رمضان ومنظومة القيم الاجتماعية

 

شبكة النبأ: لا شك ان القيم الاجتماعية والحفاظ عليها، هي هدف دائم ويعد من مسؤولية الجميع، لكن فئة الشباب تختلف عن غيرها من الفئات العمرية التي تتوزع على الطفولة والمراهقة والكهولة وكبار السن، اذ ان مرحلة الشباب هي الاكثر حيوية ونشاطا وحماسا ايضا، لذا غالبا ما يحتاج الشباب الى آفاق واسعة رحبة من الحرية، للتعبير عن طاقاتهم وابداعاتهم الكثيرة والمتنوعة، ولتحويلها من كونها تصورات او احلام او افكار الى حالة ملموسة، وان اي خلل في هذا الجانب يؤدي الى تعثر مواهب الشباب وحياتهم ايضا.

في شهر رمضان يمكن ان تتجدد فرص الشباب وغيرهم لتعميق القيم، في مجالات التعبير عن مواهبهم وطاقاتهم، وتحويل أفكارهم وابداعاتهم الى عمل مجسّد، ولكن يبقى الامر منوطا بالجهات ذات العلاقة، سواء الاهلية او الرسمية الحكومية.

لكن الملاحظ ان الشباب خاصة مهملون على الدوام، ليس هناك برامج وخطط عملية لاستيعاب مواهبهم، وهذا الوضع لا يتعلق بشهر رمضان وحده، بمعنى أن الشباب – على نحو خاص- معرضون الى حالات الاهمال المزمن، لذا حين يأتي شهر رمضان المبارك قد يشكل حافزا للفاشلين المتلكئين باستيعاب طاقات الشباب.

لان هذا الشهر يكسر نمطية الزمن، ويغير السائد والمعتاد في الحياة، لذا كلنا عايشنا الانشطة الاجتماعية والثقافية والفنية التي تأخذ طابعا ترفيهيا مفيدا، حيث تقدم الاعمال الفنية او الابية او التاريخية، فيما تنشط العلاقات الاجتماعية، وتزداد المحافل ذات الطابع الديني ايضا، وهكذا يتحول المجتمع برمته، (بعد الافطار) الى خلية نحل منتجة في عموم المجالات، لذا يمكن للجميع لاسيما الشباب منهم أن يعبروا في هذا الشهر عن مواهبهم وطاقاتهم وقدراتهم الكامنة، فيما لو قامت الجهات المعنية بتوفير الفرص المناسبة لذلك.

على اننا يجب أن نفهم بأن شهر رمضان فرصة لتقويم الشباب، وتركيز القيم وترسيخها في سلوكهم وطباعهم وافكارهم، خاصة اننا كمجتمع عراقي نعاني من اختلال قيمي واضح، فقد انتشرت ظاهرة الرشى، كما تنامت ظاهرة الاختلاس والتجاوز على المال العام، وحالات التزوير والاحتيال وغسيل الاموال والمضاربات والمتاجرة بما يسيء للطبقات المتدنية، وهكذا حدث هذا التغيير الملحوظ في منظومة القيم، التي دخلت فيها مضامين، اخلاقية وسلوكية غريبة، على المجتمع العراقي، وقد أصبح الاختلاس والسرقة وتعاطي الرشوة، نوعا من الشطارة، لبناء حياة الفرد والعائلة العراقية.

كذلك تنامت نزعة الحصول على الاموال، بغض النظر عن شرعية او مصدر الاموال، والمهم في الامر هو أن يحصل الفرد على المال، وفقا لقيم الشطارة التي شاعت بين اوساط المجتمع على نحو واسع، في حين كانت مثل هذه القيم معيبة، ولا يمكن أن يقبلها العراقي على نفسه، وقد وصل الامر في احيان كثيرة الى اعتبار مثل هذه السلوكيات، نوعا من الانحراف وفقدان الشرف، وليس نوعا من الشطارة كما هو متعارف عليه الآن.

لذلك فإن تنامي مثل هذه الظواهر السلبية، يعد تغييرا خطيرا، في منظومة قيم المجتمع عموما، وعلى الافراد والنخب، ورؤساء العشائر، ورجال الدين، وكل من يهمه الامر ملاحظة هذا التغيير الفادح، في منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية، وخطورة التساهل الخطير مع السلوكيات المنحرفة، واعتبارها نوعا من الشطارة.

وينبغي على الجميع انتهاز فرصة رمضان لاعادة التوازن لمنظومة القيم وترسيخها لدى الشباب كونهم، الفئة الاكثر في المجتمع، على ان يتصدر الجهد الحكومي جميع الجهود المعنية بالشباب، واستثمار هذا الشهر ثقافيا وادبيا ودينيا وفنيا، لتربية الشباب والمجتمع عموما، على الجيد والصحيح فيما يتعلق بالافكار ومنظومتيّ القيم والسلوك، وهذه مسؤولية كبيرة لا يجوز اهمالها او التغاضي عنها لاي سبب كان، كونها تتعلق ببناء المجتمع والقيم، بالاستفادة من هذا الشهر المبارك الذي يوفر فرصة مناسبة للجميع لترصين منظومتي القيم والسلوك المجتمعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/تموز/2012 - 5/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م