يكمن الدافع الأساسي لسعي تركيا للعب دور محوري في منطقة الشرق
الأوسط وشمال إفريقيا في التغيرات الجذرية التي طرأت على سياستها
الداخلية والتطورات المتسارعة العالمية بخاصة في محيطها الإقليمي،
ويستند تنامي دورها إلى نظرية العمق الاستراتيجي التي اتبعتها منذ وصول
حزب العدالة والتنمية إلى الحكم من خلال سياسة القوة الناعمة التي تهدف
من خلالها لعب دور مركزي محوري في المنطقة من وجهة نظرها يغنيها عن
دخول الاتحاد الأوروبي، ذلك الهدف الذي لم يتحقق حتى الآن رغم كل
التنازلات التي قدمتها القيادات التركية المتعاقبة لصالح الاتحاد
الأوروبي وقد جذبت السياسة الخارجية التركية الانتباه أخيراً سواءً على
صعيد الاتحاد الأوروبي أو الشرق الأوسط أو الولايات المتحدة الأمريكية
من خلال خدمتها لمصالح أمريكا والاتحاد الأوروبي في العالمين العربي
والإسلامي ومن خلال محافظتها على علاقاتها وتعاونها مع إسرائيل في
المجالات العسكرية والتجارية والاقتصادية والتقنية بالرغم من التصريحات
التركية العلنية المتناقضة.
وفي الآونة الأخيرة تستخدم القيادة التركية الاحتجاجات الشعبية في
الدول العربية لإعادة تشكيل منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بهدف وضع
نظام إقليمي جديد للعلاقات السياسية والدينية والايديولوجية
والاقتصادية والتي ستلعب تركيا فيه دوراً محورياً حيث تتفهم أمريكا
رغبة تركيا في فرض نموذجها السياسي في الحكم على العالم العربي كمثال
لدولة علمانية يحكمها الإسلاميون مع احتمال نشر هذا النموذج في حال
نجاحه بدعم من أمريكا والغرب في آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز ويترافق
استخدام أنقرة لرجال الدين الأصوليين لتنفيذ خطتها في العالم العربي مع
تكثيف تحركاتها في مناطق أسيا الوسطى والقوقاز والذي سينعكس سلباً على
أمن تلك المناطق مما سيؤدي لنمو التطرف وانتشار الأسلحة في المناطق
الروسية ذات الأغلبية الإسلامية.
منوهين إلى أن رغبة تركيا في التقرب من واشنطن وبروكسل أدى إلى
تحولها كرهينة لطموحاتها الخاصة والتي حولتها إلى حصان طروادة يمتطيه
الغرب للقيام بتقسيم المجتمع الإسلامي لتحقيق مصالحه ومصالحها
الإستراتيجية والتكتيكية والتي تتعارض مع مصالح دول منطقة الشرق الأوسط
حيث تهدف من الناحية التكتيكية من خلال تدهور اتصالاتها مع إسرائيل
بالإضافة إلى خطاباتها الصاخبة المناوئة لإسرائيل والمؤيدة للعرب الى
تعزيز موقعها في العالمين العربي والإسلامي وتقديم نفسها كقوة إقليمية
رائدة في الدفاع عن حقوق العرب والمسلمين باستخدام لغة معادية لإسرائيل
ظاهرياً مع عدم تجاوز الخطوط الحمراء في علاقتها مع تل أبيب.
وفي موازاة ذلك تؤكد بعض الدراسات إلى سعي أردوغان نحو الحوار
وإقامة علاقات وثيقة مع الأنظمة الجديدة في مصر وتونس وليبيا وتأييد
مطالب المعارضة في عدة دول أخرى بهدف تحقيق غاياتها التوسعية وبالرغم
من أن العلاقات التجارية والاقتصادية التركية الاسرائيلية شهدت تغيرات
كبيرة لكن لا يزال هناك مصلحة متبادلة في تطوير التعاون العسكري
والتقني فيما بينهما وتعزيز التنسيق في المجال الأمني بما في ذلك
احتواء إيران في المنطقة ومما يدل على ذلك موافقة تركيا على إقامة نظام
دفاع صاروخي من حلف شمال الأطلسي على أراضيها والذي يعطي الإشارة
الواضحة إلى تل أبيب وواشنطن لاستعداد أنقرة للدفاع عن الدولة اليهودية
وحماية المصالح العليا التركية والإسرائيلية.
وقد أظهر أردوغان ولاءه لواشنطن وبروكسل من خلال حرصه على المصالح
الغربية في المنطقة لتصبح تدريجياً أداة مطيعة لتنفيذ السياسة الخارجية
لأمريكا وحلفائها الأوروبيين مستهدفة بذلك ضرب منطقة الشرق الأوسط
وتقسيمها لدويلات على أسس طائفية وعرقية ودينية من خلال إحياء مشروع
الشرق الأوسط الكبير.
لقد بدأت تتكشف الحقائق تباعاً، وأولى هذه الحقائق أن لدى أردوغان
وحزبه وفريقه السياسي العديد من الأقنعة لتغطية وجه واحد هو الوجه
الحقيقي لحكام أنقرة الذين يعتبرون الراعي الحصري للإسلام السياسي في
الشرق الأوسط ولأحزاب ''الإخوان المسلمين'' على وجه الخصوص.
فالتسلل إلى المواطن العربي ـ العاطفي بطبيعته ـ كان من نافذة
القضية الفلسطينية والقدس والوقوف في وجه إسرائيل وكسر هيبتها وغرورها،
فوجد العرب أخيراً دولة قوية تدافع عن حقهم، بعد أن عجزت أنظمتهم على
مدى أكثر من نصف قرن عن الاتفاق حتى على هلالي رمضان وشوال.
يبدو أن هذا القناع الذي وضعه أردوغان على وجهه كان متقناً جداً، بل
مقنعاً حتى لأولئك الذين كانت تراودهم الشكوك في الدور التركي إلى أن
بدأت الأقنعة تتساقط بداية من التفريط بدماء شهداء سفينة مرمرة، وإعادة
الدفء إلى العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل، مروراً بالتورط في
المشروع الغربي ـ الاستعماري لتدمير ليبيا، وحتى في صعود الإسلام
السياسي في كل من تونس ومصر، وصولاً إلى قلب ظهر المجن مع سورية وتسويق
التدخل الخارجي العسكري في الشأن السوري، وفتح الحدود أمام المسلحين
العرب والأجانب وعناصر تنظيم ''القاعدة'' الإرهابي وتدفق السلاح إلى
العصابات المسلحة في الداخل السوري، وكذلك محاولات توحيد صفوف
''المعارضة'' الخارجية التي نمت وترعرعت في عواصم الغرب: واشنطن ولندن
وباريس وأنقرة، وكذلك من خلال حشد كل أعداء سورية في مؤتمر ''أصدقاء
سورية'' بإسطنبول.
يجب هنا عدم إغفال المكاسب الاقتصادية الكبيرة التي كانت تجنيها
تركيا من ليبيا خلال حكم معمر القذافي، إلى درجة أن شركات تركية كانت
هي التي تنظم المؤتمرات والاجتماعات العربية والإفريقية بما فيها
القمم. لكن عندما كان خيار الغرب تغيير نظام القذافي بنظام يأتي من
عباءة الإسلام السياسي وتنظيم ''القاعدة'' والإخوان المسلمين، بادرت
حكومة أردوغان بالاشتراك في الإطاحة بنظام القذافي دون أن يرف له جفن
وهو يرى طائرات الناتو (وتركيا عضو فيه) وهي تدك المباني على رؤوس
المدنيين موقعة عشرات آلاف الضحايا، المهم ـ حسب أردوغان وحزبه وفريقه
السياسي ـ إيصال تيار الإسلام السياسي إلى الحكم، فالمكاسب هنا لا
تقارن مع المكاسب الاقتصادية سابقاً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نزوع
حكام أنقرة لإحياء عصر الخلافة العثمانية بثوب جديد.
محاولات ''الخليفة العثماني الجديد'' رجب طيب أردوغان إحياء خلافة
سادت ثم بادت، لم تتوقف ـ ولا نظن أنها ستتوقف ـ وبخاصة بعد أن صعدت
التيارات الإسلامية في كل من تونس وليبيا ومصر، وبعد التواصل والتنسيق
الكبيرين بين حكام أنقرة والأنظمة الوليدة في هذه الدول، بما فيها
التعاون الجاري ـ بخاصة بين أنقرة وكل من تونس وطرابلس ـ فيما يتعلق
بالأزمة السورية، فتونس احتضنت مؤتمر ''أصدقاء سورية، في نسخته الأولى
في حين احتضنت إسطنبول النسخة الثانية، أما ليبيا فهي ''تصدّر''
المقاتلين، وبخاصة من تنظيم ''القاعدة'' الإرهابي إلى سورية في حين
تسهل حكومة أردوغان عبورهم إلى الداخل السوري، والمخفي أعظم.
فعلاقات الدول تقاس بعضها ببعض، عبر فهم المواقف المؤسسة للسياسات
بين الدول، والقدرة على فهم قياداتها وصانعي القرار فيها، ولكننا في
الشأن التركي نحتاج إلى دراسة أعمق من المواقف المباشرة، بالذات عند
دراسة علاقة حزب العدالة والتنمية مع الكيان الصهيوني.
ولإدراك أهمية تأثير العلاقات التركية الإسرائيلية بالذات في زمن
حكومة رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم ''العدالة والتنمية'' على أحداث
المنطقة العربية بشكل عام، فإن الأمر يتطلب التعرف على طبيعة هذه
العلاقة ودوافعها ومدى انعكاسها على المنطقة ودولها.
فلم يغب عن الأتاتوركية وحتى الأردوغانية حلم عودة الامبراطورية
العثمانية، ومن يستقرئ التاريخ التركي والحكومات التركية المتعاقبة،
يجد أن هذا الحلم قد ازداد حضوره بعد فشل انضمام تركيا إلى الاتحاد
الأوروبي ورفض الأخير عدة مرات هذا الانضمام، على الرغم من عضوية تركيا
في حلف شمال الأطلسي، وعلى الرغم من كونها أداة الناتو في الشرق العربي
ومحيطها الإقليمي، من البلقان إلى روسيا والقوقاز، ومن آسيا إلى الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا، وتركيا على سبيل المثال، هي الدولة الإسلامية
الأولى التي اعترفت بالكيان الصهيوني عام 1949، وقامت بتعيين قنصل لها
في تل أبيب!.
وفي عام 1950 اعترفت تركيا اعترافاً قانونياً كاملاً بإسرائيل، وتم
تبادل البعثات الدبلوماسية بينهما، واستقبلت تركيا ملحقاً إسرائيلياً
في أنقرة، وسمحت لليهود الأتراك بالهجرة إلى فلسطين.
وفي عام 1951 وقفت تركيا إلى جانب الغرب ضد مصر في قرارها بمنع
السفن الإسرائيلية من عبور قناة السويس.
وقد سبق لرئيس وزراء تركيا عدنان مندريس أن أعلن عام 1945 تأييده
لما أسماه ''أحقية الإسرائيليين في إقامة دولتهم'' أثناء زيارته إلى
واشنطن، وسعى إلى استمالة الدول العربية لضمها في حلف مؤيد للغرب ومعاد
للشيوعية آنذاك، وفي تلك الفترة هاجر أكثر من 34 ألف يهودي تركي إلى
إسرائيل.
وفي عام 1983 تطورت العلاقات التركية ـ الإسرائيلية مع وصول
''تورغوت أوزال'' إلى رئاسة الوزارة، حيث قامت تركيا برفع درجة التمثيل
الدبلوماسي مع إسرائيل مرة أخرى.
وفي عام 1988 عقد في نيويورك في تشرين الأول لقاء بين وزير خارجية
تركيا مسعود يلماز ووزير خارجية إسرائيل شيمون بيريز، وكان اللقاء
خاصاً بإمداد إسرائيل بالمياه.
وفي عام 1958 بدأ التحالف الأجنبي العسكري الإسرائيلي ـ التركي
باجتماع سري بين بن غوريون وعدنان مندريس هدفه، التعاون ضد دول الشرق
الأوسط.
وجدد اللقاء عام 1964 بين عصمت أونيون وليفي أشكول في باريس لإحياء
الاتفاق السري الذي كان من أبرز نقاطه، قيام إسرائيل بتحديث طائرات
''إف 4'' و''إف 5''التركية، وفتح أنقرة مجالاتها الجوية وقاعدتها
العسكرية للطائرات الإسرائيلية، كما اتفق الطرفان على إجراء مناورات
عسكرية دورية.
وفي 7/8/1996، أعلنت تل أبيب تعهدها بتقديم قرض مباشر بقيمة 410
ملايين دولار من أجل تحويل صفقة تحديث أسطول المقاتلات التركية من طراز
''فانتوم إف4''.
وفي 28/8/1996، وقع البلدان اتفاقية تعاون تكنولوجي وصناعي، يشمل
تحديث 54 مقاتلة تركية من طراز ''فانتوم إف 4''.
وفي 1/12/1991، أعلنت إسرائيل أنها وقعت مع تركيا اتفاقاً للتعاون
العسكري ينص على إجراء مناورات عسكرية دورية.
وفي 13/3/1973أعلنت تركيا عزمها شراء وتصنيع صواريخ إسرائيلية يبلغ
مداها 70 كم، وتجهيزها الطائرات المقاتلة التركية من طراز ''إف 16''
ومقاتلات ''إف 4''.
وفي عام 1993، قامت شركة الصناعات الإسرائيلية بتسليم تركيا أول
طائرة مطورة من طراز ''فانتوم إف 4'' من بين 54 طائرة.
وفي عام 2002، وقعت تركيا مع إسرائيل عقداً بقيمة 668 مليون دولار
لتحسين 170 دبابة من طراز ''إم 60''.
وبحث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته لإسرائيل في
أيار عام 2005 مع المسؤولين الإسرائيليين في صفقة عسكرية يصل حجمها إلى
نصف مليار دولار.
وفي عام 2008 تواصل التعاون العسكري وتطور، وأجريت مناورات عسكرية
جوية وبرية وبحرية مشتركة وبمشاركة الولايات المتحدة.
وبعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 2008، ألغت تركيا مشاركة
إسرائيل في مناورات شرق الأناضول، لكن كشف مصدر مرافق لرئيس الوزراء
الصهيوني إيهود باراك عام 2010، أن هناك 60 معاهدة سرية سارية المفعول
للتعاون في الأمن وغيره.
وفي المجال الاقتصادي تطور التعاون بين تركيا وإسرائيل منذ عام1953،
وتطور التبادل التجاري ليصل إلى 23 مليون دولار.
وفي عام 1987 وصل إلى 54 مليون دولار، وتم التوقيع على اتفاق
التجارة الحرة بين البلدين عام 1996، وزاد حجم التبادل التجاري خلال 3
سنوات إلى ملياري دولار سنوياً.
وفي عام 2004، وصل التبادل التجاري إلى 2 مليار دولار.
وفي عام 2007، تصدرت تركيا قائمة الدول الإسلامية التي لها علاقات
اقتصادية مع إسرائيل، لتصل قيمة التبادل التجاري بينهما إلى 2.8 مليار
دولار.
ومن أبرز المشاريع الاقتصادية بين البلدين، إنشاء خط أنابيب لنقل
النفط والغاز الطبيعي والكهرباء والمياه إلى إسرائيل من ميناء جيحان
التركي إلى ميناء عسقلان الفلسطيني، وبلغ عدد السياح الإسرائيليين
الذين زاروا تركيا بين عامي 2005 و2009 حوالي 427.6 ألف سائح.
إن الطريقة الأردوغانية الوصائية في الأزمات العربية، وتلقين الدروس
للآخرين لا تخدم المصالح العربية، بل المصالح التركية ـ الإسرائيلية
للهيمنة على المنطقة بوسائل وطرائق جديدة بدعم الغرب وأمريكا. فالمخطط
الاميركي واضح في إضعاف العالم العربي أكثر وأكثر، وفي تقسيم الدول
العربية إلى دويلات وإلى كيانات. المخطط الاميركي يريد أن تتزعم تركيا
العالم العربي، حتى تقوده وتقود معه العالم الإسلامي نحو مواجهة مع
الشيعة، لتدخل المنطقة في أتون حرب دينية تهدف أولاً وأخيراً إلى
القضاء على الإسلام، ليحل محله ''الاسلام المزيف'' الموالي لأميركا،
الإسلام الليبرالي، الإسلام السياسي الذي لا يخدم إلا السياسة
الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط.
إن ما جاء على لسان الأب الروحي لأردوغان وحزبه، رئيس الحكومة
التركي السابق نجم الدين أربكان، المؤسس الحقيقي للإسلام السياسي في
تركيا، في مقابلة مع صحيفة ''توداي زمان''، قبل وفاته بمدة، من منزله
بحيّ ''بلغات'' في العاصمة أنقرة، كان أشبه بالزلزال السياسي في تركيا،
وخصوصاً حين قال عن أردوغان وحزبه هما ''أداة بيد المؤامرة
الصهيونية''. حتى إن وصول هذا الحزب إلى السلطة عام 2002 ''حصل بمساعدة
من الحركة اليهودية العالمية''، ورداً على سؤال تساءل أربكان في
المقابلة ذاتها: ''لماذا وافق أردوغان على منح إسرائيل العضوية الكاملة
في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ''ocde'' بدل وضع فيتو على
عضويتها فيها؟ لماذا دفعت حكومته مليارات الدولارات في عقود عسكرية مع
شركات إسرائيلية؟ لقد قال أردوغان للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز
''دقيقة واحدة'' في منتدى دافوس، لكنه واصل الأعمال كالمعتاد مع
إسرائيل، وختم نجم الدين أربكان بالقول: ''إنّ كليهما، أردوغان
و(الرئيس عبد الله غول)، أداة بيد المؤامرة اليهودية العالمية. ربما لا
يدركان أنهما يخدمان المصالح الصهيونية، لكنهما يفعلان ذلك بدليل ما
جاء في كتاب هارون يحيى وغاري آلن عن هذا الموضوع''، هكذا يرى أربكان
المعلم بالنسبة لأردوغان المسألة، وهذا هو رأيه بتلاميذه.
وعلى الرغم من أن السمة البارزة والأوضح لمجمل الحراك الذي تشهده
المنطقة هي الخلفية الطائفية عبر محاولة تقسيمها ضمن محورين متناحرين
(سني ـ شيعي)، ولكن يمكن القول إنه ما زال أمام مشروع أردوغان عقبات قد
تكون أكبر من رهانه على تجاوزها. فما زال وعي الشعب العربي هو العقبة
الأصعب أمام مشروع أردوغان، إضافة إلى أن عليه إعادة النظر في رهانه
على الشعب المصري الذي نجح حتى اليوم بإثبات أن بعده وانتماءه العروبي
أكبر من الرهان، يكون لزاماً على أردوغان إعادة قراءة التاريخ والحاضر
السوري، فالشعب السوري بأغلبيته الساحقة أوعى وأكبر من محاولات جره إلى
نار الفتنة وحروبها الطائفية.
وفي مقال للكاتب تيري ميسان في عام 2007 نشر في شبكة فولتير
الإخبارية، تحدث فيه عن كيفية اختراق وكالة المخابرات الأميركية
والموساد للمنظمات التركية ذات التوجه الإسلامي، أكد اختراق الصهيونية
العالمية لحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان والذي فتح باب
التطبيع والتعامل على مصراعيه مع الكيان الصهيوني ما سهل اختراق هذه
المنظمات، ولم تكن العلاقات مقتصرة على المناورات العسكرية والتعامل
الاقتصادي، بل تجاوزته إلى موافقته على العمليات العسكرية الصهيونية ضد
لبنان في عام 2006، تحت ذريعة أنها تحمي مشروع مد إسرائيل بالنفط من خط
باكو ـ تلبيسي ـ سيحان وتزويدها بالمياه كما أوردتها صحيفة يديعوت
أحرونوت في 10 تشرين الثاني 2009.
ولكننا نظن ـ إلى حد الجزم ـ أن محاولات أنقرة إن كانت لجهة إحياء
الخلافة العثمانية البائدة، أو لجهة الهيمنة على الشرق الأوسط كلاعب
كبير ورئيسي وقوة إقليمية عظمى ـ لن يكتب لها التوفيق والنجاح، نظراً
لما يجري حالياً في المنطقة من قلاقل ـ من جهة ـ ومن تذمر شعبي واسع من
سياسات وممارسات ''الحكام الجدد'' من الإسلاميين لكل من تونس وليبيا
ومصر ـ من جهة ثانية.
لذا فإن ما يسعى إليه أردوغان وحزبه ليس أكثر من أضغاث أحلام
ستتلاشى مع بزوغ أول فجر من عودة الوعي للشعب العربي.
نحن لسنا ضد تركيا شعباً، بل ضد سياسة القيادة الحالية التي تسوّق
للسياسة الأميركية في المنطقة بصورة هادئة وناعمة، وتساهم في إضعاف
عالمنا العربي. فلتركيا القيادة أهداف عديدة في السيطرة على العالم
العربي، ومن أهمها المتاجرة بهذه الورقة للحصول على رضى الغرب، وقبول
تركيا عضواً في الإتحاد الأوروبي الذي بدأ يضعف رويداً رويداً، ويواجه
أزمات مالية خطيرة جداً.
قيادة تركيا لا تريد مصلحة العالم العربي، ولا مصلحة الشعوب
العربية، وكل ما يعنيها هو تحقيق أهدافها... وهذا ما يجب أن يعيه كل
العرب، وبالتالي العمل على الإهتمام بمصالحنا أولاً وأخيراً، ومعالجة
قضايانا بروح عربية أصيلة غير ملوثة برياح استعمارية خطيرة جداً.
فنحن العرب يجب أن نجترح إستراتيجية في ظل أزماتنا والتي لها الدور
الأساس فيها، لكي نوقف هذا الطمع والجشع التركي تجاه الوطن العربي،
وإلزامها قانونياً بإعادة الأراضي المحتلة بفعل اتفاقية سايكس بيكو
الخبيثة فلا الفلسطيني استفاد من هذا الصراخ التركي الأجوف ولا أي عربي
يمكن أن يستفيد قيد أنملة من هذا التركيب التركي الهجين. |