شبكة النبأ: يعاني الشرق الاوسط من
ارتفاع نسب الجهل والامية وتدني نسب التعليم والثقافة بصورة ملحوظة وقد
وصفت العديد من المنظمات الدولية اضافة الى الخبراء والمهتمين الامر
بانه كارثة حقيقية حيث يحتاج الشرق الاوسط وخصوصاً بعض الدول التي
يضمها الشرق الاوسط الى ثورة عملاقة من اجل النهوض بهذا الواقع المتردي
وتحسين مستوى التعليم وانشاء مجتمعات جديدة قائمة على المعرفة والثقافة
الضرورية الي من شائنها ان تواصل عملية التطور وصناعة الحضارة والتقدم
العلمي، ويبدوا ان المشاكل المتجذرة والتي تعيش داخل رحم هذه الامم
والمتنوعة بين الصراعات السياسية والاقتتال الاثني والعشائري الى الفقر
وضعف الاقتصاد والتحكم العرفي بمصير المراءة اضافة الى التشدد الديني
وغيرها من الاسباب التي حالت دون التقدم بخطوات اصلاحية جادة وملموسة
نحو الامام حتى من قبل المصلحين والمثقفين داخل هذه المجتمعات بعد ان
قضى بعضهم عقود من الزمن في محاولات للتغير والاصلاح ومن دون ان ينسى
الامل بتحقيق هذا التغيير خصوصاً وان الربيع العربي قد جاء في وقت قد
يكون منقذاً لبعض هذه الامم.
الارتقاء إلى "مجتمع المعرفة"
حيث قال خبراء خلال حفل إطلاق تقرير المعرفة العربي لعامي 2010-2011
في دولة الإمارات العربية المتحدة في وقت سابق أنه إذا قدر للربيع
العربي أن يحظى بتأثير دائم، فإن التعليم يجب أن يتصدر قائمة أولويات
الإصلاح في مرحلة ما بعد الثورات العربية، وفي هذا السياق، قالت أمة
العليم السوسوة، الأمين العام المساعد ومدير المكتب الإقليمي لشؤون
الدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وفي تصريح لشبكة
الأنباء الإنسانية (إيرين) على هامش هذا الحدث في دبي أنه "ليس أمام
الدول العربية بديل سوى التصدي لهذه القضية، فعند الحديث عن أي نوع من
الإصلاح - سواء سياسي أو قضائي– يكون التعليم جزءاً لا يتجزأ منه، وإلا
كان إصلاحاً مصطنعاً"، ودعا تقرير المعرفة العربي، الذي قام بإعداده
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، إلى
العمل من أجل تمكين الشباب في المنطقة من المشاركة بشكل أفضل في ما
يسمى بـ"مجتمع المعرفة" وتجاوز الفقر والبطالة اللذان أديا إلى مظاهرات
حاشدة وإسقاط حكومات عديدة خلال العام الماضي، ووفقاً لبعض التقديرات،
تقل أعمار أكثر من 60 بالمائة من سكان البلدان العربية عن سن 25 عام،
ولكن الآفاق المتاحة أمام الشباب العربي ظلت حتى الآن محدودة بسبب ضعف
الحوكمة، وارتفاع معدلات الفساد، وضعف مؤشرات الحرية وغياب الديمقراطية،
وتزايد معدلات الفقر والبطالة، واستمرار القيود المفروضة على حرية
المرأة، وفشل الإصلاحات الاقتصادية في تحقيق العدالة الاجتماعية أو
توفير فرص العمل للشباب، حسب التقرير. بحسب ايرين.
وخلص التقرير إلى أن العالم العربي لا يزال متخلفاً عن الركب،
ويعاني من "انخفاض حاد" في المهارات المعرفية لدى الشباب، بما في ذلك
مهارات حل المشاكل، والتواصل الكتابي، واستخدام التكنولوجيا الحديثة،
والقدرة على البحث عن المعلومات، وحصل الطالب العربي في المتوسط على 33
من 100 عند خضوعه لاختبارات في هذه المجالات، كما جاءت العديد من
الإحصاءات الأخرى صادمة بنفس القدر: ففي عام 2007، كان 29 بالمائة من
العرب فوق سن 15 عاماً من الأميين، مقابل 16 بالمائة على الصعيد
العالمي، في حين كان 19 بالمائة فقط من الأطفال العرب دون سن 6 سنوات
يمتلكون القدرة على الوصول إلى مراكز رعاية الأطفال العامة في عام
2010، مقارنة مع 41 بالمائة على الصعيد العالمي؛ كما استمر الطلاب
العرب في احتلال مراتب متدنية في الامتحانات الدولية، ورغم أن المنطقة
شهدت نمواً هائلاً في استخدام الانترنت، إلا أنه لا يزال أقل من
المتوسط العالمي، ومما لا شك فيه أن الربيع العربي قد ساهم في تغير بعض
هذه الأحوال، فمن الواضح أن الشباب استخدموا التكنولوجيا لإيصال
رسالتهم، وأدت احتجاجاتهم إلى بيئة أكثر حرية وديمقراطية في كثير من
البلدان، (كان توسيع نطاق حرية الفكر أحد التوصيات الرئيسية لتقرير
المعرفة العربي لعام 2009)، ولكن تقرير هذا العام يحذر من أن الدول
العربية تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد للاستفادة من الفرص التي يوفرها
الربيع العربي، ويجب على العالم العربي تطوير البنية التحتية
لتكنولوجيا المعلومات، وتشجيع الابتكار، وتهيئة بيئة ملائمة للاستثمار،
والتركيز على الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتحسين
مستوى التعليم.
ويبدو أن حكومات عربية عديدة قامت بإهمال التعليم عمداً لفترة طويلة،
حسب المراقبين، اعتقاداً منها أن الشعب غير المتعلم أقل ميلاً إلى
التمرد، ويرى حسن البيلاوي، أستاذ علم اجتماع التعليم في جامعة حلوان
بالقاهرة، أن "ثقافة الصمت" كانت من بين أسباب القصور في نظام التعليم،
مضيفاً أن "أمامنا تحد ثقافي، فنحن نعاني من التخلف الثقافي، لقد حدثت
تغييرات كثيرة في العالم العربي ولكن لم يتم ربطها بمنهجية التدريس أو
ثقافة المدارس، لذا ينبغي علينا إجراء إصلاحات واسعة"، من جهتها، قالت
موضي الحمود، وزيرة التعليم الكويتية السابقة أن الإصلاحات السابقة
كانت توصف بأنها "مهمة تقنية" يعهد بها إلى البيروقراطيين في وزارات
التعليم العربية، دون دعم من سياسات الدولة أو المجتمع المدني، و"بناء
على ذلك، فقد فشلنا"، وحثت الحكومات على تجاوز الإصلاحات السطحية
للتعليم، ولكن غيث فريز، مدير التقرير، أكد أن فجوة المعرفة ترجع إلى
أكثر من مجرد ضعف التعليم فقط، مشيراً في حديثه لشبكة الأنباء
الإنسانية (إيرين) أن المسألة "تشمل جميع قطاعات المجتمع وتتجاوز حدود
التعليم بكثير، فالمجتمع المدني له دور، والعائلة لها دور"، وحقوق
الملكية الفكرية، على سبيل المثال، هي مجال آخر "نحن كعرب غائبون عنه
في الأساس"، وألقى المشاركون في إطلاق التقرير الضوء أيضاً على أهمية
مشاركة الشباب في إيجاد الحلول، "إذا تولينا القيادة، فإننا سندمر ما
فعله الشباب. لذا ينبغي على الشباب تحديد الخطوات التالية،" كما أكد
أحد المشاركين من الأردن.
التعليم وتحرير الإنسان المصري
الى ذلك يرى كتاب عن مستقبل التعليم في مصر أن الفرصة سانحة لتكريس
نوع من التعليم يستهدف تحرير الإنسان بدلا من استئناسه كما كان يحدث في
الفترة الماضية التي سادتها مناهج تعليمية قائمة على التلقين والخوف من
ممارسة الحرية، ويشدد الكتاب على دور التعليم في تحرير وعي الإنسان
وتنمية طاقاته كضرورة لبناء المجتمع الحر بعد "فترة النظام المباركي
وحزبه الوطني خلال ثلاثين عاما من القهر والطغيان والخوف من ممارسة
الحرية حتى قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 لتحطم قلاع الخوف"
بنجاحها في خلع الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط 2011، ويقول
الكتاب الذي ألفه شيخ التربويين المصريين حامد عمار وأستاذة التربية
بجامعة عين شمس صفاء أحمد ان التعليم يوظف كقوة سياسية في يد السلطة
حيث تحرص النظم القمعية على استمرار "ثقافة الصمت" التي يقوم فيها
المدرس بدور السلطة والطالب بدور المذعن وتغيب في هذه المعادلة امكانية
التساؤل والمشاركة انطلاقا من أن المعرفة قابلة للشك والمراجعة
والتجديد، ويرى المؤلفان أن "تحرير الإنسان" يحتاج إلى تعليم مغاير
يساعد على تنمية ثقافة المقاومة لا ثقافة الصمت "ولا بد للثقافة
الجديدة من الخلاص من الاتجاهات اللاإنسانية لدى القاهر والمقهور، الى
القبلة الديمقراطية" بعيدا عن أسلوب التلقين الذي يعتبره الكتاب أكبر
عقبة أمام تأسيس تعليم ديمقراطي في مجتمع ديمقراطي، ويضيف أن "خطيئة
التفكير أفضل ألف مرة ومرة من براءة اللاتفكير." بحسب رويترز.
وحمل الكتاب عنوان (المرشد الامين لتعليم البنات والبنين في القرن
الحادي والعشرين) في تذكرة برائد النهضة التعليمية والترجمة في العصر
الحديث بمصر رفاعة الطهطاوي (1801- 1873) الذي عاد من فرنسا بمشروع
طموح لتحديث البلاد وأسس مدرسة الالسن وأصدر كتبا منها (المرشد الامين
في تربية البنات والبنين)، والكتاب الذي أصدرته (الدار المصرية
اللبنانية) في القاهرة يقع في 400 صفحة كبيرة القطع ويضم فصولا منها (رؤية
لمقومات التعليم الانسانية والاجتماعية) و(مؤسسات التعليم وقواعدها
وبيئاتها) و(مؤسسات البحث العلمي) و(الاوجاع المزمنة في كيان التعليم)
و(معالم التلاقح بين الثقافة والتعليم) و(ثلاثية الابعاد في تطوير
التعليم)، ويقول الكتاب إن مسيرة التعليم في البلاد منذ العصر الملكي
قبل ثورة 1952 وصولا الى نهاية عهد مبارك في العام الماضي شهدت كثيرا
من الاضطراب وان "الامل معقود على أن تستكمل ثورة 25 يناير 2011
مسيرتها الشاقة متسلحة بتلك المبادئ الى استكمال أهدافها وغاياتها" في
بناء مجتمع ديمقراطي، وتوجد في مصر أربعة أنواع من التعليم منها ديني/أزهري
ومدني ينقسم الى حكومي عام وحكومي تجريبي يدرس العلوم بلغة أجنبية
اضافة الى مدارس خاصة عربية وأجنبية، وأدخلت الجامعات في السنوات
الاخيرة الى جانب التعليم العادي تعليما متميزا بلغات أجنبية وبنفقات
مالية مرتفعة اضافة الى وجود جامعات خاصة كمشاريع استثمارية وجامعات
أجنبية.
ويرى المؤلفان أن من شروط الديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية التي
يترتب عليها تكافؤ العدالة التعليمية والحق في الالتحاق بالتعليم
والاستمرار فيه والارتقاء بالخدمات التعليمية ونتائج الامتحانات في
الشهادات العامة وتكافؤ الفرص في سوق العمل بعد التخرج، ويشدد على أن "التعليم
المتمثل في المدارس الاجنبية والتعليم المتميز ذي المصروفات العالية
يمثل اختراقا واضحا لتكافؤ الفرص التعليمية وتعارضا حقيقيا للعدل
التربوي والعدالة الاجتماعية" داعيا الى اعادة النظر في السياسات
التعليمية ضمانا للتماسك الاجتماعي بدلا من تحول المجتمع الى جزر
معزولة، ويسجل أن نسبة الفقراء في مصر تبلغ نحو 40 بالمئة من السكان
وتزيد على ذلك في المناطق الريفية بالوجه القبلي، ويقدم الكتاب مقارنات
ذات دلالة منها الخريطة الزمنية للعام الدراسي في التعليم قبل الجامعي
والذي يبلغ في مصر 180 يوما "في أحسن التقديرات"، فيما يصل عدد أيام
العمل الفعلي في مدارس اليابان الى 243 يوما كاملا. وفي ماليزيا
وسنغافورة وكوريا الجنوبية ومعظم دول أمريكا الجنوبية يصل الى 220 يوما.
باكستان وخطر تعليم الفتيات
من جهة اخرى لا يذهب سوى عدد قليل جداً من الفتيات إلى المدرسة في
مقاطعة باجور، إحدى المناطق القبلية السبعة في شمال غرب باكستان، وذلك
خوفاً من التهديدات التي صدرت عن حركة طالبان، وفي هذا السياق، قال
سالم جان، وهو مواطن من مدينة خار - المدينة الرئيسية في المقاطعة: "عندما
استأجرت معلماً لتمكين ابنتاي الكبيرتان من مواصلة تعليمهما في المنزل،
بدأت أتلقى التهديدات"، ويجد سالم نفسه في مأزق كبير يدفعه للتساؤل ما
إذا كان عليه مغادرة المنطقة. ويعزو خوفه إلى استمرار "وجود المسلحين
في المنطقة على الرغم من ادعاءات الجيش بالنصر في عام 2010"، ووفقاً
للجنة حقوق الإنسان المستقلة في باكستان، اضطرت العديد من الفتيات
للالتحاق بالمدارس الدينية في العام الدراسي 2009-2010 بسبب الخوف من
الطالبان، حيث أفادت اللجنة في تقريرها الصادر في شهر سبتمبر أنه "لم
يتم قبول أية فتاة في الصف الدراسي التاسع في باجور (منطقة حدودية) أو
في كوهات أو في لاكي ماروات خلال عام 2009-2010 بسبب تهديدات طالبان"،
كما أنه لم تلتحق أية فتيات بالتعليم الجامعي في باجور أو لاكي ماروات
أو بيشاور، كما أفاد التقرير أن الآباء يمتنعن عن إرسال بناتهم إلى
المدارس بسبب معارضة حركة طالبان لتعليم الفتيات والدعاية المناهضة فه
من خلال قنوات الإذاعة غير الشرعية والتهديدات والإعلان عن أن تعليم
الفتيات هو ابتذال وعمل غير إسلامي، وقالت زليخة بيبي، من قريتها
القريبة من مدينة وانا، أنها سمعت عن سيدات تعرضن للتشويه على أيدي
مسلحين بسبب ارتكابهن "لجرائم" مثل التجرؤ على الخروج من الدار بمفردهن
دون مرافقة رجل. بحسب ايرين.
وأضافت زليخة أن "الفتاة التي تعيش خارج المناطق القبلية لا يمكنها
تخيل الخوف الذي نعيش فيه نحن النساء، فهنا في جنوب وزيرستان، هناك
حالات لاقتحام طالبان للمنازل من أجل التحقق من أخلاق النساء، وقد وصلت
بهم الأمور إلى حلق شعر ابنة عمي التي لا تزال في سن المراهقة فقط
لأنها لم تكن تغطي رأسها بشكل لائق قبل أشهر قليلة"، وقالت مريم بيبي،
المديرة التنفيذية لمنظمة خواندو كور (منزل الأخوات) غير الحكومية التي
تتخذ من بيشاور مقراً لها، أنه "بالرغم من الموقف الرسمي الذي أعلن أن
طالبان قد تعرضت للهزيمة، فإن الحركة لا تزال حاضرة في المناطق
النائية، والسيدات يعشن في رعب، وقد أخبرنني بقصص عن الاستغلال
والمضايقات والأشكال الأخرى من العنف الفظيع التي يتعرضن لها على أيدي
المسلحين"، كما أكدت أن الموظفين الميدانيين قد تحققوا من التقارير
التي تضمنتها دراسة حديثة قامت بها منظمتها وتحدثت عن قيام المسلحين
بقطع ثديي أم قامت بإرضاع طفلها داخل منزله، وأضافت قائلة: "لقد قابلت
بعض النازحات اللواتي أخبرنني أن موظفي الأمن في المخيمات طلبوا منهن
خدمات جنسية مقابل الغذاء"، مشيرة إلى أن النساء يعشن في رعب في
المناطق المستقرة التي تسيطر عليها طالبان مثل منطقة تانك في إقليم
خيبر باختون خوا، ومعلقة على الموضوع بقولها: "إن محنة هؤلاء النسوة
فظيعة، ولن تتغير إلا عندما يصبح تغيير عقليات الرجال ممكناً"، من
جهتها، قالت آسيا بيبي، البالغة من العمر 19 عاماً، والتي تعيش الآن في
بيشاور مع أسرتها أن "كل سيدة في مقاطعتنا في مهمند تعيش في رعب دائم،
إنه لشيء مخزي أن نشعر بالخوف من التعرض للإهانة عندما نخرج إلى
الطرقات حتى إذا كنا محجبات من الرأس إلى القدمين، كما أن العنف ضد
المرأة أمر شائع ليس فقط على أيدي المسلحين، ولكن أيضاً على أيدي غيرهم
من الأقارب".
ووصفت لجنة حقوق الإنسان المستقلة في باكستان في تقريرها الصادر في
شهر أكتوبر 2010 الصعوبات المحددة التي تواجهها النساء النازحات اللائي
يعانين من مشاكل متعددة في التسجيل في المخيمات والحصول على المساعدات،
وجاء في التقرير أن "النزوح القسري يمكن أن يعرض النساء والفتيات إلى
مجموعة من العوامل التي قد تعرضهن بدورها لخطر انتهاك المزيد من حقوقهن"،
وفي تقرير منفصل حول سوات تم تجميعه خلال نفس العام، أشارت اللجنة إلى
أن النساء مازلن يواجهن العديد من الصعوبات التي تشمل انعدام فرص
الحصول على التعليم وعدم الحركة حتى بعد مرور عام على انتهاء النزاع في
المنطقة، من جهتها، قالت لجنة الأمم المتحدة للمرأة في بيان صحفي علقت
فيه على تقرير خويندو كور الصادر بعنوان ‘تأثير الأزمة على السيدات
والفتيات في المناطق القبلية التابعة لإدارة الحكومة الفدرالية’ أن "المرأة
تكون من بين الفئات الأكثر ضعفاً خلال فترات الأزمات، كما تتعرض
السيدات والأطفال إلى الضرر بصورة مختلفة جداً عن الرجال أثناء مراحل
الإغاثة والتعافي المبكر"، وطبقاً للإحصائيات الرسمية، فإن المناطق
القبلية التي يتم إدارتها بواسطة الحكومة الفدرالية من بين المناطق
الأقل نمواً في البلاد، حيث لا تتعدى معدلات تعليم النساء 3 بالمائة.
بين السخرة والعلم
في سياق متصل يقول بعض المسؤولين المحليين أن انتشار الفقر والجهل،
والمواقف السلبية تجاه تعليم الفتيات، وعدم وجود الوثائق الملائمة
لأطفال المهاجرين الأفغان، تشكل كلها عقبات تحول دون التحاق الأولاد
بالمدارس في ضاحية فقيرة من مدينة بيشاور الباكستانية، وتقع شمشاتو على
مشارف بيشاور، عاصمة مقاطعة خيبر باختونخوا، حيث ولد العديد من الأطفال
لآباء وأمهات من اللاجئين الأفغان، فالمخيم الذي كانوا يعيشون فيه مغلق
الآن، ولكن ما زال عدد كبير من الأفغان يعيشون في المنطقة، حيث يصعب
العثور على وظائف، ما يدفع بالعديد من أفراد العائلات الأكثر ضعفاً إلى
العمل بالسخرة في أفران الطوب القريبة، ولا يبدو أن التعليم يمثل
أولوية بالنسبة لهؤلاء الناس. فيقول عبيد الله خان، وهو مدير مؤسسة
العباسين الخيرية في باكستان: "الأسر هنا فقيرة جداً وكل يد قادرة على
العمل لها أهميتها بالنسبة لهم، عندما يكون عليك تسليم 1،000 قالب طوب
لكسب 300 روبية (3 دولارات أمريكية) في يوم واحد وليس لديك سوى يدين
اثنتين، كم يمكنك أن تصنع؟" وتجدر الإشارة هنا إلى أن مؤسسة العباسين
الخيرية في باكستان قررت مع مؤسسة العباسين في المملكة المتحدة
والمنظمة غير الحكومية النمساوية "الأمل 87" أن تتحرّك لمساعدة هؤلاء
وإقامة مدرسة لهم، هذا وقد فتحت مدرسة النور النموذجية أبوابها في قرية
باغبانان في شمشاتو في يناير 2009، بعد أن تبرع أحد المواطنين المحليين
بالأرض، وتفرض المدرسة رسوماً تبلغ 25 روبية (27 سنتاً) في الشهر،
ووفقاً لإنام الله خان، مدير المدرسة "عندما بدأت المدرسة، كانت تضم 44
من الصبيان و4 فتيات، وحتى الآن، لم يتركها العديد من الفتيان، ولكننا
نرى الفتيات يتركن المدرسة قبل إنهاء الصف الثاني، فالناس هنا لا
يرغبون بإرسال بناتهم خارج المنزل، وبمجرد وصولهن إلى سن معينة، تصبح
الأولوية إتمام زواجهن"، وعند زيارة المدرسة، وجدت شبكة الأنباء
الإنسانية (إيرين) أكثر من 150 صبياً وحوالى 70 فتاةً مسجلين في خمسة
صفوف (من الروضة حتى الصف الرابع)، وأضاف مدير المدرسة قائلاً: "أرسل
كثير من الآباء أولادهم إلى المدرسة على مضض بعد أن أقنعتهم شخصياً
بذلك، أنا حافظ القرآن، وهم يعرفون ذلك"، وقال صابر، البالغ من العمر
تسع سنوات: "أريد أن أكون مدرساً أو طبيباً"، فيعمل والد صابر سائقاً،
ويعتبر صابر وشقيقه الأصغر أوفر حظاً من الأولاد الآخرين من حولهم،
فعلى الرغم من مواردهما المحدودة، ليسا مضطرين للعمل في أفران الطوب
المنتشرة على جانبي الطريق المؤدية إلى شمشاتو.
ويعَد معدّل الالتحاق بالمدارس في ولاية خيبر باختونخوا من أدنى
المعدلات في باكستان، فوفقاً للبيانات المتوفرة في مكاتب المحافظات،
يلتحق بالمدارس ما بين 58 و72 بالمائة من الفتيات اللواتي تتراوح
أعمارهن بين 5 و10 سنوات، مقارنةً بـ 77 إلى 97 بالمائة من الصبيان في
نفس الفئة العمرية، ويتفاقم الوضع بسبب انعدام الأمن الذي ما زال يؤدي
إلى تهجير الناس، فقد ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية
أن نحو 149،440 أسرة (683،550 شخصاً) نزحوا من خيبر باختونخوا والمناطق
القبلية بسبب استمرار انعدام الأمن والعنف الطائفي، ويعمل الكثير من
الأطفال في سن مبكرة في منطقة شمشاتو، وخاصة أولئك الذين لا يذهبون إلى
المدرسة، فيقوم نصير الذي لا يتجاوز الست سنوات من العمر، بمساعدة
والده في صنع الطوب بعد دوام المدرسة، ويقول: ""المكان ساخن وأنا لا
أحبه، ولكنني لا استطيع أن أرفض طلب والدي، وإذا كان عملي جيداً، أحصل
على الحلوى"، وفي الواقع، يعمل 38 صبياً من أصل 150 طالباً في المدرسة
في أفران الطوب بعد انتهاء دوام الدراسة، فتتلطّخ أظافرهم الصغيرة
بصبغة الطوب، وليست الفتيات أفضل حالاً من الصبيان، فقد يفلتن من العمل
في الأفران، ولكن يتزوج العديد منهن في سن مبكرة، قد لا تتجاوز الثانية
عشرة، وأفاد الآباء والأمهات الذين يذهب أطفالهم إلى مدرسة النور أنهم
يريدونهم أن يحصلوا على تعليم جيد، فقالت راضية: "أريد أن يذهب أبنائي
إلى المدرسة ويمارسوا عملاً محترماً في حياتهم"، فاثنان من بناتها
وأولادها الثلاثة قد التحقوا بالمدرسة، أما زوجها فيعمل كأجير يومي،
لذا فهي تنظر إلى التعليم باعتباره وسيلة للتخلص من الفقر، وتضيف: "لقد
رأيت الكثير من العائلات يحصلون على قروض، ثم يمضون بقية حياتهم
يحاولون تسديده، قد تستخدم القروض أحياناً لتغطية النفقات الطبية،
وربما العمليات الجراحية، أو حتى وجبات الطعام في حفلات الزفاف، فعندما
يكون تدبير وجبتين في اليوم مهمة صعبة، عليك أن تواجه خيارات صعبة.
ويقول مسؤولون حكوميون أن الوضع سيتحسن عندما يتم تمرير دستور جديد
يضمن التعليم المجاني للأطفال الصغار، فذكر أحد المسؤولين، فضّل عدم
الإفصاح عن اسمه، أنه "بعد إقرار التعديل الثامن عشر في الدستور، سيضمن
إدراج المادة 25-أ توفير التعليم المجاني من قبل الدولة للأطفال الذين
تتراوح أعمارهم بين 5 و16 عام، وسيساعدنا هذا على تحقيق الأهداف
الإنمائية للألفية في بلدنا، ولكن ما يجب أن ندركه هو افتقار الولاية
إلى البنية التحتية والموارد، كما أن القواعد والثقافة التقليدية تزيد
الأمر تعقيداً، حيث يتم النظر إلى تعليم البنات بشيء من الازدراء"،
وتشير البيانات التي توفّرها الإدارة الإقليمية للتعليم الابتدائي
والثانوي إلى بناء 525 مدرسةً ابتدائيةً في الولاية خلال عام 2009، تم
تخصيص 50 بالمائة منها للبنات، كذلك، أشار المسؤول إلى أنه "يتم منح
الطالبات في المدارس العامة راتباً كحافز لمواصلة دراستهن ابتداءً من
الصف السادس وحتى الصف العاشر، في حين يتم توفير الكتب المدرسية مجاناً
لجميع الطلاب من الحضانة إلى المرحلة المتوسطة (الصف الثاني عشر)"،
وعلى الرغم من هذا، فقد بقيت معدلات الالتحاق بالمدارس منخفضة جد،
وأضاف عبيد الله خان: "أولاً هناك مسألة الرسوم، ثم التنقل، لا سيما
بالنسبة للبنات، ليس لدينا الكثير من المعلمين الملتزمين في القطاع
العام وهم دائماً يفضلون البقاء في المناطق الحضرية، بدلاً من الخدمة
في القطاع الريفي، وحتى بالنسبة للقطاع الخاص أو المنظمات غير الحكومية،
يشكل الحصول على مدرسات بارعات تحدياً كبيراً، نظراً لعدم وجود نساء
كثيرات تقبلن بالعمل في المناطق الريفية".
لبنان: خطوة صغيرة نحو محو الأمية
من جهتها وقبل سبع سنوات، بدأت خديجة أسعد تحفيظ القرآن الكريم
للفتيات في قرية وادي جاموس اللبنانية النائية في منطقة عكار،
بالمحافظة الشمالية دون أن تكون لديها أدنى فكرة عن مدى تأثير هذه
المبادرة على مجتمعها الفقير في نهاية المطاف، وقد تحدثت لشبكة الأنباء
الإنسانية (إيرين) عن تجربتها قائلة: "اعتدت القيام بذلك في المنزل،
وبعد أن زاد عدد النساء الأميات في وادي جاموس اللواتي قصدنني لتعليمهن
القراءة، ذهبت لرؤية رئيس البلدية خضر عبد القادر عكاري، الذي خصص لنا
غرفة في مبنى البلدية، وبدأ عددنا يكبر شيئاً فشيئ، تعرفت على مسؤولين
في وزارة الشؤون الاجتماعية في عكار، وحضرت دورة تدريبية لتعليم
البالغين الأميين، وحصلت على بعض الكتب لاستخدامها في التدريس"، ولم
تتلق خديجة أي تعليم جامعي أو ثانوي، بل تعلمت القراءة فقط في المدارس
الابتدائية، ومثل معظم الفتيات في قريتها، تزوجت في سن مبكرة، وقضت
معظم وقتها في المنزل، وتبلغ خديجة الآن 42 عاماً ولم تصبح أماً بعد
مما ولَّد لديها، حسب قولها، شعوراً بالعار في هذا المجتمع الريفي
التقليدي وجعلها تسعى لتحقيق شيئ أكبر لنفسها ولنساء القرية، وقد كان
هذا ما دفعها للتفكير في تأسيس منظمة غير حكومية في عام 2008 تحت اسم
"جمعية الأسوة الحسنة"، وتحدثت خديجة عن هذه التجربة قائلة: "لقد غيرت
حياتي كلها وحياة النساء اللواتي لم يكن قادرات على القراءة قبل
الالتحاق بالفصول الدراسية بالجمعية، إن حياة النساء صعبة للغاية في
هذه المنطقة، فهن يقضين وقتهن في العمل في المنازل أو في الحقول". بحسب
ايرين.
واضافت "ولكن عندما تتعلم الفتاة كيف تقرأ، فإنها لا تقتصر فقط على
الذهاب لقطف الزيتون في الحقول، بل تتغير آفاقها ويصبح بإمكانها القيام
بوظائف أخرى داخل منزلها مثل الخياطة أو تصفيف الشعر أو التخصص في
التجميل"، وافتتحت خديجة أخيراً ورشة خياطة للمساعدة في تمويل برنامج
محو الأمية وتقديم فرص للمزيد من نساء القرية للعمل خارج المنزل،
وساعدها في ذلك أحد أشقائها الذي تبرع لها بالمكتب، وقد قامت جمعية
الأسوة الحسنة حتى الآن بتدريب 120 فتاة وإمرأة في القرية على
القراءة، وفي نهاية عام 2009، زار وفد من منظمة الأمم المتحدة للطفولة
(اليونيسيف) والقرية لتقييم مشاريع خاصة برعاية الطفل، وقرر الوفد
مساعدة خديجة على إطلاق مبادرة لبيع الملابس المنتجة في ورشتها، مقابل
استخدام العائدات لتمويل دورات خاصة للطلاب الذين يعانون من صعوبات في
التعلم، وبعد عدة أشهر، التقت خديجة بلوكا بابيني، وهو مصور إيطالي
يعمل في نيويورك وكان في مهمة في لبنان لصالح شركة الجينز التركية
أورتا بلو، وبعد أن سمعت أورتابلو عن المشروع من بابيني، قررت الدخول
في شراكة مع خديجة لتنفيذ مشروع جديد يتيح للنساء العاملات في جمعية
الأسوة الحسنة تصنيع الزي المدرسي للأطفال في أفريقي، وتبرعت الشركة بـ
12 ماكينة خياطة جديدة وزودت النساء بقماش الجينز لتصنيع الزي المدرسي،
وتم التبرع ببعضه لتلاميذ المدارس في القرية، وستقوم النساء خلال هذا
الصيف بخياطة الزي المدرسي للطلاب في سيراليون، وتعلق خديجة على ما
حققته قائلة: "ليس لدي أطفال ولكنني أعرف أن ما أقوم به قد غير مجتمعي
نحو الأفضل، إن الناس يعتبرونني أسوة لهم الآن، ومنذ أن بدأت العمل،
وأنا أشعر بأنني بدأت حياة جديدة. فقد كنت أشعر بملل فظيع قبل ذلك. |