المالكي و(بريت ماكغورك) وعصبة التحالف المشبوه

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: لم يقتصر دور غرماء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على تصعيد الأزمات السياسية داخل العراق فقط، بل تعدى ذلك المسعى الى التدخل في طبيعة العلاقات الدولية التي تحكم بين العراق ومنظومة بلدان المجتمع الدولي، في سياق محاولات الاطاحة بالحكومة الحالية مهما كانت التكلفة.

ومما لا يقبل الشك او اعادة التفكير مشاركة بعض الحكومات الاقليمية في ذلك الحراك على قدم وساق ودون ادنى هوادة، كما تثبت العديد من التسريبات الاعلامية التي تخلفها الاجتماعات والمؤتمرات في بعض العواصم العربية والغربية التي باتت تعقد بشكل مستمر ومكثف في الفترة الاخيرة.

الا ان ابرز ما يلفت النظر هي محاولة اعضاء المحور المناوئ للمالكي منع الدبلوماسي الامريكي المخضرم بريت ماكغورك من تولي منصب سفير الولايات المتحدة الامريكية في بغداد، بعد ان بات الرجل المرشح الوحيد لهذا المنصب الحساس.

وكان رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني وزعيم الكتلة العراقية أياد علاوي قد ابديا امتعاضهما من تولي ماكغورك السفارة الامريكية، بحجة ميول الاخير الى سياسات المالكي ودعمه في الكثير من المواقف السابقة، وهو ما دفع باللوبي السعودي القطري المساند لمناوئين المالكي بمحاولة التدخل لدى الكونغرس الامريكي عبر التأثير على بعض اعضائه أملا ان يفلح الضغط السياسي في عدول الخارجية الامريكية عن قرار تنصيب السفير المقترح.

حيث اثيرت مؤخرا ضجة مفتعلة بالضد من بريت ماكغورك داخل الكونغرس، بعد ان طرح أحد اعضائه رسائل غرامية منسوبة للأخير كان قد بعث بها الى زوجته الحالية قبل زواجهما، عندما كانت تعمل مراسلة صحفية في العراق.

فقد اعلن الكونغرس انه قد يعيد النظر في تثبيت الدبلوماسي الذي عينه باراك اوباما سفيرا للولايات المتحدة في العراق بسبب رسائل الكترونية مثيرة للشكوك بعث بها الى صحافية وارسلت نسخ منها الى نواب.

وقال مصدر في الكونغرس مؤكدا معلومات صحافية، ان برت ماكغورك العضو السابق في ادارة جورج دبليو بوش، بعث برسائل الكترونية الى صحافية في وول ستريت جورنال في 2008 كانت في العراق وحاول فيها استمالتها عارضا عليها بطريقة يمتزج فيها المزاح بالجد، اطلاعها على معلومات سرية.

وتفيد المعلومات الصحافية ان الرسائل التي بعث بها ماكغورك الى الصحافية قد سلمت الى نواب. وهي تتضمن تلمحيات جنسية. وقد اصبحت هذه الصحافية في وقت لاحق زوجة هذا الدبلوماسي.

وابدى عدد من النواب استياءهم من هذه المسألة. ومنهم السناتور الجمهوري جيمس اينهوف من لجنة الشؤون الخارجية الذي الغى لقاء كان مقررا مع هذا الدبلوماسي. وفي اشارة الى مسألة الرسائل الالكترونية، قال مستشار نيابي ان "السناتور اينهوف ما زال يفضل لقاء المرشحين شخصيا قبل ان يعطيهم دعمه. وفي ما يخص هذا المرشح، احيط السناتور اينهوف علما بمسائل مثيرة للقلق، وما لم تحل هذه المشاكل، فهو لن يلتقي ماكغورك".

ورفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند التعليق على هذه الرسائل الالكترونية "بين ماكغورك والمرأة التي اصبحت لاحقا زوجته". واضافت نولاند ان ماكغورك الخبير بالملف العراقي "يتمتع بالمواصفات الكاملة ليخدم سفيرا وندعو مجلس الشيوخ الى التحرك سريعا من اجل تثبيته".

واذا ما ثبت ماكغورك، فسيكون اول رئيس للبعثة الدبلوماسية الاميركية في العراق منذ انسحاب القوات الاميركية. وهو كان يشغل حتى الان منصب مستشار لدى السفير الحالي في العراق جيمس جيفري الذي عينه اوباما في حزيران/يونيو 2010. بحسب أذاعة العراق الحر.

وقالت محطة  ايه بي سي نيوز الاميركية: إنه وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الاميركية رفضت التعليق اول الامر على الرسائل الجنسية الفاضحة الا انها تصر الان على اختيار هذا المرشح لمنصب سفير امريكا في بغداد. ودافعت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية فيكتوريا  نولاند عن الترشيح ، واصفة المرشح بأنه "مؤهل بشكل فريد" لهذا المنصب.

وقالت، " انه أمضى الجزء الأكبر من العقد الماضي في خدمة بلدنا داخل وخارج العراق، عاملا لحساب الادارة الجمهورية، والإدارة الديمقراطية". واضافت "انه من وجهة نظرنا مؤهل بشكل فريد ليكون سفيرا ونحن نحث مجلس الشيوخ على التحرك بسرعة على ترشيحه".

لكن نولاند لم تعلق بصورة مباشرة على الطبيعة الواضحة لرسائل البريد الإلكتروني. والايميلات كانت مرسلة إلى جينا تشون في عام 2008 عندما كان ماكغورك يعمل في العراق مفاوضا بشأن القضايا الدبلوماسية الحساسة مثل انسحاب القوات الامريكية في نهاية المطاف. وكانت شون تقوم بتغطية اخبار العراق للصحيفة. في ذلك الوقت كان بريت متزوجا. ونشرت مدونة كريبتوم الرسائل المفعمة بالحيوية في وقت سابق من هذا الاسبوع. وتأكدت ايه بي سي نيوز من صحتها.

وخلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي خصصت لبحث ترشيحه للمنصب الجديد، قال ماكغورك ان هناك تراكمات من الحرب الطائفية المريرة التي لا يزال العراقيون يحاولون تخطيها، مبيناً أن حالة من الخوف وانعدام الثقة وتصفية الحسابات تسيطر على الحياة السياسية.

واعتبر الديبلوماسي الأميركي أن "النزاع السياسي في العراق يشمل أطرافاً أخرى على الساحة، وبخاصةٍ الكرد، ووعد بزيارة الإقليم مرة في الأسبوع على الأقل في حال تسلّم مهامه.

وقال بريت ماكغورك إنه يدرك تماما مدى الضغوط التي تتعرض إليها المنظومة السياسية في العراق: "للمرة الأولى في تاريخ العراق الحديث أصبحت السياسة الآن المضمار الرئيسي للتعامل بين جميع الطوائف المذهبية والعرقية المتعددة في العراق، وتلك هي الأخبار السارة. أما الأخبار السيئة فتتمثل في استمرار وجود الخلافات الشاسعة المستمرة في تهديد هيكلية المؤسسات الناشئة بموجب الدستور العراقي، وهو الوضع الذي يقلقني بشدة".

وتعهد (ماكغورك) بالمساعدة على تنمية التعاون الذي يتخطى الحواجز الحزبية والدينية، بهدف الحد مما أسماه (تأثير الشخصيات الفردية).

وكانت الإشارات بأنه سيواجه مهمة مضنية قد ظهرت يوم 27 آذار – أي في اليوم التالي لترشيحه – حين أعلن مكتب أياد علاوي في الولايات المتحدة رئيس القائمة العراقية في رسالة إلى أعضاء مجلس الشيوخ بأن الكتلة لن تتعامل مع (ماكغورك) بسبب (ولائه وروابطه مع حزب الدعوة الإسلامي).

يذكر أن علاوي غريم مزمن لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي. وكان (ماكغورك) قد تعاون في العمل مع المالكي في المفاوضات المتعلقة ببنود العلاقات التالية للانسحاب الأميركي، بين واشنطن وبغداد.

وتعهد (ماكغورك) في شهادته بالعمل مع قادة جميع الكتل السياسية، وأضاف بأنه سيبذل (كل المستطاع) لضمان موعد وحرية ونزاهة الانتخابات الحلية في 2013، والانتخابات الوطنية العامة في 2014.

وكانت السفارة العراقية في واشنطن قد أكدت بأن الحكومة العراقية (لا مانع ولا تحفظات لديها) على تعيين (ماكغورك). وتعهد (ماكغورك) بخفض حجم الوجود الأميركي في العراق، وبالمساعدة في تطوير القطاع النفطي في البلاد، وبمساعدة بغداد على مقامة ما أسماه بالنفوذ الإيراني غير المقبول.

كما تعهد بأداء دور الوسيط بين العراق وتركيا، وبالضغط على بغداد في ما يتعلق بسورية، وبالمساعدة في مجال موارد المياه المنسية، بحسب تعبيره.

وكان (ماغورك) إبان عهد الرئيس بوش مديرا للشأن العراقي، ثم مساعدا خاصا للرئيس ومديرا أقدم في شأن كل من العراق وأفغانستان. كما كان من أوائل المؤيدين لخطة تعزيز القوات الأميركية، وكان مفاوض واشنطن الرئيسي في التوصل إلى اتفاقية انسحاب القوات الأميركية. وكان مستشارا خاصا ضمن طاقم أوباما في مجلس الأمن القومي.

غير أن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ أكدوا وجود قلق إزاء كون (ماكغورك) لم يسبق له العمل سفيرا لبلاده، علما بأن البعثة الدبلوماسية الأميركية في العراق هي الأكبر في العالم، إذ يبلغ عدد العاملين فيها والمقاولين معها نحو 16000 شخص.

وكان السيناتور الجمهوري الأقدم (جون مكين) قد أفاد لمجلة السياسة الخارجية الاميركية بأن لديه (تساؤلات بالغة الأهمية حول مؤهلاته ومواقفه). وأشار (مكّين) إلى المفاوضات التي جرت في 2011 وفشل فيها (ماكغورك) وزملاؤه في تمديد الوجود العسكري الأميركي إلى ما بعد تلك السنة.

ويعتبر (رمزي مارديني) – الخبير في الشأن السياسي العراقي لدى معهد دراسة الحروب – أن الضغوط المفروضة على (ماكغورك) – باعتباره أول سفير أميركي في الفترة التالية للحرب – ستكون جسيمة:

وفي حال تصويت لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية لصالح (ماكغورك)، سيترتب عليه نيل موافقة مجمل أعضاء المجلس قبل تمكنه من خلافة السفير المنتهية خدمته في العراق (جيمس جيفري).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/حزيران/2012 - 20/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م