تفاوتت مؤخراً حدّة السقوط الحر لمعنى الإعلام في العالم أجمع، إذ
يخطئ من يعتقد بأن الإعلام العربي فقط هو صاحب المكانة الأسوأ عالمياً.
وهذا طبعاً يعتمد على معنى كلمة (أسوأ)، فإذا أردنا معرفة معنى الإعلام
السيئ يجب كبداية تحديد معنى الإعلام الجيد، وهو ببساطة عكس كل ما نقوم
به، إضافة طبعاً إلى عدّة معايير مُعترف بها دولياً ولكنّها غير قابلة
للتنفيذ على أرض الواقع، ومنها عدم نشر الوقائع مشوّهة أو منقوصة وعدم
اختلاقها والالتزام بتحرّي الدّقة في توثيق المعلومات والأفعال ونسبها
إلى مصادر معلومة طبقاً للأصول المهنية السليمة، والالتزام بعدم
استخدام وسائل النشر الصحفي في اتهام المواطنين بغير سند، والكثير
الكثير من القواعد الملزمة بالأخلاق بمعناها العام، وهي معان وقواعد
فضفاضة، أي يمكن التلاعب بها بحسب ''شطارة'' الإعلامي أو المؤسسة
التابع لها أو حتى بحسب قوّة الدولة ومكانتها عالمياً، ما ينفي
بالضرورة وجود أي معنى للإعلام الحر أو لميثاق الشرف الصحفي، فمنطقياً
عندما توجد القوانين تُلغى الأعذار إلا فيما ندر، وهذا أيضاً عكس ما
نراه حاصلاً، فلا القوانين ولا الأخلاق ولا حتى الأعراف والتقاليد
قادرة على كبح جماح المطامع الشخصيّة والعالميّة على حدٍّ سواء.
ليس مهماً أن أتحدث عن ميثاق الشرف الإعلامي العربي الذي لم يبق حتى
حبره على الورق الذي كتب عليه بعد أن أفرغته قنوات الفتنة والضلالة
المفلسة من كل مضامينه على الملأ منذ بدأت إرسالها بشعارات براقة
استقطبت اهتمام الجمهور العربي العريض الذي كان سئم من الأخبار
المعلّبة وأصيب بالإحباط من القنوات العربية الرسمية بلغتها المحنطة
وبرامجها القائمة على وجبات التمجيد والتبجيل لقادة بلدانها وقراراتهم
وبطولاتهم الخلبية، ثم اغتالته ضمن ما اغتالت من القيم والكرامة
العربية وروح التضامن العربي وهي ترفع تلك الشعارات التي خبأت وراءها
حقيقتها التكفيرية السوداء وكانت أولى خطواتها فتح منابرها للعدو
الصهيوني ليدخل بيوتنا ويغزو عقولنا عبر ما يطرحه مسؤولوه وخبراؤه
ومحللوه من أفكار مسمومة بآرائهم ورؤاهم التي تتضمن اتهام العرب
بالإرهاب ومحاربة الديمقراطية التي تمثل إسرائيل واحتها الظليلة في قلب
صحراء التخلف العربي الشامل، إضافة إلى فتح المجال واسعاً أمام حلفاء
الدولة الصهيونية وعملاء الولايات المتحدة الأميركية من رموز الماسونية
العالمية ليكملوا دائرة السيطرة على العقل العربي الذي يعاني أصلاً من
التخبط السياسي والفكري نتيجة السياسات الإعلامية الحكومية التي تحيط
به وذلك تحت مقولة حرية الإعلام وشعار الرأي والرأي الآخر أو معرفة
الحقيقة وغيرها.
ومن المؤكد والواضح جداً، أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت ميدان اختبار
وتجارب، بين طرفين متصارعين لإثبات وجودهما وفاعليتهما، وهذان
المتصارعان ليسا بشراً بل وسائل ابتدعها البشر وهي من صنعهم وهي وسائل
الإعلام القديمة وعلى رأسها التلفزيون والإذاعة والصحف والمجلات،
ووسائل جديدة بدأت تغزو العالم الجديد الفيسبوك والتويتر واليوتويب
والإنترنت... فالأحداث المفتعلة إلى حد ما، جعلت التسارعية صفة من
صفاتها في كثير من الأمكنة والبلاد شرقاً وغرباً وفي المنطقة العربية
خصوصاً، حيث يجري على أرض الواقع تنفيذ المخططات ونزالات أشبه بنزالات
الفرسان في القرن السابع والثامن عشر، لتقسيم المقسم وتجزيء المجزئ!!
ويعزز هذا التسارع والتنافس الخطر، للوقائع سيل من المعلومات
الموجهة إلى الوطن العربي من وسائل الإعلام المسيطرة والمنتشرة
والمتابعة عالمياً، وكذلك من وسائل الإعلام الرديفة والسائرة على طريق
''العالمية'' مثل (الجزيرة) (العربية) وأخواتها في الرضاعة.
إن الغرب السادي المحب للهيمنة والسيطرة والحاقد على المنطقة عبر
التاريخ، يريد ابتلاع وسرقة ثروات هذه البلاد الغنية، وذلك بعد أن أعطت
القارة العجوز، وقبلها الولايات المتحدة، إشارات لهزات وأزمات اقتصادية
خانقة، ومن ثم العودة إلى الماضي، إلى زمن الاستعمار، إلى توصيات
بنرمان وكيسنجر، بالاحتلال لمنطقة الجنوب للساحل الشرقي والغربي للبحر
المتوسط، حيث هناك شريان الحياة!! والآليات المعدة لهذا الهجوم، باتت
واضحة ومهيئة، وأقصر طريق يسلكه الغرب لبلوغ ذلك هو التمزيق الدائم
والاختراق المستمر وإشعال نار الفتن التي تحرق الأخضر واليابس ولذلك
تسعى الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات، التي يديرها ويمتلكها
مسؤولون سابقون في الدول الغربية (ذوو انتماء صهيوني وينفذون أجندات
صهيونية) تسعى إلى استخدام الإعلام المضلل الذي لا يتوقف لحظة عن بث
سمومه في المجتمعات العربية لتمرير مؤامرات على الأرض أدواتها
الوسيلتان (القديمة والحديثة).
لقد تزايد الإعلام الموجه للعرب الذي تلعب من خلاله أجهزة الإعلام
دوراً موجهاً لخدمة التدخل الغربي بقضايا أمتنا العربية عبر الإذاعة
والتلفزيون ووصولها للعالم العربي لخدمة أهدافها، وهذا الذي يفسر بأن
''هوجة'' الإعلام الموجه حالياً يعتبر امتداداً لفترة استعمارية جديدة
للعالم العربي. وغالباً ما يستخدم هذا الإعلام الموجه أخبارًا تثير
الفوضى والبلبلة، مثل تداول أخبار الفساد الداخلي، واضطهاد الحكام
لشعوبهم، واللعب على وتر الطائفية، وهو ما يؤدي إلى انشقاق داخلي،
وانهيار لنفسية المواطنين، والسخط على حكامهم، ومن ثم تحقيق القوة
العظمى في العالم أهدافها!
ونحن اليوم نشاهد هذا الإعلام الموجه من خلال قناة البي بي سي
الناطقة بالعربية، مرورًا بإذاعات فرنسا 24 وبعض القنوات الأخرى
العربية لكنها تخدم مصالح الغرب كالجزيرة والأورينت والعربية وغيرها من
الفضائيات.
والواقع، أن هذه الدول قطعت شوطًا كبيراً في مجال الإعلام الموجه،
ولها تجارب عديدة في هذا الميدان، سواء على الدول كلها، أم على
الأنظمة، ومن طبيعة الإعلام الموجه أن يظهر بكثافة في أوقات الأزمات،
ما يدلل على أن هذه الدول، عقب وقوع هذه الأحداث، تعد نفسها في حالة
حرب، فتوجه الآلة الإعلامية في جنبات الأرض، وتهيئ العقول للغزو القادم
كما حدث في ليبيا.
والمتابع لبعض القنوات الإخبارية الناطقة بالعربية (إلا أنها لا تمت
للعرب بصلة) يرى إعلاماً موجهاً يخدم مصالح القائمين عليها، وأنها
تشترك بطريقة مباشرة في تنفيذ مخطط ''مشروع الشرق الأوسط الجديد'' الذي
طالما تحدثت عنه تلك الدول، وبأنها تعمل على وتر واحد هو تهييج الشارع
العربي وإحداث تصدعات عميقة في مجتمعاته.
فقد انتهجت هذه القنوات خلال الثورات الأخيرة وابتعدت عن الحيادية
في نقل الحدث والحقيقة التي يحث عليها ميثاق العمل الإعلامي الشريف
ليتناسب ذلك مع أهدافها وبرامجها، متبنية الوجه الآخر ورافعة شعار
''الحرية السياسية للشعوب'' كطعم ترميه أمام تلك الشعوب، وهذا يذكرنا
بمقولة اليهود ''إن الحرية السياسية ليست حقيقة، بل فكرة، ويجب أن يعرف
الإنسان كيف يسخر هذه الفكرة عندما تكون ضرورية، فيتخذها طعماً لجذب
العامة إلى صفه، إذا كان قد قرر أن ينتزع سلطة منافس له''.
وهذا يوضح لنا بجلاء أن هذه القنوات وما تقوم به أصبح يشكل خطراً
حقيقياً على الشعوب العربية كافة وليس على الأنظمة فحسب ويتطلب من جميع
الناس أن تقف وقفة جادة وتقاطع القنوات والوسائل الإعلامية كافة التي
تبث الكراهية والكذب وتزور الحقائق وتعرض أمن الأوطان للمخاطر، فأمن
الأوطان أهم من أي قناة ومن أي سبق صحفي يسجل على حساب أرواح الأبرياء،
فهذه القنوات ساهمت وستساهم بشكل كبير في تأجيج الصراعات بين الأنظمة
العربية وشعوبها بهدف إضعاف وتمزيق الدول وجعلها عاجزة عن تكوين أي
اتحاد عربي موحد يمكنه أن يقف عائقاً أمام التحديات الصهيونية والمشروع
الصهيوني الذي يقول الصهاينة فيه: ''سنعمل كل ما في وسعنا على منع
المؤامرات التي تدبر ضدنا حين نحصل نهائياً على السلطة، التي سنصل
إليها بعدد من الانقلابات السياسية المفاجئة التي سننظمها بحيث تحدث في
وقت واحد في جميع الأقطار، وسنقبض على السلطة بسرعة عند إعلان حكوماتهم
رسمياً أنها عاجزة عن حكم الشعوب''.
ولم يتوقف دور هذه القنوات على لعب الدور السلبي فحسب بل لعبت أيضاً
على وتر القضايا الإسلامية والعربية مستثيرة بذلك أحاسيس ومشاعر الشباب
المتحمس، وذلك ليس حباً فيهم بقدر السعي وراء جر الشعوب إلى الحروب
الأهلية والفوضى، ليس فقط لإنجاح المخطط الصهيوني بل أيضاً لتسمح للغرب
بالتدخل والسيطرة على مقدرات الأوطان وثرواتها وتقاسمها مع الشركاء
بحجة حماية المدنيين الأبرياء، ثم إقامة أنظمة جديدة وعملية قابلة
للتطبيع مع الكيان الصهيوني بشكل كامل وفي شتى المجالات.
لقد انطلت تلك الحيلة المنفذة بإشراف خبراء دوليين متخصصين في
الإعلام الموجه على الشعب العربي بكل أطيافه حتى إن الأصوات القليلة
التي أدركت خطورة الدور الذي تلعبه هذه القنوات وحاولت أن تنبه إلى ما
ينتظر المجتمع العربي من مآس ومصائب على يديها قُمعت وأخمدت في مهدها
لتظل الساحة مفتوحة لعبث وتشويه وتخريب قنوات التضليل مع التصفيق لها
من الجمهور العربي المستغفل، وقليل من التركيز في التذكر يظهر كيف كانت
تنقل العمليات الاستشهادية في فلسطين والردود الصهيونية الوحشية عليها؟
وكيف كانت تغطي أحداث حرب تموز عام 2006 على لبنان حيث توازن بين
تصريحات المقاومة عن تدمير الطائرات الإسرائيلية للأحياء السكنية في
المدن اللبنانية على رؤوس سكانها والمرافق العامة والبنى التحتية
والتصريحات العسكرية الإسرائيلية عن استهداف المقاومة للمدنيين والمدن
بصواريخها في إطار مصداقيتها الكاذبة التي تتشدق بها عن ضرورة نقل
الوقائع والأحداث والتصريحات من الجانبين؟ ثم كيف شاركت في التعمية على
وقائع العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008 حتى اضطر كثير من المشاهدين
لمعرفة الحقائق ومتابعة الأحداث كما هي على الأرض الفلسطينية في قنوات
أخرى؟
وبالوصول إلى الإعلام العربي المتهالك أصلاً منذ عقود، الذي يُشبه
بشكل غريب كل فرد منّا، تأكله رغبة جامحة بفرض آرائه على الجميع، غير
المجتمعين بدورهم، فمن المُضحك المُبكي في الوقت نفسه أن يعتقد أحدنا
بأن أفضل قناتين خرج بهم العالم العربي أجمع وهما الجزيرة والعربية،
يسيران على درب الإعلام الحر والحيادية في نقل الخبر، إذ لا يكفي أن
تصدح شاشاتهم بأقوال صحيحة حتى تكون سياساتهم صحيحة مثال: ''الرأي
والرأي الآخر'' في كل العالم إلا في قطر أو ''أن تعرف أكثر'' عن كل
العالم إلا المملكة العربية السعودية، إضافة إلى اختراقهم لأبسط قواعد
الإعلام باعتمادهم على مصادر غير موثوقة ومتخفية أي لا يمكن حتى التعرف
إلى صحّة ما تنقل من أخبار، وهذا بحجة عدم قدرتهم على إقحام مراسليهم
في قلب الحدث، ليصبح حالهم كالمثل القائل (نكايا بالطهارة.......).
لم تكن الجزيرة و(لا غيرها) يوماً من الفضائيات المتكاثرة تعبر عن
جمعية خيرية للصحافة والإعلام، ولم تكن يوماً محايدة، أو بلا غاية
تكتيكية أو استراتيجية، بل كانت على الدوام انتقائية توظف الخبر
وتحاليله توظيفاً احترافياً يراكم النتائج تحت شعار الموضوعية وتحت سمع
وبصر الإعلام والفضائيات الأخرى التي لا تمتلك حولاً أو قوة احترافية،
أو مهارات تكتيكية، تجعلها أهلاً للتنافس أو الرد الاستراتيجي طويل
النفس، مع إعلان الجزيرة نفسها أنها قابلة بالتحدي التنافسي ولكن بلا
مجيب لهذا التنافس إلا من فضائيات قليلة (منها العربية)، وفضل الكثيرون
من أصحاب الإعلام التطييب للجزيرة على (موضوعيتها) التكتيكية، دون أي
حساب لاستراتيجياتها، حيث انكشفت اليوم الصيغة المركبة للإعلام، مقابل
الصيغ التبسيطية له، عندما تحولت (الموضوعية) إلى استثمار على رأس
الناس، ولا أحد يمون عليها، حتى وهي تلعب بالدماء، طالما هي في المنأى
التنافسي الذي تعلنه (ببراءة)، ما يجعل منها طرفاً موضوعياً وليس
محايداً أو حتى شريفاً، عبر تلميع الخطوط الحمراء الإنسانية والمواطنية
ومن ثم تجاوزها ببرودة موضوعية تحت شعار الرأي والرأي الآخر الذي
مارسته طويلاً مركزة على خطط وأهداف موازية، جاعلة من الشعار استهلاكاً
يومياً موارباً، ولكنه ينحو تربوياً باتجاهات استثمارية تهديديه، لم
يستمع أحد إلى التنبيهات حولها.
اليوم لا يمكن النظر في تأثيرات هذه المحطة وغيرها عبر إغفال
تأثيرها التربوي المتراكم، والناتج عن غياب الفعل الإعلامي المنافس،
إلا برفض المس بالمحرمات الاجتماعية والمواطنة التي تشكل نسيج المجتمع
كطريق مختصرة لمواجهة تحديات التربية المشوهة، التي تهشم البنية
الاجتماعية بأدوات هذه البنية نفسها. ففي هذا العالم لا يوجد مؤسسات
خيرية سياسية أو إعلامية، فالمصالح هي الوحيدة القادرة على رؤية المسار
الصحيح، ووعي هذه المصالح هو الذي يخلق الأدوات والأداء، القادرة على
توظيف الجهد في الصالح العام، هذا الصالح الذي لا يمكن أن يغيب إلا عن
الغوغاء الذين (يقصون ومن ثم يعدون).
وتأتي الفرصة الذهبية المواتية لتأخذ هذه القنوات العربية دورها
الأساسي وتكشف عن طبيعتها العدوانية وارتباطها الكامل بمخططات
الاستخبارات الغربية وبعض العربية والموساد عندما انبرت لتقود ما سمي
ثورات الربيع العربي التي امتدت من تونس إلى مصر فاليمن فليبيا ثم
لتكون رأس الحربة المسمومة ضد سورية التي تعرضت ولا تزال لحرب كونية
أثبت السوريون بوعيهم العالي وثقتهم بقيادتهم ووحدتهم الوطنية
النموذجية أنهم قادرون على إسقاطها مهما كان حجمها وأيا كان من يدبرها،
ومهما اجتمع لها من حكام عرب وأجانب وشيوخ فتنة وعملاء وتابعين
واستخدموا من فضائيات تمتلك أحدث التقنيات ومرتزقة وقتلة ومأجورين
مدربين ومدوهم بالسلاح بعد غسيل أدمغتهم بالمخدرات والمال القذر، وها
هو المخطط بكامله يعاني من سكرات الموت ويترنح ومعه من تبقى من أفراد
العصابات المسلحة الذين لم يعد لديهم ما يثبتون به وجودهم إلا القتل
والتخريب العشوائيين واستهداف كل أشكال الحياة في كل مكان حتى القرى
البعيدة والأحياء الشعبية المكتظة في المدن السورية ليقدموا لقنوات
العار مادة (ثورجية) تتبجح وتفاخر بها طول ساعات إرسالها كما تفاخرت
بنقل صور القتل في ليبيا بوحشية من مقاتلين لا يراعون أي حرمة بعد أن
امتلكوا أسلحة فتاكة بحماية طائرات الأطلسي وتبتهج لقتل شعب عربي آخر
وتدمير بلده الغني بعد العراق ليقدم لقمة سائغة للصوص الغرب الذين
سينهبون ثرواته وكرامته تحت مسمى إعادة الإعمار بدعم من المجلس الذي
صنعوه!! بينما الأعراب يصفقون لهم مهللين لنصر مؤزر على القذافي
المغتال الذي دفنوه في مكان سري بالصحراء ربما خوفاً من أن يعود من
الموت ويستعيد ( ملكه) المسروق!
هذا ولم يبالغ بعض المحللين والكتاب السياسيين عندما وصفوا هذه
المحطات الإعلامية أو الفضائيات المأجورة بأنها تحولت بالفعل إلى
''قواعد للمارينز'' الإعلامي الذي يشن هجوماً شرساً على كل من يحاول
عرقلة سير السياسة الأميركية الهادفة إلى الهيمنة على الأمة العربية
وتسييد إسرائيل على المنطقة.
نعم، لقد خرجت هذه الفضائيات المأجورة عن دورها المهني، فالمذيع
فيها يتحول إلى ما يشبه الخبير والعالم بكل شيءٍ، فهو يطرح الأسئلة
المغرضة، ويتوقع الاحتمالات على الأرض كما يحلو له، ممارساً بوقاحة
عملية التشفي والتحريض على القتل والجريمة، مستعيناً بمن يسميهم (شهود
عيان) مأجورين حتماً، أو قد يكونون متخيلين ومزيّفين، الأمر الذي يذكّر
بدور ''رامبو الأميركي'' الذي يعرف كل ما يدور في جميع المدن والقرى،
ليل نهار وصباح مساء، وهو في ذلك يوحي لهم بأن أوضاع الناس سيغطيها
الرخاء الأميركي والغربي، كما غطّى أهل العراق الذين لا يجدون قطرة ماء
نظيفة، ويعانون من الأوبئة والأمراض والفقر في ظل الديمقراطية
الأميركية!
ويتنطّع العديد من المثقفين من نزلاء الفنادق الأميركية والغربية
الفاخرة والذين لا يعرفون شوارع وساحات وطنهم على الأقل والذين يتقاضون
رواتب شهرية من المخابرات الغربية، يتنطّع هؤلاء للظهور على شاشات
محطات الفتنة للتنظير، ولتوجيه الاتهامات الكاذبة لسورية ولنظامها.
إن الديمقراطية الموعودة التي يلوّح بها الغرب الاستعماري، والحرص
على الحرية وحقوق الإنسان، ما هي إلا ذرائع لتغطية أهداف استعمارية
ومصالح معروفة، فمن يعمل من أجل الديمقراطية والحرية الحقيقية لا يرتكب
أفظع وأبشع الجرائم ضد الشعوب الآمنة والمستقرة، تحت ذرائع واهية
وللتغطية على الأهداف الحقيقية في استعمار هذه الدول، كل ذلك جرى ويجري
بعد حملات إعلامية مضللة تقوم على اختراع الأخبار، وتلفيق الروايات،
وصنع المشاهد الكاذبة بما يساعد على اختراق وعي المواطن وإرباكه.
باختصار تقول: سواء انتصرت وسائل الإعلام القديمة أم الحديثة،
فالخاسر الأكبر هو الوطن العربي، لأن ما يجري وما يراد اختباره هو
الشعب العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، ومن ثم ما يتوصل إليه
الصراع هو نصر يكتب لهم، دون الالتفاتة إلى الميدان الذي جرى فيه
الصراع من دمار وتقسيم والآثار النفسية المترتبة من ذلك. وهذا ما نادى
به روبرت مردوخ اليهودي الأسترالي (إمبراطور الإعلام) حين قال: ''من
ملك الإعلام ملك الشعوب''، والصرعة الدائرة اليوم صرعة ''ثوارنيات''
شعبية مدفوعة من الخارج وممولة بشكل سخي، حيث إن الشباب المصري الذي
قام بالثورة، سجل عليه ذهابه إلى الولايات المتحدة قبل الثورة، وإجراء
دورات على الحاسوب، وكيفية استعمال الجوال لإرسال رسائل فورية موحدة
موجهة للشباب!! والنتيجة المتوخاة من هذه الثورة لم تجن أي شيء، وذلك
وحسب ما نسمع ونشاهد، تقاطر كل الدول الغربية (الاستعمارية) لهذا
البلد، وحتى كتابة هذا المقال، كان هناك خبر اقتتال في العباسية...!!
والثورة التونسية أيضاً كبلت بالاتفاقيات المالية من هذه الدول وهي
حالة استباقية لمنع التونسيين من الاستفراد والاستقلالية بالقرار
الوطني... وليبيا الجريحة التي تتقاذفها المليشيات المسلحة وينتظرها
التقسيم والفدرلة، فهذا البلد الجميل أعاده الغرب والناتو وثوار
القاعدة إلى الوراء آلاف السنين، ليبقى دائماً يمد يد العون إلى أوروبا
والعالم!!
وبالطبع ترى واشنطن من زاوية هذا المنطق ـ وإن كانت تخفي ذلك
أحياناً أنها معنية في الوضع الداخلي العربي... وتسعى إلى ترميم
مواقعها التي انهارت بعد ما حدث من ثورات في مصر وتونس..، لذا كانت
ليبيا مدخلاً للتدخل المباشر ـ وتوطيد العلاقات مع المجلس المؤقت في
بنغازي. ومن ثم وتلاقياً مع أهدافها تسخر التكنولوجيا ''الصورة'' ومن
جانب واحد لتعرض لنا ما يخدم سياساتها وإستراتيجيتها في المنطقة
العربية والإسلامية. وتتقاطع مع من ينفذون هذه المخططات على الأرض عبر
مدّهم بكل وسائل التطور. ولنلحظ هنا أن من توفر لهم أميركا هذه الأجواء
ومعها بالطبع فرنسا وبريطانيا ـ منغمسون إلى حد النخاع بمشروعها... وهم
أصلاً بعيدون كل البعد عن الواقع الحقيقي للشعوب العربية وتطلعاتها.
ويبدو أن هناك من يفتتن بأميركا وسياستها المتغولة... وبالتكنولوجيا
التي تُصدر صواريخها لذبح أهل فلسطين الذين تنهش أجسادهم قذائف
الديمقراطية ـ وبعض أنظمة الصمت تفتح البوابات لأميركا ووصفات
ديمقراطيتها...، وتردد كلام الناطق الرسمي... غير ملتفتة إلى أن النفط
الذي جاء باليانكي إلى أرضنا يذهب لصناعة الموت والإرهاب في العالم وفي
منطقتنا.
لم يعد ممكناً ـ كما قلنا بداية ـ أن يخفى أصغر خبر... ولم يعد
مستحيلاً أن نكتشف ونقرأ عناوين الإرهاب الأميركي... والزعم بدعم
التواقين للديمقراطية... فديمقراطية بوش الأب والابن خبرها أهل العراق
ولبنان وفلسطين...، وديمقراطية أوباما على أرض فلسطين مجسدة بجدار
الموت الصهيوني والاستيطان والتهويد. هي إذاً تكنولوجيا صناعة الموت
والقتل... وقد خبرنا كغيرنا تلك الصورة البشعة... ولن تبيضها كل أفلام
هوليوود... فالعالم استيقظ ويصنع ثقافة كونية إنسانية بعيداً عن
الكاوبوي ورصاص مسدسه الذي لا يفرغ.
أخيراً: فقد تحدثنا سابقاً عن تعريف العدو وقلنا إننا إذا ما
اعتبرنا أن فلسطين هي قضيتنا المركزية، بالتالي فإن ''إسرائيل'' هي
عدونا الوحيد، لكن هذا لا يعني أبداً أن ننس قول سيدنا علي رضي الله
عنه ''صديق عدوي هو عدوي'' وهذا يعني أن الحاكم القطري والسعودي عندما
يهددني بأمني ولقمة عيشي هو عدوي، فإذا اتفقنا أن لا فرق بين حاخام
يدعو لقتل العرب وشيوخ الفتن التي أفتت بجواز قتل الشعب الليبي
والسوري... نصل لنتيجة أساسية مفادها: أن لا فرق أبداً بين هذه القناة
والتلفزيون الإسرائيلي وبالتالي قبل أن تفكروا بعد اليوم بالظهور في
هذه القناة تذكروا تماماً أن لا فرق بين من يحاربني بالرصاص وبين من
يحاربني بالكلمة علماً أن الرصاصة قد تقتل فرداً أما الكلمة فقد تقتل
الآلاف ولكم العبرة من فتاوى شيوخ الفتن.
يجب التيقظ والحذر من هذه المشاريع الخبيثة التي تكتب بواشنطن وتل
أبيب وبروكسل، وعلى القادة العرب التصالح مع شعوبهم، وفتح قنوات كثيرة
وكبيرة لمعرفة نبض الشارع من متطلبات وحاجات وإمكانات لتضعه على الطريق
الصحيح، ليعي ويفهم ما يحاك ضده ليل نهار. وفيما يتعلق بالوسائل
الحديثة على سبيل المثال لا الحصر الفيسبوك والتويتر واليوتويب...، ما
هي إلا امتداد وتطوير للقديم، والغاية دائماً وأبداً واحدة، هو ذلك
الواسع الكبير الذي يقلق العالم المأفون والمعتل، المتصهين... (الوطن
العربي الكبير). |