ليس ضرباً في الخيال، أو الغوص في النهلستية (العدمية) بل هي حقيقة
ساطعة سطوع الشمس في كبد النهار، فالقيادة أصبحت للمشايخ وأصحاب
الشماخات والعباءات، مع كل الاحترام لكل الزي العربي الأصيل... نفط،
ذهب، خيول، صقور للصيد وسيارات أميركية فارهة وطائرات شخصية وسيارة
رانج روفر مزودة بكشاف، وكمبيوتر عالي الدقة وأشعة خضراء وفوق
البنفسجية... كل ذلك يستوجب القيادة ويرخص للمشايخ التقدم للأمام في
اتجاه القيادة الجماعية هذه المرة.
فمنذ وقت قريب برزت قطر في دول مجلس التعاون الخليجي، بل لا نغالي
إذا قلنا إنها حاولت تزعُّم دول مجلس التعاون الخليجي، وربما تعدت ذلك
إلى محاولة أن تكون دولة محورية في الساحة العربية في هذه المرحلة،
ساعية لتغييب دول كبيرة مثل مصر والسعودية.
فمن أين جاء هذا الدور لقطر؟ وهل ينسجم هذا الدور مع قدراتها
وإمكاناتها وموقعها؟ وكيف لقطر أن تضطلع بهذا الدور؟ هل هو مرسوم؟ أم
هو دور نابع من إرادة ذاتية لحكام قطر؟ وما هي حاجة قطر لفضائية،
كالجزيرة؟.
قطر الدولة عبارة عن شبه جزيرة صغيرة في الخليج العربي، تزيد
مساحتها قليلاً عن 11000 كم مربع، ويبلغ عدد سكانها نحو 800000 ألف
نسمة، وقد جاء حاكمها الشيخ حمد للحكم إثر قيامه بانقلاب على والده، في
العام 1995. ويزيد عدد أفراد القوات العسكرية الأمريكية في قطر عن
15000 ألف جندي، فما هي حاجة قطر لمثل هذا التواجد الكثيف للقوات
الأمريكية على أراضيها؟ وإذا كانت كلفة هذا التواجد والخدمات اللوجستية
والمالية تقدم من جيب المواطن القطري بذريعة الحماية العسكرية لقطر،
فمن هم أعداء قطر إن لم تكن إسرائيل والجيوش الغازية الجرارة، التي
تقيم على أرض قطر وتنهب ثرواتها؟!.. وأين حكومة قطر وحكامها مما نص
عليه دستور البلاد من السياسة الخارجية التي تقوم على نبذ الأحلاف
والابتعاد عنها، والقواعد الأمريكية الأضخم في العالم موجودة على
الأراضي القطرية، ومعها آلاف الجنود؟!
ومن المفيد توضيحه أن عشيرة آل ثاني التي ينتمي إليها الأمير حمد،
لا تمت بأي صلة لجزيرة قطر، فهم نجديو الأصل كانوا يعيشون في منطقة
الوشم وسط هضبة نجد وقاعدتها بلدة شقرا، وهم فرع من قبيلة تميم،
ارتحلوا إلى قطر في القرن الثامن عشر والتي كانت خاضعة للسيطرة
العثمانية، ويعد الشيخ محمد بن ثاني أول أمير لهم في القرن التاسع عشر،
خضعوا تحت الحماية البريطانية كتابعين لها، وكانت قطر آخر الإمارات
التي أخذت استقلالها عام 1971 في عهد أميرها خليفة بن حمد آل ثاني.
وجزيرة قطر بمساحتها وعدد سكانها الأصلاء، لا تزيد عن أصغر محافظة
مصريّة سكاناً ومساحة، ولا تشكل ديموغرافياً أكثر من حي من أحياء دمشق
أو حلب، أو فندقاً ضخماً من فنادق الصين الشعبية. وهي تعتمد على ثروة
الغاز والنفط المعادل الطبيعي لثروة الجزيرة إذ يبلغ الناتج المحلي لها
نحو 170 مليار دولار.
السؤال الهام في موضوع المسألة القطرية: ما هو سر ذلك التطلع القطري
ليلعب دوراً أكبر من جزيرته؟! وما هي الدوافع وراء تعملق الأمير حمد
ذلك الشاب القادم وهو يدوس على عرش أبيه طامحاً لدور يقوم به؟! وهل
دولة قطر دولة مغرورة ترفض التقوقع في محيطها الخليجي أم مصابة بداء
التميز والتغريد خارج سربها؟ وهل هي مخيرة أم مسيرة في أمرها؟
إن المدخل لقراءة الظاهرة القطرية والتي برزت وأخذت تتبلور منذ نحو
عقدين من الزمن يرجع ذلك إلى حقيقة بنيتها الخيبرية، وهي تتماهى مع
مصالحها وبشكل ذرائعي وبراغماتي. تحمل لون الحرباء حيناً وقلب ظهر
المجن أحياناً، لأجل ذلك، إنها على استعداد للتحالف مع الشيطان مقابل
تلك العملقة مقابل دور عربي أو إقليمي وحتى دولي تقوم به، ولو أدى ذلك
إلى تسليم مفاتيح بلادها، كما فعل أميرها عندما وافق على إقامة (قاعدة
السيلية) الأمريكية أكبر قاعدة استراتيجية وعسكرية من بحر العرب إلى
بحر قزوين. والتي قدمت خدمات فاعلة في غزو العراق وغطاءً لوجستياً
لـ(إسرائيل) لأن تلك القاعدة بما تضم من أسلحة متطورة هي ثكنة
إسرائيلية متقدمة في منطقة الخليج وعلى حدود إيران بالإضافة إلى دعمها
الإسنادي لحرب القوات الأمريكية في أفغانستان.
ويعلل الأمير حمد وجود تلك القاعدة بقوله: ''لو أنه أخرج الأمريكيين
من قطر فإن الإخوة العرب سيحتلونها''. بالإضافة إلى العلاقة المتميزة
التي أقامها مع (إسرائيل)، كانت مهمتها كسر الحاجز الأخلاقي والقومي في
التواصل الإعلامي مع قادة (إسرائيل) وخبرائها والإفادة من تفعيل دور
اللوبي الصهيوني (منظمة إيباك) في الولايات المتحدة لصالحها ومصالحها؟
وفي الإطار العام فإن قطر وظفت لتكون رأس الحربة في المخططات الأمريكية
الإسرائيلية في المنطقة.
كل ذلك يؤكد أن اتفاقاً استراتيجياً تعاقدياً سرياً تم بين قطر
و(إسرائيل) للعب دور مزدوج منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي،
لتوظيفها للقيام بدور قادم مواز للدور الإسرائيلي، ولكن بشماغ عربي
بدلاً من القلنسوة اليهودية. حيث بدأ يبرز الدور القطري المتميز عن
باقي إمارات ومشيخات الخليج، ومنذ ذلك الوقت أخذت قطر تفتش عن دور خاص
بها عربياً وإقليمياً ودولياً، رافضة التقوقع في محيطها والوقوف إلى
الطابور الخليجي الذي تقوده السعودية الشقيقة الكبرى وإمامة مجلس
التعاون الخليجي، والذي بدأ الأمير حمد بن خليفة التمرد عليه بعد أن
أطاح بعرش والده، وكانت رؤيته لذلك المجلس إنه مجرد ديوانية قبلية
يجتمع فيها شيوخ المجلس للاستماع إلى قصائد الشعراء وتوزيع القبلات على
الأنوف، وأنه نموذج متخلف عن دار ندوة قريش في مرحلة جاهليتها والذي
كان سادة قريش يتناولون فيها قضاياهم ومستقبلهم كبرلمان لهم.
ومع مرور الزمن أخذ مرض التمييز والتفرد عن شقيقاتها الخليجيات،
وعملت أمريكا و(إسرائيل) على استثمار ذلك النزوع في شخصية حمد
والحمامدة القطريين وعلى رأسهم حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر ووزير
الخارجية من حوله وتسريع دور قطر نحو واجهة السياسية العربية وتوظيفه
في مشاريعها فكلا الطرفين وجد ضالته في الطرف الآخر الذي يبحث عنه،
وبذلك تحول حمد إلى مهمة الأوضه باشي العثماني (الأوضه الباشي الشخص
الذي يقف على باب السلطان لتنفيذ أوامره).
وهو دور متقدم على دور (البوسطجي) حامل بريد السلطان وتوصيل رسائله
والذي يقوم به معظم قادة الأعراب اليوم. وأبرز ملامح نهج الأوضه الباشي
القطري في تعملقه تتجلى في الأمور التالية:
أولاً: استثمار المال الفائض الكبير الذي تملكه قطر لغاياتها
ومصالحها دون أي رقابة وطنية على ثروات البلاد والهيمنة عليها من قبل
حكام الجزيرة، فمال قطر في جيوب حكامها من الأمراء فهم الدولة والدولة
هم، في صيغة اقتصادية ترجع إلى عهود الكولاك وأنظمة الإقطاعات لما قبل
الدولة المدنية، فقد قدرت مجلة غربية في بحثها عن أثرياء العالم أن
ثروة الأمير حمد بن خليفة لوحده قد بلغت (24) مليار دولار. فالمال
القطري لم يكن زاداً ولا ذخراً، بل الأرضية الحقيقية لمشاريع تعملق
حمامدة قطر ونموذجه الأخير في محاولات حرف ربيع الثورات العربية عن
مسارها من خلال التدخل اللوجستي مادياً وإعلامياً في مصر وفي ليبيا
والذي تحول إلى تدخل عسكري وقصف بالطائرات إلى جانب أسراب الناتو، ثم
ما لبث أن قلب أميرها ظهر المجن بالتآمر على سوريا صديقة الأمس وإرسال
هداياه من أسلحة ومتفجرات للشعب السوري كعراب أساسي لإسقاط النظام
الوطني فيها، مع السخاء القطري باستضافة مؤتمرات للمعارضة ودعمها بأجور
السفر للطائرات الفارهة والفنادق الضخمة والإعلام المغرض، فاتحاً خزائن
ماله وعلاقاته كرأس حربة لمعركة تعد حاسمة، معركة كسر العظم، كاشفاً عن
وجهة الخيبري لأن خروج سوريا من أزمتها يعني سقوط المؤامرة ونهاية
مستقبله السياسي ومستقبل إمارته وأجهزة إعلامه ومجانية تلك المليارات
التي أنفقتها، ولأنه يدرك مع جميع شيوخ عشائر جزيرة العرب أستاذية بلاد
الشام عليهم، وكان عندما يقع القحط في ربوعهم يتوجهون نحو ديار الشام
مرددين قولهم المأثور (الشام شامك إذا الدهر ضامك).
ثانياً: التحرك القطري ليصتدر الحراك السياسي على صعيد المنطقة فبذل
جل مسعاه للتقرب من سوريا لتصديع العلاقة السوريّة ـ السعودية
التاريخية معادل (س.س) منذ القرن الماضي والتي أسسها الرئيس حافظ الأسد
مع الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ أن كان ولياً للعهد، وعمل على وضع
الألغام في تلك العلاقة وبنفس الوقت خرج عن السرب الخليجي بتوطيد
علاقاته مع إيران خارجاً عن العباءة السعودية في توازن مدروس، ولكنه
على استعداد لقلب ظهر المجن عليها إرضاءً للمخطط الغربي ـ الأمريكي إذا
ما طلب ذلك منه، ليعيد إنتاج انقلاب مواقفه عن شهر العسل السوري ـ
القطري.
ولتلميع صورة قطر عربياً وعالمياً بدأ يدس أنفه في البؤر المتوترة
كدوره في الخلاف اللبناني ـ اللبناني عام 2008 باتفاق الدوحة، والصراع
السوداني ـ الأثيوبي، والصراع بين الخرطوم وحركات انفصال الجنوب بدور
مشبوه هدفه الحصول على استثمارات الحديقة الخلفية للسودان وثرواتها
وسلة غذائها.
كما عمد حمد في إطار تلميع دور قطر العربي، باستقطاب المفكرين العرب
ورجال الدين من مختلف مشاربهم ومذاهبهم كواجهات ثقافية مرجعية وقوداً
في مشاريع عملقته مع ذلك السخاء المالي غير المعهود لهم والذين تحولوا
جزءاً من أجنحة النظام القطري وتوجهاته على قاعدة (من يجلس على مائدة
السلطان عليه أن يضرب بسيفه).
ثالثاً: الدور الإعلامي الذي أخذت تلعبه قطر منذ عام 1996 من خلال
شبكات قنوات (الجزيرة) غير المعهودة عربياً ولتعطي قطر ذلك البعد الجيو
ـ سياسي وسعة الفضاء الإعلامي، تعويضاً عن واقع حجم إمارة قطر، ولعل
ذلك الدور أساس عملقة قطر حتى بات التساؤل هل قطر هي حاضنة قناة
(الجزيرة)، أم أن تلك القناة أصبحت جزيرة قطر؟!
في مرحلة تاريخية بات الإعلام يعيد تشكيل العقول وقناعات البشر،
وتفجير الألغام وإشعال الحرائق، من خلال ميديا إعلامية ظالمة قامت بها
(الجزيرة) وسواها من الفضائيات العربية والأجنبية لحرف مسار ربيع
الثورات العربية إلى احتراب وطني داخلي وتفجير تلك الثورات من داخلها
واللعب على العرقيات الداخلية وتوظيف الاتجاهات الإسلاموية والسلفية
والتكفيرية، والتعملق على حساب حمامات الدماء وصناعة الفتن. تحولت قناة
(الجزيرة) إلى غرف سوداء، ولم تعد مراكز إعلامية تقوم بالتضليل
الإعلامي، بعد أصبحت شريكاً حقيقياً في حملات التآمر وتغذية الانفجارات
والفتن الداخلية في العالم العربي وواحدة من أذرع الناتو.
رابعاً: التحرك القطري والذي بدأ يسفر عن وجهة وانخراطة في المشروع
الأمريكي ـ الإسرائيلي لإعادة صياغة المنطقة بعد سقوط ذلك المشروع بعد
انتصار المقاومة اللبنانية الإسلامية في حرب عام (2006) والتداعيات
التي أحدثها لإسقاط مفاعيل ذلك الانتصار المدوي، والذي أعاد الاعتبار
لجبهة المقاومة العربية ـ الإيرانية وبدء أحلام الغزاة من المحافظين
الجدد، ولعل من أبرز مفاعيله تلك الانهيارات في مواقف الأنظمة العربية
الموالية للغرب من زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح
وانتفاضات الشعوب العربية ضد أنظمتهم والتي ترافقت مع الانهيارات
والأزمات المالية والاقتصادية في النظام الإمبريالي الأمريكي، وانسحابه
من العراق وفشل حربه في أفغانستان، ذلك النظام وهو يعاني انكساراته
المتتابعة، كان يتطلع إلى تحقيق انتصارات جديدة تعوضه عن ذلك الزلزال
الذي أصابه كطوق النجاة، وذلك بحرف الثورات العربية عن أهدافها وعودة
دخوله للمنطقة ومن نوافذها الخلفية، نوافذ الاتجاهات الإسلاموية لجامعة
الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية بزعامة طيب أردوغان السلطان
القادم من خلف الأناضول، والأمير حمد بن خليفة وإمبراطوريته الإعلامية
والمالية، مستهدفة النظام السوري المقاوم وعمقه الاستراتيجي الممتد من
مشهد على حدود إيران الشرقية وعمقها الآسيوي إلى دمشق حجرة العقد في
نظام المقاومة وإلى قرية الحولة على حدود لبنان مع الكيان الصهيوني
بذلك العمق العروبي المتوسطي لتكوين كارتل مضاد لذلك البعد الوطني
المقاوم.
لقد كانت قطر من بين أوائل الدول العربية تطبيعاً مع إسرائيل عقب
اتفاقيات أوسلوـ سيئة الصيت ـ إذ فتحت لإسرائيل مكتباً لرعاية المصالح
التجارية، وقد تطورت إلى أن وصلت إلى الزيارات المتبادلة، وعلى أعلى
المستويات، وهي أقرب إلى العلاقات الدبلوماسية منها إلى رعاية المصالح
التجارية، وتم إبرام اتفاقيات لتزويد إسرائيل بالغاز، وكان وزير خارجية
قطر قد صرح في أيار عام 2003 قائلاً: ''إن قطر تبحث إبرام معاهدة سلام
مع إسرائيل إذا كان ذلك يخدم مصالحنا''.
فما هي حاجة قطر للتطبيع التجاري والاقتصادي وفتح مكتب للعلاقات
التجارية لإسرائيل في الدوحة؟ وما حاجة قطر لأن يتواجد في جامعاتها
طلاب إسرائيليون بذريعة أنهم ينتسبون إلى جامعات أمريكية، فيما يحظر
على هذه الجامعات قبول الطلبة العرب؟ وما الذي يدفع قطر لتزويد إسرائيل
بالغاز وبأسعار قد تصل إلى المجانية في حين يغرق قطاع غزة في الظلام
أيام وأسابيع جراء الحصار الإسرائيلي؟!.
في منطق التآمر والارتهان كل شيء مباح ومحلل وفق مبدأ الغاية تبرر
الوسيلة مهما كان الثمن وبغض النظر عن الضحية ما دامت المصالح سارية
المفعول والمكاسب في الجيب. قطر الغارقة حتى أذنيها في المنطق الآنف
الذكر، وبعد تعريتها أمام الشعب العربي كلاعب أساسي وممول في تمرير
الخطط الغربية المشبوهة تماهياً مع المشروع الأميركي ـ الصهيوني الرامي
لتقسيم دول المنطقة وإعادة هيكلتها تنفيذاً للشرق الأوسط الجديد، لم
يعد لديها رادع أخلاقي، ولا موقف عربي موحد وقوي يمنعها من التآمر هنا
وهناك، ولو كان الأمر غير ذلك لما تجرأت قطر بوقاحة غير مسبوقة على
اختزال فلسطين على مقاس الأطماع الإسرائيلية، وحسب الأذواق الأميركية.
فقطر التي ترى نفسها كبرت إلى حد لم تعد قادرة على استيعاب حجمها وضبط
أفعالها نظراً لتضخمها بفعل تآمرها وانخراطها في سياسات الغرب
الاستعمارية، ومنها السعي لإنهاء الوجود الفلسطيني وإسقاط حقه التاريخي،
أعادت رسم خريطة فلسطين لتضم 22 في المائة فقط من الأراضي الفلسطينية
في خطوة مفضوحة لاعتراف واضح وصريح بمخططات الكيان الإسرائيلي، ضاربة
عرض الحائط بكرامة الشعب الفلسطيني ونضاله طوال العقود الستة الماضية.
أي تبعية، وأي ارتهان، وأي ارتباط ملعون يجعل قادة قطر ينسلخون من
تاريخهم وجغرافيتهم، ويغيرون الوقائع ويزيفون الحقائق كرمى لعين
إسرائيل وأميركا وحلفائهم، وأي ثمن وأي مصالح تبيح لهم أن يبيعوا قضية
العرب المركزية، ويعترفوا علانية وعلى مرأى ومسمع كل العرب بالكيان
الغاصب لأراض عربية، وأي دور مشبوه يعطي لقطر كامل الصلاحية في ترويض
الرأي العام وجعله يعتاد تدريجياً على خريطة سياسية جديدة للمنطقة،
تختزل فيها حدود فلسطين وتتقلص إلى جزء من أرضها التاريخية تنفيذاً
للمشروع الأميركي ـ الصهيوني بالشرق الأوسط الجديد.
أما الجامعة العربية، فهي مجرد جامعة عربية ''موحدة الصوت'' رغم أن
كل ما تبقى منها لا يعدو كونه تحالفاً رثاً بين أنظمة ثورية تائبة،
وقدامى عروبيين مذعورين، ومشيخات مهترئة تجهد في ترويض الثورات
المغدورة، وشراء النخب السياسية الجديدة في المنطقة. وحال جامعة
الأعراب يثير الشفقة، فبعد أن صرف المواطن العربي من المحيط إلى الخليج
نظره عنها بسبب فشلها في مهامها كضامنة وحافظة للدول العربية، وبعد
فشلها في قضية العرب الأولى فلسطين، تأتي وتقدم نفسها بزخم كبير
واندفاع غير مسبوق، وهذه المرة ليس للقضايا الآنفة الذكر بل يقتصر
دورها بإعطاء الضوء الأخضر لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لضرب الدول
العربية، وهذا ما تم بالفعل مع الشقيقة ليبيا!! واليوم تريد أن تعيد
الكرّة مع سورية، فهي ليست مستعدة لتقديم مشروع متوازن، ومن ثم فهي
مضطرة وقتياً لوضع حد فوري وجذري في سورية دون النظر أو مراجعة
التفصيلات في القضايا الخلافية في سورية، و(قطر) أصبحت المسيطرة
والمقررة في الجامعة العربية.
فالأمين العام (نبيل العربي) لم يظهر بمظهر الأمين العام كسابقيه من
الأمناء فحسب، بل ظهر بمظهر التلميذ النجيب والمطيع. ولعل مشكلة السيد
نبيل العربي تكمن في أن ربيعه جاء متأخراً لا بل وهو في أرذل العمر
وبعد أن وهن العظم منه واشتعل الرأس شيباً وما في اليد حيلة لذلك نراه
يزاور ذات اليمين وذات الشمال فيرى الشيخ والأمير في الميمنة والميسرة
يحكمان الطوق عليه وبخاصة أنهما في حضرة سيدة البيت الأبيض المدللة
هيلاري التي لا تخفي إعجابها بوفاء عربها لا لأبناء جلدتهم بل لبيتها
الأبيض، هذه المشاهد المخزية تختصر زمننا العربي الرديء وانكشاف أمننا
القومي العربي ودرجة انخراط البعض منا في مشاريع الغرب الاستعماري حليف
الكيان الصهيوني اللاعب الخفي في كل ما يجري على الساحة العربية
المكشوفة والممزقة.
والحال لو أراد السيد العربي ربيعاً عربياً لما فرط في أوراق
الجامعة العربية وقزم دورها عندما تحول إلى قاضي إحالة فيها لمجلس
الأمن ما أضعف دورها وقلل من شأنها وهي التي كانت خيمة عربية جامعة
للعرب لا مفرقة لهم على محدودية دورها وهذا ما لا يجادل فيه أحد ولكن
أن تتحول الجامعة إلى مكسر عصا للغرب و''إسرائيل'' وذراعاً سياسية
وعسكرية لهم فهذا باعتقادنا لا يمكن لعاقل أن يقبله. فهذا الدور
اللامتوازن والمنحاز الذي لعبه أمين عام الجامعة العربية هو الذي
أخرجها من دائرة الفعل السياسي وجعلها تعيش حالة انعدام وزن إضافة إلى
انتقال مركز ثقلها من القاهرة بحجمها التاريخي ومركزيتها إلى الدوحة
وطارئيتها وراهنيتها وهذا يعني بالمفهوم العملي أن الجامعة العربية
تعيش خريفها فيما أمينها العام لا يزال ينعم في فصل هو من أقصر فصول
السنة في بيئتنا العربية التي تلفها صحراء قاحلة؟
حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطري، ووزير الخارجية، يقول عقب
الهجومين الوحشيين اللذين شنتهما (إسرائيل) الملاذ الآمن له في رحلة
الاصطياف السنوي، على لبنان صيف 2006 وقطاع غزة عام 2008 ـ 2009 م: ''إن
على العرب أن يتوسلوا عند الولايات المتحدة الأميركية حتى يحصلوا على
مطالبهم أو جزء منها''. هذا هو الذي يدير الأمين العام للجامعة العربية،
وهذا هو النهج العروبي الجديد الذي (يجب) على باقي الدول العربية
الاقتداء به...
فإذا كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد حصل على جائزة نوبل
للسلام مستهجناً، لأنه لم يقدم شيئاً يستحق عليه هذه الجائزة العالمية،
ولكن كانت بمنزلة الأمر الملزم للقيام بالعمل ضمن الدائرة اللوبية
النشطة في الولايات المتحدة، وكهنة البنوك وأرباب المال والسلاح، فقطر
بحصولها على شرف استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022م لن يمر مرور
الكرام فهذا الكلام عليه علامات وعليه تتوقف التكهنات لتتحول لوقائع
أصبحت ملموسة في هذه الأيام... فها هو الدور الكبير لأوباما الذي لم
يستطع أن يغلق سجن (غوانتانمو) الذي صدع رؤوس المنتخبين في الولايات
المتحدة، وأيضاً لم يستطع أن يوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية
المحتلة، وما الفيتو الذي استخدمه بحق انضمام الدولة الفلسطينية للأسرة
الدولية إلا دليل دامغ على أحقيته بجائزة نوبل (للسلام).
فثمة توافق واتفاق تام بين قطر وإسرائيل على أن الهدف الأساس من
التحركات القطرية وما تقوم به الدوحة من تمويل للمؤامرات الإسرائيلية
والغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية هو تصفية القضية
الفلسطينية والعمل على تقسيم دول المنطقة بالشكل الذي يصب في صالح
إسرائيل ومساعدتها على تمرير برامجها ضد الفلسطينيين والعرب بالتعاون
والتنسيق مع الأتراك وحكام آل سعود الذين يقيمون أفضل العلاقات السرية
مع الكيان الإسرائيلي تمتد جذورها إلى ما قبل إنشاء هذا الكيان بسنوات
عديدة.
في كتابه ''قطر وإسرائيل ـ ملف العلاقات السرية'' اختار الدبلوماسي
الأمني الإسرائيلي سامي ريفيل الولوج إلى أسرار العلاقات القطرية من
بوابة القواعد الأميركية الموجودة في قطر والتي تعد عاصمة القواعد
الأميركية على مستوى العالم، جرى ذلك بعد انقلاب حمد على أبيه. وفي
هذا الكتاب يستشهد ريفيل بالتصريح الذي أدلى الأمير حمد لقناة ''ام بي
سي'' بعد ثلاثة أشهر من توليه الحكم بالقول، إن هناك خطة لمشروع غاز
بين قطر وإسرائيل والأردن. وطالب الأمير بإلغاء الحصار الاقتصادي
المفروض من جانب العرب على اسرائيل، ومن هنا كان المدخل لعلاقات سرية
بين قطر وإسرائيل. وفيما انبرى الحمدان باتجاه اسرائيل بعلاقة مفتوحة
على كل المستويات اقتصادياً وسياسياً وأمنياً كانت دول الخليج بشكل عام
والسعودية بشكل خاص تخشى من تسريب أي خبر عن لقاء مسؤولين اسرائيليين
وأي شكل من أشكال التعاون والتنسيق مع الصهاينة. ويؤكد سامي ريفيل
الذي شارك بنسج العلاقات بين البلدين أنه لولا حماسة حمد بن جاسم لما
توصلنا إلى هذه النتيجة. ويكشف الكاتب أن التوترات التي شهدتها
العلاقات المصرية القطرية تعود إلى الضغوط التي مارستها مصر لكبح جماح
قطر في علاقاتها المتسارعة مع إسرائيل حتى لا يؤثر ذلك على مكانة مصر
الإقليمية من الناحية السياسية وخوفاً من أن تفوز الدوحة بصفقة توريد
الغاز إلى إسرائيل بدلاً من مصر. ويكشف ريفيل عن الدور الكبير الذي
لعبته قطر في المغرب العربي وتشجيع دوله على الانفتاح نحو إسرائيل تحت
عناوين اقتصادية علنية وأمنية سرية. وفي هذا الإطار يتحدث الكاتب عن
تحريض قطري على السعودية والإمارات مستشهداً بالاتفاق القطري
الإسرائيلي لإقامة مزرعة حديثة تضم مصنعاً لإنتاج الألبان والاجبان
اعتماداً على أبحاث علمية تم تطويرها في مزارع إسرائيلية في وادي عربة
لأجل منافسة منتجات السعودية والإمارات.
وانطلاقاً من هذه المعطيات التي يقدمها الكتاب تظهر حقيقة الدور
القذر الذي يقدمه الحمدان خدمة للكيان الصهيوني دون رتوش خصوصاً أن هذه
الحقيقة جاءت عارية على لسان سامي ريفيل الذي لعب دوراً بارزاً في
الموساد الإسرائيلي لسنين طويلة.
أما ''لو كانار أنشيني'' فتنقل عن جهاز الاستخبارات الفرنسي قوله :
''إن قطر تقوم بتمويل الجماعات الإسلامية في أريتريا التي تتسلل إلى
أثيوبيا، إلى جانب تمويلها ـ عبر منظمات غير حكومية متعاطفة ـ
للمتمردين الذين يجوبون منطقة الساحل الأفريقي ونيجيريا''. وتضيف
الصحيفة: ''إن قطر تقوم بتوزيع الدولارات على الإخوان المسلمين وعلى
جماعات إسلامية متطرفة، وواشنطن لا تنزعج نهائياً من الدور الذي تلعبه
قطر ومن الدعم الذي تقدمه للإخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس وسورية
أو للإسلاميين المتطرفين من جميع المشارب بمن فيهم حركة طالبان
الأفغانية التي يقال إنها فتحت مكتباً سياسياً لها في الدوحة مما أعطى
انطباعاً بأنها مستعدة للدخول في مفاوضات مع الحكومة الأميركية
والحكومة الأفغانية. كما تتقاطع هذه المعلومات أيضاً مع ما كشفه
الخبير الأمني اليمني علي القرشي المتخصص في شؤون الأمن الساحلي والبحر
الأحمر في شباط الماضي حيث اعتبر أن التحركات القطرية المنسقة مع جهاز
الموساد الإسرائيلي في أريتريا تهدف إلى زعزعة استقرار اليمن والسعودية
والسودان كما حدث في الصومال. ويقول القرشي: ''إن الرئيس الأريتري
سافر سراً إلى قطر مؤخراً وأن ملايين الدولارات تصل من قطر إلى أريتريا
وأن الطائرة التي يتنقل بها الرئيس الأريتري هي هدية من قطر، كما تحدث
عن زيارة مماثلة لقائد القوات الأريترية محمد كركاري إلى قطر لنفس
الغاية''.
كل ما ذكر آنفا يعزز الاعتقاد السائد بأن المال القطري متورط بكل ما
تشهده المنطقة من أحداث دموية وتطورات وأعمال إرهابية تحاول إعادة رسم
خريطتها بأسلوب يناسب المصالح الصهيو أميركية، حيث كان لافتاً إلى حد
بعيد مدى تضخم الدور القطري وبما لا يتناسب مع حجم هذه الإمارة
الخليجية الصغيرة على حساب دول ذات وزن جيواستراتيجي أكبر بكثير، وهذا
ما يؤكد من جديد أن قطر باتت مجرد قاعدة أميركية وظيفتها الأولى الحفاظ
على أمن الكيان الصهيوني وتحسين صورة أميركا البشعة واستهداف قوى
الممانعة والمقاومة في المنطقة وعلى رأسها سورية.
وللأسف المأسوف عليه، فبدلاً من استيراد إستراتيجيات خاصة بالعرب،
مستندة على الرساميل العربية التي تضيع قيمتها في البنوك الغربية
والأميركية، نجحنا في استنساخ نموذج صغير يشبه إلى حد ما (إسرائيل)
وذلك لاعتبارات متشابهة لجهة صغر الحجم أولاً، ولأهداف مبهمة ثانياً،
وللدعم الأميركي والغربي لها ثالثاً وأخيراً. فهذا النجاح الذي يسجل
للغرب كيف سنكتبه نحن كعرب في صفحات التاريخ، وكيف ستدونه الأجيال في
مكتبات الثقافة... وإذا كانت (إسرائيل) تستخدم أشد الأسلحة فتكاً في
تثبيت عامل الرعب لجيرانها، فإن هذا المستنسخ الصغير (قطر) سلاحه
الإعلام والذي أطل علينا في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم بقناة (الجزيرة)
التي أدخلت زعماء الكيان الصهيوني إلى غرف نومنا وإلى مطابخنا،
وموائدنا ومتنزهاتنا وحدائقنا وحتى إلى رياض أطفالنا!!! والسؤال البسيط
الذي يطرحه كل مواطن عربي: ما حاجة قطر إلى هذه الماكينة الإعلامية
الضخمة، وهذه المؤسسة الإعلامية؟ وأين هو الحديث عن إعلام عربي مستقل؟
وهل تروج الجزيرة للصناعة أو الزراعة القطرية التي تغطي الكرة الأرضية،
أو للتعريف بتجارتها الخارجية وصادراتها أم لأكاديمياتها وصروحها
العلمية والجامعية؟... أم لنشر الثقافة القطرية...؟
لقد جانبت قناة الجزيرة الأهداف المعلنة لها وغابت عنها الحيادية
التي تدعيها عندما سارعت لإشعال النيران في المنطقة العربية بذريعة نشر
الديمقراطية، القادمة من وراء البحار والمحيطات، مروجة للتدخل بشكل
سافر في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، فلم تراع الحيادية
في نقلها للخبر، بل مارست التضليل الاعلامي والكذب المفضوح، فهي مغمضة
العينين تماماً عما يجري في البحرين، وما يجري في المنطقة الشرقية من
السعودية حيث الاحتجاجات اليومية، وهي غير معنية بما يجري في الخليج
وأنظمته الاستبدادية، وتتجاهل قتل الحريات العامة في السعودية، ولا
تقترب من صفقات الأسلحة لدول الخليج المقدرة بمئات مليارات الدولارات
والتي تبقى مخزنة في مستودعاتها في الولايات المتحدة وبريطانيا، وهي
صفقات إسمية ووهمية وعلى حساب المواطن الخليجي. ومقابل ذلك نجدها تسارع
للفبركة والتزييف واصطناع الأحداث، مساهمة في المخططات الغربية
الصهيونية التي تستهدف بلداناً عربية، عقاباً لها على مواقفها ورفضها
القبول بالإملاءات والخضوع، مصنعة الكذب في قوالب خاصة، وبدا دورها
المرسوم أكثر وضوحاً خلال الأزمة السورية. إنها وقائع ومعطيات وأرقام
ترد على ادعاءات الجزيرة، مظهرة حقيقتها كما هي وبلا رتوش.
يقول برنارد لويس في مقابلة مع ''وول ستريت جورنال'': ''إن العرب
بعد أن قاموا بتمرداتهم السياسية يجب أن يجدوا من الغرب كل ما يشجعهم
ويأخذ بيدهم إلى ما فيه البحث عن نموذجهم الثقافي والتاريخي الخاص في
الحكم والممارسة السياسية، أما النموذج الغربي القائم على التجربة
الأنغلو ـ سكسونية في الانتخاب والنظام البرلماني فهو ليس لهم على
الإطلاق، وعلى الأقل يجب أن يمروا بمراحل تدريجية حتى يصلوا إلى مرحلة
الاندماج في عملية الانتخاب وأدائها بشكلها المطلوب. يوجه هذا المستشرق
الذي أدى دوراً في توجه جورج بوش لغزو العراق بعد أحداث سبتمبر النداء
تلو النداء إلى باراك أوباما بنبذ فكرة تطبيق الديمقراطية الغربية في
بلدان (الربيع العربي)!!!
لقد أعطى الغرب العرب من ديمقراطية حتى الآن ما يلائم انقساميتهم
وتشرذمهم الداخلي، وما يعزز حالة الفوضى الشاملة التي قادت إليها ثورات
الربيع بعد انهيار المؤسسات العامة. وليست هذه حالة عامة تقود إلى
الديمقراطية، بل هي مقدمات إلى تقليص الخيارات الديمقراطية أمام الشعوب
وفرض متطلبات الأمر الواقع عليها، وهي متطلبات مثل الأمن والغذاء
والسلامة من استحقاقات مستقبلية يرهبها ويخشاها الجميع. إنها
الديمقراطية المؤسسة على الخوف وعلى محدودية الخيار الذي يفرضه الخوف
الذي توضع في إطاره المجتمعات، وذلك كي توضع هذه المجتمعات في اتجاه
الاختيار الذي لا يشكل إزعاجا للغرب!!
أراد الغرب من قطر، كياناً شبيهاً بـ(إسرائيل) فإن كانت هذه
الأخيرة تعتبر حاملة الطائرات للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن
قطر لديها أكبر قاعدة عسكرية لأميركا، فالتشابه يطاردنا في كل سطر وفي
كل كلمة... فالمطلوب وجدانيا من قطر أن تقاوم هذا الدور، وتعود إلى
الحضن العربي، وأن تعمل بهذه الإمكانات الهائلة لمصلحة العرب وليس
العكس، وأن تجعل قناة (الجزيرة) بسمعتها الكبيرة في خدمة الأمة
الإسلامية والعربية لا كما الحجر الذي يسقط في قارورة البيبسي كولا
فتفور، فيصل فورانها إلى حد السقوط على الأرض. لكن الأمير حمد ومع
فصائل الحمامدة من حوله، وهو يواصل تطلعاته وسادية عملقته على حساب
الدم العربي واضعاً المنطقة على صفيح ساخن قد آن له أن يدرك أن جزيرة
قطر ستنوء بحمل مشاريعه، وأنها لن تنجو من الحرائق التي يشعلها في
الخليج وسوريا الناهضة بقيامتها الجديدة لتقلب السحر على الساحر، لن
ينجو حمد ولا إماراته عندما يتداعى الدومينو، ولاسيما الخليجي منه لأن
المثل الإنكليزي يقول: (إذا دفعتني يا جاك من الأرجوحة سأجرك معي).
وإذا كانت قطر اليوم تتغنى بما يسمونه (الربيع العربي) فإن (الربيع)
الحقيقي آت إليهم لا محالة، إن لم يكن اليوم أو غداً فبعد حين، وعندها
سيدركون الثمن الباهظ جداً الذي سيدفعونه، ولكن القطار يكون قد فاتهم
في وقت لا ينفع معه الندم. ولا يظننّ أحد أن الولايات المتحدة ستدافع
عنه أو عن عرشه، وأن القواعد العسكرية الأمريكية ـ البرية والبحرية ـ
سيتم استنفارها لمنع قدوم ربيع العرب الخليجي الحقيقي الذي سيعيد للشعب
القطري حقوقه المنهوبة والمسروقة الموجودة في المصارف الأمريكية
والغربية الاستعمارية. على هؤلاء التابعين لأمريكا وللصهاينة أن
يتعظوا من تجارب التاريخ البعيد والقريب، وأن يتذكروا الدروس العديدة
التي قدمتها الشعوب، وتالياً، ينظرون إلى الطريقة التي تعاملت الإدارات
الأمريكية المتعاقبة معها وكيف تخلت عمن كانوا يظنون أنفسهم أهمّ حلفاء
أمريكا المدللين من فييتنام إلى إيران (الشاهنشاهية) وصولاً إلى الأمس
القريب جداً، عندما تخلت واشنطن عن الرئيس التونسي أولاً ومن ثم عن
حسني مبارك الذي عده بنيامين نتنياهو (الكنز الاستراتيجي لإسرائيل).
في مقال نشر في شباط الماضي بعنوان: ''هل سيطيح الأمير بملك
السعودية؟!''، أشار الصحفي والكاتب الفرنسي (جيل مونييه) إلى أنه ليس
لرغبات أمير قطر حدود أخرى سوى تلك التي يحددها له الناتو: بعد ليبيا
وسورية، سوف يهاجم موريتانيا، وينتظر الوقت المناسب كي ينقض على
السعودية، ويرى الكاتب أن الاضطرابات الخطيرة التي تهز السعودية منذ
تسعة أشهر، يبدو أنها تؤكد توقعات وزير خارجيته ورئيس وزرائه حمد
الثاني، عندما لمح بأن الملك عبد اللّه بات عاجزاً عن إدارة البلاد.
وحسب علي الأحمد، مدير معهد شؤون الخليج، فإن الحمدين يغازلان أعضاء
العائلة الحاكمة في السعودية، بغية تكرار السيناريو الليبي فيها،
واحتلال الأراضي التي أجبروا على التنازل عنها لصالح آل سعود، ولا مانع
من السيطرة على حقول النفط فيها إذا أمكن الأمر، وسوف يستغلان حركة
الاحتجاجات في مناطق متعددة لتسديد ضربتهما، والقيام بانقلاب على غرار
ذلك الذي نفذه حمد الصغير للإطاحة بوالده في عام 1995، ليس أمراً
مستبعداً... فطموحاته الحربية، لا تتوقف هنا، بل ستطال المغرب أيضاً،
هذه المعلومة قدمتها مؤخراً مجلة صحيفة لوكانار انشينية الفرنسية، التي
أشارت إلى أن قطر ركزت عينها على ثروات الساحل الباطنية، ''ثمة مباحثات
سرية تجري مع العملاق النفطي الفرنسي توتال لاستثمار نفط منطقة أفريقيا
مستقبلاً...''، حسبما أشارت المجلة، وبمعنى آخر، حمد الصغير يفكر بغزو
الساحل، ولكن عليه أن ينتبه: هذه الصحراء تشكل خطراً كبيراً!!..
ولا نعتقد بأن أمير قطر بطلّته البهية أو الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني
بقوامه الممشوق وخصره النحيل وقدّه المياس، أو أي ملك أو أمير أو شيخ
أو حاكم، لا نعتقد بأن هؤلاء أهم من بن علي أو مبارك أو الشاه وغيرهم
من حكام سادوا ثم بادوا، ورفضت الولايات المتحدة استقبالهم على أراضيها
حتى للعلاج... والتاريخ حافل بالأمثلة التي يصعب تعدادها، فهل يتعظ
حكام قطر قبل فوات الأوان أم أنهم راسبون في دروس التاريخ والسياسة
كرسوبهم في دروس الحياة والعروبة والأخلاق...؟! |