قراءة في خطاب قسم مرسي بميدان التحرير

علاء بيومي

في الخلاصة خطاب محمد مرسي ناجح على المستوى الجماهيري ولكنه يثير أسئلة كثيرة على مستوى السياسات.

على المستوى الجماهيري محمد مرسي مثل كثير من قيادات الإخوان قائد جماهيري بالأساس يجيد الحديث للناس وللحشود الجماهيرية الكبيرة ومخاطبتهم بلغة سهلة واضحة مفهومة للناس تختلف عن لغة الفضائيات ونخبة القاهرة السياسية والثقافية.

د. مرسي يتحدث بلكنة أهل الدلتا مما قد يجعله مقربا لكثير من المصريين خارج القاهرة لأنهم أخيرا فازوا برئيس يتحدث بلكنتهم.

مرسي تحدث عن قرب من الناس وفي ميدان التحرير وعن الحرية والكرامة وإرادة المصريين، وهو يكرر كلمة "أحبكم" بصيغ مختلفة، وهو يبدو أكثر دفئا في خطاباته مقارنة بمبارك ونخبته، وقد يستغرب بعض المثقفين خطاب مرسي، ولكنه قد يلقى قبولا واسعا لدى المواطن العادي خاصة التقليدي والمحافظ وهو يمثل نسبة كبيرة من المصريين.

خطاب مرسي أيضا ومواقفه تعطي قوة وثقة للمواطن العادي أكثر من سابقيه، فلأول مرة منذ عقود يرى المواطن المصري رئيس جمهورية يخطب وده ويتحدث له عن قرب ويذهب إليه ويقول إن بابه مفتوح، كما أن مرسي لا يحيط نفسه بأي من الوجوه القديمة التي ملها الشعب، لذا مرسي يقدم نفسه على أنه من الشعب ويخاطب المصريين بود ساعيا بقوة للفوز بدعمهم لأنه يحتاجهم في معارك سياسية قادمة، مما قد يحوله لرئيس جماهيري قريبا وسريعا.

وللأسباب السابقة نعتقد أن خطاب مرسي نجح على المستوى الجماهيري، ولكن على المستوى السياسي الأمر ليس بهذا الوضوح.

فقسم اليوم أمام ميدان التحرير ليس القسم الرسمي، والذي سوف يؤديه مرسي غدا أمام المحكمة الدستورية وفقا للإعلان الدستوري المكمل، والذي ينتزع صلاحيات رئيسية من مرسي ويحوله إلى رئيس وزراء بصلاحيات واسعة.

وقد اجتهد حزب الحرية والعدالة طول يوم الجمعة في محاولة توضيح أسباب قرار مرسي حلف القسم أمام المحكمة الدستورية بعد أن رفض حزبه ذلك من قبل بشكل واضح، ولكن بدون جدوى، فقد ذكر الحزب تارة أن مرسي ليس مسئولا عن مواقف الحزب السابقة، وقالوا أيضا أن مرسي تلقى نصيحة ليلة أمس من مستشارين قانونين  كبار على رأسهم طارق البشري بأن عليه حلف اليمين أمام المحكمة تجنبا لمأزق دستوري.

تبريرات الحرية والعدالة لا تنفي أن مرسي تراجع عن وعد قطعه على نفسه وأن الإخوان تراجعوا، وأن الأيام القادمة إن لم تحمل تبريرا جيدا وتوافقيا لذلك التراجع فسيقع مرسي في حرج كبير.

ومن السلبيات الواضحة لقرار مرسي حلف اليمين أمام الدستورية هو أسلوب صناعة هذا القرار، فحتى الآن لا نعرف جيدا كيف صنع مرسي قراره، ويبدو لي أن أسلوب صناعة قرارات مرسي سوف يمثل لغطا كبيرا في الفترة المقبلة، فالرجل لا يمتلك أسلوبا واضحا لصناعة القرار حتى الآن.

فهو بلا مجلس مستشارين واضح أو معروف يصنع من خلاله قراراته، ولا يمتلك حتى مجموعة معروفة من المستشارين، سوى بعض رجال حملته السابقين وبعض مسئولي حزبه، والذين تصدر عنهم تصريحات هنا وهناك تثير كثير من الارتباك خاصة بعد تصريحات حزب الحرية والعدالة اليوم بأن مرسي مسئول عن مواقفه فقط وغير مسئول عن مواقف الحزب والجماعة.

وهنا يمكن أن نشير إلى أن مرسي لا يمتلك رئيس وزراء ولا وزراء ولا عدد كافي من المستشارين المعروفين، كما أن علاقة مرسي بالكتلة الوطنية - وهي مجموعة من القيادات السياسية التي تنتمي لتيارات مختلفة التفت حول مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية – غير واضحة.

فالكتلة قالت من قبل أنها في حالة انعقاد دائم لإدارة الأزمة وعينت منسقا عاما لها مؤخرا، وهو الدكتور سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وقالت أن هدفها هو التأكد من تنفيذ مرسي لوعوده، ولكن متابعة الكتلة وما يصدر عنها نجده نادرا جدا، ونجدها معطلة إلى حد كبير ولا يصدر عنها إلا القليل، ونجد أن دورها في صناعة قرار مرسي السياسي غير معروف مما يثير أسئلة هامة عن دور التوافق السياسي في صناعة قرارات مرسي خلال هذه الفترة الحاسمة، ومتى سيصبح للتوافق السياسي دورا واضحا ومؤثرا.

هذا يعني أننا أمام حالة من السيولة السياسية وضعف العمل المؤسسي وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام التخبط السياسي وقلق المتابعين، فتارة يقول مرسي أو أي من قيادات حزبه شيء، ثم يقولوا شيء أخر في اليوم التالي بلا رابط أو نظام، وقد يستمر الحال على المنوال نفسه لفترة، لأننا في النهاية نقف أمام أشخاص وليس أمام عمل مؤسسي.

وتبقى القضية الأهم وهي أن مرسي يواجه منافسين أقوياء في الداخل والخارج على حد سواء، والسياسة لا تصنع في الميادين العامة بل هي تحتاج رؤى واضحة وموارد وخطط للتنفيذ يفهمها الناس ويلتفون حولها.

وحتى الآن لم يقدم مرسي سوى شعارات بالأساس، فنحن لا نعرف مثلا كيف سيحاول إيقاف تراجع الاقتصاد المصري ولا كيف سيضغط على أميركا للإفراج عن عمر عبد الرحمن، ولا من سيختاره لمنصب رئيس الوزراء وأي فريق حكومي سوف يلتف حوله، وأهم من ذلك كيف سيفرض إرادته على المجلس العسكري لانتزاع مزيد من الصلاحيات.

وتبقى حقيقة أن المعلومات الصادرة عن مرسي وحملته قليلة، وأنه يفتقر لأسلوب واضح لصناعة القرار ولمؤسسات كافية حوله، لذا قد يمثل خطابه اليوم نجاحا على المستوى الجماهيري، ولكنه لم يجب على كثير من التساؤلات والمخاوف السياسية، والله أعلم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/تموز/2012 - 10/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م