مش كده يا عم مرسي

كاظم فنجان الحمامي

تحدثنا قبل بضعة أيام عن المطارات والمنافذ العربية الطائفية، من دون أن نشر إليها بالاسم، فأوجزنا الحديث عن تعاملها السيئ مع العراقيين، وتكلمنا عن فقدانها لإنسانيته، وسقوطها في أوحال المستنقع الطائفي، وتأثرها بأمراضه القديمة والمستحدثة، فما أن تطأ أقدام المواطن العراقي أرض المطار، ويتوجه إلى النافذة التي يقبع بها ضابط الجوازات، حتى يفاجئه الضابط بإطلاق سلسلة من الأسئلة الغبية، من مثل:-

- ما هي ديانتك؟

- مسلم

- سني لو شيعي؟

- مسلم

- أيش يعني مسلم، حدد إجابتك؟

- مسلم يعني مسلم، بالهوية مسلم، بالعقيدة مسلم، بالجواز مسلم، بالدنيا مسلم، بالآخرة مسلم.

- ارجع إلى بلدك أنت غير مصرح لك بالدخول، لأنك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

لقد تكررت المضايقات في النقاط الحدودية الرسمية، وتوسعت كثيراً حتى صارت الاستفسارات الطائفية من العلامات الفارقة لبعض المطارات الجوية والمنافذ البحرية والبرية، وبرع مطار عمان في الأردن بابتكار أساليب مزعجة ومذلة للتعامل معن، في حين تخصصت الموانئ الإماراتية بالمهمات البحرية الطائفية..

يروي لي أحد أصدقائي في السعودية انه تعرض لمثل هذه المعاكسات الطائفية في مطار عمان، لا لشيء إلا لأنه كان يتحدث باللهجة العراقية، فعندما سمعه ضابط الجوازات يتكلم العراقية الدارجة ظن انه من العراق فأخذ يتململ ويتعنقر ويتعجرف ويتفلسف، بيد ان الضابط نفسه تغيرت معاملته فجأة، واعتذر منه بعدما علم بأنه يحمل جوازا سعوديا..

في عام 2007 كنت في طريقي (جوا) من البصرة إلى البحرين عن طريق الإمارات، وصادف ان هبطت الطائرة في مطار دبي، فتوقفنا قليلا هناك بانتظار الانتقال إلى إحدى طائرات (طيران الخليج) المتوجهة إلى المنامة، تحدث معي صدفة احد ضباط المطار باللغة الانجليزية، فطلبت منه (بلطف) التحاور باللغة العربية من باب السهولة والوضوح، فاكتشف من لهجتي باني عراقي، وهنا وقعت المصيبة، إذ ارتعدت فرائصه، وتحول فجأة إلى غول يهدر بالغضب، فاستفزني وأصر على التحدث بانجليزية معجونة ببعض الألفاظ البلوشية، ولم يكن حديثه معي ودي، إذ انتهى بنا المقام إلى استجوابي في غرفة التحقيقات التابعة للمطار، وكأنني اقترفت إثما عظيم، فوضعوني في ردهة الانتظار لبضعة دقائق، ثم استدعاني الضابط المسئول، وكان إنسانا ودودا متحضر، اعتذر مني على الفور، وسمح لي بمواصلة الرحلة إلى البحرين. لكنني وعلى الرغم من مرور أعوام على ذلك الموقف المزعج لم استطع التخلص من آثار الصدمة حتى يومنا هذا..

وبمناسبة الحديث عن المنافذ الطائفية، نقول: ليس من المنطق، ولا من العدل أن نتوجه بالنقد والعتاب، ونحتج على الممارسات المخزية لتلك المطارات، التي تلقت توجيهات مركزية مريضة من حكوماته، تقضي باستفزاز العراقيين، والإساءة إليهم مع سبق الإصرار والترصد، بل يتعين علينا أن نتوجه باللوم والنقد إلى حكومتنا، التي تجاهلت هذه الإساءات المتكررة، وكأنها لا تدري، ولا تسمع، ولا ترى ما يجري كل يوم في المطارات العربية من معاكسات طائفية مشينة، تستهدف العراقيين وحدهم دون غيرهم..

ثم حملت لنا وكالات الأنباء خبرا عن الرئيس المصري الجديد في غاية الغرابة، يقضي بمنعه العراقيين والإيرانيين من دخول مصر، في الوقت الذي أكدت فيه المصادر على تبني الحكومة تسهيلات جديدة تسمح بدخول الجاليات الإسرائيلية واليهودية إلى شرم الشيخ بسهولة ويسر، ومن غير تعقيدات..

الغريب بالأمر إننا لم نسمع بالإجراءات المصرية الجديدة من وسائل الإعلام المصرية ولا من العراقية، بل سمعنا بها عن طريق الخطاب التحذيري، الذي يقال إن الملكة إليزابيث الثانية وجهته إلى الحكومة المصرية، وتضمن رفض الديوان الملكي البريطاني القرارات، التي تبناها الرئيس (مرسي) بمنعه المسافرين العراقيين من دخول الأراضي المصرية..

وأشارت التقارير: إن صاحبة الجلالة نوهت في خطابها عن عدم إقحام الشعوب بالممارسات السياسية، وعدم السماح بانتهاك حقوقهم، ووصفت في خطابها هذا القرار بالمفاجئ، وإنه يعد نقطة بداية لإثارة النعرات الطائفية في المنطقة..

ما يعني إن الحكومة البريطانية هي التي أرست لمرسي قواعد التعامل الصحيح مع الشعب العربي، وهي التي دلته على الطريق، واحتجت على سياسته الطائفية، وان مرسي ماض في تطبيق سياسته التعسفية ضد العراقيين، وبالتالي فإننا نقف اليوم على حافات منزلقات قومية خطيرة، تدفعنا إليها الزعامات العربية المعادية للعرب، والتي صارت تتلقى النصح والتوجيه من نساء الغرب..

كانت مصر ولا تزال قلب الأمة العربية، وكانت في زمن الراحل جمال عبد الناصر هي الملاذ الآمن لكل العرب، من دون فوارق، ومن دون اللجوء إلى المعايير المزدوجة في التعامل مع الناس. لم تكن العروبة في فكر عبد الناصر مجرد هوية يحملها الذين يتحدثون بلغة الضاد، ويعيشون في ربوع هذه الأرض الممتدة من الخليج إلى المحيط، وإنما كانت دعوة للنهوض والتلاحم والتآزر والتآخي والتقارب، والوقوف صفا واحدا في مواجهة التحديات الكثيرة، التي كبلت العرب، ومنعتهم من النهوض والشموخ والتألق، في حين تسعى الزعامات المصرية الجديدة إلى السير في الاتجاهات المعاكسة، وتحث الخطى نحو الدخول في مأزق المشاريع القطرية والعنصرية والطائفية والمذهبية، التي ازدهرت هذه الأيام في ظل الركود، الذي شهدته النهضة العربية، بعد أن صار حلف الناتو قائدا ورائدا لمشاريع التقسيم والتجزئة، بدعم مطلق من أوكار التواطؤ مع الغزاة..

ففي الوقت الذي تتوحد فيه الاتجاهات العالمية نحو التكتلات الكبرى، تسعى حكومات الطوائف العربية نحو التشرذم والتمزق والتنافر، تارة باسم الدين، وتارة باسم المافيات الجهادية، وتارة باسم الإيحاءات الطائفية المقيتة، فتنكرت لعروبته، وتنكرت لأصول الدين الحنيف، وعملت على حجب التواصل بين أبناء البلدان العربية، تمهيدا لطمس القواعد الإنسانية القائمة على مبدأ الاحترام المتبادل بين المدن والعواصم العربية، ففتحت بواباتها للأفواج السياحية الغربية، وأوصدتها بوجه العراقيين الراغبين بالدراسة في الجامعات المصرية، واتخذت الحكومة المصرية قرارها هذا بعد مضي بضعة أسابيع على تشكيله، وكأنها كانت تعد العدة لحرمان أبناء الفراتين من التجوال على ضفاف النيل، في محاولة مسعورة لفرض حصار الجاهلية على العراق العظيم، الذي وقف وقفته المشرفة مع أشقائه في مصر، وسمح لهم بزيارة العراق بالهوية الشخصية..

نأمل أن لا يسقط الرئيس المصري الجديد بالضربة الطائفية القاضية، ونقول له ولغيره: لن تتفتت وشائج العلاقات الأخوية الحميمة بين العراقيين والمصريين بخناجر الجاهلية الأولى، التي تلوح بها المافيات السياسية المنبعثة من الأقبية الطائفية المظلمة..

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/تموز/2012 - 8/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م