القائد الاسلامي ورعاية مصالح الشعب

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الشخصية القيادية لها تأثيرها الكبير في ادارة شؤون الناس والدولة معا، ولا ينحصر هذا الامر في الانظمة الفردية أو اللاديمقراطية، بل حتى في الانظمة التي تتمسك بالانتخابات طريقا لها لتداول السلطة، أي الانظمة الاستشارية (الديمقراطية) فإن طبيعة الشخصية القيادية وصفاتها وافكارها وسلوكها، تترك بصمتها في الدولة من حيث التطور في السياسة والاقتصاد والتعليم  وما شابه، صحيح لأن النظام الديمقراطي تحكمه مؤسسات الدولة، وهناك صلاحيات دستورية محددة للقائد يدير شؤون الدولة وفقا لها، ولكن تبقى خصوصية الشخصية القيادية وطبيعتها حاضرة في القرارات التي تصدر عن القائد السياسي في هذا المجال أو ذاك.

حضور الجانب الانساني

لذلك دائما هناك حس شخصي للقيادة، يشبه تقديرات القضاة في تهمة او قضية معينة، إذ ليس هناك معايير دقيقة للبت في هذا الامر او ذاك، لذا فالقائد السياسي له تأثيره الكبير في الآخرين تبعا لحسه الانساني وقدراته على تحكمه بأهوائه ورغباته وميوله النفسية أو سواها، لذا ينبغي حضور الجانب الانساني في شخصية القائد، كونه يشكل دافعا مهما لخدمة الدولة والمجتمع.

في كتاب (من عبق المرجعية) يؤكد سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسني الشيرازي (دام ظله)، قائلا في هذا المضمار: (إحدى خصال الإمام عليّ سلام الله عليه خاصة في فترة خلافته، تعاطفه مع الناس، ويتجلّى تعاطفه مع أفقر الناس من خلال عمله).

إذن فقضية تعاطف القائد مع الناس عموما، والفقراء منهم على وجه الخصوص، تشكل بصمة خاصة يتصف فيها هذا القائد او ذاك، وهي لا ريب تصب في صالح الطرفين الحاكم والمحكوم، وتؤكد بما لايقبل الشك، أن القائد الانساني لا يفضل نفسه على شعبه، ولا تهمه مصالحه او منافعه أكثر من شعبه، ولا يسمح قط للسلطة أن تؤثر عليه، بل هو دائما من يتفوق على سحر السلطة فيزهد بها وبالحياة المترفة اذا كانت على حساب الشعب، من هذه الرؤية الانسانية العميقة ينطلق الامام علي عليه السلام وهو القائد الاعلى للدولة الاسلامية، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا الخصوص بالكتاب المذكور نفسه: (لم يضع الإمام عليّ سلام الله عليه حجراً على حجر، ولم يسكن قصراً فارهاً، بل تحمّل كل المصاعب والآلام لئلا يكون هناك فرد في أقصى نقاط دولته يتبيّع بفقره لا يجد حتى وجبة غذاء واحدة تسدّ رمقه).

السلوك القيادي في الحرب

لا يقتصر الجانب الانساني للقائد على ادارة شؤون الحياة في السلم فقط، بل تظهر صفات القائد ونزوعه الانساني حتى في حالة الحرب، ويتعامل مع عدوه وفق الضوابط التي تحترم كرامة الانسان حتى لو كان عدوا، وهذا ما كان يتميز به قائد الاسلام العظيم الامام علي عليه السلام، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في الكتاب نفسه: (كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يدفع من ناهضه وبارزه بالنصح والموعظة ما أمكن, وكان يسعى للحؤول دون وقوع الحرب وإراقة الدماء، سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية أو غيرها.. ولكن إذا وصل الأمر بالطرف الآخر أن يهجم ويريد القتال قام الإمام سلام الله عليه بدور الدفاع لا أكثر، ولكن ما أن يتراجع الخصم أو ينهزم حتى يتوقّف الإمام عن ملاحقته ولا يسعى للانتقام منه، وهو سلام الله عليه لم يبدأ أحداً بقتال أبداً، وهذا الأمر مشهود في تاريخ الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه).

وكانت هناك معايير انسانية يلتزم بها القائد الانساني في الحرب، هدفها الحفاظ على كرامة الانسان وانسانيته بغض النظر عن كونه عدوا او صديقا، لهذا كان قائد الدولة الاسلامية الامام علي عليه السلام حريصا على الجانب الانساني في ذاته، لذلك لم يقم الامام بخطوة واحدة تتجاوز على الانسان حتى لو كان عدوا، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (لم يأسر الإمام عليّ سلام الله عليه من أعدائه حتى فرداً واحداً، ولا صادر أو سمح لأصحابه بمصادرة أي شيء من أموال خصم).

المساواة والزهد بالسلطة

ما نلاحظه اليوم لاسيما لدى قادة الدول الاسلامية والعربية، تشبثهم المستميت بالسلطة، فما أن يصل الكرسي حتى ينشدّ إليه بقوة مستميتة قد تصل الى قمع وقتل وتشريد ونفي الصوت المعارض له، والسبب هو حب السلطة، بسبب امتيازاتها والجاه الذي تغدقه على القائد ناهيك عن النفوذ وما شابه، لكن هذا الامر لم ينطلِ على الامام علي عليه السلام، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه رفض وفضل أن تخرج الخلافة من قبضته...لا... بل فلتذهب الدنيا كلها ويصبح العالم كلّه ضده، ولا يتخلّى عن مبادئه). ويدعم هذا الزهد بالسلطة مساواة القائد الأعلى بين الجميع كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عادلاً في الرعية، قاسماً بالسوية، وزاهداً في حطام الدنيا). ونقرأ ايضا مثالا عن سياسية قائد المسلمين حيال الرعية كما أورده سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه إذ يقول: (روي في أحوال الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، أنه خلال الأربع سنوات وبضعة أشهر، وهي مدّة حكومته الظاهرية سلام الله عليه، حدث أمر لمرّة واحدة فقط، لم يذكر التاريخ غيره، ولا يوجد في سائر الكتب ما يشير إلى أن تلك الحادثة تكرّرت في زمان حكومة الإمام سلام الله عليه. تقول الرواية: إنه ذات يوم كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يجتاز في أحد شوارع الكوفة, فرأى شخصاً يتكفّف، فقال: ما هذا؟ فأجابه بعض من لا يعرف حقيقة الإسلام، قائلاً: هذا نصراني.. قد هرم وصار لا يقوى على العمل، فهو يتسوّل!! وربما تصوّر ذلك المجيب أن الأمر يختلف عند الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، إذا كان المتسوّل غير مسلم، والحال أنه في القانون الإسلامي لا يختلف الأمر من هذه الجهة.. والناس اليوم لا يعلمون هذه القضايا، وقد لا يصدّقون بها، وسيقولون: فلماذا المسلمون اليوم ليسوا على هذه الشاكلة؟! فجعل الإمام أمير المؤمنين يلوم أصحابه على ما رأى من حال ذلك النصراني، وقال: «استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال).

ولذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (إنّ إسلام الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، يعني الإسلام الصحيح؛ أي إسلام القول والعمل، وليس إسلام الاسم فقط). وهذا ما ينبغي على قادة المسلمين اليوم، الإمتثال والتشبّه به، وذلك من اجل خدمة الناس على الوجه الأفضل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/حزيران/2012 - 30/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م