أشعار النساء الولائية

محمد طاهر الصفار

 

شبكة النبأ: لعل الاحصائية التي يخرج بها المستقرئ للأدب العربي من أسماء الشاعرات اللاتي صدحن بالحق ونصرن الإسلام وأهل البيت (ع) ستكون مذهلة يستشعر من خلالها القارئ ان مثل هذا الشعر الرسالي الولائي النسائي المدفون في بطون الكتب مهضوم الحق مغبون النصف قديماً وحديثاً ومثلما أهمله الاولون فقد تتبع آثارهم المتأخرون في اخفائه.

ان مما يلفت النظر ان هذه الأشعار رغم جودتها وجزالتها فإنها لم ترق لمن ألّفوا في الشعر ومن جمعوا أشعار الماضين من أصحاب الحماسة وغيرهم إلا ما ندر مع تحريف واقتطاع في عدد الأبيات رغم أنهم لم يراعوا الحشمة عندما نقلوا أخبار نساء البلاط الأموي والعباسي وجواريه وأشعار المجون والخلاعة والليالي الحمراء التي كان يعقدها الخلفاء الامويون والعباسيون كاملة وهي أكثر من أن تحصى وتعد ولا نريد أن نتطرق اليها، فقد امتلأت بها كتب المؤرخين.

ولنعد الى الشاعرات الرساليات اللواتي صدحن بالأصوات الولائية لأهل البيت (ع) وهن كثيرات وسنقتصر بالحديث عن النساء المؤمنات اللواتي ناصرن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في حروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين وخاصة في حربه صفين ضد الفئة الباغية بنص حديث الرسول، فهذه الأشعار حملت من صدق الولاء والإيمان والعقيدة والحب لأهل البيت (ع) ما يفوق الوصف وكان لهذه الأشعار من الأثر ما لا يقل عن جهاد الرجال، والمتأمل في هذه الأشعار التي قيلت في نصرة امير المؤمنين (ع) في حياته ورثائه بعد مماته (ع) يجد العواطف الملتهبة والمشاعر المشوبة بحب أهل البيت (ع) في ثنايا الأبيات ويجد شعراً ناصعاً بالولاء على الرغم من أن اكثرهن كن يرثين أزواجاً وابناءاً واخواناً لهن كانوا قد استشهدوا مع أمير المؤمنين في حروبه.

فتجد أن نصرتهن للإمام كانت تغلب على رثائهن وحزنهن على مفقوديهن فهذه ام سنان بنت جشمة المذحجية تحشم قومها لنصرة الإمام فتقول:

عزب الرقادُ فمقلتي لا ترقدُ... والليل يصدر بالهمومِ ويوردُ

يا آل مذحج لا مقام فشمروا... إن العدو لآل أحمد يُقصدُ

هذا عليٌ كالهلال تحفه... وسط السماء من الكواكب أسعُدُ

خير الخلائق وابن عم محمدٍ... ان يهدكم بالنور منه تهتدوا

مازال مذ شهر الحروب مظفراً... والنصر فوق لوائه ما يفقدُ

ولا تكتفي ام البراء بنت صفوان بتقديم السيف لزوجها عمرو ودعوته لنصرة أمير المؤمنين بل تتمنى انها كانت رجلاً فتقاتل معه، قالت يوم صفين:

يا عمرو دونك صارماً ذا رونقٍ... عضب المهزة ليس بالخوّارِ

أسرج جوادك مسرعاً ومشمّراً... للحرب غير معرّدٍ لفرارِ

أجب الامام ودبّ تحت لوائهِ... وأفرِ العدوّ بصارمٍ بتّارِ

يا ليتني أصبحت ليس بعورةٍ... فأذبّ عنه عساكر الفجّارِ

وتحشّم بكارة الهلالية زوجها زيداً وهي تبرز له سيفاً كانت تذخره (لكل عظيمة):

يا زيد دونك فاستثر من دارنا... سيفاً حساماً في التراب دفينا

قد كنت أذخر لكل عظيمةٍ... فاليوم أبرزه الزمان مصونا

وقالت تخاطب معاوية وتعرّفه بمكانته الوضيعة:

أترى ابن هند للخلافة مالكاً... هيهات ذاك وإن أراد بعيدُ

منّتك نفسك في الخلاءِ ضلالةً... أغراك عمرو للشقا وسعيدُ

فارجع بأنكد طائر بنحوسها... لاقت علياً أسُعدٌ وسعودُ

اما سودة بنت عمارة بن الاشتر الهمدانية فإنها تطلب من أبيها أن يتقدّم الجيوش ويسير أمام لواء أمير المؤمنين(بأبيض صارم وسنان) لنصرته(ع):

شمّر كفعل أبيك يا ابن عمارةٍ... يوم الطعان وملتقى الاقرانِ

وانصر علياً والحسين ورهطه... واقصد لهندٍ وابنها بهوانِ

ان الامام اخو النبي محمد... علم الهدى ومنارة الايمانِ

فقد الجيوش وسر امام لوائه... قدماً بأبيض صارمٍ وسنان

وفجعت هذه الاصوات الهادرة بمصيبة استشهاد امير المؤمنين(ع) فكان لها أنة لمصابه طال امدها حتى توسدت القبر قالت ام سنان المذحجية ترثيه (ع):

امّا هلكت ابا الحسين فلم تزل... بالحق تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربك ما دعتْ... فوق الغصون حمامة قمريا

وقد كنت بعد محمد خلفاً كما... اوصى اليك بنا فكنت وفيا

وتريثه ام البراء بنت صفوان وهي منكوبة خائرة القوى:

يا للرجال لعظم هول مصيبةٍ... فدحت فليس مصابها بالهازلِ

الشمس كاسفة لفقد امامنا... خير الخلائق والامام العادلِ

يا خير من ركب المطيّ ومن مشى... فوق التراب لمحتفِ او ناعلِ

حاشا النبيّ لقد هددت قواءنا... فالحق أصبح خاضعاً للباطل

اما بكارة الهلالية فكانت تفضل الموت على رؤية بني أمية على المنابر وهم ينالون من أمير المؤمنين:

 قد كنت أطمع أن أموت ولا أرى... فوق المنابر من أمية خاطبا

 فالله أخّر مدتي فتطاولت... حتى رأيت من الزمان عجائبا

 في كل يوم لا يزال خطيبهم... بين الجموع لآل أحمد عائبا

وقالت سودة الهمدانية ترثي امير المؤمنين(ع):

صلى الاله على جسم تضمنه... قبرٌ فأصبح فيه العدل مدفونا

 قد حالف الحق لا يبغي به بدلاً... فصار بالحق والإيمان مقرونا

وكانت هند بنت يزيد الانصارية من انصار امير المؤمنين (ع) في الكوفة وكانت معروفة بحسن الرأي ووفرة العقل وقد مرّ من أمامها حجر بن عدي وهو مقيد بالحديد وقد أخذه الجند الى معاوية فقالت:

 ترفّع أيها القمر المنير تبصّر... هل ترى حُجراً يسيرُ

 يسير الى معاوية بن حربٍ... ليقتله كما زعم الأميرُ

 تجبّرت الجبابرُ بعد حجرٍ... وطاب لها الخورنقُ والسديرُ

 وأصبحت البلاد لها محولاً... كأن لم يُحيها برق مطيرُ

 ألا يا ليت حُجراً مات موتاً... ولم ينحرِ كما نحر البعير

 ألا يا حجر حُجر بني عديٍ... تلقتك السلامةُ والسرورُ

 أخاف عليك ما أردى عدياً... وشيخاً في دمشق له زئيرُ

 يرى قتل الخيار عليه حقاً... له من شر أمته وزيرُ

 فإن يهلك فكل زعيم قومٍ... من الدنيا الى هلكٍ يصيرُ

وقالت لما جاءها خبر قتله من قبل معاوية:

 دموع عيني ديمةٌ تقطرُ... تبكي على حجرٍ ولا تفترُ

 لو كانت القوس على أسرةٍ... ما حمل السيف له الأعور.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/حزيران/2012 - 15/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م