اللجوء... رحلة بحث عن امان وكرامة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في العام 1997 قدمت طلبا الى المفوضية العليا للاجئين في سورية، تم تحديد موعد للمقابلة مع احد الموظفين، كان امريكي الجنسية، الكثير من الاسئلة تم طرحها، وكانت اجاباتي تحمل الكثير من الصدق والعفوية، بعد ايام خرجت النتيجة، تم رفض طلبي للجوء.

كنت اسمع عن حالات تم قبولها، واعرف قصص الكثيرين منها، لا تستحق الموافقة، لكنهم هاجروا عن طريق المفوضية الى بلدان عديدة اوربية وامريكية، اخذت بالتعود على وضعي الجديد، اكتسبت مهارات جديدة، عملت في اكثر من مكان ينسجم ووضعي كمثقف، لم يكن وجودي في سوريا يطرح مشكلات عدم التأقلم، ولم اكن اعاني من مطاردة السلطات هناك، احيانا كنت اشعر بالخوف ان يهتز هذا الوضع ويتم اعادتي الى العراق.

كل الحالات التي عرفتها لاصدقاء هاجروا لا تتيح لي الاقتداء بهم في مهاجرهم. تخلوا عن حياة فيها الكثير من الحركة والابداع، وارتضوا ان يعيشوا عالة في تلك الدول على رواتب الاعانات الاجتماعية التي يتحملها دافع الضرائب في تلك الدول.

حيدر احد الاصدقاء، جاء من العراق لا يعرف عن البرمجيات والحواسيب شيئا، لكنه في سوريا تعلم الكثير، لم يقتنع بما حاز عليه، هاجر الى السويد عن طريق التهريب، حين سألت عنه، كان يعمل مصلحا للدراجات الهوائية. غيره الكثيرين، حالة واحدة اعتز بها، انه محمد الافغاني، شاب في العشرينات من عمره، الذي هاجر الى كندا وبعد سنوات قليلة اخذ يدرس طب الاسنان.

الكثير من التجارب التي اطلعت عليها، لم تضف شيئا الى اصحابها بل على العكس، اخذت الكثير منهم، وتركتهم نهبا لهواجس ومشاكل جديدة، كثير منها يتعلق بالابناء، وخصوصا الفتيات.

ما الذي يطمح له طالب اللجوء؟

الامان، الكرامة، العمل، السكن، التقدم الدراسي، اسباب اخرى؟

انها شيء من هذا وذاك، لماذا اذن، لا يتحقق من تلك الاسباب الا قشورها بعد سنوات من اللجوء؟

انه الخدر الذي يصيب الروح ولا يجعلها تتطلع الى ابعد من لقمة العيش.

لا لغة جديدة، ولا معارف مضافة، ولا شهادة عليا الا ما ندر، ولا انفتاح محسوب على ثقافات وافكار جديدة، بل على العكس، عزلة وانعزال عن تلك المجتمعات في جيتوات مغلقة، لنفس الانتماءات العرقية او المذهبية او القبلية.

كل من عرفتهم من العراقيين الذين هاجروا لعنوا العراق على رؤوس الاشهاد في صالة المطار بانتظار طائرتهم. وبعد العام 2003 عاد كثيرون منهم لغرض الحصول على وظائف حكومية او امتيازات اخرى رغم ان الكثيرين من العراقيين في الداخل يفكرون بالهجرة الى حيث كان هؤلاء. صورة متناقضة.

من هو اللاجئ؟

تعرف المادة الأولى من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين بوضوح من هو اللاجئ. إنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل/ تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد.

ما هي الحماية؟

تقوم الحكومة بإنفاذ قوانين البلد وتعمل على حماية مواطنيها وفقاً لهذه الأحكام. وعندما تكون الحكومات عاجزة أو غير مستعدة للقيام بذلك، وفي أحيان كثيرة أثناء صراع أو حرب أهلية، يفر أشخاص كثيرون من أوطانهم، وفى أغلب الأحيان، إلى بلد آخر، حيث يتم تصنيفهم كلاجئين. ونظراً لأنهم لم يعودوا يتمتعون بحماية حكوماتهم، فإن المجتمع الدولي يضطلع بهذا الدور، من الذى يحمي اللاجئين؟

تقع على عاتق الحكومات المضيفة، بصفة أساسية، مسؤولية حماية اللاجئين. وتعتبر البلدان الـ 139 على نطاق العالم، التى وقعت على اتفاقية 1951، ملزمة بتنفيذ أحكامها. وتحتفظ المفوضية بـ "التزام رقابي" على هذه العملية، وتتدخل حسب الاقتضاء لضمان منح اللاجئين الصادقين اللجوء وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرض فيها حياتهم للخطر. وتلتمس الوكالة السبل من أجل مساعدة اللاجئين على بدء حياتهم مجدداً، إما من خلال العودة الطوعية إلى أوطانهم أو، إن لم يكن ذلك ممكناً، من خلال إعادة توطينهم فى دول مضيفة أو بلدان "ثالثة" أخرى.

وكان هذا الصك الأول مقصورا على توفير الحماية بصفة أساسية للاجئين الأوروبيين فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، غير أن بروتوكول عام 1967 وسع بدرجة كبيرة من نطاق الولاية المنوطة بالمفوضية بعد أن انتشرت مشكلة النزوح فى مختلف أرجاء العالم. ولقد كانت الاتفاقية الأصلية ملهمة أيضاً لعدد من الصكوك الإقليمية من قبيل اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969، وإعلان كارتاخينا لعام 1984 الخاص بلاجئي أمريكا اللاتينية.

وقد وقع ما مجموعه 139 دولة على أحد صكي الأمم المتحدة أو كليهما. بيد أنه مع تغير نمط الهجرة على الصعيد العالمي، ومع تزايد أعداد الأشخاص الذين يتنقلون من مكان إلى آخر، تغييراً جذرياً، فى السنوات القريبة العهد، ثارت شكوك حول مدى مناسبة اتفاقية 1951 مع الألفية الجديدة، ولا سيما فى أوروبا، التى تعتبر ـ بما ينطوى عليه ذلك من مفارقة ـ مكان مولدها.

في احد تقاريرها قالت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن اعداد طالبي اللجوء الى الدول الصناعية قد ارتفعت بنسبة 20% في عام 2011، واشارت المفوضية إلى أن 441,300 طلب لجوء قد قدم في العام الماضي مقارنة مع 368,000 في عام 2010.

ويغطي التقرير الذي اعدته المفوضية 44 بلدا في اوروبا وامريكا الشمالية واستراليا واسيا (المنطقة التي تضم استراليا ونيوزلندا وبابوا غينيا الجديدة) وشمال شرق اسيا، ويوضح التقرير ان اكبر زيادة كانت في جنوب اوروبا، حيث ارتفعت طلبات اللجوء بنسبة 87% لتصل الى نحو 67000 طلب.

وتقول المفوضية إن معظم هذه الطلبات جاءت من اناس قادمين عبر السفن الى ايطاليا ومالطا من شمال افريقيا.

وشهدت الدول الاسكندنافية واسترالاسيا انخفاضا في عدد طالبي اللجوء اليها، وقال المفوض السامي لشؤون اللاجئين انتونيو غيتيريس ان عام 2011 "كانت سنة صعوبات كبيرة للعديد من الناس".

وكانت مناطق الاضطراب الرئيسية في غرب افريقيا والعالم العربي حيث وصل عدد طالبي اللجوء من بلدان امثال ليبيا وسوريا وساحل العاج الى مستويات قياسية، واحتل لاجئو دول ساحل العاج وليبيا وسوريا مرتبة الصدارة في زيادة عدد طلبات اللجوء، ثم يليهم لاجئو أفغانستان والصين والعراق. كارل كوب من منظمة دعم اللاجئين "برو أزيل" وضح بأن اللاجئين الأكثر تضررا في العام الماضي كانوا من النازحين أصلا من بلدانهم كلاجئي العراق في سوريا واللذين يواجهون الآن خطر الهروب والنزوح من جديد إلى بلدان أخرى بسبب الأوضاع الداخلية الصعبة في سوريا. كذلك النازحين الأفغان واللذين يواجهون ضغوطا كبيرة من قبل الدول التي يتواجدون فيها، أي في باكستان وإيران، وإرغامهم إلى العودة القسرية إلى بلادهم، مما يدفع الكثير منهم إلى محاولة الهروب إلى بلدان أخرى طلبا للجوء.

الدول الأوروبية احتلت الصدارة في استقبال طلبات اللجوء في العام الماضي بـ 327.200 طلب لجوء، تلتها الولايات المتحدة باستقبالها لـ 99.400 طلب لجوء. أما ألمانيا فاستقبلت 45.741 طلب لجوء. السيدة روكسانا سورايا من الهيئة الاتحادية الألمانية للاندماج وضحت بان هنالك زيادة وتغيير كبير طرأ على طلبات اللجوء في ألمانيا والمقدمة من قبل لاجئي أفغانستان وإيران وسوريا وباكستان.

الإحصائيات الأخيرة لعدد اللاجئين في العالم أشارت إلى أن عدد اللاجئين قد ازداد في العام الماضي إلى دول كاليابان وكوريا الجنوبية بنسبة 77 بالمائة عن العام الذي سبقه. المختص بشؤون أوروبا في منظمة دعم اللاجئين "برو أزيل" كارل كوب أوضح بان هذه الزيادة ترتبت بسبب 2900 طلب لجوء أكثر من العام الذي سبقه وإنها تشير بوضوح إلى أن اللاجئين في العالم بدئوا يبحثون عن دول بديلة تمنح اللجوء، كاليابان وكوريا الجنوبية. وأضاف كارل كوب "في قارة أمريكا الجنوبية ازدادت أيضا طلبات اللجوء المقدمة في العام الماضي، مما يشير إلى أن طريق اللجوء في العالم أصبح أكثر صعوبة وأكثر كلفة وأكثر خطورة من السابق". بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية واستراليا وبسياساتها الصارمة تجاه اللجوء، ردعت اللاجئين من الوصول إليها. رغم ذلك فإن توقعات خبراء الهجرة غير الشرعية وخبراء شؤون اللاجئين تقول بان عدد طلبات اللجوء لهذه السنة سوف لا تقل عن الطلبات المقدمة في العام الماضي. والتقارير الأخيرة أشارت إلى أن سفن اللاجئين بدأت بالفعل تقتف شواطئ جزيرة لامبدوزا الايطالية ووصلها في شهر آذار /مارس الحالي المئات منهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/حزيران/2012 - 28/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م