في احتفالية صارخة وصخب إعلامي كبير، شاهد العالم انتصار المرشح
الدكتور "محمد مرسي" برئاسة مصر، فمن يصدق أن الثورة انتصرت رغم
التوقعات المغايرة؟!، من يصدق أن الإخوان وصلوا لسدة الحكم بعد انقطاع
النفس؟! وتفلل فلول النظام البائد وانقشع دون رجعة، انتصرت الحرية
والكرامة وحكم دمُ الشهداء بعد صبر ممض وحراك طويل، خسر "شفيق" المنهزم
وقدم برقية التهنئة مرغماً لغريمه ينقل فيها تمنياته له بالموفقية
والسداد، لقد اتفقت كلمة العالم على تهنئة هذا الرئيس المقبل، وهتاف
الجماهير صم الآذان والسؤال الجريء: هل نجحت الثورة - بعد كل هذا
الضجيج - أم أن هناك " خنخنة أعرفها من أخزم"؟!
لا ريب إن الفرح سيعم الديار ولكن هل فكر أحد أن صمت الخصوم
ومباركتهم ينذر عن توجس خطير؟!، ألا يعقل أن تكون الثورة أريد لها أن
تكون منصورة وهي تحمل في طياتها الكثير من التنازلات الممجوجة؟! ليس
وصول الاسلام هو الغالية والهدف الأخير من الثورة، بل الغاية فيما بعد
ذلك الوصول.
سرقة الثورة لها أشكال متنوعة وأخسها أن تغلف السرقة باسم الدين،
أخسها أن يدعى لها أنها رفعت كلمة الله لتبقى العليا فنجد أن كلمة
أعداء الله "إسرائيل" وأذنابهم فاقت كل اعتبار وكسرت كل توقع،
المتاجرون بدماء الشهداء يغلفون الفتح بأسماء براقة ولامعة ثم يقتاتون
على موائد الشهداء، ثم يتنحنحون بدهاء ليقولوا : "إنها مصلحة الشعب
والوطن"، لا يصل إلى الحكم إلا من قدم التنازل للغير، فأي التنازلات
تلك التي قدمت من أجل التربع على عرش مصر؟! أفيون السياسة يحرق المبادئ
ويبتلع القيم مشوية دفعة واحدة !!
لا ينكر أحد أن إدارة مصر بقبضة (العسكر) الذي أمتدت نفوذه في
الأيام الأخيرة لتصل إلى الذروة، حتى كاد شفيق أن يتربع لولا المعاجلة
السياسية التي قدمها مرسي المحنك ليبقى رئيساً بإمضاء الجيش لا الشعب،
لو نجحت الثورة بالفعل لسحق العسكر وأبيد وزراء القتل والجريمة، يكفي
أن يهنأ "مبارك" بما تبقى له من أيام في قصر سمي سجناً بالمجاز ليعيش
مرغداً يُنفق على صحته وما يشتهي ما لا يعلمه إلا الله !!
وانتصرت مصر الكنانة بَعد كل تلك المسرحيات والأوراق التي دست في
الخفاء، ووصل المسلمون للحكم أما في هذا نصرٌ للثورة؟! الحل هو الدين
شعار وجد طريقه في الواقع من أجل إخماد إرادة شعب، فهل سيعيش بحبوحة
العيش الرغيد؟! لنزغرد سوياً ولنرقص معاً ولنفرح كالمجانين لقد وصل
(مرسي) وأشرطة سوداء تشد العيون وتخنق الأفواه، هل نجحت الثورة أم سحب
البساط والناس لا يشعرون؟! لقد تعهد الدكتور للشعب فهل سيفي؟! ثم تعهد
مرة أخرى للعسكر الباسل وأثنى على فصول المسرحية، أوليس الإسلام قد
وصل؟!
لنبارك للأزهر الشريف - مقدماً - فوز المطبعين مع إسرائيل باسم
الدين، فهل بعد مصلحة الذات من مصلحة؟!، لنبارك للعالم الإسلامي هذا
النصر الذي تلاقفته أيدي الساسة لتمرق الثورة قشراً من غير جوهر، ما
فائدة الفوز إذا حكم الشآنئ الأبتر؟!
والتساؤل الملح: هل ستعود المظالم لأهلها؟!، هل ستوزع الخيرات
بالسوية وترد الاقطاعيات المسروقة لموازينها؟! أم أن التزلف والحظوة
سينال أقوام دون آخرين؟!، الحكم الأرعن أريد له أن يتدثر بدثار النبل
والسماحة ليضيع حق الشعب بصمت وذكاء، ولا غرو أن يتمنى المواطن البسيط
أيام حكم المخلوع إذا لم يَلمس عدالة الإسلام على الأديم.
غابت عن رعيتك منهجيتك الأصيلة يا أبا الحسن، ولا أظن أن " جورج
جرداق" سيجد العدالة الإنسانية في هذه الأمة، أوليس منهج علي (عليه
السلام) صعباً مستصعباً إذ يقول : (ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل
مال أعطاه من بيت مال الله، فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم
لا يبطله شيء، ولو وجدته وقد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، [وملك
به الإماء] لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحق
فالجور عليه أضيق)، نتمنى للأعزة المصريين حياة كريمة لا يشوبها طمع
الطامعين ولو ليوم واحد. |