شبكة النبأ: لم استطع مقاومة اغراء
مياه المحيط الهندي الفيروزية اللون فخلعت ملابسي وقفزت من فوق حواجز
مائية متداعية داخل المياه أصارع الامواج.. ففي خضم الاحداث لا تسنح لك
فرصة السباحة قبالة سواحل مقديشو كل يوم. واشتهرت عاصمة الصومال
المدمرة بوجه عام بالاقتتال الدائر بين قادة عسكريين واسلاميين متشددين
وعمليات الاختطاف.
ويمنح يوم على الشاطيء شعورا جديدا بالتحرر لسكان مقديشو الذين
يتوافدون بالالاف على شاطيء (ليدو) كل يوم جمعة وذلك في اعقاب طرد
متمردين على صلة بتنظيم القاعدة من المدينة في اغسطس آب من العام
الماضي.
انها تذكرة بالايام السابقة على الحرب إذ حدا الشاطيء النظيف الذي
يرجع للحقبة الاستعمارية والطقس المعتدل اللطيف بالبعض ان يطلق على
العاصمة الصومالية لقب "اثينا افريقيا".
بالنسبة لضاهر مالين الذي كان في الرابعة من عمره حين نشبت الحرب
الاهلية في الصومال في عام 1991 فان قضاء فترة بعد الظهيرة على الرمال
البيضاء الناعمة يلعب الكرة الطائرة ينعش آماله في ان يكون ماضي
المدينة المضطرب قد ولى.
وقال مالين خريج الجامعة المتخصص في تكنولوجيا المعلومات ويبلغ من
العمر الآن 24 عاما "يبدو وكأننا نعيش في مدينة حقيقية وليس في ميدان
قتال."
انك لتشعر بالنشوة حين تغطس في المياه على شواطيء المدينة التي كان
صحفيون غربيون لسنوات طوال لا يتنقلون في ارجائها الا برفقة حراس
مسلحين يرتدون سترات واقية من الرصاص ولا يمكثون آمنين في مكان واحد
لفترة تزيد على بضع دقائق.
وبغض النظر عن خطر الهجمات الانتحارية الذي يلوح في الافق دائما
ابدى مدير مكتبي مخاوف اخرى حين تحدثت اليه لاحقا. وقال "ماذا عن اسماك
القرش؟ "
وتنتشر اسماك القرش قبالة سواحل مقديشو وتجتذبها مخلفات يلقيها
قصابو العاصمة لكن الاسماك القاتلة اضحت صيدا ثمينا للصيادين المحليين
واساطيل اجنبية تغذي شهية آسيا لمرق زعانفها.
وخلف الحواجز المائية تصنع نساء الشاي ويبعن المشروبات الغازية
المثلجة وبالقرب منهن تعلن رسومات جدارية لقطع هامبورجر وزجاجات صودا
عن قرب افتتاح (مقهي سفاري) وهو احد المقاهي العديدة التي بدات تنتشر
على الشاطيء. وسألت نفسي هل لا تزال مقديشو ضمن اكثر الاماكن خطورة في
العالم؟ ولكن صوت طلقة رصاص واحدة اعادني إلى ارض الواقع.
نظرت إلى مستشاري الامني وانتابني فجأة شعور بانني معرض للخطر.
ولكنه قال "على الارجح انها (رصاصة اطلقتها) الشرطة عند نقطة تفتيش ليس
إلا."
ولايزال دوي طلقات الرصاص الاعلى في مقديشو وتنشب خلافات حامية توجه
فيها فوهات البنادق الالية للصدور دونما سبب واضح. لا يسعك ان تتخلى عن
حذرك في هذا المكان.
تحولت فيلات واقعة على شاطيء ليدو - حيث كان ازواج يركبون دراجات
السكوتر وسط طرق يحف بها النخيل وكان يأتي دبلوماسيون اليها لتناول
السلطعون - الى أكوام من الانقاض.
ودفع زعماء عشائر متناحرون البلاد لحالة من الفوضى قبل ان يخوض
متشددو حركة الشباب الإسلامية المعمعة. واختفى الكثير من مظاهر الثراء
والفخامة في العاصمة جراء اكثر من عقدين من القتال. وتطل انقاض فندق
(اروبا) على الميناء القديم وكان من أهم البنايات في مقديشو ويتخذ منه
عشرات من افراد قوات حفظ السلام الافريقية مقرا الآن.
لوحنا يأيدينا كي يرانا حملة البنادق الآلية ممن يقبعون خلف اجولة
الرمال التي وضعت على نوافذ مقوسة تظهر عليها آثار قذائف مورتر.
وواقع الحال انه دون هذه القوات وقوامها 16 الفا كان من المرجح ان
يثير المتمردون الذين يسيطرون على مساحات شاسعة في جنوب الصومال ووسطه
القلاقل في مقديشو من جديد. ولكن اضحت المدينة الساحلية تتمتع بنصف
فرصة حاليا.
وحلت أصوات المعاول في مواقع البناء التي تنتشر في ارجاء العاصمة
محل الدوي اليومي للمدفعية. وتفاخر العاصمة الان بمقهي جديد يقدم عصائر
طازجة ولوحات للاعلان عن دورات تعليمية عن بعد.
وفي ظل برج شيده الايطاليون لحراسة الميناء القديم يقف شريف محمود
الذي يعمل في بناء القوارب ويقول ان اعماله مزدهرة. ويضيف محمود (50
عاما) "نبني كل اسبوع قاربي صيد او ثلاثة ويباع القارب مقابل 1400
دولار وأكسب 150 دولارا من بيع كل قارب."
وزاد محمود العاملين لديه إلى اربعة رجال لتلبية الطلب بعد رحيل
حركة الشباب. ويفاقم جراح حركة الشباب ان يونس علي المقاتل الصوفي
الشاب الذي انضم للقوات الحكومية الان امضي يوم عطلة ممتعا على الشاطيء
في الضواحي الشمالية للمدينة.
وقال علي "قاتلنا من اجل هذا ارقنا دمانا لينال الناس حريتهم.
ونحارب من اجل ان ينعم اخرون بنفس القدر من السلام." |