بقدر ما استرعت الانتخابات التشريعية المصرية اهتمام العالم فإن
الانتخابات الرئاسية تثير اهتماما أكبر. الانتخابات التشريعية التي
أعطت مؤشرا على معادلة التوازنات الحزبية والتوجهات السياسية للرأي
العام لم تُحدث الانتقال السلس والسلمي للسلطة بل أثارت من الإشكالات
أكثر مما حلت من مشاكل، فهل ستنجح الانتخابات الرئاسية فيما عجزت عنه
الانتخابات البرلمانية؟.
لا غرو أن الانتخابات الرئاسية المصرية ظاهرة غير مسبوقة ليس فقط
على مستوى مصر بل على مستوى العالم العربي، فلأول مرة نشاهد انتخابات
رئاسية تحضا بهذا الاهتمام الشعبي والدولي، ولأول مرة تحدث انتخابات
رئاسية عربية دون أن يكون الرئيس معروف مسبقا، انتخابات فيها تنافس
حقيقي حيث لا تستطيع أي من أجهزة الدولة التدخل لصالح طرف على حساب طرف
ثاني، فلا هيمنة الإخوان المسلمين على المجلسين التشريعيين ولا هيمنة
الجيش على السلطة التنفيذية سيؤثر على نزاهة الانتخابات ومصداقية
نتائجها، بالإضافة إلى الإشراف الكامل للقضاء على العملية الانتخابية.
هذا لا يمنع من إمكانية حدوث صدامات في بعض المناطق وتشكيك البعض في
نزاهتها إن لم يكن رفض هذه النتائج وخصوصا إن لم يفز مرشح الإخوان
المسلمين.
إن كانت خصوصية النظام السياسي المصري كنظام رئاسي تمنح منصب
الرئاسة هذه الأهمية حيث لاحظنا أن الانتخابات التشريعية التي أدت لفوز
كبير للإسلام السياسي لم تؤدي لتداول على السلطة ولا لحالة استقرار في
مصر بل زادت الأمور الاقتصادية والأمنية تدهورا، فإن خصوصية المرحلة
السياسية في مصر وطبيعة القوى السياسية المتنافسة على السلطة ودور مصر
العربي والدولي يزيد من أهمية هذه الانتخابات ويشد الانتباه إليها.
أيضا فإن قدرة الانتخابات الرئاسية على إخراج مصر من عنق الزجاجة
وخلق حالة استقرار سياسي سيشكل مؤشرا إيجابيا على ما يسمى بـ (الربيع
العربي) حيث تعيش دول هذا الربيع أوضاعا صعبة.
أهمية وخطورة الانتخابات الرئاسية المصرية أنها جاءت في مرحلة
انتقالية نتجت عن حراك شعبي واسع وفي مرحلة تمدد الإسلام السياسي في
مصر والمنطقة وفي مرحلة تزايد الهيمنة الأمريكية على المنطقة وركوبها
موجة (الثورات العربية) وفي مرحلة استنهاض النعرات الطائفية والإثنية
بفعلها الذاتي أو بفعل توجهات مخططي إستراتيجية (الفوضى الخلاقة).
معركة الانتخابات الرئاسية هي التي ستحسم ما إن كان سيحدث تداول سياسي
حقيقي على السلطة في مصر أم سيتم إعادة أنتاج النظام القديم بوجوه
جديدة ؟ أم ستحدث شراكة سياسية بين إسلام سياسي يسيطر على السلطة
التشريعية ومؤسسة عسكرية ورئاسية وطنية ليبرالية حداثية تسيطر على
السلطة التنفيذية؟ وهي المأمول منها أن تؤسس للانتقال من شرعية الشارع
لشرعية المؤسسات.
يمكن القول إن مصر تنتخب (فرعونها) - ليس هذه القول من باب التشكيك
في العملية الديمقراطية الجارية في مصر ولا التشكيك بالشعب المصري
وبالرئيس القادم ففراعنة مصر أسسوا وحكموا أعرق وأعظم الحضارات القديمة
- ولكن من منطلق خصوصية المجتمع المصري وتاريخه ومن خصوصية الوضع
الراهن حيث تجرى انتخابات رئاسية قبل وضع الدستور الذي يحدد الصلاحيات
سواء للرئيس أو للجيش أو للعلاقة بين السلطات الثلاثة، فالانتخابات
تجرى على قاعدة الوثيقة الدستورية التي تمنح صلاحيات واسعة للرئيس، وفي
ظل وضع أمني واقتصادي صعب وفي ظل غياب توافق على ثوابت ومرجعيات النظام
السياسي والدولة والأمة. الرئيس القادم لمصر إما أن يكون فرعونا قويا
لمرحلة انتقالية إلى أن يتم الحسم بالدستور وتصفية أو التفاهم مع
متبقيات النظام القديم كأشخاص ومؤسسات ومراكز قوى اقتصادية، أو سيكون
رئيسا مشلولا بالرغم من الصلاحيات الممنوحة له، يقف موقف المتفرج على
صراع بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة التشريعية، و المكونات الاجتماعية
والسياسية المتطاحنة.
في ظل الوضع الراهن في مصر حيث لم يتم القطع مع النظام القديم وحيث
القوى الحزبية الأكبر لا تجربة سابقة لها بالسلطة وبرنامجها
وإيديولوجيتها يشوبهما الغموض والإبهام وحيث الأوضاع الاقتصادية
والأمنية في حالة تدهور الخ، فإن مصر تحتاج في المرحلة الانتقالية
القادمة لرئيس قوي يكون فوق الأحزاب القائمة.
فوز المرشح الرئاسي للإخوان إن كان سيخلق انسجاما بين المؤسستين
التشريعية والتنفيذية إلا أنه في ظل الأيديولوجية الدينية لجماعات
الإسلام السياسي وعدم التوافق المسبق على الثوابت الوطنية فإن فرص خلق
شراكة سياسية مع بقية القوى السياسية المخالفة لهم ستكون معدومة، فكيف
يمكن للجماعة أن تؤسس شراكة سياسية مع الليبراليين والعلمانيين ومن
يخالفهم الرأي وهي غير قادرة على خلق توافق أو تحالف انتخابي مع من
يشاركهم الأيديولوجية والمرجعية الدينية حيث يتنافس على الرئاسة ثلاثة
مرشحين من ذات المرجعية؟!.
أيضا فإن فوز رئيس من خارج التيار الإسلامي سيؤسس لنظام سياسي من
رأسين، وإن كان هذا الوضع له سوابق في الدول الديمقراطية العريقة ويمكن
تفهمه وتجاوز تعقيداته بآليات الديمقراطية نفسها، إلا أنه وضع غير
مسبوق في العالم العربي وسيكون مثيرا للقلق في مصر خصوصا.
وأخيرا يمكن القول إن كان عدم القدرة على معرفة الرئيس القادم يعد
مؤشرا على أهمية وجدية الانتخابات الرئاسية و أن مصر تدخل عهدا جديدا،
فإن انتخاب رئيس قبل الحسم بموضوع الدستور نهائيا وقبل التوافق على
ثوابت ومرجعيات الدولة والأمة والنظام السياسي تعتبر نقطة ضعف في هذه
التجربة الانتخابية لأنها ستلقي على عاتق الرئيس القادم مسؤوليات جسام
نتمنى أن يكون قادرا على تجاوزها بسلام.
Ibrahemibrach1@gmail.com |