التحالف الوطني وعبور الازمة

جواد العطار

لا يخفى على احد ان ظهور التحالف الوطني على مسرح السياسة العراقية قبل عامين كان السبب الحاسم في انهاء السباق الذي نتج عن تقارب النتائج بين القوى الفائزة في الانتخابات التشريعية؛ والعامل المؤثر والمباشر في انهاء الازمة السياسية؛ في حينها؛ وتشكيل الحكومة الحالية..

وعلى اثر اللقاء بين الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون بعد ان شعر الفريقين بمدى التقارب في الآراء والمواقف والتوجهات، تشكلت الكتلة البرلمانية الاكبر من التحالف الوطني الذي رشح بدوره رئيس الوزراء وشكل حكومة الوحدة الوطنية التي ما زالت تعمل تحت قيادة نفس التحالف.

ومثل كل دول العالم الديمقراطي، تتعرض الحكومات بين فترة واخرى الى ازمات وهزات سياسية تختلف طبيعتها من بلد الى آخر.. فقد تعصف بعضها بالوزارة فتسقطها او يكون سبب تغيير الكابينة الحكومية عائدا الى انفراط عقد التحالفات البرلمانية التي شكلتها او قد تكون تلك التحالفات ضعيفة اصلا الى الدرجة التي نسمي الحكومة التي انبثقت عنها بالائتلافية الهشة اي انها لا تمتلك النصاب اللازم للوقوف بوجه الازمات او انها لم تستطع توحيد مواقف عدد كبير من قوى البرلمان تحت خيمتها او لتضارب المصالح بين اطرافها.

وفي حالة حكومة التحالف الوطني الحالية، نجد الامر مختلف تماما ليس لان الازمة السياسية مستمرة منذ عامين ونيف ولم تستطع اسقاط الوزارة او تغيير رئيس الوزراء او حتى عرقلة عمله، بل لان التحالف الوطني متماسك الى الدرجة التي كان فيها سببا رئيسيا في بقاء الحكومة واستمرار عملها رغم الازمة ومطالبات الكتل، ناهيك عن ان تشكيلة الحكومة مثلت كل المكونات البرلمانية؛ باستثناء كتلة التغيير الكردية.

اذن السبب الرئيسي في بقاء الحكومة واستمرارها يعود بالدرجة الاولى الى تماسك التحالف الوطني الذي شكلها ودعم توجهاتها طوال الفترة الماضية وغياب عامل تضارب المصالح بين اطرافه ومكوناته، وهذا يعود الى الحكمة التي تمتعت بها قياداته في التعامل فيما بينها اولا؛ ومع الاطراف السياسية الاخرى ثانيا.. من خلال سعة الصبر والمصداقية وحسن الاداء والنظر الى مصلحة المجموع والعمل بها.

لكن، بقاء الحكومة الحالية لا يرتهن اليوم الى مواضيع سحب الثقة او تغيير السياسات وتنفيذ الاتفاقات بقدر تعلق الموضوع ببقاء النقاش والحوار بين مكونات التحالف الوطني وقياداته.. داخل بيت التحالف ذاته، ومتى ما خرج الامر عن ذلك تناولته القوى الاخرى وهو ما لا يصب في مصلحة البلاد في الوقت الحاضر على الاقل؛ مع عظم المخاطر والتحديات.. فحكومة تشكلها القوى السياسية الاخرى مجتمعة لن تكون بقوة الحكومة الحالية حتى وان كان رئيس وزراءها من التحالف الوطني، وستسقط مع اول ازمة تواجهها... ليس لشيء بل لان التحالف الوطني؛ او الائتلاف الوطني الذي سبقه؛ كان مصدر قوة واستقرار للعملية السياسية طوال الفترة الماضية ببقاء حكوماته المتتابعة ضمن استحقاقاتها الزمنية والدستورية، لذا فان قياداته مدعوة اليوم اكثر من اي فترة مضى لتلمس الحكمة في القول والفعل ورد الفعل والاستجابة، مصداقا لقوله تعالى:

 ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقَد اوتي خيرا كثيرا وما يذَّكر الا اولو الالباب ) (البقرة:269)

وحكمة القيادة في ادارة الازمة السياسية، قد تنطلق من:

• التريث في اعلان المواقف والركون الى الهدوء والسكينة في اتخاذ القرارات الحاسمة، لان عامل الوقت في صالح البلد والتحالف.

• الابتعاد عن التصريحات الاعلامية المتشنجة، التي تثير النفوس وتوسع هوة الفرقة والاختلاف.

• الجلوس الى طاولة الحوار بمكونات التحالف الوطني جميعا دون استثناء للخروج بنتائج نهائية في القضايا والمسائل الخلافية الداخلية وحسمها؛ ومن ثم التوجه الى القوى الاخرى.. للتحاور في قضايا الازمة السياسية.

واذا لم نفعل ذلك، نذهب بالتحالف الوطني والعملية السياسية الى المجهول، ونمنح من يبتغي بنا فرقة؛ ومن يتربص بالبلد شرا؛ فرصة قد نندم عليها..

تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسرا...واذا افترقن تكسرت آحادا

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/آيار/2012 - 7/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م