كنت يا قطيفُ مسرحاً لإنجاب الشهداء ولا تزالين على العهد و لن نقف
عن إنجاب الشهداء، فياضة بالعطاء أنتِ سخية بالكرم يَداكِ ولا تقفُ عن
البذل، قلوبنا لا تجف أماقيها إلا ويتفجر الحزنُ عيوناً على فقد شهيد
جديد، لا عجب فمن سار على نهج الرسالة تكبد المحن واتخذه الشوكُ طريقاً
لا يحيد عنه.
فقدنا شباباً لا نجد غير الزهور لهم اسماً والنقاء عنواناً والطهارة
وشاحاً وراية، فمن يشك في مصداقية المسيرة فليتفقد السيرة، سيرة النبل
والشهامة والكرم هل تراها تَحيدُ عن هذه الوجوه النيرة التي يبصم
الجميع لها بالنزاهة والاستقامة.
ماذا عسانا أن نقول يا رسول الله في تأبين السيدين الشهيدين؟!
والقلبُ مكلومٌ والمصابُ جلل، أحدهم سيكون (فلفلاً) في عيون الشانئين
والآخر (أكبرُ) من أن يناله الصغارُ فمسكنه الفردوس، وهل يضاهى ساكن
النعيم بساكن الجحيم؟!، وإن ادعى زعيمهم بأن عاقبة القاتل الرضوان ونشر
التلبيس في البلدان " أن الحسين ويزيد كلاهما في الجنة"، أما يكفي كلام
الله واعظاً : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي
الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)؟!
ماذا نقول في أولئك القتلة الذين أسفوا من الأعماق أن ضاع من حظهم
مقعد اللهب بعدم مشاركتهم في مجزرة كربلاء، فأقسموا أن تستمر فيالق
الكراهية وجموع البغض لآل محمد (صلى الله عليه وآله) في ذريتك وبنيك،
وهل يُكرّم المتوفى إلا في عقبه؟!
وهذان السيدان شاهدان على تلك المودة المحروقة التي أراقوها دماءً
وهم يتلون الكتاب : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ
فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)، ويلٌ لهم يلوكون الذكر
بأفواههم ليعملوا خلافَ ما يريد الله.
واحرّ قلباه مما تتكبدين يا قطيف الشهادة، فلا حرمة لأبنائكِ ولا
كرامة لعلماءَكِ، فإن انتزعوا منا نمراً واحداً فإن خلفَ النمر نمور
أشد بأساً وأشد تنكيلا، فـ(ليس بضائري حبسي وأيُّ مهندٍ لا يغمدُ) وهل
أدركوا ما يصنع الحسين بشيعته؟! أولم يلمضهم عليٌ ويشحذهم الحسن ويفجر
الحسين بهم ثورته؟!، ولا نقول إلا ما قاله لسانُ الصدق من مولاتنا
وسيدتنا زينب الحوراء (عليها السلام) وكفى به حجة وحكماً : (وكيف يرتجى
مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأذكياء ونبت لحمه من دماء الشهداء)؟
لقد وقعَ القناعُ وظهر ما خلف الستار، أبناء هولاكو عادوا ببنادقهم
أرض القطيف ليملؤها دماءً وفساداً فبغدادُ لم تُرضِ نهم السباع وعسلان
الفلوات، اتخذوا من رمي الرصاص هِواية يتسلون بالصيد فقنصُ الأرانب
والغزلان لا يغريهم، تعبوا وملوا اصطيادها فدم البشر ألذ طعماً وأشهى
مذاقاً للذئاب الضارية!!
ملؤا بطونهم من الحرام وترنموا بأبيات سيدهم المعتوه : (إملأ ركابي
فضة أو ذهبا * أني قتلتُ السيد المحجبَ* قتلتُ خير الناس اماً وأبا)؛
فبعد قتل الحسين (عليه السلام) لم تبقى حرمة لشيء، وهذا الخط امتداداً
للسفاحين من مدرسة بني أمية ويهود بني قينقاع وهل ترضى عنك اليهود؟!،
طالت عليهم غيبة المهدي الحاصد صاحب الصمصام وفلاق الهام (عليه السلام)
فأقسموا أن يُعجلوا ظهوره بتصفية أتباعه وشيعته! |