في العراق... لا حاجة للسكّر

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل اتصال مع صديق، يبدأ بهذا السؤال الكلاسيكي جدا: شكو ماكو، وكل جواب يبدأ بشكل كلاسيكي ايضا: سلامتك ماكو شيء.

ثم كيف حالك، صحتك، مزاجك، وتكر سبحة الشكاوى والالام. اشعر بالضجر، بالملل، حزين هذه الايام، متوتر الاعصاب، اكره صاحب المولدة، يغضبني سائق الكيا، اشعر بالإنهاك لأي جهد ابذله... هل لديك كبسولة للصداع، للرشح، لألم الاسنان، لألم المعدة، لآلام اخرى؟

اعطيه باندول، باراسيتول، تتراسايكلين، عليك بزيت القرنفل، لألم الاسنان، اشرب ماء الشعير (باربيكان) او اي ماركة اخرى، ايرانية او سعودية او اماراتية، فماء الشعير لا يعرف المذاهب وهو يعالج الصداع ويرقق الدم.

(ضوجة) بالدارجة العراقية، تعني الضجر والملل، لا شيء جديد في افق حياتنا، راكدة ايامنا كركود عقول الساسة العراقيين الذين يقودوننا الى حتوفنا المبتكرة في انواع الحتوف والمفارقة لانواع اخرى كنا نعرفها قبل سنوات طويلة. فالحتف لا يعني الموت المادي بالضرورة.

اقرأ... لا تعجبني القراءة، تسبب لي الصداع.

مارس هواية بسيطة... ليست لدي هوايات.

سافر... لا املك ترف السفر.

تمشى في الطرقات او الاسواق... اشعر بالتعب.

ماذا افعل لك كي تستريح من هذه (الضوجة).

حسنا... ما رايك ان تتزوج ثانية؟

ياريت...

منذ ان تخرج من منزلك في الصباح الباكر، وانت ترتدي قناع العبوس والتجهم على صدرك، لامعنى للابتسامة التي ربما نسيتها منذ الليلة السابقة وانت تنظر ببلاهة الى شاشة التلفاز تشاهد وادي الذئاب او حريم السلطان، ربما نسيتها على اطراف جهاز الموبايل في حديث متأخر مع صديق هو الاخر نسي ابتسامته.

او ربما نسيت ابتسامتك، في مطبخ المنزل وانت تعد صحن العشاء بنفسك، او ربما غادرتك الابتسامة في اثناء صراخ الاطفال وصياحهم.

انت تسير مسرعا، لقد تأخرت، والازدحام المروري عند مفترق كل طريق. كل موقف تصادفه مدعاة للتجهم والعبوس اكثر فاكثر.

وتلك تستدعي اشياء اخرى تعتمل في الجسد السائر ونفسه. الحزن والاجهاد والغضب والالم الجسدي والقلق، كل المشاعر السلبية موجودة داخل كل منا، وخاصة نحن العراقيين، كما بيّن ذلك مؤشر معهد غالوب للمشاعر السلبية حيث ذكر ان الناس الذين يعيشون في العراق والاراضي الفلسطينية والبحرين من اكثر شعوب العالم احساسا بالغضب والاجهاد والالم الجسدي.

واظهر المؤشر ان العراق جاء في المرتبة الاولى مسجلا 59 نقطة وحلت الاراضي الفلسطينية بالمرتبة الثانية بفارق كبير حيث سجلت 43 نقطة وجاءت البحرين ثالثا حيث حصلت على 41 نقطة.

وبين المؤشر الى ان الناس الذين يعيشون في العراق، والاراضي الفلسطينية، والبحرين، وعدد من بلدان الشرق الاوسط انها من المرجح ان تكون من بين اكثر بلدان العالم لجهة معاناتها المشاعر السلبية على اساس يومي. واجرى المعهد المسح في العام 2011.

ويبني المؤشر نتائجه على تقارير يجريها على مشمولين بالمسح بشان شعورهم بالغضب والاجهاد والقلق والحزن والالم الجسدي، وهو الاعلى في العالم. ونتائج المؤشر قائمة على مقابلات اجراها معهد غالوب في 148 بلدا في العام 2011. وسجل العراق اعلى النقاط في العالم عاكسا تصاعد المشاعر السلبية في العام 2011، كما سجل السكان المستطلعون مستويات مقاربة من الحزن والاجهاد والغضب والالم الجسدي والقلق.

العام 2011 لم يمض على تشكيل الحكومة الا اشهر قليلة وبدأت الصيحات والاعتراضات والمماحكات، وسلسلة احداث اخرى مثل:

مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري يعود إلى العراق بعد غياب دام أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة بعد أن اتفق تياره على الانضمام إلى الحكومة الجديدة.

وماذا غير ذلك؟

في الـ 25 من شهر شباط شهدت ساحة التحرير وسط بغداد اكبر تظاهرة شعبية احتجاجا على سوء الخدمات والقوات الامنية تصطدم مع المحتجين وتستخدم القوة.

في السابع من شهر آذار انسحاب سبعة اعضاء من القائمة العراقية وتشكيلهم كتلة العراقية البيضاء بزعامة النائب حسن العلوي.

في السادس من شهر نيسان الكويت اعلنت عن مباشرتها بإنشاء ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان القريبة من السواحل العراقية، وفي الثامن من الشهر صدامات بين قوات امنية عراقية وعناصر منظمة مجاهدي خلق الايرانية توقع قتلى وجرحى بين الطرفين.

الى غيرها من احداث سياسية وحوادث امنية تتحول فيها الاجساد والارواح البشرية الى مجرد ارقام واوقات لملأ زمن البث الفضائي.

ايها العراقي، حفيد جلجامش وحمورابي، هل لازلت كما انت تعاني الحزن والاجهاد والغضب والالم الجسدي والقلق؟

خذ لك كيت كات... خذ لك بريك، وعد الى كتاب دع القلق وابدأ الحياة لكارنيجي، وهو كتاب كنا قراناه في سنوات مراهقتنا. هل ابوح لك بسر؟ لم نستفد من الكتاب شيئا.

خذ لك باندول او باراسيتول او اي مسكن للآلام من تلك العائلة الدوائية الكريمة، منك وفيك يبتدأ المرض، وتبدأ المشاعر السلبية وتنمو، لاتدع لها فرصة للازدهار في روحك وجسدك، ارادة التغيير هي الخطوة الاولى، علّم اقدامك عليها... ولن تخسر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/حزيران/2012 - 4/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م