اذا كان التكنوقراط يقسم الى سياسي ومهني.. فان الاول يكتسب خبرته
من الممارسة واحتراف السياسة دون الحاجة احيانا الى شهادة تخصصية، اما
الثاني فانه يحمل قدرات ومؤهلات علمية وشروط اكاديمية وخبرة تطبيقية
وعملية.
وفي حين فشل التكنوقراط السياسي في العراق بإثبات وجوده رغم احترافه
الممارسة والسلطة لتسع سنوات، لاسباب منها : عجزه عن حل الازمة
السياسية المتفاقمة منذ سنوات اولا؛ اصراره على التمسك بمنصبه ثانيا،
رفضه ومنعه وصول بدلاء عنه ثالثا؛ وصوله الى العمل السياسي عن طريق
المصادفة او المحاصصة رابعا؛ وسيادة مفاهيم النفعية والمصلحة الحزبية
والفئوية على المصلحة الوطنية خامسا.. فان التكنوقراط المهني (الذي كلف
الدولة المبالغ الطائلة) يثبت وجوده المحدود في مجالات البناء والاعمار
رغم ركنه جانبا وتقييد امكاناته وخبراته ورهنها للإرادة السياسية
وعراقيل البيروقراطية الادارية التي لا تنتهي بين خلافات مجالس
المحافظات والوزارات تارة؛ والحكومة المركزية والمحافظات والاقليم؛
تارة اخرى.
ان الازمة الحالية ليست ازمة دستورية بل هي سياسية بالدرجة الاولى
وخدمية بامتياز، تلعب فيها الكتل ادوارا مختلفة تتبادل فيها المراكز
وهي في حكومة واحدة بين معارضة احيانا ومؤيدة احيانا اخرى لقضايا فرعية
بعيدة كل البعد عن المشكل والمسبب الاساس، فالعراقية تؤيد خطوات دولة
القانون في كركوك وتختلف معه في باقي المحافظات والملفات، بينما يتفق
دولة القانون مع الائتلاف الوطني على ورقة الاصلاح ويختلف معه؛ وهو
حليفه؛ بالعلاقة مع الكتل الكردستانية التي تتحالف بدورها اليوم مع
العراقية التي كانت والى وقت قريب خصم لدود لها في ملف المناطق
المتنازع عليها.
هذا على الصعيد السياسي، اما في الخدمي فان رفض الكتل الاعتراف
بالفشل والامتناع عن استبدال الوزراء العاجزين باخرين اكفاء والتستر
على حالات الفساد بشكل يدفع باتجاه شحن الاوضاع السياسية بين الكتل
ذاتها.. امر يدعو الى القلق على العملية السياسية والديمقراطية والخوف
من هيمنة تلك الكتل على القوائم الانتخابية القادمة.. على قاعدة ان لا
بديل عنها في الساحة او لا خيار امام الناخب سوى التصويت لها.
ان الكتل البرلمانية على المحك؛ وهي المطالبة بسحب وزرائها العاجزين
الفاشلين دون خجل، واستبدالهم بذوي الدراية والاختصاص لا لقرب
الانتخابات او لتبييض وجه تلك الكتل امام المواطن الذي لطخه سوء
الخدمات وتفشي الفساد وانتشار الانتهازيين وتوالي الانشقاقات بين
صفوفها او حتى تذبذب مواقفها السياسية وتقلبها بعشوائية، بل لانه مطلب
المواطن والعقل والمنطق والواقع والمصلحة الوطنية التي لا غنى عنها
والخبرة السياسية المتراكمة (التي نفتقدها وتفتقدها النخبة) في مقابل
عقلية التمسك بالسلطة خلافا للواقع؛ بعيدا عن المنطق قريبا من مصلحة
الشخص والحزب والطائفة التي آن لها ان تتراجع وتنتهي؛ كلما اقتربنا من
الاستحقاقات الانتخابية التي ستحمل؛ شاءوا ام ابوا؛ رياح تغيير
العاجزين؛ بالتكنوقراط السياسي الناجح او المهني الفاعل. |