يواجه الامن العراقي عدة تحديات كبيرة تتطلب منه أن ينهض من غفوته
وأن يأخذ بزمام المبادرة حتى يتفاعل مع المستقبل، ان استشعار تلك
التحديات ودق أجراس الخطر للاستعداد لها والتهيؤ لمواجهتها والارتفاع
إلى مستوى الواقع، وفي هذا الإطار لكي يرتقي بذاته بدلا من السير بخطى
ثابتة في مكان واحد، تتضاعف الجرائم الإلكترونية الحديثة في العراق
وتتنوع يوما بعد يوم، ويختلف مرتكبوها عادة عن المجرمين التقليديين
لأنهم في الغالب أشخاص على مستوى عال من العلم والمعرفة، وقد يكون
بعضهم من صغار السن.
ولم تتوفر لدينا احصاءات بأعداد مستخدمي الانترنيت بالعراق ولكن
هناك معطيات من عدد المشتركين والتي بلغت مئات الالاف والمتزايد باطراد
ومع الاسف لم تتوفر احصاءات لدى القضاء والشرطة عن عدد مرتكبي الجرائم
الرقمية، إن تطور التقنيات ووسائل الاتصال قد ساعد في انتشار وعولمة
الجريمة وإنتاج جرائم اجتماعية واقتصادية، وظهرت أنماط جديدة من
الجريمة تنفذ عن بعد دون الحاجة إلى الفعل الفيزيقي، واستفادت
المجموعات الاجرامية في ذلك من مجالات توظيف التقنيات والاتصالات في
النشاط الإجرامي مثل التنصت والاحتيال على المصارف واعتراض بطاقات
الائتمان وسرقتها والسطو على البنوك إلكترونيا والوصول إلى المعلومات
الأمنية والعسكرية الحساسة.
وهذه كلها جرائم مستحدثة نتيجة التطورات التدريجية لاستخدام شبكة
الأنترنيت، وهي جرائم لم تصل في الوقت الحالي إلى العراق، حيث مازال
الأمر مقتصرا على الدخول إلى المواقع وتدميرها، وظهرت جرائم ملازمة
لهذه المستحدثات، منها الغش الإلكتروني، وبالتلاعب في المدخلات وفي
البرامج، والنسخ غير المشروع للبرامج، والعديد من الجرائم المتعلقة
بالتجارة الإلكترونية، وإتلاف السجلات المدونة على الحاسب الآلي وبث
الصور أو الأفلام الجنسية من خلال الأجهزة، والقذف والسب عن طريق
الإيميل، وغسل الأموال بإستخدام النقود الإلكترونية، ان أهم صور جرائم
الإنترنت منها جرائم الاعتداء على سرية المعلومات وسلامتها وصيانة الحق
في خصوصية الإنترنت ليست محصورة في هذا النموذج بل ظهرت جرائم لها صور
أخرى متعددة تختلف باختلاف الهدف المباشر في الجريمة مثل الجرائم
الواقعة على الأجهزة:
1. ويشمل ذلك تعطيلها أو تخزينها.
2. الأشخاص أو الجهات: حيث تستهدف فئة كبيرة من الجرائم على شبكة
الإنترنت – بعض الأشخاص أو بعض الجهات – بشكل مباشر كالتهديد أو
الابتزاز.
3. الأموال: ويكون هدف المجرم هو الاستيلاء على المال بصوره مباشرة.
لا بد من الإشارة ماهية الجرائم المعلوماتية ثم دور الأجهزة الأمنية
في مواجهة هذه الجرائم:
أولا: ماهية الجرائم المعلوماتية؟ يمكن تحديد مفهوم الجرائم
المعلوماتية من منظارين:
-المنظار الأول: عندما تكون المعلوماتية موضوعا للاعتداء: وتتحقق
هذه الحالة عندما تقع الجريمة على المكونات المادية للكمبيوتر من أجهزة
ومعدات وكابلات وشبكات ربط وآلات طباعة وتصوير وغيرها.
- المنظار الثاني: عندما تكون المعلوماتية أداة ووسيلة للاعتداء:
وتتحقق هذه الحالة عندما يستخدم الجاني الكمبيوتر كوسيلة لتنفيذ
جرائمهِ، سواء على الأشخاص كانتهاك حرمة الحياة الخاصة أو القتل، أو
على الأموال كالسرقة والاحتيال والتزوير وغيرها، ويسمى هذا النوع من
الجرائم الأعمال الجرمية التي ترتكب بمساعدة الكمبيوتر.
وتتميز هذه الجرائم بصعوبة كشفها نظرا لإمكانية ارتكابها من مسافات
بعيدة، ولقدرة الجاني على تدمير الأدلة عليها في أقل من الثانية
الواحدة وكونها لا تترك أي أثر مرئي.
الأشكال المختلفة للاعتداءات على الأنظمة المعلوماتية: يوجد نوعان
من الإعتداءات على الأنظمة المعلوماتية هما: الإعتداءات المنطقية
والاعتداءات المادية.
كما نود الإشارة الى (علم الأدلة الجنائية الرقمية) هو أحد فروع
علوم الأدلة الجنائية، ويهدف هذا الحقل إلى التعرف على الأدلة الرقمية
وحفظها وتحليلها وتقديمها بطريقة مقبولة قانونياً.
وهذا العلم يعتبر من العلوم الحديثة التي بدأ الاهتمام بها يتزايد
في الآونة الأخيرة خصوصا مع زيادة الاعتماد على الأجهزة الرقمية بمختلف
أنوعها من الحاسبات و أجهزة الجوال إلى غيرها من الأجهزة الرقمية
الأخرى. لذلك هذا العلم حتى وان كان اسمه (الحاسب الجنائي) فهو يشمل كل
الأجهزة الرقمية كالجوالات والكاميرات الرقمية بل ويتعدى ذلك إلى
بطاقات الائتمان والبطاقات الذكية ونستطيع القول أنه يشمل كل جهاز
باستطاعته تخزين المعلومات.
اما (تقنيات التحقيق الجنائي الرقمي) ولعل من الأسباب التي دعت
لهذا العلم أولا ظهور جرائم جديدة كجرائم المعلوماتية أو ما يطلق عليها
وثانيا أن الدليل الجنائي الرقمي سواء لإثبات الجريمة التقليدية أو
الجريمة المعلوماتية يختلف تماماً عن الدليل الجنائي التقليدي، سواء من
حيث كم البيانات المدونة في الجهاز الرقمي أو كيفية إثباتها.
المشكلات الإجرائية ذات الصلة بالجرائم
الإلكترونية
تبدأ المشكلات الإجرائية في مجال الجرائم الإلكترونية بتعلقها في
كثير من الأحيان ببيانات معالجة إلكترونيا وكيانات منطقية غير مادية،
وبالتالي يصعب من ناحية كشف هذه الجرائم، ويستحيل من ناحية أخرى في بعض
الأحيان جمع الأدلة بشأنها، ومما يزيد من صعوبة الإجراءات في هذه
المجال كما اشرنا سلفا.
سرعة ودقة تنفيذ الجرائم الإلكترونية وإمكانية محو آثارها، وإخفاء
الأدلة المتحصلة عنها عقب التنفيذ مباشرة، ويواجه التفتيش وجمع الأدلة
صعوبات كثيرة في هذا المجال أو مشكلات تتعلق بسيادة الدولة أو الدول
الأخرى التي توجد لديها هذه البيانات. وفي هذه الحالة يحتاج الأمر إلى
تعاون دولي في مجالات البحث والتفتيش والتحقيق وجمع الأدلة، وتسليم
المجرمين، بل وتنفيذ الأحكام الأجنبية الصادرة في هذا المجال.
ويبقى السؤال المهم: كيف يواجه الأمن العراقي هذا النوع من الجرائم؟
وهل هناك أجهزة خاصة بهذه الجرائم؟ أن مواجهة تحديات جرائم الأنترنيت
من قبل الأجهزة الأمنية العراقية جاء متأخرا مقارنة مع بلدان أخرى،
ويعود سبب ذلك بشكل رئيسي إلى تأخر إدخال التقنيات الحديثة في منظومة
الأمن العراقي لأسباب اقتصادية وثقافية مختلفة.
وهذا ما يدفع إلى طرح سؤال: ما هي الوسائل والإمكانيات التي تضعها
الحكومة العراقية في خدمة الأجهزة الأمنية لمحاربة الجريمة الإلكترونية؟،
وهل هي في مستوي هذا النوع من الجرائم أم لا؟
ما تفتقر اليه الشرطة العراقية للنهوض بمكافحة الجريمة الرقمية.
1. محو امية رقمية لمستوى القيادات العليا والوسطية.
2. تفتقر للأجهزة ومعدات رقمية لمتابعه الأدلة الرقمية وأهمية
الاستعانة بالخبرة في مجال الجرائم الإلكترونية،، فقد تعجز الشرطة عن
كشف غموض الجريمة، وقد تعجز هي أو جهة التحقق عن جميع الأدلة حول
الجريمة وقد تدمر الدليل أو تمحوه بسبب الجهل أو الإهمال عند التعامل
معه ووجدت الأجهزة الأمنية صعوبات كبيرة منذ ظهور هذا النوع المستحدث
من الجرائم سواء في كشف غموضها أو إجراء التفتيش والضبط الأمني، وظهر
ذلك جليا في البدايات الأولى لظهور هذا النوع من الجرائم، مما أدى إلى
وقوع الشرطة في أخطاء جسيمة أدت إلى الإضرار بالأدلة الخاصة بإثبات
الجريمة.
3. غياب هذه العلوم من المناهج الدراسية بكليه الشرطة والمعهد
العالي خصوصية التحقيق في الجرائم الإلكترونية ان خصوصية الجرائم
المتعلقة بالحاسب الآلي تستدعي تطوير أساليب التحقيق الجنائي وإجراءاته
بصورة تتلاءم مع هذه الخصوصية، وتمكن رجل الشرطة، والمحقق من كشف
الجريمة، والتعرف على مرتكبيها بالسرعة والدقة اللازمين.
4. ـتطوير الاجراءات الجنائية ولتحقيق ذلك يجب من ناحية تدريب
الكوادر التي تباشر التحريات والتحقيقات مع الاستعانة بذوي الخبرة
الفنية المتميزة في هذا المجال، فضلا عن تطوير الإجراءات الجنائية،
لتحقيق الغرض المطلوب، ولا يكشف غموضها إلا متخصص وعلى درجة كبيرة من
التميز في مجال تخصصه، فإجرام الذكاء والفن، لا يكشفه ولا يفله إلا
ذكاء وفن مماثلين.
وخلاصه القول:
أولا: ضرورة إعداد الكوادر الأمنية، وسلطات التحقيق من الناحية
الفنية للبحث والتحقيق وجمع الأدلة في مجال الجرائم الإلكترونية، مما
يستلزم إنشاء مراكز متخصصة في المعهد القضائي وكليه الشرطة تحقيقا لهذا
الغرض.
ثانيا: ضرورة إصدار تشريعات جديدة لمواجهة هذه الظاهرة المستحدثة من
الجرائم لوجود الفراغ التشريعي في مجال مكافحة الجرائم الرقمية وأن
مواجهة هذا النوع من الجرائم يقتضي ضرورة إعداد أطر أمنية وقضائية
للبحث والتحقيق والمحاكمة مع تطوير التشريعات الجنائية بإدخال نصوص
التجريم والعقاب.
ثالثا: ضرورة التعاون الدولي بتبادل المعلومات والخبرات، والتعاون
في المجال الأمني والقضائي بصوره المختلفة، فضلا عن التعاون بينها وبين
الدول الأخرى في هذا المجال لتوقيع اتفاقيات مع دول أخرى لتسليم مقترفي
هذا النوع من الجرائم، وهو الأمر الذي انتبهت إليه السلطات وتحاول
جاهدة تجاوزه لاسيما مع حداثة الجرائم ذات الصلة بالحاسوب والمتسمة
بحداثة أساليب ارتكابها وسرعة تنفيذها وسهولة إخفائها هذه الخصائص
العامة.
رابعا: ضرورة عقد اتفاقية عربية مشتركة لمواجهة ظاهرة الجرائم
الإلكترونية، على غرار الإتفاقيات العربية الأخرى.
خامسا: استحداث إدارات أمنية خاصة تعنى بمكافحة الجرائم
الإلكترونية وتزويدها بالكوادر المؤهلة في الشق الأمني والتقني لتعنى
بجمع المعلومات وإجراء التحريات والتواصل مع الجهات المماثلة لها في
الدول الأخرى، مع تأهيل وتدريب سلطات المكافحة تدريباً وافياً لمواكبة
التغير السريع في مجالات التقنية المعاصرة، كي تتوافر لدى هذه السلطات
القدرة على المكافحة الفعالة وتتواكب بقدراتها وكفاءتها مع ما يسعى إلى
تحقيقه أطراف الجريمة المنظمة.
* العراق-بغداد
rh.bahar@yahoo.com |