مسلمو أوروبا... مواجهة التطرف والتهميش

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: أثرت ظاهرة الهوس بمعاداة الإسلام بشكل مباشر على ضعف الاهتمام بقضايا المسلمين في أوربا، حيث زاد البعد العنصري ضد المسلمين من خلال التحريض على الكراهية حيالهم، في ظل عدم الاندماج الذي أدى الى قيام معازل اجتماعية، فقد أثار السلفيون في الآونة الأخيرة بواعث خطر شديد اللهجة في أنحاء أوربا وخاصة ألمانيا فأصبحت الاشتباكات السلفية مؤخرا قضية مثارة في تأجيج الصراع السلفيين مع ألمانيا.

كما يعاني الجيل المهاجرين المسلمين الذين كان أغلبهم عمالا وفدوا من شمال أفريقيا وآسيا من صعوبات في التكيف مع الحياة في أوروبا الأمر الذي جعل أبناءهم وبناتهم ممزقين بين ثقافتهم ذات الخلفية الإسلامية والثقافة الأوروبية كما هو الحال في جريمة الشرف البريطانية، وكذلك استمرار مسلسل الانتهاكات الحقوقية الممثلة بالعنصرية والتميز والإقصاء والحرمان في فرنسا وهولندا وبلجيكا، ناهيك عن كون التعصب ضد الإسلام في الدنمارك.

وتبقى التحديات الأخيرة التي ظهرت على الساحة تضع مسلمي أوروبا في موقف صعب وتمزقهم ما بين ميلهم نحو المجتمعات التي تنتمي جذورهم إليها وتلك التي يعيشون فيها في القارة الأوروبية.

ألمانيا

فقد قال رئيس جهاز المخابرات الالماني ان المانيا قد تكون هدفا لهجوم اسلامي مماثل لذلك الذي نفذه مسلح في فرنسا، وتأتي تصريحات رئيس جهاز المخابرات الالماني هاينز فروم التي وردت في مقابلة مع صحيفة بيلد اليومية اوسع الصحف الألمانية انتشارا بعد سلسلة اشتباكات في عدة مدن وبلدات المانية بين الشرطة وإسلاميين سلفيين، وقال فروم لصحيفة بيلد "الخطر على ألمانيا لم يتقلص للاسف. وهو ليس باي حال خطرا مجردا. وقوع هجوم مثل الذي شهدته فرنسا في مارس ... أمر ممكن هنا" مضيفا ان محمد مراح كان قد أجرى اتصالات ايضا مع سلفيين قبل ان يبادر باطلاق النار، وقتل المسلح محمد مراح وهو فرنسي من اصل جزائري سبعة اشخاص - هم ثلاثة جنود وثلاثة اطفال يهود وحاخام - قبل ان تقتله وحدة قوات خاصة من الشرطة الفرنسية، وقال ان القاعدة ألهمته بعملية القتل، واشار فروم الى شريط فيديو سجله سلفي يقيم في برلين - وهو مغني راب سابق يدعى دينيس سي. - يدعو الى الجهاد ويشيد بمراح واسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة، وقال "يجب ان نأخذ (هذا الفيديو) مأخذ الجد. قد يكون الامر ان هذا الفيديو يؤخذ على انه تحريض على شن هجمات، وأضاف "مع دعايتهم المكثفة على الانترنت وفي الشوارع وفي المساجد وايضا فيما يطلق عليه المنتديات الاسلامية يصل الوعاظ السلفيون على وجه الخصوص الى الشبان وهم الاكثر حساسية لهذه الايديولوجية. بحسب رويترز.

وتابع فروم الذي يرأس مكتب حماية الدستور الألماني "كل الارهابيين الاسلاميين من المانيا تقريبا سلكوا سبيل التطرف بهذه الطريقة، وفي وقت سابق قالت الحكومة الالمانية انها تدرس الحظر القانوني للسلفيين بعد الاشتباكات الاخيرة، وفي أكثر أعمال العنف خطورة هاجم سلفيون الشرطة التي تحرس محتجين يمينيين متطرفين مناهضين للاسلام اثناء حشد انتخابي في مدينة بون بغرب البلاد وأصابوا 29 من افراد الشرطة بجروح اثنان منهم اصاباتهما خطيرة، واثار المحتجون اليمينيون غضب السلفيين عندما لوحوا بلافتات عليها رسوم كاريكاتير للنبي محمد، وقال فروم ان السلفيين يرفضون دستور ألمانيا العلماني الديمقراطي ويريدون انشاء دولة دينية تطبق احكام الشريعة، ويبلغ عدد السلفيين في المانيا نحو 4000 شخص ولهم جذور في السعودية. وهم يمثلون نسبة ضئيلة من المسلمين في المانيا الذين يبلغ عددهم نحو أربعة ملايين نسمة يقول فروم ان الغالبية العظمى منهم يحترمون القوانين الألمانية.

من جهته قال وزير الداخلية الالماني هانز بيتر فريدريش ان المانيا تبحث فرض حظر قانوني على الجماعات السلفية المتشددة بعد اشتباكات عنيفة مع الشرطة تسبب في احداها اليمين المتطرف، ووقعت اشتباكات مماثلة في مدن المانية اخرى من بينها كولونيا حيث تم نشر نحو ألف شرطي للفصل بين السلفيين وناشطين من اليمين المتطرف، وقال فريدريش لتلفزيون إن-تي.في. "سنستخدم كل الامكانات المتاحة في دولة يحكمها الدستور لمواجهتهم (السلفيين) أينما خرجوا على... نظامنا الدستوري، وفي اشارة الى القوميين المتطرفين الذين اشتبكوا مع السلفيين في بون قال فريدريش "لن تسمح ألمانيا لاي شخص بفرض حروب دينية علينا لا السلفيين المتطرفين ولا أحزاب اليمين المتطرف في ولاية نورد راين فستفاليا، وأكد متحدث باسم وزارة الداخلية ان الحكومة تبحث امكانية فرض حظر على نشاط الجماعات السلفية، واضاف الوزير لصحيفة راينتشه بوست في مقابلة منفصلة "مما لا شك فيه ان السلفيين قريبون فكريا من تنظيم القاعدة... لهم هدف سياسي واضح هو تدمير ديمقراطيتنا الليبرالية. لن نسمح لهم بأن يفعلوا ذلك. وجاء كثيرون من تركيا "كعمال زائرين" في الستينات والسبعينات وأسهموا في النمو الاقتصادي في المانيا. ويبلغ اجمالي تعداد المانيا 82 مليون نسمة. بحسب رويترز.

الى ذلك حكم القضاء الالماني بالسجن ستة اعوام على الماني افغاني بعد ادانته بالانتماء الى القاعدة، وقال المتحدث باسم محكمة كوبلنس (غرب) توبياس ايسرت انه حكم على احمد والي صديقي (37 عاما) "بالسجن ستة اعوام لانتمائه الى تنظيمين ارهابيين اجنبيين هما الحركة الاسلامية في اوزبكستان والقاعدة"، واضاف ان "الحكم يستند خصوصا الى اعترافات المحكوم"، موضحا انه اقر بمشاركته في معسكر تدريب بوزيرستان في باكستان، وكانت النيابة طلبت عقوبة السجن سبعة اعوام ونصف عام في حين طلب الدفاع السجن اربعة اعوام، واورد القرار الاتهامي ان المشتبه به غادر المانيا في اذار/مارس 2009 للخضوع لتدريب عسكري على استخدام المتفجرات في المنطقة الحدودية بين افغانستان وباكستان، كذلك، شارك في مواجهات مسلحة بين القوات المسلحة الباكستانية وجنود قوة الحلف الاطلسي في افغانستان، واعتبارا من حزيران/يونيو 2010، اجرى اتصالات واسعة مع مسؤول كبير في القاعدة كان يعد لتاليف شبكة في اوروبا. بحسب فرانس برس.

وكان مطلوبا من صديقي ان يعمل على هذا المشروع في المانيا، وفي نهاية 2010، اعلن الشطر الغربي من اوروبا وخصوصا المانيا انه مهدد بسلسلة اعتداءات تعدها مجموعات ارهابية مسلحة، ما دفع برلين الى تعزيز اجراءاتها الامنية في محطات القطارات والمطارات، وفي تموز/يوليو 2010، اعتقل المتهم في كابول قبل ان يعود الى المانيا ثم قام الاميركيون باحتجازه قبل ان يسلموه للسلطات الالمانية في نيسان/ابريل 2011.

بلجيكا

في سياق متصل قرر عمدة مولنبك احدى بلديات بروكسل، منع التجمعات التي يشارك فيها اكثر من خمسة اشخاص، بصورة موقتة على اثر مشاجرات تلت توقيف امرأة ترتدي الحجاب، وذكرت البلدية ان حظر التجمعات الذي قرره الاشتراكي فيليب مورو رئيس هذه البلدية في شمال بروكسل التي تسكنها جالية كبيرة من المهاجرين، وقد بدأ التوتر عندما اراد عناصر من الشرطة التدقيق في هوية امرأة كانت تنتظر حافلة وهي ترتدي الحجاب الذي تحظره بلجيكا في الاماكن العامة منذ عام، ورفضت هذه البلجيكية التي اعتنقت الاسلام الكشف عن هويتها، فاقتيدت الى مخفر حيث اجتاحتها ثورة غضب وضربت اثنتين من الشرطيات وكسرت انف إحداهن، ونقلت المرأة الموقوفة الى المستشفى مصابة بارتجاج دماغي طفيف، وتجمع حوالي مائة شاب غاضب امام مخفر الحي وحاولوا اقتحامه وألقوا مقذوفات على قوات الامن وحافلات. واصيب شرطي في ركبته، فيما اصيبت احدى زميلاته بجروح طفيفة جراء تناثر الزجاج، وقالت وزيرة الداخلية جويل ميلكيه "يجب التعامل بقسوة شديدة مع هذه التصرفات"، ودعت الى اجراء تحقيق معمق، اما نائب عمدة مولنبك فرفع شكوى على الشرطة الاتحادية متهما اياها بالتهجم عليه بينما كان يحاول تهدئة الشبان. بحسب فرانس برس. 

واعلنت النيابة العامة في بروكسل توقيف شاب وقاصر القيا حجارة، واوضح عمدة مولنبك انه حاول التحاور مع الشبان لكنهم ردوا عليه "لا نتحدث مع الاعداء". وعزا مورو مسؤولية اعمال الشغب هذه الى "مجموعة صغيرة معتادة على التسبب في اضطرابات هي "شريعة فور بلجيوم"، وقد ادين المتحدث باسم منظمة "شريعة فور بلجيوم" الاسلامية المتطرفة الموجودة حتى الآن في انفير (شمال) في بداية ايار/مايو، ب "التحريض على الكراهية حيال غير المسلمين"، وقال وزير الخارجية الليبرالي ديدييه ريندرز اخيرا ان سياسة الاندماج التي يطبقها فيليب مورو في بلديته منيت ب "فشل ذريع" لأنها ادت الى قيام "معازل".

الدنمرك

الى ذلك تصدر محكمة في الدنمرك حكمها بشأن ما اذا كان اربعة رجال خططوا لارتكاب مذبحة في صحيفة ردا على نشرها لرسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد وهو حدث وقع قبل سبع سنوات ومن المنتظر ان يلاحق الدنمرك لسنوات مقبلة، ودفع ثلاثة سويديين وتونسي بأنهم غير مذنبين في التخطيط لمذبحة في مكاتب صحيفة يولاندس بوستن في كوبنهاجن، وقالت الشرطة ان الهجوم استهدف "قتل اكبر عدد ممكن" وتم احباطه قبل ايام فقط من وقوعه، ولم تكن هذه سوى احدث واقعة ضمن عدد من الحوادث الناجمة عن نشر هذه الرسوم، ففي العام الماضي حكم على صومالي كان يشهر بلطة بالسجن عشر سنوات لمحاولته قتل رسام الكاريكاتير كورت فسترجارد في اقتحام لمنزله في يوم رأس السنة في 2010، واعتقل ايضا شقيقان شابان دنمركيان منحدران من اصل صومالي لتخطيطهما لشن هجوم يعتقد انه ناجم عن نشر تلك الرسوم، ولا يساور ياكوب شارف قائد جهاز الامن والمخابرات الدنمركي (بي.ئي.تي) شكوكا بشأن عواقب تلك الرسوم، وقال "ما نراه في عملنا هو ان القاعدة وجماعات اسلامية متشددة اخرى مازالت تستخدم هذه الرسوم كجزء مهم من دعايتها، "لقد اصبحت جزءا من روايات الاسلام المتشدد والروايات المتعلقة بكيف يتعرض المسلمون للسخرية وكيف ان دولا غربية مثل الدنمرك تؤذيهم، واضاف ان هذه القصة تعني ان الدنمرك قد تظل هدفا لخمس او عشر سنوات. بحسب رويترز.

حظر الوظائف

على الصعيد نفسه قالت منظمة العفو الدولية ان حظر ارتداء النقاب الذي فرض في فرنسا وبلجيكا واخفاق دول أوروبية أخرى في منع اصحاب العمل من فرض قواعد على ملابس الموظفين يعني حرمان النساء المسلمات من الوظائف والتعليم، وقالت منظمة العفو في تقرير واسع النطاق يسلط الضوء على نماذج من التمييز ضد المسلمين في انحاء اوروبا ان الحكومات تروج لمشاعر التحيز من خلال منع النساء المسلمات من ارتداء النقاب وحثت فرنسا وبلجيكا على الغاء الحظر الذي فرضته كل منهما على النقاب، وقال ماركو بيروليني الباحث في المنظمة "النساء المسلمات يحرمن من تقلد الوظائف والفتيات يمنعن من الانتظام في صفوف الدراسة فقط لارتدائهن انماطا تقليدية من الملابس، وأضاف قائلا "بدلا من مواجهة هذه التحيزات عادة ما تروج الاحزاب السياسية والمسؤولون الرسميون جميعا لها (التحيزات) في اطار سعيهم للحصول على اصوات الناخبين، وقالت منظمة العفو المعنية بحقوق الانسان ان دولا مثل بلجيكا وفرنسا وسويسرا وهولندا تخفق ايضا في منع اصحاب العمل من فرض سياسات غير رسمية تحظر الملابس ذات الطابع الديني مثل الحجاب الذي ترتديه الكثير من النساء المسلمات من منطلق الحفاظ على الحياد والترويج لصورة الوحدة او ارضاء الزبائن. بحسب رويترز.

وجاء في التقرير ان التلميذات في هذه الدول ودول أخرى منعوا أيضا من ارتداء ملابس ذات طابع ديني وثقافي، ودعت منظمة العفو الاتحاد الاوروبي الى العمل على التأكد من ان التشريع الاوروبي الذي يحظر على أصحاب العمل التمييز بين الموظفين على اساس الدين او المعتقد يطبق بصورة صحيحة في جميع الدول السبع والعشرين الاعضاء، كما حثت المنظمة القادة الاوروبيين على تجنب فرض حظر على ارتداء الازياء ذات الطابع الديني او الثقافي في المدارس والجامعات، وحظرت فرنسا ارتداء النقاب في ابريل نيسان 2011 وتبعتها بلجيكا في يوليو تموز من العام نفسه بينما اقترحت تشريعات مشابهة في هولندا وايطاليا وبعض الاقاليم الاسبانية.

جريمة شرف

من جهة أخرى يمثل زوجان من اصل باكستاني امام محكمة بريطانية بتهمة قتل ابنتهما البالغة 17 عاما لانهما كانا يعارضان نمط حياتها "الغربي"، من خلال خنقها في منزل العائلة بعد اشهر من التهديدات والعنف، وفي اليوم الثاني من المحاكمة بتهمة ارتكاب "جريمة شرف" في العام 2003، ادلت شقيقة الضحية وراء ستارة بعيدا عن انظار والديها افتخار وفرزانة احمد بشهادتها امام محكمة تشستر في شمال غرب انكلترا، وقالت اليشا احمد (23 عاما) التي تؤكد انها شهدت عملية قتل شقيقتها شافيلا من قبل والديها في منزل العائلة، انها تلقت تربية باكستانية "مقيدة"، وروت ان شقيقتها كانت تتعرض "لتعنيف جسدي يوميا تقريبا" بسبب طريقة لبسها واصدقائها والموسيقى التي كانت تستمع اليها. واضافت ان والديها كانا "يشتبهان" ايضا بانها تعاشر الفتيان، واشارت اليشا الى شجار بين والديها وشقيقتها "احتجزت على اثره في غرفة وحرمت من الاكل لمدة يومين او ثلاثة ايام". واكدت ايضا ان والديها هددا في احدى المرات شقيقتها بسكين، ولزمت الشابة الصمت حول الجريمة لمدة سبع سنوات ولم تبلغ الشرطة الا في العام 2010 بعدما اوقفت لضلوعها في عملية سرقة في منزل والديها في وارينغتون. بحسب فرانس برس.

وروت الشابة لعناصر الشرطة انها رأت والديها يخنقان شقيقتها من خلال وضع كيس بلاستيكي في فمها في ايلول/سبتمبر 2003 قبل ان يغلفا جثتها باكياس نفايات وشريط لاصق، وينفي الوالدان انهما قتلا ابنتهما التي عثر على جثتها المتحللة في شباط/فبراير 2004 في منطقة كامبريا (شمال غرب)، ويفيد الادعاء ان الزوجين قتلا ابنتهما لانها كانت ترفض زواجا مدبرا في باكستان، وقال المدعي العام اندرو ايديس "كانت شابة بريطانية من اصل باكستاني تعتمد نمط العيش الغربي. وكان لوالديها معايير ترفض اتباعها. المتهمان بعدما حاولا لمدة 12 شهرا اخضاع ابنتهما لمشيئتهما ادركا انهما لن ينجحا لذا اقدما على قتلها حتى لا يسيء تصرفها الى شرف العائلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/حزيران/2012 - 14/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م