مصر... اقتصاد مبتلى بالفساد السياسي

 

شبكة النبأ: اسهمت الاوضاع السياسية المتقلبة في مصر بتردي الاوضاع الاقتصادية لهذا البلد الذي يعاني العديد من المشاكل المتراكمة بسبب سوء الادارة وازدياد معدلات الفقر والبطالة التي اثرت بشكل سلبي على مسيرة الحياة اليومية للمواطن المصري، ويرى العديد من المراقبين ان ما تشهده الساحة المصرية اليوم من تجاذبات وخلافات سياسية وحزبية يمكن ان يؤدي لحدوث كارثة اقتصادية قد تقود البلاد الى الهاوية، وفي هذا الشأن فقد تسبب قرار حل البرلمان المصري الذي انتخب بعد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك في العام الماضي في انزعاج المستثمرين الذين يخشون أن تنزلق مصر بسرعة الان صوب أزمة في ميزان المدفوعات وانهيار عملتها. وعلى مدى 16 شهرا منذ انهيار حكم مبارك الذي استمر 30 عاما ثبت النمو في مصر صاحبة أكبر اقتصاد في شمال افريقيا على مستوى متدن وتقلصت احتياطيات البلاد من النقد الاجنبي إلى النصف مما أضعف قيمة الجنيه المصري وأربك الدائنين الخارجيين الذين يستحق على مصر سداد ستة مليارات دولار لهم على مدى 12 شهرا مقبلة وفق بيانات بنك أوف أمريكا ميريل لينش.

وكان أصحاب الاستثمارات المحتملة يتطلعون إلى انتخابات الرئاسة للخروج من المأزق السياسي وتمهيد الطريق أمام المساعدات والتمويل. إلا أنهم فوجئوا بقرار المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان والابقاء على أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك في سباق الرئاسة. وقد تسببت التوترات السياسية في تأخير المساعدات من صندوق النقد الدولي وابعاد المستثمرين الأجانب وضعف حركة السياحة. وفي الوقت نفسه تضخم العجز في ميزان المدفوعات المصري إلى 11 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية 2011-2012 أي أكثر من مثلي مستوياته في العام الماضي.

وقال جان ميشيل صليبة خبير اقتصاد الشرق الاوسط لدى بنك أوف أمريكا ميريل لينش "من الصعب توقع أن يتشكل توافق سياسي وفي غيابه من الصعب توقع كيف يمكن الحصول على دعم لسد الاحتياجات المالية الخارجية." وأضاف "في الوقت الحالي لا يوجد برلمان ولا دستور ولا رئيس." وأدت أنباء قرارات المحكمة الدستورية العليا إلى ارتفاع تكاليف التأمين على ديون مصر إلى أعلى مستوى منذ ثلاث سنوات أي أن المستثمرين يضطرون لدفع مبالغ أكبر للتأمين على استثماراتهم في ديون مصر مما اضطرتهم إليه الانتفاضة التي أطاحت بمبارك.

وقررت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني خفض تصنيفها للديون السيادية على مصر درجة أخرى وأبرزت احتمالات اتخاذ قرارات أخرى مماثلة خلال فترة تتراوح بين 12 و18 شهرا مقبلة. وقال ريتشارد فوكس رئيس قسم تحليلات الديون السيادية في فيتش للشرق الاوسط وافريقيا "أيا كانت النتيجة النهائية للأحداث (في مصر) فإن العملية السياسية وعملية وضع السياسات تعقدت مما يرجيء التطبيق المحتمل للإصلاحات الاقتصاد الكلي الشاملة والاصلاحات الهيكلية الضرورية لدفع الانتعاش وتخفيف الضغوط التمويلية."

لكن أغلب الأجانب خرجوا بالفعل من السوق المصرية. ويقدر صليبة أن ما يملكه غير المقيمين من أذون الخزانة المحلية انخفض الى 300 مليون دولار من أكثر من عشرة مليارات في ديسمبر عام 2010 كما أنه يقدر انكشاف الاجانب بصفة عامة في سوق الاسهم بمبلغ ثلاثة مليارات دولار. ومن الغريب أن الاسهم المصرية كان أداؤها متألقا هذا العام إلا أن من المعتقد أن جانبا كبيرا من المكاسب التي تحققت وبلغت 20 في المئة يرجع إلى المستثمرين المحليين.

ويقول أوليفر بيل مدير المحافظ لدة تي راو برايس إنه لم يمتلك أي أسهم مصرية منذ بداية عام 2011. ويقول "كان الناس يأملون أن تسفر الانتخابات الرئاسية بغض النظر عمن يفوز فيها عن زعيم يستطيع صندوق النقد الدولي أن يتحدث معه. والان فإن كل ما حدث يؤخر بدء عودة الاستثمار الاجنبي الحقيقي للبلاد." ولا يرى بيل وغيره من المستثمرين حافزا يذكر للاستثمار في مصر. وإذا ما نحينا السياسة فإن المستثمرين يشعرون بالانزعاج لتباطؤ الاقتصاد على النقيض من النمو السنوي الذي بلغ في المتوسط ستة في المئة في سنوات ما قبل أزمة انهيار بنك ليمان براذرز. ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الاجمالي هذا العام بنسبة اثنين في المئة فحسب.

وتراجع الاستثمار الاجنبي المباشر إلى العشر عما كان عليه قبل عام حسبما اظهرت بيانات حديثة.

وبالنسبة للمستثمرين في الاسهم والسندات فإن قدرا كبيرا من الخوف يرتبط بالعملة. فأسواق المعاملات الآجلة تتوقع تخفيضا بنسبة 30 في المئة في قيمة الجنيه المصري خلال السنة المقبلة مع بلوغ الاحتياطيات أدنى مستوى ممكن لها. وباستبعاد الذهب تزيد الاحتياطيات الان قليلا على 12 مليار دولار أي ما يغطي الواردات لفترة ثلاثة أشهر فحسب. ورغم أن دولا خليجية عرضت بعض المساعدات بما فيها قيام المملكة العربية السعودية بإيداع مليار دولار لدى البنك المركزي فإن المستثمرين يقولون إن أثر هذا الدعم قد يكون مؤقتا.

وأضاف بيل "سيحدث شكل من أشكال خفض قيمة العملة فالدفاع عن العملة يزداد صعوبة. وإذا انخفضت سوق الاسهم وتراجعت قيمة العملة فسيكون الاثر شديدا." وقد لا تكون اللحظة الحاسمة في الازمة بعيدة إذ أنه سيتعين على مصر في شهر يوليو تموز أن تسدد سندات دولارية يستحق أجلها بقيمة مليار دولار وأن تسدد ديونا لدول نادي باريس للحكومات الدائنة بقيمة 700 مليون دولار. ويقول كيران كيرتس مدير المحافظ لدى أفيفا انفستورز والذي يمتلك سندات مصرية سيستحق أجلها في يوليو إن من المستبعد أن تتخلف مصر عن السداد. بحسب رويترز.

لكنه سعى للتحوط من انكشاف استثماراته على الجنيه المصري لأن شروط السندات تنص على أن السداد قائم على سعر الصرف. وقال كيرتس "لان قيمة المدفوعات مرتبطة بالجنيه فإغراء خفض قيمة العملة قوي" مضيفا أنه ليس لديه استثمارات أخرى في مصر. وتابع "أرقام الاقتصاد الكلي ليست في صالح حامل السندات ولذلك فإن اقترانها بالموقف السياسي ليس وضعا نحب أن نزيد فيه" الاستثمارات.

تخفض تصنيف مصر الائتماني

من جانبها اعلنت وكالة فيتش للتصنيف الائتمائي خفض تصنيف مصر الائتماني بالعملات الاجنبية من "بي بي-" إلى "بي+" بسبب الغموض السياسي الذي يخيم على مستقبل البلاد، مع نظرة مستقبلية سلبية. وقالت الوكالة في بيان ان تصنيف مصر بالعملة المحلية خفض من "بي بي" إلى "بي+" كذلك، موضحة ان قرار المحكمة الدستورية العليا الغاء الانتخابات التشريعية وحل مجلس الشعب يعزز حالة الغموض التي تشهدها المرحلة الانتقالية في مصر.

وقال ريتشارد فوكس مسؤول مكتب الشرق الاوسط وافريقيا لدى فيتش "ايا كانت نتيجة هذه الاحداث، فإن عملية رسم السياسات تبدو معقدة وهذا ما سيؤخر تطبيق الاصلاحات الاقتصادية الكلية والهيكلية الضرورية لبدء عملية الانتعاش الاقتصادي وتخفيض الضغوط المالية التي ترزح تحتها مصر". وبدت عملية الانتقال الديموقراطي في مصر مهددة بشكل كبير الجمعة غداة ابطال المحكمة الدستورية نتائج انتخابات مجلس الشعب التي فاز فيها الاخوان المسلمون الذين يواجه مرشحهم للانتخابات الرئاسية محمد مرسي السبت احمد شفيق احد وجوه النظام السابق الذي ينظر اليه كرجل المجلس العسكري الحاكم.

ووصف الاسلاميون والقوى السياسية المنبثقة عن التيار "الثوري" قرار المحكمة الدستورية إبطال نتائج الانتخابات التشريعية بسبب عدم دستورية القانون الانتخابي الذي جرت بموجبه، بانه "انقلاب" حقيقي دبره الجيش. وقالت فيتش انه، قبل الاحداث الاخيرة "اظهر الوضع الاقتصادي بعض علامات التحسن مع ارتفاع الاحتياطيات من العملات، بشكل خاص، بصورة طفيفة في نيسان/ابريل وايار/مايو بعد تراجعها بشكل كبير على مدى عدة اشهر".

واعتبرت انه "على اي حال فان الحاجة الى اعادة تنظيم انتخابات برلمانية ستؤدي اقله الى تأخير تشكيل هيكلية جامعة وفاعلة للحكومة. لا تزال ردود الفعل الشعبية على قرار حل البرلمان غير واضحة في هذه المرحلة". وقالت انه "رغم ان الحكومة الحالية التي عينها المجلس العسكري ستبقى قائمة في الوقت الحالي، فانه سيحتاج الى ايجاد ترتيب فاعل مع الرئيس الذي سيفوز في الانتخابات (..) هذا سيشكل عنصرا اضافيا للمعادلة السياسية المعقدة اصلا في مصر. وفي هذه الاثناء ستتأخر اعادة صياغة الدستور وبنتيجة ذلك لن تكون صلاحيات الرئيس الجديد واضحة ولا مدة ولاية اي برلمان جديد". بحسب فرنس برس.

وقالت الوكالة ان "تصنيف مصر سيبقى تحت ضغط سالب حتى يتم حل الغموض السياسي وتمسك حكومة فاعلة بزمام الامور ويتم تبني برنامج اصلاح اقتصادي". واعتبرت ان "اندلاع العنف السياسي الذي سيجعل فترة الانتقال الى وضع سياسي مستقر اطول او غامضة او غير قابلة للنجاح، سيؤدي الى مزيد من التخفيض في التنصيف". كما ان التخفيض "يمكن كذلك ان يتقرر في حال تبين ان حالة الاستقرار السياسي الممتدة ستفرض المزيد من العبء على الاقتصاد". وفي المقابل، قالت الوكالة ان "تشكيل حكومة مستقرة قادرة على التركيز على اتخاذ قرارات اقتصادية وهيكلية حاسمة، بما في ذلك التقدم لابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، سيساعد في جعل التصنيف مستقرا".

صندوق النقد الدولي يدعو

من جانبه دعا صندوق النقد الدولي مصر الى "التطلع ابعد من المدى القريب" في وقت توقفت فيه المحادثات بين الصندوق ومصر حول قرض بسبب العملية الانتخابية. وقال مدير صندوق النقد الدولي لشمال افريقيا والشرقين الادنى والاوسط مسعود احمد في مقابلة نشرها موقع الصندوق على شبكة الانترنت "من الواضح ان هناك مجموعة من المشاكل على المدى القريب يجب معالجتها على الصعيد الاقتصادي ومن المهم جدا التصدي لها بسرعة وبطريقة موثوقة وتوحي بالثقة". واضاف "لكن العائق الحقيقي هو التطلع الى ابعد من المدى القريب والتصدي للمشاكل التي كانت وراء اندلاع الثورة في مصر".

ويبحث صندوق النقد الدولي منذ مطلع العام مع مصر حول برنامج اقتصادي حول قرض من 3,2 مليار دولار. ولكن عدم التوصل الى توافق سياسي في مصر اثر على المفاوضات. وقال احمد "هناك فوضى سياسية. اذن التحدي الكبير بالنسبة للمصريين والتحدي الكبير بالنسبة لصندوق النقد الدولي من خلال دعمه للمصريين هو محاولة ايجاد استراتيجية اقتصادية تكون لها فرص للتطبيق بعد تغيير الحكومة الذي يمكن ان يحصل خلال بضعة اسابيع". بحسب فرنس برس.

في السياق ذاته أكد أحد الخبراء الاقتصاديين على أن المنظمات الاقتصادية العالمية وفي مقدمتها وكالات التصنيف الدولية، لابد أن تعطي الاقتصاد المصري فرصة ليلتقط أنفاسه، وعدم المبادرة باتخاذ خطوات من شأنها زيادة حجم الضغوطات التي تعاني أصلاً من التقلبات وحالة عدم الاستقرار السياسي. وقال الخبير الاقتصادي، غسان معمر، إن "تكالب تخفيض التصنيفات الائتمانية لقطاعات الاقتصاد المصري، والتي كان آخرها تخفيض وكالة 'فيتش' التصنيف الائتماني للديون السيادية بمصر، سيدفع بالمستثمرين، وخصوصاً الأجانب، إلى الابتعاد عن السوق المحلي، الذي هو بحاجة إلى كل جنيه لدفع عجلة النمو." وأضاف معمر أن "العالم متأكد من الحجم الكبير للقدرات والخبرات الاقتصادية بمصر، وهو على يقين تام بأن المرحلة الحالية تعتبر مجرد سحابة ستزول قريباً، وستعاود عجلة النمو مسيرتها، ولكن على هذه المنظمات اعتبار الاقتصاد المصري خاضعاً لمرحلة مؤقتة." بحسب CNN.

يذكر أن تقريراً نشر على موقع التلفزيون المصري، ، أشار إلى أن وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية خفضت تصنيفها للديون السيادية لمصر درجة واحدة، إلى "بي موجب" بعد أن كان بدرجة "بي بي سالب." وبين التقرير أن هذا الانخفاض جاء على خلفية تصاعد الأزمة السياسية في البلاد، بعد قرار المحكمة الدستورية العليا إبطال الانتخابات البرلمانية، حيث ينطوي التصنيف الجديد على توقعات سلبية، وهو ما يعني أنه توجد فرصة بنسبة تزيد عن 50 في المائة لمزيد من الخفض للتصنيفات في 12 إلى 18 شهراً المقبلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/حزيران/2012 - 29/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م