الحرب من اجل المياه... مسألة موت أو حياة لدى اسرائيل

 

شبكة النبأ: تعاني فلسطين من أزمة مياه خانقة في هذه الفترة تحديدا، حيث تأتي مناطق سكان القرى و الضفة الغربية والقدس الشرقية وبيت لحم في صدارة الأقاليم المتضررة من أزمة المياه، فكثير من القراءات الإستراتيجية ترجح انفجار أكثر من أزمة وحرب مياه خلال الفترة المقبلة بين إسرائيل وفلسطين، في ظل السياسة الحالية التي تتبعاها إسرائيل، وهي نوع من العقاب ينطوي على تناقض كبير مع حقوق الإنسان والمنطق والإنسانية، عن طريق حرمان الناس من المياه لأغراض سياسية، فهي تعتمد على سياسة الغموض الاستراتيجي التي استخدمتها لامتلاك المياه، والذي يعتبر ابسط حق ومن الحقوق الأساسية للفرد الفلسطيني، ويرى العديد من المحللين في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تصعيد جديد يهدف الى تقويض الأمل في التأسيس لدولة فلسطين الضائعة، فيما اعتبرت الكثير من المنظمات الدولية في أن حرب المياه التي تتبعاها إسرائيل هي سرقة واضحة لحقوق أهالي فلسطين، والتي تستخدم عملية التهجير ألقسري بعنوان مختلف، وانتهاكات أخرى على أكثر من صعيد، وبحسب التقرير المرصودة يستهلك الإسرائيليون كميات من المياه تزيد أربع مرات على تلك التي يستهلكها الفلسطينيون.

سكان القرى

في سياق متصل تعيش عائلة سليم أبو القيعان في صحراء النقب الإسرائيلية، في قرية أم الحيران البدوية "غير المعترف بها"، على بعد 9 كيلومترات من أقرب مصدر للمياه النظيفة، وأوضح زعيم القرية البالغ من العمر 53 عاماً أنه "لا توجد مياه في القرية. نحن نجلبها بالشاحنات، ويبلغ ثمنها حوالي 50 شيكل [13.4 دولاراً] لكل متر مكعب...هناك أنبوب يبلغ طوله 8 كيلومترات، ولكنه قديم جداً، وسلطات التخطيط لا تسمح لنا بإنشاء أنبوب جديد تحت الأرض. نحن نطالب بتحسين فرص الحصول على المياه، وينبغي أن يكون هناك أنبوب جديد على مقربة من القرية"، ومن الجدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي كان قد طرد سكان أم الحيران من ديارهم الأصلية في منطقة وادي زبالة في صحراء النقب، وبعد ذلك بوقت قصير، في عام 1956، أجبرتهم السلطات الإسرائيلية على الانتقال إلى المنطقة التي تقع فيها القرية الآن، وفي عام 2004، واجه القرويون تهديداً جديداً بالطرد، عندما كشفت لجنة تخطيط المنطقة الجنوبية النقاب عن خطة رئيسية تشمل تشريد سكان أم الحيران مرة أخرى، وبناء بلدة يهودية تسمى حيران في نفس الموقع. وتدعي الحكومة الإسرائيلية أن سكان أم الحيران البالغ عددهم 500 نسمة تعدوا على ممتلكات الغير عن طريق وضع اليد على أراضي الدولة بشكل غير قانونين وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن ما بين 80,000 و90,000 مواطن بدوي يعيشون في إسرائيل داخل قرى غير معترف بها في جنوب النقب، وفقاً لتقرير صادر عن جمعية حقوق المواطن في إسرائيل. ونتيجة لوضعهم غير المعترف به، يمكن هدم جميع المباني الكائنة في هذه المجتمعات تقريباً في أي وقت، ولا يحصل المقيمون على أية خدمات أساسية من الدولة، بما في ذلك الكهرباء والطرق المعبدة ومرافق الرعاية الصحية والمدارس والمياه، ومع ذلك، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية في يونيو 2011 بأن الحق في المياه هو حق دستوري، وأن الدولة يجب أن تضمن "الحد الأدنى من الوصول إلى المياه" لسكان القرى غير المعترف بها، ولكن المحكمة لم تحدد ما يشكل الحد الأدنى العادل، وبعد ذلك بوقت قصير، رفضت محكمة حيفا، بصفتها محكمة شؤون المياه، طلب أم الحيران بربطها بشبكة المياه المحلية. وعللت المحكمة قرارها بأنه لدى القرويين بالفعل الحد الأدنى من فرص الوصول إلى المياه، واقترحت عليهم شراء المياه من المواطنين في البلدات المتصلة بشبكة المياه، أو الانتقال إلى البلدات البدوية الحكومية القريبة، وحسب سوسن زهر، وهي محامية في مركز عدالة، المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل والذي يمثل عائلة أبو القيعان وسكان أم الحيران في نضالهم القانوني، فإن قرار محكمة المياه يعني أن "الحق الدستوري، المتمثل في الحصول على المياه كجزء من الحق في الحد الأدنى من مستوى المعيشة، [سوف] توفره الجهات الخاصة وليس الدولة. وهذا يتناقض مع القانون الدستوري لأن من واجب الدولة الوفاء بهذا الحق، بل وحمايته أيضاً"، وكان مركز عدالة قد قدم استئنافاً إلى المحكمة العليا في إسرائيل، مطالباً بتحديد معنى "الحد الأدنى من الوصول إلى المياه بشكل واضح، كما طعن في دستورية إرغام سكان أم الحيران على شراء المياه من جهات غير حكومية، وقالت زهر أنه على الرغم من كونهم مواطنين، إلا أنه لا يحق لهم الحصول على نفس المستوى من الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من مواطني إسرائيل. لماذا؟ لأنهم يعيشون في قرى غير معترف بها. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وفي تقرير عبرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري عن مخاوفها بشأن المجتمعات البدوية في إسرائيل، لا سيما فيما يتعلق بهدم منازل البدو، وعدم المساواة بين البدو والمواطنين اليهود فيما يتعلق بالحصول على الأراضي والإسكان والتعليم والعمل وخدمات الصحة العامة، كما طالبت لجنة الأمم المتحدة بالعدول عن القانون الإسرائيلي المقترح لتنظيم استيطان البدو في النقب، والذي من شأنه أن يشرد بالقوة ما بين 30,000 و60,000 من أصل 90,000 بدوي يعيشون في قرى غير معترف بها، لأنه سيضفي الشرعية على "استمرار سياسة هدم المنازل والتهجير القسري من المجتمعات البدوية الأصلية"، من جانبه، ذكر سليم أبو القيعان، أن التهجير القسري لسكان أم الحيران إلى بلدة حورة البدوية الحكومية القريبة هو في واقع الأمر الدافع وراء حرمانهم من الوصول المباشر إلى مياه ذات جودة عالية، وأضاف في تصريح "إنهم يريدون دفعنا إلى مغادرة القرية وتهجيرنا. وعلى الرغم من أننا قرية غير معترف بها، إلا أن هذا أفضل من العيش في حورة التي لا توجد بها خدمات، وحيث مياه الصرف الصحي والقمامة تملأ الشوارع. كما لا تتوفر بها مساحة كافية لنا. إنها مجرد مخيم آخر للاجئين".

الضفة الغربية

فيما يستولي المستوطنون الاسرائيليون على "عدد متزايد" من ينابيع المياه الفلسطينية في الضفة الغربية، ويلجاون الى منع او تحديد وصول الفلسطينيين الى منافذ المياه في الأراضي الفلسطينية، بحسب تقرير للامم المتحدة، ويشير التقرير الذي اعده مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (اوتشا) الى انه يوجد حاليا 56 نبعا في الضفة الغربية بالقرب من المستوطنات الاسرائيلية منها 30 نبعا تم الاستيلاء عليه بالكامل ومنع الفلسطينيين من دخولها بينما تظل الينابيع الباقية وعددها 26 عرضة "لخطر استيلاء المستوطنين عليها نتيجة ما يقومون به من جولات منتظمة واعمال الدورية"، ومن جهتها اتهمت اسرائيل التقرير بانه "مشوه ومنحاز ويحوي الكثير من الاخطاء"، ويذكر التقرير الدولي انه في غالبية الاحيان "منع الفلسطينيون من الوصول الى مناطق الينابيع التي تم الاستيلاء عليها من خلال اعمال الترويع والتهديد"، من قبل المستوطنين اليهود، وبحسب التقرير "يبدا المستوطنون في اعقاب تقليص الوجود الفلسطيني او القضاء عليه في تطوير الينابيع الى مناطق جذب سياحي" لتدعيم البنية التحتية السياحية للمستوطنات بقصد "ترسيخها باضافة مصدر دخل للمستوطنين وتطبيعها" في اعين المجتمع الاسرائيلي، ويبدا المستوطنون بعد ذلك بتحويل مناطق الينابيع الى مناطق سياحية من خلال بناء البرك ومناطق التنزه ووضع طاولات وحتى تغيير الاسماء ووضع لافتات لاسماء الينابيع بالعبرية مشيرا الى ان "هذه الاعمال تجري دون تصاريح بناء"، واوضح مكتب الامم المتحدة ان "الينابيع بقيت اكبر مصدر مائي للري ومصدرا مهما للاستهلاك المنزلي" للفلسطينيين، واضافت "قوض عدم القدرة على الوصول الى ينابيع المياه واستخدامها سبل عيش الفلسطينيين وامنهم واضطر الكثير من المزارعين اما الى ترك زراعة الارض او مواجهة تقلص الانتاجية"، واشارت التقرير الى ان الاستيلاء على الينابيع هو امتداد للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية منوها الى انه غير قانوني بحسب القانون الدولي، وبالاضافة الى ذلك فان ما يقوم به المستوطنون من "تعدي وترويع وسرقة وبناء دون تصاريح" هي ممارسات غير قانونية بموجب القانون الاسرائيلي ايضا منوها الى ان "السلطات الاسرائيلية تقاعست وبشكل منهجي عن فرض القانون على مرتكبي هذه الافعال وتقديم اي علاج فعال للفلسطينيين". بحسب فرانس برس.

ودعا مكتب الامم المتحدة اسرائيل الى وقف توسيع المستوطنات و ان "تعيد للفلسطينيين القدرة على الوصول الى ينابيع المياه التي استولى عليها المستوطنون واجراء تحقيق فعال في حالات العنف والاعتداء التي يرتكبها المستوطنون"، وتقع 4 من الينابيع في المنطقة (ب) وهي المنطقة التي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية وتحت السيطرة الامنية الاسرائيلية بالقرب من حدود منطقة (ج) بينما تقع بقية الينابيع في المنطقة( ج)، وتشكل منطقة ج نحو 60% من الضفة الغربية وهي خاضعة رسميا للسيطرة الامنية والمدنية الاسرائيلية، ومن جهته رفض غاي انبار المتحدث باسم الادارة المدنية الاسرائيلية وهي الهيئة العسكرية المسؤولة عن ادارة اجزاء من الضفة الغربية التقرير قائلا بانه "مشوه ومتحيز ويحوي الكثير من الاخطاء"، وقال انبار "كقاعدة عامة يحق للجميع الوصول الى الينابيع الطبيعية المحلية في الاماكن العامة"، وتابع "في حال وجود شكوى حول قيام اي طرف بمنع او تهديد او حتى التدخل مع الدخول الى اماكن مماثلة يجب تقديمها الى اقرب مركز شرطة"، واشار انبار الى ان الادارة المدنية فرضت قواعدا تتطلب تصاريح بالبناء في حالتين تتعلقان بالبناء غير القانوني في مناطق الينابيع الطبيعية، واضاف "لا يوجد اي شيء يمنع الفلسطينيين من الدخول الى الينابيع الطبيعية ولم يحدث اي احتكاك او عنف بين الفلسطينيين والمستوطنيين هناك".

بيت لحم

الى ذلك تعاني مدينة بيت لحم وريفيها الشرقي والغربي أزمة مياه يصفها الفلسطينيون بالخانقة، ويؤكد الجانب الفلسطيني أن السبب الابرز في هذه الازمة هو السيطرة الاسرائيلية على غالبية مصادر المياه الجوفية في الضفة الغربية، بالاضافة الى ضرورة اعادة تأهيل شبكات المياه الفلسطينية التي تحتاج كذلك الى تصريح من السلطات الاسرائيلية، وتسيطر سلطة المياه الفلسطينية على عشرة في المائة فقط من مصادر المياه الجوفية في الضفة الغربية، ورغم تأكيدها بأن أزمة المياه في مدينة بيت لحم دائمة فإنها أشارت الى تعقيد هذه القضية، حيث تمنع السلطات الاسرائيلية حفر الابار واستخراج المياه الجوفية في هذه المنطقة، فيما تعاني مدينة بيت لحم تزايد نسب فقد المياه الذي بلغ أخيرا نحو خمسين في المائة نتيجة تردي حالة شبكات المياه، اضافة الى ارتفاع كلفة المياه التي تشتريها سلطة المياه الفلسطينية من شركة المياه الاسرائيلية "الميكروت" والتي تقدر بخمسين مليون متر مكعب من المياه سنويا لسد أدنى حاجة للفلسطينيين في الضفة الغربية، وقال رئيس سلطة المياه الفلسطينية شداد العتيلي "الآن نشتري المتر المكعب من المياه بنحو 2.6 شيكل أي ما يعادل 80 سنتا، ويريدون أن يرفعوا الاسعار الى أكثر من دولار للمتر المكعب الواحد للمياه .....نحن نتحدث عن انعدام في عدالة توزيع مصادر المياه الجوفية في الضفة الغربية، وتخضع تسعون في المائة من مصادر المياه الجوفية في الضفة الغربية للسيطرة الاسرائيلية، توجهنا بالسؤال للادارة المدنية وشركة المياه "ميكروت" الاسرائيلية حول سبب ازمة المياه المتفاقمة في بيت لحم، ولم نتلق ردا على ذلك، "انقطاع المياه لشهرين"، قمنا بجولة ميدانية في بلدة الخضر التابعة للريف الغربي في مدينة بيت لحم، وهناك رأينا أعدادا كبيرة من الخزانات فوق أسطح منازل البلدة بالاضافة الى القناني البلاستيكية المنتشرة بكثرة في شوارعها وأزقتها. بحسب البي بي سي.

وهناك ألتقينا بالفلسطينية أم محمود،  باتت القناني البلاستيكية السبيل الوحيد لأم محمود واسرتها المكونة من سبعة أفراد للحصول على بضع ليترات من المياه بشكل يومي من عين ماء قريبة في بلدة الخضر التي تقع ضمن المناطق المصنفة بمناطق "ب" والتي تتبع أمنيا للسيطرة الاسرائيلية واداريا السلطة الفلسطينية، وأكدت أم محمود أن المياه منقطعة في منزلها منذ نحو شهرين وانها وسكان المنطقة تقدموا بطلب حفر بئر ماء للادارة المدنية الاسرائيلية وقوبل الطلب بالرفض، وقالت أم محمود "في هذه المنطقة ممنوع حفر الابار، واذا جاءت الجرافة وبدأت بالحفر تسارع قوات الجيش الاسرائيلي للمنطقة لوقف أي أعمال للفلسطينيين، الكاميرات تملأ المنطقة، منذ شهرين لم تدخل منزلنا المياه الا ساعات قليلة "

والتقينا في المنطقة عددا من العائلات الفلسطينية التي لا تزال تستخدم العبوات البلاستيكية والدواب لنقل المياه الى منازلهم، خصوصا وأن شوارع المنطقة ضيقة وتزدحم بمنازل الفلسطينيين الذين أكدوا لنا صعوبة وصول صهاريج المياه الى منازلهم لملء خزانات المياه فيها، لذلك يستخدمون القناني البلاستيكية للتزود بالمياه، وأكد لنا الفلسطيني خالد مرزوق أن صهريج المياه "الذي يحتوي على 6 أكواب من المياه" تبلغ تكلفته نحو 250 شيكلا اسرائيليا، وبحسب وصفه هذا مبلغ كبير لاستخدام المياه لأقل من شهر، وأضاف مرزوق "نحن لا نريد المياه لنترفه بها كما يفعل المستوطنون، بل نريد المياه لنشربها ونعيش، هذه الحياة كانت لأهلنا قبل خمسين عاما وهي لا تطاق، ونقول للمسؤولين عن هذه القضية أننا لن نرحل حتى اذا كان الهدف من منعنا من المياه التي هي تحت أقدامنا ترحيلنا القسري، وتعتبر مدينة بيت لحم وريفيها الشرقي والغربي ثأني اكبر مخزون للمياه الجوفية في الضفة الغربية، التي يؤكد الفلسطينيون في هذه المدينة أنها تزيد من معاناتهم، في ظل منع السلطات الاسرائيلية لهم من استخراج المياه الجوفية المتوفرة بكثرة تحت أقدامهم، بحسب تعبيرهم، و أكدت الدراسات الفلسطينية والدولية الاخيرة أن حصة المستوطن الاسرائيلي في الضفة الغربية تبلغ نحو سبعين ضعفا مما يحصل عليه الفلسطيني من المياه الجوفية التي تتوزع على ثلاثة خزانات مائية في مختلف مناطق الضفة المحتلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/حزيران/2012 - 7/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م