الخصخصة وخطورة الفساد المالي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة مفهوم اقتصادي معاصر، يهدف الى تخفيف الاعباء الخدماتية عن كاهل الدولة، ومساعدتها على التفرغ للقيام بالمهام الاساسية الكبرى، مثل الحفاظ على سيادة الدولة من الاخطار الخارجية، والمسك بزمام الامن الداخلي، وادارة ثروات البلد بصورة ناجحة، وما شابه من مهام تتطلب جهودا مادية وتنظيمية كبيرة، هذا المفهوم اطلق عليه المعنيون بالخصخصة، وهو يتيح للقطاع الخاص أن يأخذ دوره في بناء الاقتصاد الوطني، بعيدا عن سطوة الحكومة او الحاكم، مثلما يحدث في ظل الانظمة السياسية المستبدة.

ولابد من القول ابتداءً: (لا يوجد مفهوم دولي متفق عليه لكلمة الخصخصة، حيث يتفاوت مفهوم هذه الكلمة من مكان إلى اخر ومن دولة إلى أخرى. ولكن لو اردنا تعريف هذه الظاهرة التي أصبحت موضوعا رئيسيا يتم استخدامه في معظم الدول، فانها فلسفة اقتصادية حديثة ذات استراتيجية، لتحويل عدد كبير من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا للدولة، من القطاع العام إلى القطاع الخاص. فالدولة، في المفهوم الاقتصادي الحديث، يجب أن تهتم بالامور الكبيرة كالامور السياسية والإدارية والأمنية والاجتماعية التي ترتبط بسياستها العليا، اما سائر الامور الأخرى فيمكن تامينها من قبل القطاع الخاص وذلك في اطار القوانين والأنظمة التي تضعها الدولة وتنظم من خلالها عمل هذا القطاع/ موسوعة الوكيبيديا).

لذا فإن الخصخصة تعني في التعبير الاقتصادي، العمل على نقل الملكية العامة أو إسناد إدارتها إلى القطاع الخاص. حيث تأخذ الخصخصة أسلوبين، الأول: هو بيع أصول مملوكة للدولة إلى القطاع الخاص. والثاني: هو أن تتوقف الدولة عن تقديم خدمات كانت تضطلع بها في السابق مباشرة وتعتمد على القطاع الخاص في تقديم تلك الخدمات. وتوصف عملية الخصخصة اليوم بأنها ظاهرة عالمية.

ولكن هناك مخاطر ترافق عملية الانتقال او محاولة الانتقال الى نظام خصخصة الدولة، لاسيما في الدول التي تنضوي تحت مصطلح (البلدان النامية) ومنها الدول العربية بطبيعة الحال، تتمثل هذه المخاطر بالحاق الاذى المباشر بالطبقة الاكثر فقرا ونسبة في المجتمع، كما هو الحال بالنسبة للعراق.

حيث ظهرت في الآونة الاخيرة اصوات تنادي بخصخصة الخدمات كالكهرباء مثلا، والزراعة والصناعة وما شابه، ونظرا لسعة هذا الموضوع وتعدد المجالات الاقتصادية، فإننا سنتخذ من قطاع الكهرباء محورا لمقالنا هذا، فقد ظهر مسؤول اللجنة النيابية للطاقة في البرلمان، ودعا بوضوح وصوت عال الى نقل الكهرباء من مسؤولية الدولة الى الخصخصة، وارفق طلبه هذا بأهمية ان تكون مجالس المحافظات، هي المسؤولة عن ملف الكهرباء بخصوص الاستثمار والتعاقد مع الشركات او الجهات المصنعة لاسيما الاجنبية منها، وقد عرض النائب نفسه وثائق وادلة واضحة، تؤكد عجز وزارة الكهرباء عن الايفاء بوعودها بخصوص تحسين الانتاج من الطاقة الكهربائية.

ولكن مع هذه الدعوة المتحمسة لخصخصة الكهرباء من لدن النائب، والجزم بأنها الطريقة الوحيدة لحل هذه الازمة، فإنه من جانب آخر لم يتطرق بتاتا، للمخاطر التي سترافق عملية الانتقال الى خصخصة الكهرباء، والتي تتمثل بجانبين مهمين هما:

الاول: الاضرار المادية الكبيرة التي ستلحق بالمواطن، من ناحية دفع الاجور التي ستكون باهضة حتما، خاصة ان الدولة سترفع يدها عن دعم المواطن بخصوص دفع الفواتير الشهرية التي تتصاعد كل سنة تقريبا، علما ان الدخول الشهرية للمواطنين متردية اصلا، لاسيما المتقاعدين، وعوائل شبكة الحماية الاجتماعية وغيرها.

الثاني: مخاطر التجاوز على المال العام المخصص للكهرباء من لدن مجالس المحافظات والجهات التنفيذية الاخرى، فقد شكا النائب المسؤول عن لجنة الطاقة في البرلمان، من الفساد المالي والاداري في وزارة الكهرباء، وهي مؤسسة واحدة يقودها وزير واحد، ولم يعلن اية مخاوف من الفساد الذي سيطال الاموال المخصصة للكهرباء، مع انها ستكون اكثر عرضة للنهب، بسبب تعدد الجهات التي ستكون في عهدتها، (جميع مجالس المحافظات ودوائر الاستثمار) وغيرها.

لذلك اذا كان مجلس النواب او الجهات الاخرى تسعى فعلا لخصخصة الكهرباء وغيرها، فإن الهدف الاول يجب أن يتمثل بالاحتراز الدقيق من انعكاسات الخصخصة على المواطن، ووضع التشريعات الرادعة للتجاوز على المال العام، وفق آليات تتيح العقاب المباشر والشديد لكل من يتعرض للمال العام، لأن تجربة القضاء التقليدي مع الفساد المالي أثبتت فشلها وعدم قدرتها على ردع المافيات والعصابات والحيتان الكبيرة، التي لا تزال تتغلغل في مؤسسات الدولة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/تموز/2012 - 8/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م