تقع الجرائم بأفعال يرتكبها أشخاص او شخص واحد ويسمى هؤلاء بالفاعل
الاصلي وأحيانا يسهم اكثر من شخص في إتمام الجريمة بأوصاف وظروف وأزمان
مختلفة البعض يقع فعله قبل الجريمة والآخر أثنائها وبعضهم بعد وقوعها،
ومنهم من يسهم بشكل مباشر وآخر غير مباشر والبعض يقوم بأفعال مادية
والآخر معنوية وغيرها من الصور التي تسهم في وقوع الجريمة.
والمشرع العراقي مثل غيره التفت الى هؤلاء ووضع لهم وصف لتجريم
أفعالهم وعقوبة تتباين حسب طبيعة المساهمة وعلى وفق أحكام الفصل الخامس
من الباب الاول من الكتاب الاول في المواد (47 ـ 54) من قانون العقوبات
رقم 111 لسنة 1969 المعدل واسماه المساهمة في الجريمة وهم الفاعل
والشريك، وحدد الشريك بعدة حالات مثل المساهم بأفعال مكونة للجريمة
اثناء ارتكابها، والذي يدفع شخص غير مسؤول جزائيا لأي سبب كان قاصر او
مصاب بعارض من عوارض الاهلية وفاقد الإرادة، والمحرض على ارتكاب
الجريمة فوقعت بناء على تحريضه وصور اخرى.
إلا ان المشرع في قانون العقوبات العراقي التفت الى الشخص الذي
يدفع الى ارتكاب الجريمة ويستغل المنابر الاعلامية والأماكن العامة من
خلال تزيين الفعل الجرمي الى الناس او الى الذين لديهم قصور ذهني تجاه
تمييز الأفعال وهو ما يطلق عليه في علم القانون الجنائي (تزيين الجريمة)
وهو تحسين الجريمة بتصويرها في صورة أفعال مجيدة وإلباس الفعل
المُجَرَّم لباس الأمر المباح وتمجيد اي مرتكب للجريمة بطريقة تؤدي إلى
إفساد العقول ودفع النفوس إلى الإقدام على الجرائم.
وبالتالي فتزيين الجريمة هو ضرب من التحريض على ارتكاب الجرائم
ولكنه بتحريض غير مباشر، والمشرع العراقي كان ملتفتاً الى هذا النوع من
النشاط في بعض الجرائم التي تمس امن البلاد ومنها ما جاء في حكم المادة
(160) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل والتي جاء فيها
الاتي (يعاقب بالإعدام كل من ساعد العدو على دخول البلاد او على تقدمه
فيها بآثار الفتن في صفوف الشعب او اضعاف الروح المعنوية للقوات
المسلحة او بتحريض أفرادها على الانضمام إلى العدو او الاستسلام له او
زعزعة اخلاصهم للبلاد او ثقتهم في الدفاع عنها، وكذلك كل من سلم أحد
افراد القوات المسلحة إلى العدو) وفي الفقرة (1) من المادة (161) من
ذات القانون التي جاء فيها الاتي (يعاقب بالسجن المؤبد من حرض الجند في
زمن الحرب على الانخراط في خدمة دولة أجنبية او سهل لهم ذلك) وفي
المادة (170) عقوبات التي جعلت فعل التحريض بحد ذاته جريمة ان كان
تحريض على ارتكاب افعال جرمها قانون العقوبات في ثلاثة عشر مادة من 156
ولغاية 169 من قانون العقوبات وهي الافعال التي تتعلق بالجرائم الماسة
بأمن الدولة الخارجي على وفق توصيف المشرع العراقي، وكذلك التحريض على
الافعال التي جرمها المشرع في سبعة مواد من 190 ولغاية 197 من قانون
العقوبات والتي تتعلق بأمن الدولة الداخلي وفي مواد اخرى منها (199،
200) من قانون العقوبات وجعلها المشرع جرائم بحد ذاتها وان لم تؤدي الى
نتيجة.
وفي بعض هذه المواد مبررات مقبولة لصيانة الدولة وحمايتها من
الاخطار الخارجية او الداخلية وردع المجرم، إلا ان عقلية من يتولى
السلطة وظفت هذه المواد باتجاه امنها الشخصي او الفئوي وربطته بأمن
البلد ولم تفرق بينهما، وكان كل انتقاد يوجه الى السلطة وإدارتها يعد
بمثابة تحريض يتعلق بأمن الدولة سواء الخارجي او الداخلي، وادى ذلك الى
تقييد حرية الرأي وتكميم الافواه وراح ضحية ذلك العشرات من الكتاب
والصحفيين وأصحاب الفكر والرأي.
وبعد عام 2003 كان الطموح بان نجد سلطة تفرق بين امن الدولة وامن
الحاكم وان لا توظف هذه المواد تجاه قمع حرية التعبير، إلا اني اجد ان
عقلية المشرع ما زالت تدور في فلك الهيمنة وربط الدولة بالشخص وأتلمس
ذلك من خلال التشريعات التي صدرت او التي مازالت قيد الانجاز التشريعي،
اذ يسعى الى ربط النقد او التعبير عن الرأي بالأمن العام ولم يكتفي بما
موجود من تشريعات نافذة، لأنه يرى في تغليظ العقوبة تشديد للسطوة
والهيمنة، وهذه الاوصاف وجدتها عند البعض المعني بالتشريع حينما اشار
الى ان الفقه الجنائي يتيح لهم ذلك من خلال وجود مصطلح (تزيين الجريمة)
على وفق ما اشرت اليه آنفا، وهذا البعض لم يعلم ان المنظومة القانونية
فيها معالجة لما يتخوف منه ويتحسب اليه في حكم المادة (212) من قانون
العقوبات التي جرمت فعل تحسين وتزيين الجريمة باستعمال وسائل الاعلام
بكافة اشكالها عندما عدها جريمة وعلى وفق النص الاتي (يعاقب بالحبس من
حرض بإحدى طرق العلانية على ارتكاب جنايات القتل او السرقة او الاتلاف
او الحريق او غيرها من الجنايات التي من شانها تكدير الامن العام ولم
يترتب على تحريضه نتيجة).
وكذلك في ما يتعلق بالدعوات التي تطلق لعدم الانصياع للقانون
وتنفيذ الاوامر على وفق حكم المادة (213) من قانون العقوبات التي جاء
فيها الاتي (يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على ثلاثمائة دينار او بإحدى
هاتين العقوبتين من حرض بإحدى طرق العلانية على عدم الانقياد للقوانين
او حسن امراً يعد جناية او جنحة) وفي المادة (221) المتعلقة بالدعوة
الى التجمهر وعلى وفق النص الاتي (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة
وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من دعا
الى تجمهر في محل عام او ادار حركته او اشترك فيه مع علمه بمنع السلطة
العامة ذلك التجمهر.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها من حرض بإحدى طرق العلانية على التجمهر
المشار اليه ولم تترتب على تحريضه نتيجة) اما اذا كان التحريض ادى الى
وقوع الفعل فان المحرض يعد فاعلا ويعاقب بذات العقوبة التي تفرض على
الفاعل الاصلي، وبعد اتساع الاعمال الارهابية صدر قانون مكافحة الارهاب
وجعل من المحرض شريكا في الجريمة ويعاقب بذات العقوبة على وفق حكم
المادة (4) من قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005، وكنت قد اشرت في
مقال سابق بان علم الصياغة التشريعية والفقه الجنائي الحديث تحول الى
من العقوبة البدنية الى العقوبة المالية التي اصبحت اكثر فاعلية تجاه
الحد من الجريمة عدا بعض الافعال التي تشكل خطر كبير وداهم يمس
المجتمع، وللدلالة على ما ذكرت اقتبس من مقال سابق حول موافقة مجلس
الوزراء على إصدار تشريع لمكافحة جرائم المعلوماتية النص الاتي
(الأسباب التي ذكرها الناطق الرسمي كان محورها الوازع الأمني للحفاظ
على المعلومة.
وهذا خلاف ما وصل إليه الفكر الإنساني حول التعامل مع المعلومة من
كونها معلومة اختصاص إلى واقع معرفي، بمعنى إنها أصبحت معرفة الجميع
والحق في الانتفاع بها وهو حق من حقوق الإنسان ولا يجوز التقاطع معه.
فكان من الأفضل لو تضمن المشروع ما يشير إلى إنماء المعرفة لدى الإنسان
بدلا من ربطها في الجانب الأمني بالمعلومة كما إن ذلك قد يتقاطع مع حق
الإنسان في الحصول على المعلومة) وارى ان تزيين القوانين بمفردات
ومصطلحات تعبد الطريق نحو الهيمنة هو بذاته فعل ينطوي على تزيين عملية
كم الافواه وقمع الحرية و تقييد حرية التعبير. |