ان الاحساس بالعدالة لا يوجد في اعماق عموم الناس التي لا تدرك
ضرورة العـدل الا حينما يصيبها ضرر، وتظل غير حافلة تماماً بالضرر الذي
يصيب حق الغير الا بصورة نسبية قد تكون غير فعالة.
للعدالة هرم الضلع الاول قضاء نزيه وعادل والثاني سلطه تنفيذيه
تحكمها معايير مهنية والثالث العدالة الواقفة التي تتمثل بالمحامي وان
اي خلل بالأضلاع الثلاث تتحول من عدالة الى ظلم وتتطور صناعة الابتزاز
وفن التعذيب وانتهاكات مخزيه لحقوق الانسان ويتحول المحقق الى غول
والقاضي الى جلاد والمحامي الى مساوم وهذا تبدا سلسله الظلم، في السابق
كانت القاعدة هي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، اليوم أصبحت القاعدة:
"البريء متهم حتى ولو أُثبتت براءته".
ان اجهزة العدالة مهمتها الأساسية اثبات الحقيقة، ذلك ان فكرة
العدالة لا يمكن ان تبنى على الوهم او القناعات الزائفة. ومن ثم ينبغي
على اجهزه العدالة ان تتحرى عن هذه الحقيقة من خلال تدقيق الادلة،
وعملية التحري هذه تدور حول التحقق مما اذا كانت هناك ادلة كافية يمكن
ان تدحض اصل البراءة من عدمها، ان ظاهرة الشكاوى الكيدية بدأت تتطور
وأصبحت صناعة وثقافة لدى هؤلاء المفترين وأصبحوا يفاخرون بها وبأعمالهم
المشينة ويحرضون الآخرين على تقليدهم، ويوضحون لهم مميزاتها وسهولة
الحصول من خلالها على منالهم دون عناء، يساعدهم على ذلك تعاون أصحاب
الحق معهم من خلال تحقيق رغباتهم وذلك ما سيجعل هذه الممارسة مستمرة
ويشعر كل مواطن انه معرض للاعتقال الاعتباطي نتيجة اقامة دعوى كاذبة
ضده ولا يمكن ان يخرج من شراكها بسهولة، ولدينا العديد من الامثلة
والشواهد الواقعية على هذه المأساة التي يواجهها المواطنون من الظواهر
المؤلمة التي يعاني منها المجتمع، لغرض التنكيل بهم وتشويه سمعتهم أو
ابتزازهم من دون وجه حق.
قد تتفق المجتمعات حول مفهوم الشكوى ولكنها تختلف حين يتعلق الأمر
بأشكالها وأهدافها. فالشكوى هي عبارة عن وسيلة يسعى الفرد من خلالها أن
يرفع الظلم ويسترد الحقوق في المجتمعات التي تقوم على علاقات صحية بين
الأفراد حيث يعرف كل فرد دوره وواجباته نحو المجتمع، لا يتقدم الفرد
بشكوى إلا بعد أن يستنفد كل السبل الودية ويحرص ألا تتضمن الشكوى سوى
المعلومات والحقائق التي تساعد على استرداد الحق، أما في المجتمعات
التي تعاني من الأمراض الاجتماعية والنفسية فإن الشكوى تتجاوز المطالبة
بالحق ورفع الظلم لتتخذ شكلاً آخر عبارة عن سلاح يدمر به الشاكي صورة
الآخرين ومكانتهم في المجتمع. وهذا الشكل يقودنا إلى شكل مقيت من أشكال
الشكاوى وهي الشكاوى الكيدية التي قد تتضمن كماً هائلاً من المعلومات
الكاذبة والمدمرة والتي من شأنها أن تنال من شرف ونزاهة الآخرين وهي في
نفس الوقت تحمل اسماً مستعاراً ولا يمكن بأي حال من الأحوال التوصل
لمصدر الشكوى أو التعرف على شخصية المرسل.
بعض من اسبابها المحزن في الامر ان العديد من هذه العمليات التي
تقوم بها السلطة التنفيذية وهي احد اركان العدالة تجري من قبل عناصر
تسللت الى الاجهزة الأمنية وتقوم بالابتزاز والاعتقال بملابس رسمية
وسيارات حكومية، ولاشك ان سبب ذلك يعود الى خلل في المقاييس التي وضعت
للتعيينات في الاجهزة الأمنية ربما أعطى الأمان لمن يقوم بهذه
التجاوزات للاستمرار فيها من دون عقاب، فالسلطة التي يتمتعون بها بحكم
وظائفهم تعطيهم الحصانة وتشيع الخوف منهم في قلوب الناس الذين لا
يعرفون الى أية جهة يلجئون دفاعاً عن انفسهم وامواله.
أن المجتمع أضحى يعاني أزمة قيم تطبع سلوك البعض، وتدفع إلى القيام
بأي شيء كان في سبيل تحقيق غاية معينة حتى ولو كانت ضد القوانين ويمكن
أن تضر بالآخر، ما يؤكد وجود اختلال كبير في منظومة القيم والسلوك لدى
الأفراد والتي تنعكس بالضرورة على المجتمع ككل إيجابا أو سلبا، فانتشار
الظواهر السلبية داخل المجتمع يدل بصراحة على وجود اختلالات تختلف
حدتها حسب نوع الظواهر، فالمجتمع الذي يتساهل مع بعض ناهبي المال العام
ومتجاوزي حقوق الانسان ولا يحرك المتابعة في حقهم، يساهم لا محالة في
بروز نوع من الحقد بين أفراده، يتحول مع الوقت إلى رغبة في الانتقام،
تترجم بتصرفات المواطنين الذين يفقدون الثقة في العدالة، ومن ثم يؤمنون
بفكرة سلك طرق معينة للحصول على حقهم حتى ولو كانت مخالفة للقانون وتضر
بآخرين، كما ان وقع الجريمة على الناس يجعلهم يصبون جام غضبهم على من
اتهمته السلطات بالجريمة ولو كان الاتهام في حقيقته قد جاء بناءاً على
مجرد بلاغ من احد الافراد، فقد تكون التهمة كيدية او ملفقة او كانت
لأسباب سياسية او بسبب تعارض المصالح في اطار المنافسة غير المشروعة
وما يتبع ذلك من تشهير اعلامي قد يكون سبباً في تضليل الرأي العام. ومن
ثم يتنكرون لأصل براءة المتهم متناسين ان ذلك الانكار يمس ضمانات حريات
جميع الناس وقد يكون احدهم محل تهمة كيدية في ذات يوم فيطالب حينها
بالعدل والانصاف.
القضاء وقبول الكيديات
وقد قيل بحق ان قانون العقوبات انما وضع لمواجهة الاشرار وان قانون
الاصول الجزائية وضع لحماية الشرفاء، لقد أثبت القضاء في بلادنا وعلى
مر السنوات بالعدالة والنزاهة ورغم التشكيك الحاصل نتيجة بعض المواقف
ولكن البعض منهم قد قاموا باستغلال هذا الامر بشكل يتنافى مع الغاية
الاسمى للقضاء، حيث أن هناك بعض الأشخاص الذين يضعون نصب أعينهم إيذاء
الآخرين وتعطيل مصالحهم عن طريق رفع دعاوى كيدية أمام الجهات القضائية
لأسباب وأمور يعلم كل الأطراف في الدعوى بأنها غير حقيقية أو غير جديرة
بالاهتمام، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تكديس القضايا لدى المحاكم ويكون
سببا رئيسيا في بطء الاجراءات القضائية وهي المشكلة الكبرى التي يعاني
منها كل من له دعوى في محاكمنا. كما ان مهنة المحامين اسمى مهنة وان
اتجاه البعض منهم بالاشتراك مع بعض ضعفاء الذمة من المحققين الفاسدين
أدت في بعض الأحيان إلى نتائج كارثية يصعب تفصيلها في مثل هذه العجالة
إن تعاون أصحاب الحق مع أصحاب الباطل هو ما يؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة
الإجرامية الخطيرة التي تؤدي إلى الاعتداء على أحد أهم الضروريات الخمس
التي أوجب الإسلام حمايتها والحفاظ عليه، ولتجاوز هذه الإشكالية التي
تهدر وقت العدالة على القاضي المختص ان لايقع تحت طائلة التأثير
السياسي وتأثير المحقق الفاسد والمحامي الخصم والمخبر السري المجهول
المعلوم.
نماذج من انواعها واشكالها:
1. ان تقام هذه الدعاوى على الشخص نفسه في عدة اماكن ومدن بحيث يبقى
متنقلاً من موقف الى آخر للرد على تهم باطلة، وقد خلقت هذه الظاهرة
ذعراً شديداً وأشياء لدى المواطنين لتفشيها ومعاناة الكثير من ظروفها
وعواقبها.
2. من حيث الأهداف فهناك قضايا كيدية تستهدف فقط إطالة إجراءات
التقاضي في دعوى معينة عبر إدخال طرف ثالث لا علاقة له بالقضية الأصلية
أو عبر رفع دعوى مضادة في محكمة أخرى ثم طلب ضم الدعاوي وتضخيم الملف
وتعقيد الدعوى الأصلية بما يطيل إجراءات التقاضي إلى أجل غير مسمى.
3. هناك الكيد الذي يستهدف ابتزاز المدعى عليه كاستصدار حكم قضائي
ضده ثم مساومته على التنفيذ أو رفع دعوى بمبالغ ضخمة أو تحتمل صدور
عقوبة جنائية ثم المساومة على التصالح.
4. هناك من القضايا الكيدية ما يستهدف بالفعل الاعتداء على حقوق
الآخرين وهذه القضايا تتمثل غالباً في قضايا الاستحواذ على الممتلكات
والتصرف بها كونه مطلوب قضائياً.
إن تشريع نظام محاربة الدعاوى الكيدية سيقلل كثيرا من المشكلات
والاعتداءات اليومية، ويأتي على رأسها إيقاف الاعتداء على حقوق وأعراض
وممتلكات الناس.
وخلاصة القول:
ان استمرار القبول بالتقارير الكيدية والمخبر السري وشهادات الزور
بناء على نزاعات قديمة أو شخصية وثأرية ونكايات، حوّل العديد من
المواطنين الابرياء الى متهمين يقبعون في المواقف والسجون وينتقلون
بينها، وقد أصبح ذلك تراكماً كمياً كبيراً وظاهرة متفشية، لذلك فان
المسؤولين مطالبون باتخاذ اجراءات حقيقية وعملية لوضع حد لهذه
الممارسات ومعاقبة مرتكبيها لرفع الاذلال عن المواطنين الابرياء، ونصرة
العدالة وتطبيق القوانين وتفعيل القضاء والاهتمام به وحمايته من أي
تدخل في شؤونه.
1. اصبحت ضرورة لتشريع (نظام محاربة الدعاوى الكيدية) والحرص على
تطبيقه بكل حزم سيقلل كثيرا من المشكلات والاعتداءات اليومية، ويأتي
على رأسها إيقاف الاعتداء على حقوق وأعراض وممتلكات الناس.
2. اتخاذ اجراءات كفيله من نقابه الحامين بإيقاف عمل المحامي عند
ثبوت تورطه بالدعاوى الكيدية.
3. اتخاذ اجراءات من قبل القاضي المختص بإيداع الدعوى الى محقق
تتمثل به ابسط قواعد وسلوك المهنة.
4. على الاعلام الوطني فضح من ثبت تورطه بانتهاكات حقوق الانسان
مهما كانت صفته السياسية والوظيفية.
* العراق - بغداد
Rh.bahar@yahoo.com
....................................................
مراجعة ما نشر في الصحافة عن الدعاوي الكيدية في
الروابط التالية:
http://www.annabaa.org/nbanews/2012/02/228.htm
http://www.annabaa.org/nbanews/2011/12/049.htm
http://www.annabaa.org/nbanews/2012/01/043.htm |