لكل معتقل قصة ولكل سجين رواية لا تنتهي فصولها، تروي لنا أنهارها
عذابات الشقاء التي نالها من أزلام الطاغية، في كل زمن يوجد فيه الظلم
هناك ضحايا يستغيثون ولا يغاثون، ومن لم يجب نداء (يا للمسلمين) فليس
بمسلم حديث أخذ طريقه مع الرياح دون فائدة، وللسجين أمٌ تكتوي وأبٌ
مقطع الفؤاد.
هل عرفنا قصة الشميمي السجين الذي نال منه الظلم ليُتوجه علماً في
حقل الانتهاكات التي لا تنضب، لنا في علمائنا وسادتنا آل محمد خير أسوة،
أليس الاعتداء لنا عادة وكرامتنا من الله المقام والحظوة؟! لقد ارتعدت
فرائصي حينما رأيته أين الإشراق والضياء يا محمد؟! أين النباهة
والحصافة التي أعدموها ؟! قل لي بربك ما فعلت حتى أخرسوا منك الحياة؟!
قل لي بربك ما جنيت حتى شوهوك بضغائنهم؟!
الشميمي الشاب ذهب عنفوانه ولم يرجع، ما هذه الجريمة النكراء التي
تلطخوا بإثمها وضيعوا روح الإنسانية من خارطتها؟! لقد أضاعونا فيك فما
عرفناك؟! و"هل يخفى القمر" عبارة تعودنا تداولها حينما نسمع عنك،
واليوم عاد لنا القمر مخسوفاً وبأي حالة؟! عاد القمر يا أم السجين
وبوصلتك فيه ضائعة فهل ستعرفينه؟! فلذة كبدك أيها الوالد الحاني قد
ذهبت، فكل العطف أنفقوه عليه بطريقتهم الخاصة ولم تبقى لهم رحمة في
قلوبهم.
محمد الشميمي كما عرفته شاباً خلوقاً يتوقد قلبه عطاء وخدمة لمجتمعه
ومن هم حوله، لا يبخل بما لديه للآخرين ذو خلق جم ودماثة نادرة، صافي
السريرة تكهرب بالنشاط ونبذ الكسل وراء، أرتبط قلبه ببيت الله فعقد
العزم أن يكون خادماً للحجاج كل عام، عامه المنصرم قضاه نحلة زهر لا
يكل ولا يمل حينما أراه أرى بشاشته تسبقه والأدب الحسن يحدوه فزوار بيت
الله العتيق يشهدون له بالطهارة والنقاء، وما كسر قلبي صورته المغايرة
فأين الرواء والعافية المسروقة من جسدك النحيل؟!
شاهدته فلم أعرفه وهل محمد إلا شاباً وسيماً تتدفق النباهة من عينيه
وتنشرح لملقاه النفوس؟!، أمعنت النظر فلم أرى إلا قطعة خلقة من فرط
الشناعة التي مورست عليه، ولا ينكر أحد أن هذه الأمانة كانت بيد مخلوع
قلب !!
أبناؤنا المعتقلون في يد زبانية لا في يدي سجانين، ما هذا التعذيب
الفاحش؟! وما هذا القلب المحطم الذي تركوه لنا؟! أعيدوا لنا محمداً
الذي اخذتموه لا جزاكم الله خيراً، وهل سيصلح العطار ما أفسد الأسر؟!،
أي قسوة تلك التي تمارس في حق المعتقلين، وأي جناية ترتكب في هؤلاء
الزهور؟! ومجتمعنا الحبيب تعود الإغفاءة وسكن الصمت الشفاه رغم الأدلة
القطعية والملموسة التي لا يُشك فيها أثنين، لا أظن أننا سسنعيش
الكرامة في قلب مجتمع يرى ويشاهد بأم العين ثم لا ينبس حرفاً، لا قيمة
للحياة اذا لم يُقارع الظلم ويُوضع حداً لتجاوزات العفالقة والمرتزقين.
هل فكرنا قليلاً في أولئك الأبرياء الذين قطفتهم أيدي الجلاوزة
وقطعتهم الأحقاد بالظنة والتهمة ؟! أين يذهبون وبمن يلوذون؟! ولا أحد
يحمل لهم قضية أو يرد لنصابهم حقاً، السخف ليس في التعذيب والألم الذي
تكبدوه غصة فقط بل السخافة في تمادي الجلاد في قذفه لذوية طلباً لدفع
مصاريف العلاج من أجل إتمام محاكمة صورية، الحوقلة والتحسب ما يمتلكه
المظلوم إلا أن يوم المظلوم أشد وقعاً على الظالم، وأليس لنا زعيماً
ننتظره؟! (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ
يَنْقَلِبُون).
كنت بلبلاً صادحاً فلماذا أخرسوك؟! كنت بهجة زاهرة فلماذا أخمدوك؟!
وأنى لهم في اعتقال الضياء، فالسيرة العطرة تضيء طريق المسيرة الوضاءة
والنضرة التي سيراها الجميع واضحة المعالم ناصعة التألق، فليس كل معتقل
أسير، وليس كل معذب مشلول الإرادة فالصمود طريق عرفناه في جراحاتك التي
لم تندمل، وجبروتك القاهر طبع في أحشائهم أشد مما فعلوه بك، يكفي أن
تحمل اسم البطل وليخسأ المجرمون. |