التعاون والفكر ودورهما في بناء الدولة 

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: للفكر البنّاء دوره الحاسم في تطوير البنى الاساسية لقيام الدولة المدنية المعاصرة، وقد تنبَّهت الامم والشعوب الذكية الى أهمية الفكر وتجديده، وكذلك دوره في تحقيق النقلات الحقيقية نحو العصرنة والتحديث، سواء في البنى المادية للدولة المتمدنة، او في البناء السليم لشخصية الفرد المعنوية والفكرية عموما.

الحلم بالدولة العادلة

الدولة المدنية التي تحلم بها الشعوب، هي الدولة العادلة التي تحكمها ضوابط وسنن وتشريعات، ينضبط تحت سقفها الجميع، من دون فرق بين هذا او ذاك، سواءً على اساس الملك او السلطة او الجاه وما شابه، فالجميع يخضعون لضوابط الدولة المدنية العادلة، وهم سواسية أمام العدالة بمفهومها العام، وفي مجالات الحياة المختلفة.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الصياغة الجديدة) في هذا الشأن: (تنظر كل شعوب العالم إلى دولة عادلة، كحلم يراودها منذ فجر البشرية، وقد تتهيأ أسباب هذه الدولة في عصر من العصور، إلا أنها تفتقر إلى أسباب البقاء التي تجعل منها نموذجاً يُحتذى به، ولم يأت التاريخ البشري بنظرية متكاملة لحكم هذا العالم بمثل ما جاءت به شريعة الإسلام التي ضمنت العدالة والحرية والسعادة لجميع أبناء البشر).

وطالما أن العدالة تستمد قوتها من الركيزة الفكرية للمجتمع، ومنظومة الافكار السائدة في المجتمع، حيث تنتظم طبيعة الحياة استنادا الى نوعية الافكار وطبيعتها، فإن تطبيق الفكر وتحويله الى فعل ملموس يتطلب ادراكا لدى القيادات، بالاضافة الى التعاون والمساندة من لدن المعنيين بهذا الجانب، ولا يصح بث روح اليأس مقدما بين مكونات المجتمع القيادية او عامة الناس، لأن الارادة والثقة بالنفس، والاصرار على النجاح، كلها عوامل مساعدة ومهمة لتحويل الفكر الى منجز عملي شاخص امام الجميع، لذلك ينبغي أن ينظر المسلمون الى أنفسهم وطاقاتهم بعين القبول والقدرة على النجاح في جميع ميادين الحياة التي تدخل في ترميم وتطوير البنى المساعدة على تحقيق دولة مدنية راسخة.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (نحن المسلمين يجب أن لا نفكر بأننا غير مؤهلين للقيادة وأخذ زمام الأمور في العالم وبناء حضارة الأمة الإسلامية، بل علينا أن نطرد كلمة -مستحيل-  من قاموس حياتنا وعندها سنستطيع إذا ما أخذنا المبادرة وتفهمنا الرؤية والبصيرة الصائبة أن نرجع إلى السيادة).

أثر التعاون بين النخب

النخب هي القيادات التي تتصدى لتحمل مسؤولية ادارة شؤون الدولة والمجتمع، وهناك نخب رسمية تابعة لسلطات ومؤسسات الدولة، وأخرى مدنية مثل المنظمات الاهلية المستقلة الفكرية والثقافية والقانونية والصحية والاجتماعية والانسانية عموما، هذه النخب ينبغي أن تكون قادرة فعلا على تحقيق عناصر النجاح، من خلال التعاون المتبادل الذي يكرس بناء الدولة المدنية ومرافقها المختلفة، سواءا في الجانب المادي او المعنوي الفكري، وهناك أهمية كبرى لهذا الجانب، فلا مجال لبناء دولة المؤسسات المعاصرة، من دون تواجد وتفاعل النخب المتمكنة اداريا وفكريا، وكلما توافرت مثل هذه النحب وفقا للمواصفات الصحيحة، كلما اقترب المجتمع من تحقيق هدفه المنشود في بناء الدولة المتمدنة.

في هذا الصدد يقول الامام الشيرازي بكتابه (الصياغة الجديدة): (إن التعاون بين قطاعات الأمة بمستوى علماء الدين والخطباء والتجار والعمال والمهندسين والأطباء والطلبة الجامعيين والحوزويين والفلاحين والعمال وغيرهم واجب ضروري يجب أن نزرعه في أنفسنا، فإن التعاون بين هذه القطاعات سيؤدي شيئاً فشيئاً إلى نتائج مثمرة بعد مدة من الزمن).

ولكن هذا النشاط والعمل الجدي للنخب وسواها، لا يعني خلو ساحة العمل من الاخطاء والمشاكل، بل على العكس من ذلك، حيث ما أن تبدأ النخب والجهات المختلفة بالعمل على البناء والتطوير، حتى تظهر العوائق كثيرة وقد تكون كبيرة ومتتابعة في وجوه العاملين واراداتهم، الامر الذي يتطلب جهودا كبيرة ومتواصلة ومدروسة لمعالجتها، وتحييدها، وتحويلها من مشكلات وعوائق صعبة، الى عوامل مساعدة على التطوير والتقدم، ولكن يتطلب ذلك تعاونا جادا ومتواصلا بين الجميع.

يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (هناك حواجز كثيرة تفصلنا عن بعضنا البعض، وهذه الحواجز لا تظهر في فترة الاختلاط والصداقة والسفرات والرحلات السياحية إنما تظهر عندما نبدأ بالعمل الجدي. هذه الحواجز التي تقف جداراً سميكاً يجب أن ننسفها حاجزاً بعد حاجز حتى تتحد وتتلاحم الأمة ونستطيع بالتالي العمل والتنسيق جميعاً).

اكتشاف الطاقات الكامنة

للعمل الجماعي دوره الاساسي في تحقيق الانجاز المدني على مستوى بناء الدولة ومؤسساتها، وهذا يتأتى من خلال التقارب والتعاون بين الجميع على مستوى الافراد والجماعات، لذلك حينما نبحث فعلا في الخطوات الحقيقية التي تقودنا الى تحقيق حلمنا ببناء الدولة الحديثة، علينا أن نفكر ونعمل بجدية، على ازالة الحواجز التي تفضل بيننا وبين بعضنا، أيا كانت أسبابها أو مصادرها او دوافعها، وعلينا أن نثق بأنفسنا وفي بعضنا البعض، وعلينا أيضا أن نكتشف قدراتنا وطاقاتنا، ونحشدها على نحو سليم ومدروس، لتحقيق النجاح والهدف المطلوب، يقول الامام الشيرازي بكتابه (الصياغة الجديدة) في هذا المجال: (يجب أن نشعر أنفسنا في هذه المرحلة بضرورة تحطيم الحواجز وذلك بمعرفة بعضنا للبعض الآخر، وتقييم كل منا للآخرين كي نكتشف طاقاتنا كشعب ونعترف بهذه الطاقات وتكون لدينا قناعة تامة بطاقاتنا وقدراتنا وإن باستطاعتنا بلوغ الهدف وهذا هو أهم شيء نحتاجه).

ولكن هناك جانب مهم يجب التنبّه له، كونه يعترض عملية البناء، ويعطلها، إن لم ينسفها من الجذور، ألا وهو جانب الخلافات والسلوك الاخلاقي المسيء، الامر الذي يؤدي الى التناحر بين الجميع لاسباب كثيرة يغذيها الاعداء، لكي لا يتمكن الشعب من بناء دولته المدنية، لذا من المهم ان تُعالج جذور هذه العقبات من لدن جميع الاطراف.

لهذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا الصدد: (يجب أن لا يخفى علينا شيء مهم وهو السلوك الأخلاقي السيئ وجوانب النفاق والحسد والكسل التي تقف عقبات كؤودة أمام عملية البناء والإعداد الذاتي للفرد والأمة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/تموز/2012 - 18/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م