فوز مرسي بين انتصار الإخوان المسلمين وانتصار الثورة والديمقراطية

د. إبراهيم أبراش

لا يسعنا إلا أن نهنئ مصر بكل مكوناتها بنجاح الانتخابات الرئاسية في الوصول لمنتهاها بطريقة سلمية وحضارية بفوز مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي.

نجاح الانتخابات بهذه الطريقة السلمية والديمقراطية والحضارية وبالرغم من كل الملابسات والالتباسات التي صاحبت الانتخابات والتحديات التي ستواجه الرئيس القادم إلا أنه سيُسَجل كنجاح لكل العرب لأنها تجربة انتخابية غير مسبوقة في التاريخ العربي الحديث والقديم، وسيلقي هذا النجاح حتى وإن كان غير مكتمل بظله على كل المنطقة العربية بل وعلى الشرق الأوسط بكامله.

ولكن هناك فرق بين القول بنجاح الإخوان المسلمين والقول بنجاح الثورة والديمقراطية، صحيح أن فوز مرسي انتصار غير مسبوق وتاريخي لجماعة الإخوان بعد ثمانيين سنة من العمل في صفوف المعارضة بل وكمعارضة غير مُعتَرف بها، إلا أن القول بأنه انتصار مكتمل ونهائي للديمقراطية وللثورة ولمصر يحتاج لفترة من الوقت للتأكد منه.

كتبنا وكتب كثيرون عن الثورات العربية وخصوصا عن الثورة المصرية والانتخابات الرئاسية، إلا أن وصول مرشح الإخوان لسدة الرئاسة ليس نهاية المطاف بل إن القادم من الأيام سيكون أكثر أهمية وخطورة وهو ما سيحدد إن كانت مصر خرجت من عنق الزجاجة التي كان يضعها فيها النظام القديم لتتفرغ لعملية البناء والتشييد بما يرضى طموحات الشعب المصري الذي خرج للشارع من يناير الماضي إلى اليوم.

نجاح مرشح الإخوان بالرئاسة حدث فريد وغير مسبوق يؤكد على حقائق وفي نفس الوقت يطرح كثيرا من التساؤلات فيما يتعلق بتداعيات هذا الفوز مصريا وعربيا وإقليميا، وإن كان خطاب مرسي بعد الفوز أعطى مؤشرات عامة حول نهجه المستقبلي إلا أن كثيرا من الأمور تحتاج لتوضيح وتأكيد من خلال الممارسة.

ما جرى ويجري في مصر يدفعنا لإبداء الملاحظات التالية:

أولا: أنه لا يمكن لحاكم مستبد أن يستمر إلى مالا نهاية وان لصبر الشعب حدودا وهو أمر يجب أن يدركه الحكام العرب الآخرون بما فيهم أولئك الذين حرضوا على الثورة ضد مبارك ووضعوا كل إمكانياتهم المالية والإعلامية لإسقاط نظام مبارك وإنجاح الإخوان المسلمين. فان يدعم حكام عرب غير ديمقراطيين الثورة في البلدان العربية لا يعني ذلك أنهم باتوا ديمقراطيين أو أن مباركتهم لثورة الآخرين سيقطع الطريق على شعوبهم للثورة عليهم. وسواء استقرت الأوضاع في مصر بعد تنصيب مرسي أو تدهورت إلى الأسوأ فإن تداعيات الأوضاع في مصر ستنعكس سلبا على الأنظمة التي لم تشهد ثورات.

ثانيا: الإنجاز الذي تحقق في مصر بداية طريق لعودة الاعتبار لمصر لتأخذ مكانتها كدولة عربية كبيرة ورائدة وزعيمة للعرب، الأمر الذي سيقطع الطريق على دول قزمة استغلت تراجع مكانة مصر في عهد مبارك لتطرح نفسها قائدة وزعيمة للعالم العربي ولتوجه الأحداث بما يخدم مصالحها ولتلعب أدوارا أكبر من حجمها.

ثالثا: أكد فوز مرسي أن جماعة الإخوان المسلمين أكبر جماعة وحزب في مصر، وهذا قد ينسحب على بقية جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي حيث تتراجع بشكل كبير مكانة وحضور الأحزاب والقوى الوطنية والقومية واليسارية. ولأن الإخوان كذلك فلا يمكن لأي نظام أو مؤسسة حاكمة أن تتجاهل وجودهم، وعليه كان فوزهم بالانتخابات أمرا حتميا ومتوقعا، أيضا كان فوزهم مطلوبا منطقيا وعقلانيا لأنه لا يمكن للمؤسسة العسكرية في مصر أن تقصيهم من المؤسسة التشريعية ومن الرئاسة ومن لجنة الدستور وبالتالي من الحياة السياسية بكاملها. ولو حدث ذلك فإن شعبيتهم ستزداد، وإن لجئوا بعد ذلك للعنف فلن يلومهم احد.

وهنا نذكر أن نقمة واشنطن على نظام مبارك بدأت عندما أقصى النظام، ضد رغبة واشنطن وبطريقة غبية، جماعة الإخوان وبقية قوى المعارضة من المشاركة في البرلمان في الانتخابات التشريعية ما قبل الأخيرة.

رابعا: القول بأن جماعة الإخوان اكبر جماعة سياسية منظمة لا يعني أنها تمثل أغلبية الشعب المصري، فقد فازت بأصوات 13 مليون من شعب تعداده أكثر من 85 مليون، وحتى بالنسبة لهذه النسبة ما كانوا ليفوزوا بها لولا أصوات شباب الثورة من غير جماعة الإخوان وخصوصا أصوات جماعة حمادين صباحي وكفاية و6 أبريل والسلفيين وغيرهم. وهو ما على جماعة الإخوان إدراكه جيدا، فهذه الجماعات التي كان لها الفضل في إنجاح مرسي سرعان ما ستنفض عنه إن حاولت جماعة الإخوان التنكر لوعودها والتهرب من الشراكة السياسية الحقيقية على أسس وطنية، وهنا يكمن الاختبار الحقيقي لجماعة الإخوان.

خامسا: يجب الاعتراف بفضل مؤسسات تنتمي للنظام السابق في الحفاظ على النظام وفي تجنيب مصر من مآل مأساوي تعيشه ثورات عربية أخرى كالحرب الأهلية والطائفية وتمزيق البلاد والتدخل الخارجي، ونقصد بهذه المؤسسات الجيش والمؤسسة القضائية. فلولا وطنية وعقلانية هاتين المؤسستين وتماسكهما لكانت الأمور وصلت إلى ما لا تُحمد عقباه، وهنا علينا تسجيل أمر مهم وهو أن المؤسسة العسكرية بقيت متماسكة وموحدة ولم يحدث فيها أية انشقاقات أو تمردات حتى وإن كانت فردية، وكذا الأمر بالمؤسسة القضائية،، بالرغم من كل الضغوط والتشكيك الذي تعرضا له. حال هذه المؤسسات كحال مصر الدولة لا تقبل القسمة.

سادسا: فوز مرسي وإن كان نتيجة صناديق الانتخابات وإن كان لبى بعض المطالب الشعبية إلا أنه في خلفية المشهد تكمن صيغة لتسوية توافقية سياسية ما بين جماعة الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية حظيت ضمنيا بمباركة أمريكية وأوروبية. وفي اعتقادنا أن المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية هما ضمانة الاستقرار في مصر خلال المرحلة القادمة وليس مؤسسة الرئاسة، لأنه لا يمكن لأي رئيس أن يحكم مصر بدون صيغة توافقية مع هذه المؤسسات. مؤسسة الجيش والمؤسسة الأمنية والمؤسسة القضائية والمؤسسة الإعلامية ورجال الأعمال الخ، كلها تنتمي بشكل ما لبنية النظام القديم وعلى الرئيس الجديد أن يجد نقاط لقاء معها مع محاولة تغييرها بشكل متدرج، وعليه فإن النظام الجديد الذي سيترأسه مرسي ليس نظاما ثوريا خالصا بل نظاما مختلطا يجمع ما بين النظام القديم ومطالب الثوار، وعليه سيكون أقرب للنظام الإصلاحي أو الثورة الإصلاحية.

سابعا: خطاب الرئيس محمد مرسي بعد فوزه بالانتخابات بان وكأن لا علاقة له بخطاب الإخوان المسلمين الذي تعودنا على سماعه وهم في المعارضة، وهو أعطى تطمينات بان مصر التي سيقودها رئيس إخواني ستحترم حقوق المرأة والطفل وجميع شرائح المجتمع و ستكون جزءا من الثقافة الإنسانية ومن المنظومة الدولية وستحترم الاتفاقات الموقعة مع الدول الأجنبية كما قال، وهي تطمينات كما نلاحظ موجهة إلى الخارج أكثر مما هي موجهة للداخل.

ثامنا: نعتقد أن الممارسة وتحديات السلطة ومغرياتها من جانب، وبراغماتية الإخوان في التعامل مع أنظمة الحكم السابقة ومع الغرب والتي تميزوا بها عبر تاريخهم من جانب آخر، ستفاجئ الجميع بسلوك وسياسة سيغيران كثيرا في نظرة الناس لجماعة الإخوان المسلمين، وسيؤكد ان صواب السياسة الأمريكية بالدفع نحو استيعاب الجماعة في النظم السياسية العربية، وتجربة حكومة حماس في غزة شاهد على ذلك.

تاسعا: بعد فوز مرسي سيتراجع الجدل نسبيا حول شكل الدولة عن كانت مدنية أو دينية والرئيس مرسي كان واضحا في حديثه عن دولة مدنية ديمقراطية، كما سيخف حديث الإخوان المسلمين عن تطبيق الشريعة وعن الحكم بما انزل الله الخ، ولكن قد يستمر ويتصاعد هذا الخطاب الديني عند الجماعات الإسلامية الأخرى. إن شكل الصراع أو المواجهة القادم لن يكون بين أنصار تطبيق الشرعية وأنصار الدولة المدنية بل سيكون حول توسيع صلاحيات الرئيس ومعالجة ملفات المؤسسة التشريعية واللجنة الدستورية وتشكيل الحكومة، إلا أن الصراع الأخطر سيكون بين نخب مصالح تابعة للإخوان وجماعات الإسلام السياسي ونخب المصالح القديمة وهو صراع قد يوظف فيه الطرفان كل الوسائل دفاعا عن هذه المصالح المالية والاقتصادية وهو ما سيهدد استقرار مصر.

عاشرا: لم يذكر مرسي في خطابه بعد الفوز كلمة فلسطين أو حصار غزة أو ما يشير إلى الصراع العربي الإسرائيلي وهو أمر يحتاج لوقفة تأمل وتحليل، وهذا ما سيكون موضوع مقالنا القادم.

Ibrahemibrach1@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/حزيران/2012 - 6/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م