فضائل رمضان بين التجربة والكلام

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: من الامور المتفق عليها بيننا جميعا، بغض النظر عن الميول او الانتماء الديني والمذهبي والعرقي، أن شهر رمضان ذو خصوصية تامة، تميزه عن جميع شهور السنة، فحين يُقال انه شهر الله تعالى، فهو فعلا كذلك لانه شهر الخير والبركة والمغفرة وشهر الطاعات ايضا، ولكن يبقى الفعل الملموس هو سيد الموقف كما يرى ذلك سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) إذ يقول سماحته في كتابه القيم الموسوم بـ (نحو بناء النفس والمجتمع): (لو لاحظ ذوونا وزملاؤنا أنّا نسعى لأداء صلواتنا في أوقاتها فإنهم سيلتزمون بذلك في الغالب حتى لو لم ندعهم بألسنتنا. وهذا لا يعني عدم وجود استثناءات ولكن التبليغ العملي والتربية والدعوة من خلال العمل بطبيعتها تؤثر أكثر من الدعوة باللسان آلاف المرات. فما فائدة أن تدعو ابنك لأداء صلاته أوّل الوقت وهو يراك لا تكترث بذلك؟!). ويضيف سماحته في هذا الصدد قائلا: (إن الذين عايشوا أشخاصاً اعتقدوا بصلاحهم - لما لاحظوهم يسعون أن لا تختلف أفعالهم عن أقوالهم - هم أفضل في الغالب من الذين استمعوا آلاف المواعظ، دون أن يروا نماذج عملية تجسّدها).

المؤمن مكرّم من الله تعالى

ان الله سبحانه يكرم الانسان على افكاره واعماله، ويساعده على تحقيق هذا الهدف، لذلك يأتي شهر رمضان كفرصة الهية تُمنح للانسان حتى يصل الى التكريم الالهي من خلال التزامه وكفاحه المستمر ضد الزلل وضد رغبات النفس الممقوتة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (إن كل مؤمن في هذا الشهر الكريم - شهر رمضان المبارك- قد جُعل من أهل كرامة الله تعالى. وهذه الكرامة لا تخصّ الصائمين فقط بل هي تشمل حتى أصحاب العذر الشرعي الذين يسوغ لهم الإفطار كالمسافر والمريض. إن هذه الكرامة هي لهذا الشهر الكريم، للياليه وأيامه، وكل ساعاته. فالعناية الإلهية تشمل الجميع، ولكن بما أن إحدى صفات الله تعالى المهمة ومن أسمائه الحسنى «الحكيم» أي الذي يضع الشيء في موضعه، فهذا معناه أن التوفيق الإلهي وإن كان شاملاً في شهر رمضان لكلّ العباد، إلا أنّ قدراً منه يرتبط بمقدار همّتنا وتوجهنا وجهدنا.)

لذلك يعد هذا الشهر فرصة لبناء الذات والمجتمع، وان السعي له نتائج متباينة كل حسب الجهد الذي يبذله في الطاعة والالتزام والتطبيق ايضا، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على خصوصية هذا الشهر قائلا بهذا الخصوص: (إن شهر رمضان المبارك هو شهر بناء الذات وتغيير النفس، وهذا الأمر مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك أهل العلم وغيرهم، ومهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقيّ أيضاً. يقول النبي صلّى الله عليه وآله: فإن الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. وهذا معناه لو أن أحداً أهمل بناء نفسه في هذا الشهر المبارك وقصّر حتى مرّ عليه ولم ينل تلك المغفرة الإلهية التي هي أوسع وأسرع وأعظم فيه منها في سائر الشهور، فإنه هو الشقي حقاً).

دور الصلاة وتلاوة الادعية

وطالما ان الانسان يطمح نحو الافضل دائما، فإنه سيبقى دائم السعي في هذا المجال، مستفيدا من الفرصة الذهبية في هذا الشهر المبارك، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (لاشك أن كل إنسان يتمنى لنفسه التغيير نحو الأفضل، ولكن المسألة ليست بالأماني، فبالأماني وحدها لا يتحقق التغيير، بل هو بحاجة إلى عزم وتصميم ومتابعة ومثابرة وجدّ واجتهاد. فمن لم يقصّر في المقدمات يوفَّق في النتائج بلا شك؛ لأن هذا هو الهدف الأصلي لخلق الإنسان).

ولا ريب ان هناك دور روحاني كبير للصلاة، وتلاوة الادعية في تنقية النفس وتشذيبها من الاخطاء، حيث تسمو الروح وتترفع النفس عن الصغائر، وتتحاشى ارتكاب المعاصي والذنوب، وهذا هو السعي الحثيث لتقييد النفس ضد الزلل ، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا الصدد بالكتاب المذكور نفسه: (إن الصلوات والأدعية والزيارات والأعمال الواردة في شهر رمضان المبارك بنفسها معدّات لتحقّق بناء الذات، بيد أن المرء قد لا يسعه الوقت للقيام بها كلها، بسبب تزاحمها مع مشاغل أخرى قد تكون مطلوبة هي الأخرى كالتبليغ مثلاً. إذن، فليس هناك طريق للتوفيق أسهل من طريق محاسبة النفس، لأنّها مطلوبة جداً ولها تأثير كبير على الإنسان).

وهناك طرق عديدة لمحاسبة النفس على الانسان المؤمن اللجوء اليها واستثمارها من اجل تحصين نفسه ضد الانحراف والزلل.

التفرع لشهر رمضان

من المؤكد ان الوصول الى الاهداف الكبيرة يتطلب سعيا يوازي قيمة الهدف وحجمه واهميته، وشهر رمضان يحتاج من الانسان ان يتفرغ له، فهو لا يشبه الشهور الاخرى، انه شهر الطاعات والعبادات وطلب المغفرة، وهذا يتطلب جهودا مضاعفة لتنمية الجانب الروحي والايمان والتقوى والتقرب الى الله تعالي.

وذلك من خلال السلوك القويم مع الآخرين، وفي المقدمة منهم العائلة، الزوجة والام والاب والاطفال، والحفاظ على حقوق الجميع، وعدم التجاوز عليهم بأية طريقة كانت.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (إذن، فليخصص المرء كل يوم من شهر رمضان بعض وقته ويخلو فيه، ليراجع ما قد مضى منه خلال الساعات الماضية، فينظر ما عمل وما قال وما سمع وما رأى وما أخذ وما أعطى، وكيف تصرّف مع زوجته وأطفاله وأصدقائه وزملائه؟ وباختصار: ليدقّق مع نفسه فيم صرف وقته؟ ليصمّم بعد ذلك على أن يزيد من حسناته ويقلّل من سيئاته).

وتبقى التجربة العملية اقوى تاثيرا من الكلام، حيث رؤية العمل الجيد والصالح مجسدا فعليا، افضل من قوله بالكلام فقط، لأن تاثيره سيكون هنا مضاعفا، على العكس من الكلام المجرد الذي يكون مفعوله اقل تاثيرا كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا بهذا المجال: (وهكذا قد يتذكر الإنسان في الشدائد بعض المواقف العملية بسرعة ولا يتذكر أياً من الآيات والروايات أو المواضيع التي قرأها أو سمعها أو قالها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/تموز/2012 - 6/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م