يكون اشبه باسقاط الفرض، ناهيك عن اساءة استخدام الاموال في مثل هذه الانشطة الشكلية، ولا ينحصر هذا بمدينة كربلاء المقدسة وحدها، ولكن بسبب مكانتها الخاصة، فإن الخلل فيها يكون اكثر وضوحا وتأثيرا من المدن والامكنة الاخرى.

وبعيدا عن التخصيص والحديث عن هذه المدينة او تلك، فإن المطلوب من الجميع، وأولهم الجهات الرسمية الثقافية، وضع جداول عمل وخطط تسبق هذا الشهر، من لدن لجان او جهات لها خبرة في اقامة وادارة الانشطة الثقافية التي تضاعف المعرفة والوعي لدى الجميع، لاسيما الطبقة الادنى وعيا في المجتمع.

يتم هذا ببساطة ووضوح اذا تم استثمار شهر رمضان ثقافيا، من خلال عقد النية الحقيقية المخلصة لتفعيل الثقافة بين جميع طبقات ومكونات المجتمع، لذا يتطلب الامر تشريعات رسمية وارادة متخصصة مخلصة حقيقية، والابتعاد عن ظاهرة الاستعراض وترك الجوهر، هذه دعوة للمعنين جميعا أن يجعلوا من شهر رمضان المبارك فرصة حقيقية لنشر المعرفة الفنون والثقافية والوعي بصورة شاملة، بين الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/تموز/2012 - 11/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م