لا يأتي يوم لا يُذكر فيه اسم الحسين؛ فالخلود في وثاقه دائماً ولكن
العتب يأتي لمن يتخذ الحسين بضاعة ومغنماً يسترزق منه على حساب القيم
والمبادئ، فالحسين ليس سلعة تباع وتشترى، الحسين جوهرة تكن في القلوب
ويُبذل من أجلها الغالي والنفيس.
المتملقون يعرفون الطريق لكسب الملق والتملق، فهل يحتاج الحسين لهم؟!
الحسين لا يزال فاتح الذراع يستقبل أنصاره؛ ولكن بالكيفية التي يريدها
هو لا ما نريدها نحن، أي على شاكلته لا على شاكلتنا، البعض يقضي وقته
في الرهبنة في وقت يعز فيه النفير، وآخر يخلط غمد الحسن بسيف الحسين،
هل ينفع أن تصلى صلاة العشاء بعدد ركعات صلاة الصبح؟!، والعكس لا يكون،
الحرفية مطلوبة أحياناً ولكن الفقاهة لا يمتلكها إلا القليل، فالحسين
خرج من حرم الله عكس الموجة رغم كونه أمير الحاج، الظرف له معادلاته؛
لهذا اختلفت أدوار الأئمة، والعالم الحقيقي هو الذي يعرف متى يُحمل
الناس مسؤولية الجهاد، ومتى يخمد نيران الفتنة؟!
المرجعية التي نمتدحها هي تلك التي تسير وفق منهج آل محمد، فهي
الحصن والأمان، أما من عارض الطريق وإن اتسعت الألقاب السامقة، فالجوزة
تبقى جوزة وإن غازلها الناس دلعاً باسم "جوهرة" !!
الذكاء والمكنة لوحدها لا تكفي، ولهذا كان يصرح علي (عليه السلام):
" لو شئت لا هتديت الطريق الى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائجة
هذا القز ولكن هيهات ان يغلبني هواى ويقودني جشعي.."
العقل يجب أن يكبح جماح الأهواء والشهوات، فالثبات على المنهج درس
نتعلمه من السادة الأطهار، فالعلم لا يُرتضع إلا من عالم رباني، حتى لا
يكون العلم زخرفاً نظنه نوراً وما هو إلا الظلام، ومن يغرق في الغسق
عليه أن يٌفتش عن شمعة الهداية ليصل إلى طريق الجادة.
فالانتكاسة التاريخية الفاضحة التي خولت (يزيداً) إماماً للأمة
وخليفة مطاعاً للمسلمين، ذاتها تنقش اليوم وفي كل زمن، فلنقرأ الحسين
ببصيرة القلوب قبل باصرة العيون، خرج الحسين ليوقد المصابيح (مصابيح
الهدى) التي جاءت بها السماء وطمسها الفراعنة والطغاة، ذلك (المُلك
العضوض) استنكره ابن الرسالة : " ومثلي لا يباع مثله "، ولم يخشى في
الله لومة واحدة إذ خاطب السيوف أن تأخذه ما لم يستقم دين محمد، وسار
رافعاً راية الإصلاح ليعري حقيقة المجرمين وشاربي الخمور ومرتكبي
الفجور، وصرخ صرخته الهاشمية الشهيرة : " تهددني بالموت أنت أم هو؟!"
ليُعلم الثوار طعم الاستهانة بالمنايا في طريق ذات الشوكة.
من ابن فاطمة نتعلم درس المقاومة والصمود : (الموت لنا عادة
وكرامتنا من الله الشهادة) مبدأ تربى عليه ولا يحيد عنه، فهل ينزل على
حكم بني عمه والفسق مشربا لهم يكرعون منه ليلاً ونهاراً؟!، أكثر من كان
حاضراً في كربلاء بهائم مربوطة لا هم لهم غير العلف؟!، ولهذا أيقظ
الملايين بدمائه الزكية الطاهرة التي سُفكت ظلماً وجوراً، لم يقدم يد
الاستكانة والاستسلام رغم كونه وحيداً فريداً لا ناصر له غير بكاء
الثكلى وعطش الأكباد الحرى، هكذا سطر ملحمته الخالدة ليعلم الأحرار أن
لا وحشة في طريق الحق وإن قل النصير وإن كان غير معبداً.
مضى الحسين شهيداً خالداً وقبته اليوم تنافس السحاب يقصده العاشقون
من كل مكان وإن قطعت منهم الأيدي والأعناق وكانوا أشلاءً لعملية
إرهابية مقيتة. |