الجسد البشري في تقلبات احتجاجه

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في الكثير من الثقافات القديمة كانت تعرية الجسد شيئا طبيعيا عند ممارسة الطقوس والشعائر الدينية، فالجماعة المؤمنة تعتقد ان من حقها كشف هذا الجسد نتيجة للحق الممنوح لها بحرية التصرف به، ولا يبتعد هذا كثيرا عن الاضحية او القربان البشري الذي كان يقدم للالهة المعبودة استرضاءا او درءا لغضبها، اي جسد منتخب يضحى به لاجل المجموع.

وايضا الجسد الانساني هو المساحة التي تسلط عليها وتمارس جميع انواع التعذيب او التطهير.

في فيلم شيفرة دافنشي، في جزئه الاول، يقوم الكاهن المكلف باستعادة الكأس المقدسة بتعرية جسده امام الصليب، وياخذ بجلد ظهره تكفيرا عن ذنب الاحساس بالفشل في مهمته لاستعادة الكأس... انه تعرية وتطهير للروح المعذبة والمحبوسة داخل هذا الجدار من الجلد والاحشاء والدماء.

كثيرا ما استخدم الجسد في توجيه الرسائل في حالات الكشف او الستر، اوعن طريق الحركة قبولا او رفضا، او عن طريق انتهاكه تعذيبا وتدنيسا، او بامتلاك الحرية بالتصرف به احتجاجا او انتحارا.

كان العري ممنوعا منذ 2500 عام مضت، واول ما ظهر هذا المنع في ايران ومن ثم وصل الى اليونان قبل ان تنقله اقلية الى المسيحية بواسطة القديس بول. انه اختلاط ثقافي – ديني بين الجسد والجنس. حيث انتصر الخوف من العري الذي حركه الخواف الذي يطال الجسد. وارتسم تناقض وتضاد حادان طاولا هذا الاخير، وحصل الانقسام المعروف: الجسد (النجس) والروح (النقية). وبدأ سياق طويل من الخجل من الجسد. كما تشير الباحثة اللبنانية منى فياض في كتابها (فخ الجسد).

رغم ذلك ينقل معظم دارسي حقبة القرن السادس عشر في اوروبا، رايا يقول بان العري لم يكن موضوع تحريم في اوروبا حتى مطلع القرن السادس عشر. حيث ينام الناس عراة ويرتدون ملابسهم ويخلعونها امام الاخرين، كما كانوا يستحمون عراة في المنزل او في مكان عام.

كان من المقبول حينها ان يكون الانسان عاريا، ربما قد يعود سبب ذلك الى الكلفة العالية للملابس في تلك الفترة.

نقلت اللوحات الفنية هذا الواقع فرسمت المسيح عاريا او شبه عار، كذلك ادم وحواء والامراء والقديسين والالهة.

كل شيء كان يعطي الانطباع بعدم وجود صلة بين العري والخطيئة او الانفعال الجنسي او البصبصة او الاستعراضية. لكن انتشار مرض السفلس تسبب بصدمة ادت الى اقفال الحمامات العامة. وادى هذا التطور الى انزياح الحواجز بين الاحتشام والاثارة الجنسية وحصلت ردة فعل جديدة: بدأت رؤية العري عند الاخرين وتم الاحساس بها على مستوى الذات.

تحول العري الى نوع من تهديد كامن وصارت رؤية الاخر عاري الجسم تعد نوعا من الاعتداء على حميميته. وهكذا حصل اختفاء العري التام او الجزئي.

في تفسير الاحلام، في الثقافة الاسلامية، يعتبر العري دال على سلامة الباطن , وربما دل على ما يوقعه في الندم , وان رأى انه عريان في محفل فانه يفتضح.كما يرى ابن سيرين في تفسير احلامه.

تختلف المجتمعات في طرائق احتجاج افرادها تبعا للاختلافات الثقافية فيما بين تلك المجتمعات.

فالمجتمعات العربية والاسلامية تميل الى طرق مختلفة عن المجتمعات الاوربية في الاحتجاج على ظلم او المطالبة بحق ضائع.

كما شاهدنا مافعله التونسي البوعزيزي حين اشعل النار في جسده احتجاجا على ظلم الشرطة له وكان ذلك بداية الربيع العربي او الاسلامي او الاصولي، سمه ما شئت، وانتقلت تلك العدوى الى اماكن اخرى من العالم العربي او حتى الاوربي وكذلك الى الصين وغيرها من البلدان.

ومن مظاهر الاحتجاج الاخرى التي لها علاقة بالجسد، هو الاضراب عن الطعام الذي كثيرا مايلجأ اليه المعتقلون العرب في سجون بلدانهم، وخاصة اذا كانت هناك مساحة من التغطية الاعلامية للحراك السياسي في تلك البلدان.

كثير من النساء المسلمات يلجأن الى التعري احتجاجا ولكن ليس في الشوارع او الساحات العامة، بل عبر الصفحات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتويتر كما فعلت الممثلة الإيرانية الشهيرة (جلشيفته فراهاني) حيث نشرت صورة نصف عارية لها على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك احتجاجا على سياسة التمييز الجنسي في بلادها بعد ان اقامت في فرنسا.

وفي مونتريال تظاهر بين الفين وثلاثة آلاف شخص عدد كبير منهم شبه عراة وهم يقرعون على الاواني للاحتجاج على مسابقة فورمولا-1 في المدينة وعلى زيادة رسوم التعليم.

وتحت شعار (جميعنا عراة في الشارع)، سار المتظاهرون في الشوارع بعضهم عراة بالكامل امام عدسات المصورين وهم يرددون شعار (فورمولا-1 مسبب للتلوث ويميز بين الجنسين وسارق).

وفي الحدث الابرز حاليا وهو بطولة امم اوربا قامت يانا زدانوفا إحدى ناشطات منظمة (فيمن) المدافعة عن حقوق المرأة بتعرية صدرها أمام كأس بطولة (يورو 2012)، احتجاجا على استخدام المرأة لترويج السياحة الجنسية في بلادها.

وتقدمت زدانوفا نحو الكأس الفضية أثناء عرضها في مدينة لفيف الأوكرانية بنية التقاط صورة معها، ولكنها قامت بخلع قميصها بشكل مفاجئ، كاشفة عن عبارة (سحقاً ليورو 2012)، قبل أن يقوم رجال الأمن بتغطيتها بشكل سريع وابعداها عن الكأس.

وتحارب منظمة (فيمن) السياحة الجنسية في أوكرانيا، وترى أن يورو 2012 سيكون عامل كبير في تنشيط هذا النوع من السياحة، إذ تتوقع اللجنة المنظمة للبطولة أن تجتذب نحو نصف مليون سائح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/حزيران/2012 - 27/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م