العراقيون بين الديمقراطية اللفظية والفعلية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يذهب علماء الاجتماع الى أن الانسان أسرع استجابة للعمل منه للقول فيما يخص نقل التجارب وتطوير المهارات، بمعنى أنه يستجيب للوسائل العملية أسرع من اللفظ أو الكلام المسموع الذي ينقل له التجربة نفسها، وتبدأ علاقة الانسان باستحصال الخبرات والمهارات منذ نعومة أظفاره، فلوحظ أنه يستوعبها بصورة أسرع وأدق فيما لو تعلّمها بصورة عملية، أما التنظير عن هذه التجربة او تلك، فسوف يبقيه في حيّز القول أو اللفظ المجرد، أي تنحصر الفائدة في الجانب اللفظي، لذا ينصح المعنيون بأهمية الاسراع في نقل التجربة من القول الى العمل.

بخصوص الديمقراطية كمصطلح، هناك مجلدات كبيرة وكثيرة كُتبت عنه، فقد كتب ارسطو عن الديمقراطية، كما ورد في كتابه الموسوم بـ (السياسة) حيث فضل الحكم الديمقراطي على سواه قبل ما يقرب من 2500 سنة، قائلا لجمهور القراء، في الوسطين السياسي والعام أن الحرية هي القاعدة الاساسية للدستور الديمقراطي، وثمة الكثير من الفلاسفة والمفكرين والمعنيين بعلم السياسة، دوّنوا مئات الكتب والمجلدات عن الديمقراطية واهميتها وخصائصها وسماتها، وما يتمخض عنها فيما لو كانت هي الطريق الى ادارة شؤون الدولة سياسيا، ولكن يبقى الفعل الديمقراطي المرئي والملموس هو الأهم، لكي تقطف الشعوب ثمار الحكم السياسي الجيد.

في العراق مضت سنوات طويلة ونحن نتحدث عن الديمقراطية ونكتب عنها، وأعني بـ نحن (السياسيين والكتاب والمفكرين وعموم طبقات المجتمع العراقي)، حيث يلهج الجميع بهذا المصطلح، ويبدو ذلك واضحا في لغة الشارع ولغة النخبة على حد سواء، ولكن من الملاحظ أننا كشعب لم ننتقل حتى الآن بصورة حقيقية من (الديمقراطية اللفظية الى الديمقراطية الفعلية)!، وهو أمر يستدعى مخاطر لابد من تلافيها، لاسيما من لدن الطبقة السياسية الحاكمة أو الفاعلة في المجال السياسي، ومع أننا نقر بوجود الاسباب التي تجعل من اللفظ الديمقراطي يتفوق على العملي أو الفعلي، لكن ينبغي أن لا يتوقف الامر عند حدود هذه المعرفة، بمعنى يجب أن تكون هناك مبادرات عملية مهمة وصحيحة، تنهض بها الجهات المعنية ومنها - في مقدمتها-  طبقة السياسيين أولا، ثم الجهات الداعمة كأساتذة وأكاديميّي العلوم السياسية والاعلام والكتاب والمصلحين والمثقفين وغيرهم، هذه المبادرات ينبغي أن تستهدف نقل الديمقراطية من القول الى العمل، ويتم نشرها بين عموم طبقات وشرائح المجتمع، بدءً من الطبقات الاعلى وعيا والاكثر تأثيرا،  لكي تتحول الديمقراطية الى ثقافة سلوك يتبناه الجميع، والتأكيد على الطبقات الاعلى وعيا ومسؤولية، يأتي من كونهم النموذج للآخرين، فإذ كان رئيس الوزراء ووزرائه والمدراء العامين وعموم السياسيين ديمقراطيين في (أفعالهم) وليس في اقوالهم فحسب، فإن طبقات وشرائح المجتمع الاخرى سوف تتحول من الديمقراطية اللفظية الى العملية قطعا، ويصبح مصطلح الديمقراطية ليس لفظا مجردا يردده (البائع المتجول والوزير) من دون فائدة، بل تصبح الديمقراطية منهج حياة ودليل عمل كلي لعموم الحياة العراقية.

مدير المدرسة عندما يفهم الديمقراطية ويؤمن بها، عليه أن ينقلها من حالة اللفظ الى الاسترشاد بها في التعامل مع الطلبة والكادر التدريس، ينطبق هذا تماما على مدير عام الدائرة الرسمية، وعلى العائلة ورب الاسرة، على أن يكون النموذج الاول للجميع (الحكومة ومؤسساتها)، ويمكن تحويل الديمقراطية الى منهج عمل، عندما تصبح ثقافة (آلية) تنتشر بين الجميع، ليس باللفظ وحده، وإنما بالتجارب العملية الملموسة، وعندما يرى الطالب مديره ديمقراطيا بالفعل، وأباه كذلك، وحكومته، حينئذ سيكون الطالب ديمقراطيا فعليا، يتخذ من التحرر الفعلي طريقا لادارة شؤونه كافة، وهكذا تتكرر هذه النسخة فتشمل عموم مكونات المجتمع، الذي سينتقل من كونه شعبا ديمقراطيا باللفظ فقط، الى شعب ديمقراطي لفظا وعملا.

تُرى هل يمكن للمعنيين أن يضعوا الخطوات اللازمة، لنقل الشعب العراقي من ديمقراطية لفظية الى عملية؟ سؤال ستجيب عنه أزمنة قادمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/آيار/2012 - 1/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م