المرجع الشيرازي يؤكّد على واجب التبليغ في مقابل الألوف من فضائيات التضليل

 

شبكة النبأ: قال المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في حديثه حول شهر رمضان المبارك انه على المرء أن يعي جيّداً أنه كيف سيقضي أيام هذا الشهر المبارك. وعليه أيضاً أن يستفيد من آثار ومعنويات هذا الشهر المبارك بأن يتحلّى ويلتزم بتقوى الله تبارك وتعالى وبالورع، كما أمر القرآن الكريم بذلك. وشهر رمضان المبارك هو أفضل فرصة للوصول والرقيّ إلى هذه المرتبة السامية, أي تزكية النفس. ومن مصاديق التقوى رعاية وحفظ حرمة المؤمنين والموالين لأهل البيت صلوات الله عليهم. واشار الى إن الشهوات بمثابة ذئب مكشّر عن مخالبه وأنيابه للافتراس، واكد على إن ممارسة التبليغ واجب على الجميع، وواجب أهل العلم في الدفاع عن أهل البيت وبيان فضائلهم وأحقيّتهم صلوات الله عليهم للناس، وليعلم الطلبة والمبلّغين أنه في عالم اليوم هناك الألوف من القنوات الفضائية, تمارس تضليل الناس والدعاية للطّغاة.

جاء ذلك بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وكالسنوات السابقة، حيث ألقى المرجع الشيرازي دام ظله، كلمه قيّمة مهمة، بجموع غفيرة من العلماء والفضلاء والمبلّغين وطلبة العلوم الدينية والمؤمنين، من العراق والخليج وأوروبا والهند وأفغانستان وباكستان وسوريا, ومن المدن الإيرانية قم المقدّسة وأصفهان وطهران وغيرها، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، مساء يوم الأربعاء الموافق للعشرين من شهر شعبان المعظّم 1433 للهجرة. بحسب موقع مؤسسة الرسول الاكرم الثقافية.

كيف نقضي ايام شهر رمضان؟

استهلّ سماحته كلمته القيّمة بالآية المباركة التالية: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة: الآية183، وأشار إلى أنه سيحلّ علينا شهر رمضان المبارك وسينتهي، وقال: على المرء أن يعي جيّداً أنه كيف سيقضي أيام هذا الشهر المبارك. وعليه أيضاً أن يستفيد من آثار ومعنويات هذا الشهر المبارك بأن يتحلّى ويلتزم بتقوى الله تبارك وتعالى وبالورع، كما أمر القرآن الكريم بذلك.

وأضاف سماحته: إن للتقوى أبعاداً متنوّعة ومختلفة، وأهمّها تزكية النفس، وممارسة التبليغ وإرشاد الناس. ولا شكّ أن تزكية النفس هو واجب عيني والجميع مكلّفون به. ولذا يجب على الإنسان أن يعدّ نفسه ويبنيها بشكل جيّد حيث يتمكّن ويستطيع السيطرة عليها تجاه صعوبات الحياة, وقبال المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وشهر رمضان المبارك هو أفضل فرصة للوصول والرقيّ إلى هذه المرتبة السامية, أي تزكية النفس.

كما يجب على الإنسان أن يسعى إلى أن لا يزلّ أمام الشهوات، وأن لا يكون ممن لا تشمله الرحمة الإلهية الواسعة، وأن لا يكون من الملعونين، لا سمح الله، في هذا الشهر المبارك.

نعم كل إنسان يختلف عن غيره في مجال تزكية النفس وتهذيبها، فكل إنسان يحصل على ملكة التقوى ويرتقي الدرجات العالية في هذا المجال حسب إرادته وسعيه.

مصاديق التقوى

وأشار سماحته إلى بعض مصاديق التقوى، ومنها اجتناب الأعمال الطالحة والسيّئة حتى وإن كانت صغيرة، فقال: لقد ذكر القرآن الكريم والروايات الشريفة قصصاً عن بعض الناس الذين انتهت عاقبتهم إلى الخير، وبعضهم انتهت عاقبتهم بالسوء، ومنهم بلعم بن باعوراء الذي قضى معظم حياته بالتقوى وكانت له مراتب عالية في ذلك, كما في قوله تعالى: (آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) سورة الأعراف: الآية 175، لكنه وفي لحظة واحدة ركل ثمرات تقواه كلّها، فكفر بالله، والعياذ بالله، وصار من أصحاب السعير. فلذلك يجب على الإنسان أن ينتبه جيّداً ويحذر من أن لا يضيّع ولا يفني أعماله الصالحة وتقواه ويفنيهما بسبب عمل طالح صغير يصدر منه, أوسيئة صغيرة, تصدر منه. هذا أولاً.

ثانياً: ومن مصاديق التقوى أيضاً، رعاية وحفظ حرمة المؤمنين والموالين لأهل البيت صلوات الله عليهم. وفي هذا المجال أذكر لكم نموذجاً عن ذلك, وهو: نقلوا أن الشيخ البهائي قدّس سرّه في زمن مرجعيته وزعامته للشيعة ذهب ذات مرة إلى زيارة العتبات المقدّسة في العراق، والتقى بالمقدّس الأردبيلي قدّ سرّه ـ وكان حينها من أكبر الشخصيات العلمية ـ في مدينة النجف الأشرف. فتباحثا حول مسألة ما في مجلس كان غاصّاً بالعلماء والشخصيات الدينية. وبعد مناقشات كثيرة, وردّ وإثبات, استطاع الشيخ البهائي أن يثبت رأيه ويكسب النقاش.

ثم بعد عدّة أيام ذهب هذان العالمان الجليلان إلى مقبرة وادي السلام. وبعد أن قرءا الفاتحة جلسا في جانب ما وطرح المقدّس الأردبيلي المسألة نفسها وناقشها مع الشيخ البهائي واستطاع أن يقنع الأخير برأيه بأدلّة محكمة وقويّة. فقال الشيخ البهائي: هل كنت تعلم بهذه الأدلة في بحثنا ذلك اليوم أم علمت بها بعد ذلك؟ قال الأردبيلي: نعم كنت عالماً بها ذلك اليوم، لكنني لم أطرحها خشية أن يقلّل من شأنكم العلمي وتصغر شخصيتكم في عيون الحاضرين وأنتم في مقام الزعامة المطلقة للمذهب.

وعقّب سماحته بقوله: إن ما صدر من المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه هو من إحدى الامتحانات أو الاختبارات التي يمتحن ويختبر بها كل واحد منّا. ولخروج الإنسان من هذا الامتحان برفعة رأس ونجاح, فهو بحاجة إلى العمل الدؤوب والسعي الحثيث، فالنجاح لا يحصل عليه الإنسان بلحظة واحدة أو ساعة واحدة أو يوم واحد.

الشهوات ذئب

وبيّن سماحته: إن الشهوات بمثابة ذئب مكشّر عن مخالبه وأنيابه للافتراس، حيث يمكن تشبيه شهوة الأموال، والقدرة، والجاه، والمقام الاجتماعي وأمثال ذلك بمخالب الذئب وأنيابه. فحريّ بكل واحد منّا أن يسأل نفسه: إن خلت أعمالي وتصرّفاتي وسلوكي من التقوى، فكيف ستكون عاقبتي؟ وبماذا ألقى الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم الذي يصفه القرآن الكريم بقوله عزّ من قائل: (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) سورة ق: الآية21؟

وأشار سماحته إلى عاقبة البعيدين عن رحمة الله تعالى, وعن مصيرهم يوم القيامة، مستشهداً بالآية الكريمة التالية: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) سورة المرسلات: الآية32, التي تبيّن بعض عذاب جهنّم، وقال: إن الأشخاص الذين لم يلتزموا ولم يعملوا بالتقوى، وبسبب ظلمهم وإضلالهم الناس، سينالون هذا العذاب بالآخرة.

إذن يجب على الإنسان الذي لا يعرف كيف ستكون عاقبته ومصيره، ولا يعرف أين ومتى يأتيه الأجل المحتوم، يجب عليه، بل ومن الأفضل له، أن يلتزم بتقوى الله تعالى دوماً, وليس في شهر رمضان المبارك فقط.

ممارسة التبليغ واجب

وفي سياق كلمته، خاطب المرجع الشيرازي المبلّغين بقوله: إن ممارسة التبليغ واجب على الجميع، كما قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته), وأهل العلم هم المعنيون والمسؤولون، بالدرجة الأولى، عن إصلاح وهداية أفراد المجتمع.

فعليهم أن يهتموا كثيراً بالتبليغ ويمارسونه، حتى وإن كانت نسبة تأثير تبليغهم في صلاح الناس واحد بالمائة. وعليهم أن يستفيدوا من لوازم ممارسة التبليغ، ومنها الهيئات الدينية، والمجالس، والوسائل الإعلامية الحديثة, المقروءة والمرئية, وأهمها الانترنت والفضائيات, بأحسن نحو.

وذكر سماحته جوانب من محاولات الأعداء في محو وطمس مناقب وفضائل أهل البيت صلوات الله عليهم، على مرّ التاريخ، بالأخص محاولات معاوية بن آكلة الأكباد في محوه فضائل مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، واستمرار هذه المحاولات البائسة إلى يومنا هذا بواسطة أتباع بني امية وأشياعهم، وواجب أهل العلم في الدفاع عن أهل البيت وبيان فضائلهم وأحقيّتهم صلوات الله عليهم للناس، وقال: أنتم أيها الفضلاء والمبلّغون يجب عليكم أن تنيروا الطريق للناس وتهدوهم إلى السبيل الواضح والجادّة المستقيمة, وأن تزيلوا الشبهات والانحرافات التي يتعرّض لها أفراد المجتمع.

وليعلم الطلبة والمبلّغين أنه في عالم اليوم هناك الألوف من القنوات الفضائية, تمارس تضليل الناس والدعاية للطّغاة.

إذن من الجدير بنا، نحن أهل العلم والمثقّفين، ولأجل بيان الحقّ وسعادة البشرية، وعلينا أن نقوم بتأسيس وإطلاق الألوف من القنوات الفضائية، كي نتمكّن من تعريف الحقّ والتقوى, ونشرهما بين الناس، وأن نسعى في هذا المجال بأقصى مساعينا وطاقاتنا.

وختم سماحته دام ظله كلمته القيّمة مؤكداً: لا يخفى عليكم، أنه ليس من الضروري أن يكون لعملكم التبليغي تأثير على الناس مائة بالمائة، فمولانا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، صحبه أكثر من (200) ألف شخص، ولكن لم يخرج منهم صالحاً إلاّ قلّة معدودة, كسلمان وعمّار والمقداد وأبي ذر رضوان الله تعالى عليهم، فالمهم هو أن يرتكز عملكم على تقوى الله وعلى الإخلاص له جلّ وعلا، وأن لا تستسلموا للتعب.

كما علينا جميعاً أن نغتنم الفرص كلّها ولا ندعها تفوت، فلعل باغتنامنا فرصة صغيرة واحدة نحصل على نتايج إيجابية كثيرة.

أسأل الله عزّ وجلّ أن يمنّ علينا برحمته في شهر رمضان المبارك, وأن نكون من الغانمين في هذا الشهر الفضيل، وأن يوفّقنا للامتثال والعمل بالواجب العيني وهو تزكية النفس وتهذيبها، وممارسة التبليغ لهداية الناس، كي يسعدوا ونسعد نحن أيضاً، إن شاء الله تعالى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/تموز/2012 - 4/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م