الصحة العالمية تبحث عن العدالة المفترضة

 

شبكة النبأ: تمثل صحة سكان العالم أجمع من ابرز الاهتمامات لكل دولة أو قارة على حدة، وذلك لأن المشكلات الصحية لسكان المعمورة ذات تأثير سياسي واقتصادي عالمي، إذ تعمل منظمات الصحة العالمية على تحسين الصحة وتحقيق العدالة الصحية لكل الأفراد في كل أنحاء العالم، حيث أفاد تقرير صدر مؤخراً عن منظمة الصحة العالمية بأن جهود تحسين صحة العالمية وتقليل نسب الوفيات ومحاربة الامراض والسيطرة على الأوبئة في بعض الدول الأفقر في العالم أدت إلى تحسنات مذهلة.

فيما يقول خبراء في مجال الصحة العالمية يتطلب من جميع الحكومات العالم تقاسم تكاليف البحث والتطوير لمعالجة الأمراض في أنحاء العالم، لكن الآن يوجد تفشيا جديدا لأمراض مزمنة أو غير معدية مثل أمراض القلب و شلل الاطفال والسل والسرطان وأمراض الرئة ومرض السكري من النوع الثاني حول العالم، ومن المُنتظر أن تهيمن على أنظمة الصحة في الدول النامية وهناك دعوات لوضع أهداف جديدة لإجبار الحكومات على الاستعداد لها.

ومن جانب مأساوي آخر قال تقرير دولي، تحدث حالة وفاة واحدة تقريباً من أصل خمس حالات في جميع أنحاء العالم نتيجةً للالتهاب، وكذلك ازدياد حالات السل المقاومة للمضادات الحيوية في العالم بنسبة كبيرة جدا خاصة في العوام القليلة الماضية، في حين قالت منظمة الصحة العالمية، أن هناك نقصا حادا في عدد الممرضين والممرضات حول العالم، يتجلى بوضوح في الدول النامية، حيث ينقص الهند 2.5 مليون ممرضة، كما حذرت من أن العالم على وشك فقدان هذا العلاج المعجزة، لذا أصبحت الصحة مطلبا عالميا فعندما يصحّ الجسم يصح العقل، ويتعافى، ويفكر بطريقة سليمة، وبالتالي تحسِّن حياة الإنسان.

البحث والتطوير

في سياق متصل يدعو الباحثون إلى اتفاقية ملزِمة في مجال الصحة العالمية، تتطلب من جميع الحكومات تقاسم تكاليف البحث والتطوير، مشيرين إلى أن معاهدة دولية كهذه ستعزز استفادة المجتمعات الأقل قدرة على تحمّل تكاليف الابتكارات الطبية، والذين هم في الوقت نفسه الأشد حاجة إليها. وتقول ميشيل تشايلدز، مديرة السياسات والمناصرة لحملة تديرها منظمة أطباء بلا حدود الدولية منذ 13 عاماً بهدف زيادة فرص حصول المجتمعات المحلية المهمَلة على الأدوية: "من الواضح أن النموذج الحالي لتمويل البحث والتطوير ووضع جدول الأعمال تشوبه العيوب"، وفي مؤتمر صحافي عقد مؤخراً، اعترفت منظمة أطباء بلا حدود أن هذه الجهود وغيرها، التي يتم بذلها لتصحيح "الخلل القاتل في البحث والتطوير" تُعتبر مخصصة وغير كافية، وذلك لأن المناطق المتضررة من أمراض الفقر "المنسية" تقدم إلى شركات الأدوية حوافز تجارية قليلة، غير أنها من المناطق الأكثر معاناةً من الأمراض. وكان التحدي يقوم على "قطع الصلة" بين الأرباح والاكتشافات الطبية، ما يجعل هؤلاء المرضى الأقل قدرة على تحمل تكاليف الابتكار الطبي يستفيدون من هذه الابتكارات. وكان في عام 2010 قد تمّ تأسيس مجموعة من الخبراء المكلفين من منظمة الصحة العالمية لمعرفة كيف يمكن إنشاء نظام للبحث والتطوير حيث تقوم المصلحة العامة، وليس الربح، بتحريك الابتكارات. هذا وقد وصف جون آرني روتنغن، رئيس المجموعة، لشبكة الأنباء الإنسانية هذا السعي على أنه وهمي ولكنه ضروري للغاية، مضيفاً: "عندما يكون الحل المثالي هو الحل الوحيد، علينا أن نسعى إلى إنجازه".

ووفقاً لتقرير مجموعة بوليسي كيورز (Policy Cures) المستقلة حول التمويل العالمي الأخير للإبداع الخاص بالأمراض المهملة، حصلت ثلاثة أمراض في عام 2010 على معظم التمويل العالمي للبحث والتطوير. فقد تلقّى فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز مليار دولار أمريكي (35%)، والسل 575 مليون دولار (19%)، والملاريا 547 مليون دولار (18%). ورغم أنها الرائدة في قتل الأطفال في البلدان النامية، حصلت أمراض الإسهال على أقل من 5% من تمويل البحث والتطوير (18 مليون دولار) في عام 2010. أمّا الجذام، وداء والتراخوما - وهو التهاب العين ويمكن أن يؤدي إلى فقدان النظر - والحمى الروماتيزمية، فهي كلها من بين أمراض الفقر "المنسية" التي تنتشر في المناطق المكتظة النائية والفقيرة. فقد تلقى كل منها أقل من 10 ملايين دولار، وفي عام 2010، ووفقاً لمسح G-FINDER، قامت ثماني من أفضل 12 حكومة موّلت البحث والتطوير في الأمراض المهملة (بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والملاريا والسل) بخفض إنفاقها. وشكّلت حكومة المملكة المتحدة استثناء، حيث زادت مخصصاتها بمبلغ 21 مليون دولار في عام 2010، وأعلنت في عام 2012 عن زيادةٍ قدرها خمسة أضعاف في المساعدات لأمراض المناطق المدارية المهملة، تصل إلى 400 مليون دولار بحلول عام 2015. ويتبرع القطاع العام بمعظم الأموال للبحوث الأساسية في مثل هذه الأمراض – فقد تبرّع بحوالى الثلثين في عام 2010. هذا وتستثمر صناعة المستحضرات الصيدلانية، التي تقدّر G-Finder قيمتها بنحو 880 مليار دولار في عام 2010، ملايين الدولارات في متابعة خيوط واعدة والحصول على موافقة تنظيمية من خلال التجارب السريرية، ثم عادةً ما تقوم ببيع المنتج وبراءة الاختراع لاسترداد تكاليف البحث والتطوير، ويقول ميشال كيري، مستشار لبرامج منظمة أطباء بلا حدود في النيجر وتشاد والكونغو أن المشكلة تنشأ عندما تصل منتجات مثل اللقاحات أو الأدوية المصممة للمستهلكين ذوي الرواتب العالية، إلى أماكن مثل النيجر وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحفاظ على سلسلة التبريد للمحافظة على اللقاحات في درجة الحرارة المناسبة عندما تكون الحرارة 45 درجة مئوية في الخارج [113 درجة فهرنهايت] يشكل تحدياً كبيراً، لا سيما وأنه في بعض المناطق الريفية من الصعب ضمان عمل الثلاجات بشكل طبيعي." ولطالما طالب الخبراء العاملون في مجال الصحة بعيداً عن المختبرات بمنتجات قادرة على الصمود في الحقل، وتسهل إدارتها حيث يقل عدد العاملين الصحيين المدربين، وقادرة على معالجة الأمراض المنتشرة في البلدان الفقيرة.

ولكن أجرت منظمة أطباء بلا حدود دراسة مسحية للأدوية التي تم إنتاجها بين عامي 1975 و 2004 وجدت أن فقط 18 من أصل 1556 من الأدوية كانت لمعالجة هذه الأمراض. ويقول رئيس شركة نوفارتيس للأدوية لوسائل الإعلام الدولية: "ليس لدينا نموذج من شأنه أن يلبي الحاجة إلى عقاقير جديدة بطريقة مستدامة"، معلّقاً على الخسائر التي تكبّدتها الشركة من جراء دواء مضاد للملاريا. "لا يمكنك أن تتوقع من المنظمات الربحية أن تقوم بذلك على نطاق واسع. إذا كنت ترغب في إقامة نظام حيث تستثمر الشركات بشكل منهجي في هذا النوع من المناطق، فأنت بحاجة إلى نظام مختلف." ولم يصل أي دواء جديد للسل إلى السوق منذ الستينات، بالرغم من اكتشاف عدد متزايد من الحالات التي تقاوم العلاج بالمضادات الحيوية الموصى به لمدة ستة أشهر كحد أدنى. هذا وقد حصل تطوير العقاقير المضادة للسل في عام 2010 على 31% من مبلغ 740 مليون دولار، وهو هدف الخطة الشاملة الذي وضعته شراكة دحر السل الدولية، برئاسة منظمة الصحة العالمية. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

بعد مراجعة 15 طريقة لتعزيز الصحة من خلال البحث والتطوير، خلص الفريق إلى أن تقديم الجوائز للتشجيع على الابتكار قد يكون حلاً ناجحاً. فتبدو التزامات السوق المسبقة(AMC)، حيث تقوم شركات الأدوية بإنتاج لقاحات للدول الفقيرة بأسعار مخفضة مقابل طلبات مضمونة تموّلها الجهات المانحة على المدى الطويل، محدودة النجاح. هذا وقد حصلت مؤسسة براءات الأدوية، التي أُطلقت مؤخراً، على الضوء الأخضر لمعالجة فيروس نقص المناعة البشرية. وقد وافق أصحاب براءات الاختراع على تبادل براءاتهم للأدوية المعالجة لفيروس نقص المناعة البشرية مع أعضاء "المؤسسة". ثم يتم إعطاء الترخيص لمصنّعي الأدوية وغيرهم من المنتجين، بغية إطلاق العنان لإنتاج الأدوية بأسعار معقولة. والمطلوب أيضاً هو اتفاقية دولية حول الصحة، تكون ملزمة قانونياً وتطلب من جميع الحكومات المساهمة بنسبة 0.01 % من إجمالي الناتج المحلي للبحث والتطوير، والذي وفقاً لحسابات الفريق العامل المعني بالتقييم سيضاعف تقريباً الإنفاق الحالي للبحث والتطوير على الأمراض المهملة ليصل إلى 6 مليارات دولار. ويقول روتنغن: "ينبغي إنفاق معظم هذا المبلغ والاستفادة منه لبناء القدرات وإجراء البحوث في كل بلد، ولكن يجدر توجيه ما لا يقل عن 20% منه عبر آلية دولية للتمويل. ويبقى من السابق لأوانه أن نحدد كيف يجب أن تعمل هذه الآلية العالمية، وتُعتبر كل من اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، وإطار التأهب للأنفلونزا الجائحة لتبادل فيروسات الأنفلونزا والحصول على اللقاحات من السوابق الحديثة. وكانت قمة الاتحاد الإفريقي قد أوصت الحكومات في عام 2007 بتخصيص 1% من إجمالي ناتجها المحلي للبحث والتطوير. ومن أصل 42 بلداً في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، قدم 14 بلداً أرقامهم في مجال البحث والتطوير لتقرير اليونسكو 2010 للعلوم. ووحدها جنوب إفريقيا تمكّنت من الاقتراب من الهدف عند 0.9%.

من جهته، أمل سولومون نواكا أن ينعكس هذا الاتجاه. وتجدر الإشارة إلى أن نواكا هو مدير الشبكة الإفريقية لمكافحة المخدرات وتشخيص الإبداع، ومقرها إثيوبيا، وهي مبادرة حديثة يدعمها الاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية من أجل زيادة البحوث الصحية في إفريقيا. وفي 26 مايو، قدّم الفريق العامل المعني بالتقييم توصياته إلى الحكومات التي صاغ ممثلوها مشروع قرار لاتخاذ قرار بشأن الخطوات المقبلة.

شلل الأطفال

فقد ضعف الثقة في اللقاحات في بعض البلدان يعني ان اعدادا اقل من الاطفال تحصل على الوقاية الكافية من شلل الاطفال، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن شلل الاطفال يمثل خطرا صحيا عالميا يستوجب حالة طوارئ دولية بعدما تفشى في العامين الماضيين بأوروبا وافريقيا واسيا، وما زال شلل الاطفال من الامراض المتوطنة في افغانستان وباكستان ونيجيريا، كما ظهرت حالات مؤخرا في بلدان كان قد اعلن انها خالية من المرضن ويقول مراسل لبي بي سي إن الحروب وضعف الثقة في اللقاحات في بعض البلدان يعني ان أعدادا |أقل من الاطفال تحصل على الوقاية الكافية من شلل الاطفال، وقال مسؤول في منظمة الصحة العالمية إنه في حالة فشل جهود القضاء على شلل الاطفال، فإن هذا سيؤدي إلى تفشي المرض بصورة كبيرةن وقال بروس ايلوارد نائب مدير منظمة الصحة العالمية للشؤون الطوارئ وشلل الاطفال لبي بي سي "شهدنا انتشارا واسعا ومخيفا لشلل الاطفال خلال الشهور الاربع والعشرين الماضية في ثلاث قارات هي اوروبا وافريقيا واسيا". بحسب البي بي سي.

واضاف " تأثر بانتشار المرض بالغون، وفي بعض حالات توفي نصف عدد المصابين"، وقال ايلوارد "اذا فشلت محاولات القضاء على شلل الاطفال فاننا سنواجه بتفشي واسع للمرض ومن الصعب التكهن بالخسائر الان"، يشار إلى أن مرض شلل الأطفال يسبب الإعاقة الجسدية وحالات الوفاة منذ فجر التاريخ، وأظهرت رسوم على جدران معابد قدماء المصريين كاهنا يعالج ساق شخص يعتقد أنه مصاب بالمرض ويعود تاريخها إلى 1400 سنة قبل ميلاد المسيح، يشار إلى أن الهند من الدول التي تبذل جهودا هائلة في مكافحة شلل الأطفال، وتنظم السلطات حملات تهدف لتطعيم 170 مليون طفل تحت سن الخامسة.

مرض السل

فيما يستدعي ازدياد حالات السل المقاومة للمضادات الحيوية في العالم، المزيد من فحوص الكشف والعلاجات الجديدة التي تطور بصورة أسرع للجم الوباء، على ما أعلن متخصصون في الأمراض المعدية في دراسة جديدة، وقد استند الخبراء من كلية الطب التابعة لجامعة جونز هوبكنز (ولاية ميريلاند شرق الولايات المتحدة) إلى نتائج دراسة أظهرت أن حالات السل المقاومة للمضادات الحيوية والتي من الصعب معالجتها هي اكثر انتشارا من المتوقع بين المرضى المصابين بالسل في العالم الذين يبلغ عددهم تسعة ملايين شخص في السنة، وقد قدمت النتائج المفصلة لهذه الدراسة التي نشرت في المجلة الاميركية "ذي نيو انغلند جورنال أوف ميديسن" في عددها الصادر في 7 حزيران/يونيو تقديرات جديدة عن حجم المشكلة في الصين حيث يتم إحصاء أكثر من مليون إصابة جديدة في السنة، وكانت دراسة أجريت في العام 2007 قد بينت أنه تم تشخيص أربعة آلاف إصابة جديدة في السنة في هذا البلد، وأن شخصا من أصل كل عشرة أشخاص تمت معالجتهم منذ فترة وجيزة من مرض السل، قد اصيب بسلالة من الجرثومة مقاومة للعقاقير، ومن الممكن معالجة هذا المرض الذي ينقل من خلال استنشاق جراثيم المتفطرة الطيرية في الهواء بواسطة المضادات الحيوية، لكن طول العلاج الذي ينبغي أن يكون متواصلا يخفف من حظوظ نجاحه في البلدان النامية حيث النفاذ إلى المضادات الحيوية محدود. بحسب فرانس برس.

وفي افتتاحية شكلت تمهيدا لهذه الدراسة، وصف الطبيبان ريتشارد تشايسون وإريك نويرمبرغر المتخصصان في الأمراض المعدية في كلية الطب التابعة لجامعة جونز هوبكينز انتشار جراثيم السل المقاومة للعلاجات ب "التحدي الهائل" في سياق تفشي هذا المرض الذي يودي بحياة 1,5 مليون شخص في السنة غالبيتهم من البلدان النامية، واعتبر الطبيب تشايسون أن نتائج هذه الدراسة التي تثير القلق إلى أعلى درجة تفيد بأن غالبية حالات الإصابة بسلالة الجراثيم المقاومة للعقاقير البالغ عددها 110 ألاف حالة تقريبا طالت الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض منذ فترة وجيزة، أي أن الجراثيم المقاومة للعلاجات قد انتقلت عبر الهواء، وهذا الاستنتاج، يعيد النظر بالفرضية القائلة بأن مقاومة علاجات السل تنشأ عند الاشخاص الذين لا يتجاوبون مع العلاج أو الذين عانوا من انتكاسة بعد الانتهاء من العلاج، وينبغي بالتالي عدم حصر فحوصات الكشف بالمرضى الذين سبقوا أن تلقوا العلاج بل شمل الجميع بها، بحسب خلاصة الافتتاحية.

مضادات حيوية جديدة

 الى ذلك تحدث حالة وفاة واحدة تقريباً من أصل خمس حالات في جميع أنحاء العالم نتيجةً للالتهاب، ولكن وفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن العديد من الأمراض البكتيرية ستصبح غير قابلة للشفاء من جراء تراجع فعالية المضادات الحيوية الحالية. كذلك، حذرت منظمة الصحة العالمية في عام 2011 من أن "العالم على وشك فقدان هذا العلاج المعجزة". وبدا الأمر وكأننا نودع جيلاً من المضادات الحيوية المألوفة التي يمكن الاعتماد عليها، بعد أن قدمت لنا خدمات جليلة على مدار أكثر من نصف قرن من الزمن، وقالت لورا بيدوك، مديرة مبادرة عمل المضادات الحيوية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، ومؤسِسة مجموعة أبحاث مضادات الميكروبات في جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة، أن بعض البلدان قد بدأت تفقده بالفعل. فقد ظل الناس لفترات أطول مما ينبغي يعتبرون وجود مضادات حيوية تقتل البكتيريا من المسلمات، إلاّ أن البكتيريا قد تحوّلت لتطوير دفاعات ضد تلك المضادات الحيوية ذاتها. فالعقدية الرئوية مثلاً هي سبب رئيسي للإصابة بالالتهاب الرئوي، من بين العديد من الأمراض الخطيرة الأخرى. والإشريكية القولونية، أو إي كولاي، هي السبب الرئيسي لأمراض الإسهال. والمكورات العنقودية الذهبية هي المسؤولة عن العديد من الأمراض من الالتهابات الجلدية الطفيفة إلى الالتهاب الرئوي، والتهاب السحايا، ومتلازمة الصدمة السامة، وتعفن الدم، وأشار كتاب صدر مؤخراً عن التحالف من أجل الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية، التابع لجامعة تافتس الأمريكية إلى أنه "في حين انكب الخبراء في العالم الصناعي على دراسة مقاومة المضادات الحيوية على مدى العقود الأربعة الماضية، فإن الدراسات التي تصف المشكلة والوضع الصحي العام في العالم النامي قد تخلفت عن الركب." وبما أن الأدوية تستغرق وقتاً أطول لعلاج الأمراض أو لم تعد فعالة، يمكن حتى للالتهابات الطفيفة أن تصبح قاتلة، كما أفاد ممثل عن شركة صناعة الأدوية العالمية غلاكسو سميث كلاين. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

يؤدي تدني مستوى النظافة الصحية إلى سرعة انتشار المقاومة للمضادات الحيوية. كما أن تناول المضادات الحيوية بشكل مفرط، أو بشكل غير لائق أو بجرعات غير صحيحة يعطي البكتيريا فرصة لتغيير حمضها النووي والتكيف للتهرب من المكونات الفعالة في الأدوية. ففي إندونيسيا، وجدت دراسة محلية أن المضادات الحيوية توصف لنحو 80 بالمائة من أمراض الجهاز التنفسي والمعدة في مرحلة الطفولة - حتى عند علاج الأمراض التي تسببها الفيروسات، والتي لا يمكن معالجتها بواسطة المضادات الحيوية. ومع تزايد المقاومة للمضادات الحيوية، أصبحت الحاجة إلى إيجاد البدائل أكثر إلحاحاً. وقال براد سبيلبرغ، عضو فريق العمل التابع لجمعية الأمراض المعدية الأمريكية، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها: "أنا أعتقد أن الحكومات والصناعة والعلماء يقدرون بالفعل هذه المشكلة حق قدرها، ولكن ما تفتقر إليه معظم الحكومات حتى الآن هو الإرادة السياسية للعمل على حل المشكلة".

ولكن حتى مع الإرادة السياسية، ما زال التقدم العلمي بطيئاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن تصميم مضاد حيوي يعالج بفعالية مجموعة من الأمراض البكتيرية يمكن أن يكون أكثر صعوبةً من العثور على لقاح يقي من العدوى عن طريق استهداف مرض واحد محدد. ونتيجةً لذلك، فإن نبع البحوث الخاصة بالمضادات الحيوية "يكاد يكون جافاً" كما أشارت شركة غلاكسو سميث كلاين. "كان هناك انخفاض ملحوظ في مجال الأبحاث المتعلقة بالمضادات الحيوية طوال السنوات الخمس عشرة أو العشرين الماضية. ولم يتم تطوير وتدشين سوى فئتين من المضادات الحيوية [عائلة الأوكسازوليدينونات والليبوبيبتيدات الدورية] طوال السنوات الثلاثين الماضية". وأكد سبيلبرغ أنه تم اكتشاف المضادات الحيوية السهلة الاكتشاف، مضيفاً أن "اكتشاف وتطوير أي جيل جديد من المضادات الحيوية يصبح أكثر صعوبةً تدريجياً، ويستغرق وقتاً أطول ويكلف أكثر، كما تصبح المخاطر [المالية] أكبر مقارنةً بالأجيال السابقة من [المضادات الحيوية]"، عادةً ما تستخدم المضادات الحيوية لعدة أيام أو أسابيع، على عكس العلاج الذي يمكن أن يستمر لأشهر أو سنوات، كما في حالة الأمراض المزمنة مثل السرطان والسكري. وعندما تكون المضادات الحيوية الجديدة متوفرة، تُستخدم على أقل نطاق ممكن، وفقط عندما لا يستجيب المرضى للعلاجات الحالية. ونتيجةً لذلك، توفر المضادات الحيوية الجديدة عائدات أقل على الاستثمار، كما أشارت شركة جلاكسو سميث كلاين، كذلك، عرقلت العقبات التنظيمية المتعلقة بالفحوص والموافقات فرص إحراز أي تقدم. ففي العقد الأخير، غيرت إدارة الأغذية والعقاقير، وهي الوكالة المعنية بتنظيم إنتاج الأدوية في الولايات المتحدة - والتي تقوم بمعظم التجارب على المضادات الحيوية - قواعدها الخاصة بالتجارب السريرية. "وجاء الارتباك نتيجةً لذلك ... فالشركات ليست متأكدة من كيفية القيام بالتجارب السريرية التي تجعل الخبراء الإحصائيين في إدارة الأغذية والعقاقير سعداء،" كما أفاد سبيلبرغ في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية. وأضاف أن "خطر فشلها في الحصول على موافقة إدارة الأغذية والعقاقير على المضادات الحيوية الجديدة أعلى بكثير الآن، حتى بعد نجاح المرحلة الثالثة من التجارب السريرية".

تشمل الجهود المبذولة لزيادة اكتشافات المضادات الحيوية إصدار قانون مبادرات لتصنيع المضادات الحيوية الآن في الولايات المتحدة، والذي من المتوقع التصديق عليه في وقت لاحق من عام 2012. ومن جانبه، أطلق الاتحاد الأوروبي مؤخراً شراكة بين القطاعين العام والخاص، بين مؤسسات الأبحاث العامة وشركات الأدوية، لتشجيع الاستخدام الملائم للمضادات الحيوية ورصد مقاومة البكتيريا وتعزيز البحث العلمي، ومن المتوقع أن تصل كلفة خطة الاتحاد الأوروبي إلى 280.6 مليون دولار، تقدم مبادرة الأدوية المبتكرة في بروكسل ما يقرب من 50 بالمائة منها، ويأتي الباقي من المساهمات العينية المتمثلة في الخبرة والأدوية التي يوفرها المتعاونون. ويمكن للشركات الصيدلانية أيضاً أن تحفز العمل في هذا المجال. فتحث شركة غلاكسو سميث كلاين، على سبيل المثال، على المزيد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص قائلةً: "يجب اتباع نهج مختلف جذرياً يتيح للشركات الخاصة والمؤسسات العامة والأوساط الأكاديمية العمل معاً وتبادل المعلومات لإعادة تنشيط الأبحاث".

مكافحة الأمراض غير المعدية

من جهة أخرى تهدف جمعية الصحة العالمية- وهي الجهة المعنية بصنع القرارات في منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة- إلى الحد بنسبة 25 بالمائة من الوفيات التي يمكن تجنبها والتي تنتج عن الأمراض غير المعدية، مثل السكري والنوبات القلبية والسكتات الدماغية وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة والسرطان، وذلك بحلول عام 2025. وتقوم منظمة الصحة العالمية بتنسيق المفاوضات بشأن المراقبة والمؤشرات والأهداف الطوعية التي ستشكل خطة عالمية نهائية لمكافحة الأمراض غير المعدية. كما تقوم المنظمة بصياغة التوصيات لكي تدرسها حكومات الدول الأعضاء في أكتوبر 2012. ويتسبب كل من الكحول والتبغ والنظام الغذائي وعدم ممارسة الرياضة في العديد من الأمراض غير المعدية، هذا وقد تم طرح ثلاثة محاور رئيسية في المناقشات الأخيرة التي جرت مع ممثلي المجتمع المدني والحكومات، حول أفضل السبل للحد من الأمراض غير المعدية وكيفية قياس التقدم المحرز. كذلك، تدرس شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) الخطوات المقبلة في مكافحة السبب الرئيسي للوفاة في العالم.

قالت آن كيلينج، المديرة التنفيذية لمنظمة الاتحاد الدولي للسكري التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، ورئيسة تحالف الأمراض غير المعدية (NDC Alliance) الذي يضم حوالى 2000 منظمة من المجتمع المدني تؤيد الاعتراف بالأمراض غير المعدية كحالة "طوارئ عالمية"، أنه يمكن للبيانات أن تكون سبباً لفشل الاتفاق على الصعيد العالمي أو على الأقل قد تؤدي إلى منع التوصل إلى اتفاق. وأفادت كيلينج في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الدول غير مستعدة للعمل على أهداف جديدة في أي مجال كان، لأنه عليها أصلاً تقديم تقارير للأمم المتحدة عن عدد كبير من الأهداف في مجال التعليم، والمساواة بين الجنسين، والصحة .... الخ. ويحتاج الأمر إلى الموارد لإنشاء أنظمة جديدة لجمع البيانات وإعداد التقارير. وقد أضافت أن "الدول ذات الدخل المنخفض تخشى من الكلفة، بينما تخشى الدول ذات الدخل المرتفع التي لديها برامج للمساعدات من أن يُطلب منها أن تقدّم الدعم للبلدان ذات الدخل المنخفض ولمنظمة الصحة العالمية بغية القيام بذلك"، من جهته، قال أنطونيو دانز، أستاذ في كلية الطب في جامعة الفلبين، أنه بالرغم من العبء الذي قد يشكله حفظ السجلات الإضافي، إلا أنه من الممكن القيام به. وقد أضاف أنه "يمكننا استخدام ما هو موجود في الأصل بدلاً من إنشاء أنظمة جديدة قد تكون بمثابة مهمة ضخمة. فكل ما علينا القيام به هو توسيع نطاق الأنظمة الحالية (لكي تشمل البيانات الخاصة بالأمراض غير المعدية). وليست البيانات ناقصة فحسب، وإنما في بعض الأحيان ليس هناك أية بيانات على الإطلاق. وقد أشار إلى أن "أكثر من نصف السكان يموتون في الفلبين بدون الذهاب إلى الطبيب- ولا يمكن معرفة أسباب الوفاة"، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يتمتّع تقريباً ثلثا دول العالم فقط بأنظمة تسجيل حيوية تقوم بتسجيل المواليد والوفيات بكفاءة لتقدير معدلات الوفيات الناجمة عن أسباب مختلفة. هذا وقد أشارت المنظمة في مارس 2012 إلى أن حوالى 74 دولة ليس لديها أية بيانات حول أسباب الوفاة، في حين أن 81 دولة لديها بيانات أقل جودة. وقالت كيلينج أنه "لا يتم الإبلاغ بصورة كافية عن حالات الوفاة الناتجة عن مرض السكري بصفة خاصة، حتى في الدول الغنية لأنه قد يتم تسجيل السبب المباشر للوفاة، أي الفشل الكلوي أو أمراض القلب والشرايين وخلافه، في حين لا يتم تسجيل السبب الجذري لهذه الحالات ألا وهو مرض السكري.

من جهة أخرى، قال تيموثي أرمسترونج، منسق وحدة المراقبة والوقاية في قسم الصحة النفسية والأمراض غير المعدية في منظمة الصحة العالمية، أنه إذا كان لدى الدول نظام تسجيل حيوي حتى ولو كان بدائياً، سيتكلف كل مواطن بضعة سنتات إضافية في العام لتكييف النظام بغية رصد الأمراض غير المعدية. وأضاف أن "الدول على اختلافها ستواجه تكاليف مختلفة. فإذا لم يكن لبلد ما نظام للمعلومات الصحية، سيحتاج إلى تطوير نظام للتسجيل الحيوي.... والتحدي لا يكمن في إنشاء الأنظمة وإنما في تنفيذ العملية (جمع البيانات)"، بينما تقوم منظمة الصحة العالمية بالاجتماع بالدول من أجل تحديد الأهداف والمؤشرات في الأشهر المقبلة، تقوم صناعات، مثل التبغ والكحول التي تبلغ ملايين الدولارات، بمحاربة الجهود المبذولة لخفض استهلاكها. ووفقاً لكيلينج، "ستضغط تلك الصناعات على الحكومات وخاصة على المستوى الوطني. وستفكر الحكومات بمصالحها التجارية الوطنية". هذا وتقريباً جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هي من الدول الموقعة على اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، والتي تتطلب خفضاً في الطلب على التبغ، وعندما قام مزارعو التبغ في إندونيسيا- التي فيها أحد أعلى معدلات المدخنين الشباب في العالم- بتحدي قانون 2009 الذي يصنف التبغ على أنه مادة تسبب الإدمان، قامت المحاكم بتأييد القانون ولكن الجهود المبذولة لتمرير اللوائح الوطنية بغية تنفيذ قوانين مكافحة التبغ تعثرت. هذا وتوصلت آخر دراسة صحية وطنية في إندونيسيا، أجريت في 2007 إلى أن معدلات الوفيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية ارتفعت من 41.7 بالمائة في 1995 إلى 59.5 بالمائة في 2007- أي بزيادة قدرها 42 بالمائة. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وقالت ليلي سوليستيواتي، مديرة تحسين الصحة في وزارة الصحة الإندونيسية، في يناير 2011 أنه "من المستحيل إغلاق مصانع السجائر ولكننا نسعى إلى إبلاغ الناس بأن التدخين خطير على صحتهم"، وتعمل منظمة تحالف تضارب المصالح من أجل المزيد من الشفافية في وضع سياسات الصحة العامة وقواعد السلوك للصناعات التي من الممكن أن تعرض الصحة العامة للخطر. وهذه المنظمة هي مجموعة من المنظمات غير الحكومية الدولية التي تقاوم تدخل الصناعات في سياسة الصحة العامة، عبرت حكومات عدة عن قلقها من أنه لا يمكن تحقيق هدف عالمي أكثر طموحاً من أهدافها الوطنية، بينما أشادت حكومات أخرى بالجهود الخاصة بوضع هدف عالمي. وفي تصريح قال إصوفو أبو بكر، مدير مكافحة الأمراض في وزارة الصحة بالنيجر، والتي تقع في جنوب الصحراء الكبرى في غرب إفريقيا، أن التحديات في تحقيق الأهداف الوطنية الموجودة أصلاً متعددة الأوجه. فقد قامت الحكومة مؤخراً باعتماد الخطة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الأمراض غير المعدية والوقاية منها 2012-2016 وهو ما يستلزم 8.8 مليون دولار لمكافحة تلك الأمراض والوقاية منها، وتأتي النيجر في المرتبة ما قبل الأخيرة في مؤشر الأمم المتحدة للرفاهية ومن بين الدول العشر الأخيرة طبقاً للدراسة الدولية لقدرة موظفي الصحة على الوصول إلى السكان ومعالجتهم. وتشمل أهداف وزارة الصحة لمكافحة الأمراض غير المعدية خفض الوفيات الناتجة عن أمراض القلب بنسبة 10 بالمائة بحلول عام 2016 وزيادة اختبارات مرض الربو والصرع وخمسة أنواع من السرطان ومرض أنيميا الخلايا المنجلية بنسبة 50 بالمائة وتوسيع نطاق تشخيص مرض تآكل اللحم، وقال أبو بكر أنه "بمجرد حلول عام 2017 سنحتاج إلى تعديل أهدافنا لتلبية الهدف العالمي...والهدف العالمي لن يغير استراتيجيتنا الوطنية بقدر ما سيحسنها". ومن المتوقع أن تقدم منظمة الصحة العالمية ورقة المناقشة المقبلة في يوليو 2012. ثم سيتم عقد المشاورات الإقليمية من أغسطس إلى أكتوبر مع عقد اجتماع مخطط له في أكتوبر بجنيف لتحديد إطار العمل العالمي النهائي لمكافحة الأمراض غير المعدية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/تموز/2012 - 1/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م