حرية الاعلام وخلط الاوراق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك معادلة تصلح كمعيار دقيق لإثبات الدولة المدنية من عدمها، تقول المعادلة كلما توافرت حرية الاعلام بأنواعه كافة، وكُفِلَت حرية الاعلاميين، كلما اقتربت الدولة من حياة التمدّن أكثر، هذه المعادلة خبرها الاعلاميون العراقيون وتعرفوا إليها وتعاملوا معها عبر عقود عجاف، مرَّت وانتهت ولا يجب لها أن تعود مطلقا، لذا هم ليسوا بحاجة الى دهاء مضاف لكي يكتشفوا الجهات التي تحاول خلط الاوراق، لكي تضيّق الخناق مرة أخرى، حول عنق الاعلام وأعناق الاعلاميين في العراق.

ولعله من المعيب حقا، أن نتحدث عن محاربة الاعلام ومضايقة الاعلاميين، بعد ما يقرب من عشر سنوات مرّت على دخولنا الحريات الاعلامية من أوسع أبوابها، ولكن عندما يلوح شبح التكميم مرة أخرى، وتنشط مخالب السلطة كي تنقض على عنق الاعلام، عندها ليس من السلامة قط أن نلوذ بالصمت، أو نمتطي المحاباة، أو نرائي ونغض الطرف، عن هذا الانتهاك أو ذاك، لكي تمر عملية خلط الاوراق من بين أرجلنا، وتصل الى أهدافها بلا ضجة أو اعتراض.

ما يحدث الآن في العلاقة بين السلطة والاعلام لا يبشر بخير، والصمت على ما يحدث لا يؤشر حالة صحيحة، أما التملق ومراعاة المصالح فهي الكارثة التي طالما ألمّت بنا ولوثَّت حياتنا، إذا أردنا أن نسمح بخلط الاوراق، تحت حجج واهية تتمثل بـ (مراعاة المكاسب المادية/ قطع الاراضي السكنية/ المنحة السنوية) وما شابه، لأن الحاجة والفقر مع الاحساس بقوة الكلمة وحرية الرأي والصحافة والاعلام عموما، خير من كنوز الدنيا مع ذل الصمت على أخطاء السلطة سواء كانت عن قصد أو دونه.

تطفو على السطح بين حين وآخر، أخبار واجراءات غير سارة، تقوم بها السلطة لسحب البساط (بساط الحرية) من تحت أقدام الاعلام والاعلاميين، وهي تحاول بذلك وضع جدار عازل بينها وبين الراصد الاعلامي، لأسباب هي تعرفها قبل غيرها، وكأنها لا تريد أن تهضم التجارب السابقة بين الاعلام والسلطة، وكأنها أيضا لا تؤمن بتدعيم مكونات الدولة المدنية المعاصرة، ولكن هذه العملية تشبه السير في الاتجاه المعاكس في كل شيء، فالعودة الى معالم الامس ما عادت ممكنة قط، وحصر الاعلام في بوتقة واحدة ومسار واحد بات مستحيلا، وهذا ما تدل عليه جميع المؤشرات القائمة على الارض.

حتى أطفالنا يعرفون الآن ماذا يحدث في أقاصي الارض بثوانٍ معدودات، حتى شيوخنا وعجائزنا ونساؤنا يعرفون ذلك بسرعة لا تتجاوز من الدقائق أصابع الكف الواحدة، فكيف بأبنائنا وشبابنا؟!، إذ أنَّ المعلومات بمختلف أنواعها، لم تعد قادرة على الاختفاء خلف جدران السلطة ووسائلها وألاعيبها، لذلك من الغباء أن يستمر منهج التضييق على الاعلام، ومن البؤس أن يتصور القادة السياسيون، أن كبح جماح هذه الكلمة أو هذا الرأي أو تلك الصورة، كفيل بحماية المركز والنفوذ وامتيازات الكرسي.

لهذا لم يعد من المجدي أن تلعب السلطة لعبتها القديمة الجديدة، فمنهج خلط الاوراق بات قديما ومكشوفا ولا يحتاج الى كثير عناء، لكي يكتشف الجميع من يقف وراءه ومن يحرك خيوطه، كما أن التلفّع برداء القانون والاجراءات الادارية التي تمنع هذا الصوت أو ذاك من الانطلاق، لم يعد أمرا سالكا، لأن القانون نفسه يقف مع انطلاق الصوت والرأي والكلمة، وأن قمعها وكبتها قادنا الى الخراب الذي نعيش بقاياه اليوم.

مطلوب وقفة ضمير جادة لكي تُفَك حالة الالتباس والتداخل التي تتعرض لها العملية الاعلامية برمتها، في علاقتها الشائكة مع السلطة، ولا تنحصر وقفة الضمير بالاعلاميين وقادتهم المخلصين فقط، بل بالمخلصين من القادة السياسيين الذين يعرفون حق المعرفة، كيف سيكون حال البلد فيما لو تفوق فيه صوت القمع على صوت الاعلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/حزيران/2012 - 9/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م