اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار وتنمية

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تتوزع الثقافة على ثلاثة معاني رئيسية متصلة قيما بينها، فهي في المقام الاول تعني مسارنا التربوي نحو النضج الفردي، وهذا المعنى يتلاقى مع جذور الاشتقاق لاصل الكلمة، والذي يغني زرع كما اوضح ذلك شيشرون، وهذا هو معنى بعض التعبيرات مثل (شخص واسع الثقافة) او (مستوى ثقافي متوسط للشباب العاملين). وهي في معناها الثاني، مجموعة الاعمال التي اثمرها العقل البشري والنفس البشرية، مثل الاهرامات، ونظرية فيثاغورس والنظرية النسبية، الى اخر ذلك من منتج عقلي للشعوب على مسار التاريخ.

والمعنى الثالث والاكثر عمومية هو مجموعة المظاهر المميزة لمجتمع انساني، وطريقة عيشهم بعيدا عن تقييم القيم.. من خلال رصد النزاعات التي قامت والتي هي دائرة حاليا، فان ثلاثة أرباع هذه الصراعات لها أبعاد ثقافية، ويعتبر جسر الهوة بين الثقافات أمرا ضروريا وعاجلا للسلام والاستقرار والتنمية.

ويقصد بعبارة (التنوع الثقافي) تعدد الأشكال التي تعبر بها الجماعات والمجتمعات عن ثقافتها، وأشكال التعبير هذه يتم تناقلها داخل الجماعات والمجتمعات وفيما بينها. ولا يتجلى التنوع الثقافي فقط من خلال تنوع أساليب التعبير عن التراث الثقافي للبشرية، وإثرائه ونقله بواسطة أشكال التعبير الثقافي المتنوعة، بل يتجلى أيضا من خلال تنوع أنماط إبداع أشكال التعبير الفني وإنتاجها ونشرها وتوزيعها والتمتع بها، أيا كانت الوسائل والتكنولوجيات المستخدمة في ذلك.

يشكّل التنوع الثقافي قوة محركة للتنمية، ليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب بل أيضاً كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً، وهو ما تنصّ عليه اتفاقيات الثقافة السبع التي توفّر ركيزة صلبة لتعزيز التنوّع الثقافي. من هنا، يُعتبر التنوع الثقافي ميزة ضرورية للحدّ من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.

في الوقت عينه، يساهم القبول بالتنوّع الثقافي والاقرار به – عبر الاستعمال الابداعي للإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل خاص – في خلق الحوار بين الحضارات والثقافات وفي بلوغ الاحترام والتفاهم المتبادل.

وقد تحوّل تعزيز التنوع الثقافي – (التراث المشترك للبشرية) وفقاً للإعلان العالمي لليونسكو المتعلق بالتنوع الثقافي للعام 2001 – والحوار الناتج عنه الى إحدى القضايا العصرية الأشد إلحاحاً، وبالتالي الى قضية أساسية بالنسبة الى ولاية المنظمة.

يمثّل التبادل والحوار المنصفان بين الحضارات والثقافات والشعوب على قاعدة التفاهم المتبادل واحترام تساويها في الكرامة شرطاً مسبقاً أساسياً لتحقيق التماسك الاجتماعي والمصالحة بين الشعوب والسلام بين الأمم.

ويشكّل هذا العمل جزءاً من الإطار العام لتحالف الحضارات الذي أطلقته الأمم المتحدة. وبشكل خاص، تحظى مجموعة من الممارسات الجيدة باهتمام خاص ضمن إطار الحوار بين الثقافات الأوسع الذي يشمل ايضاً الحوار بين الأديان بغية تشجيع التعددية الثقافية على المستوى المحلي والاقليمي والوطني وتحفيز المبادرات الاقليمية وشبه الاقليمية الرامية الى إحباط أشكال التطرف والتعصب والتشديد على القيم والمبادئ الآيلة الى جمع الشعوب.

ويهدف برنامج اليونسكو للحوار بين الأديان، وهو عنصر أساسي للحوار بين الثقافات، إلى تشجيع الحوار بين مختلف الأديان، والتقاليد الروحية والإنسانية في عالم يتزايد فيه ربط الصراعات بالانتماء الديني.

ويشدد البرنامج على التفاعلات والتأثيرات المتبادلة بين الأديان من جهة، والتقاليد الروحية والإنسانية من جهة أخرى، والحاجة إلى تعزيز التفاهم بينها من أجل تحدي الجهل والتحيز وتعزيز الاحترام المتبادل.

ويعتبر تعلم فن الحوار هو عملية شخصية واجتماعية على السواء. وتطوير مهارات المرء ومهاراته للحوار ينطوي على رغبة في الانفتاح مع احتفاظه بالحس النقدي. والحوار هو شاغل لنا جميعا: من صانعي القرار والقادة وحتى الأفراد العاديين في كل مجتمع محلي.

يشكل وضع الثقافة في صميم سياسة التنمية استثماراً أساسياً في مستقبل العالم وشرطاً مسبقاً لعمليات عولمة ناجحة تأخذ بعين الاعتبار مبادئ التنوع الثقافي، علماً ان تذكير مجمل الدول بهذه المسألة الأساسية يقع على عاتق اليونسكو.

وقد أثبت فشل بعض المشاريع الجارية منذ السبعينيات أن التطور لا يترادف مع النمو الاقتصادي وحده، بل هو وسيلة لصنع حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً. ولا يمكن بالتالي فصل التنمية عن الثقافة. ويشكّل تعزيز مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة هدفاً تم إطلاقه في إطار العقد العالمي للتنمية الثقافية (1988-1998)، وقد تحقق منذ ذلك الحين نمو ملحوظ بفضل مجموعة من الصكوك الخاصة بوضع المعايير ومن الأدوات الإيضاحية كالإحصاءات الثقافية والجردات ورسم خرائط الموارد الثقافية على المستويَين الإقليمي والوطني.

ويكمن التحدي الأكبر على هذا الصعيد في إقناع صانعي القرارات السياسية والفاعلين الاجتماعيين المحليين والدوليين بدمج مبادئ التنوع الثقافي وقيم التعددية الثقافية في مجمل السياسات والآليات والممارسات العامة، لا سيما عبر الشراكات العامة والخاصة.

وترمي هذه الإستراتيجية من جهة إلى دمج الثقافة في مجمل سياسات التنمية سواء ارتبطت بالتعليم أو العلم أو الاتصالات أو الصحة أو البيئة أو السياحة (بالانجليزية)، وتهدف من جهة أخرى إلى دعم تطوير القطاع الثقافي عن طريق الصناعات الإبداعية. فبمساهمتها في التخفيف من حده الفقر، تنطوي الثقافة على منافع هامة من حيث تحقيق التماسك الاجتماعي.

قدمت اليونسكو في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2001، إعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي والذي تبنته الجمعية العامة في قرارها رقم 57/249 ورحبت به بالإعلان وبالخطوط الرئيسية لخطة العمل من أجل تنفيذه، وأعلنت يوم 21 أيار/مايو يوما عالميا للتنوع الثقافي للحوار والتنمية.

فهذا اليوم يزودنا بفرصة من أجل تعميق مفهومنا لقيم التنوع الثقافي ويعلمنا أيضاً كيف (نعيش سوياً) بشكل أفضل. وفي عام 2011، دشنت يونسكو و تحالف الأمم المتحدة للحضارات الحملة الشعبية افعل شيئا لأجل التنوع والشمول احتفاء باليوم الدولي السنوي للتنوع.

وتهدف حملة عام 2012، من خلال تشجيع الأفراد والمنظمات من كل أنحاء العالم على القيام بأعمال حاسمة لدعم التنوع، إلى التالي:

- رفع الوعي على مستوى العالم بشأن أهمية الحوار بين الثقافات، وأهمية التنوع والشمول.

- بناء مجتمع عالمي من أفراد ملتزمين بدعم التنوع في كل إيماءة من إيماءات الحياة اليومية الفعلية.

 - الحد من الاستقطاب ومكافحة القولبة والتنميط، بغرض تحسين التفاهم والتعاون بين الأفراد المنتمين إلى ثقافات مختلفة.

وقالت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو في رسالة لها بمناسبة اليوم العالمي للتنوع الثقافي، إن الثقافة تمثل ما نمثله نحن البشر، فهي تحمل هوياتنا وأحلامنا بالمستقبل.

ويمثل هذا التنوع مصدرا لتجدد الأفكار والمجتمعات، وينطوي على إمكانيات هائلة لتيسير النمو والحوار والمشاركة الاجتماعية. وإذا ما قمنا بحماية الثقافة وتعزيزها، فكأننا نبث الحياة في هذا التنوع، وتتيح التكنولوجيات الجديدة وتسارع وتيرة العولمة تقارب الثقافات أكثر من أي وقت مضى. ويظهر التنوع الثقافي كل يوم على شاشات وسائل الإعلام الجديدة وفي مجتمعاتنا المتمازجة.

وأفادت إيرينا بأن سبب وجود منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يتمثل في توفير الوسائل اللازمة لتحرير طاقات التنوع الثقافي، وتبين اتفاقات اليونسكو الثقافية أن الثقافة تمتلك القدرة على نسج الروابط بين الماضي والمستقبل من خلال حماية التراث العالمي والتراث غير المادي، وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، وتساعد الثقافة على فض النزاعات من خلال تسليط الضوء على ما يجمعنا نحن البشر، كما أنها تحفز الإبداع الذي يمثل محركا للابتكار والتنمية.

وقد اتخذت اليونسكو مجموعة من الخطوات من أجل التأكيد على احترام التنوع الثقافي، وصون الخصوصية الثقافية، وذلك عن طريق مساعدة الدول الأعضاء (خاصة البلاد الأقل نموا. والبلاد التي تعيش أوضاع ما بعد النزاع) على حماية تراثها الثقافي، وإحيائه خاصة التراث الثقافي غير المادي، وعلى تعزيز قدراتها من آجل إعداد وتنفيذ أنشطة فعالة ترمي إلى صون تراثها الثقافي غير المادي.

وأكدت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة أن التنوع الثقافي لا يمكن أن يزدهر إلا في بيئة تضمن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وأن الدفاع عن التنوع الثقافي يسير جنبا إلى جنب مع احترام كرامة الفرد.

وقال الخبراء، إن هذا التنوع يتطلب تعزيز الحريات الأساسية، مثل حرية التعبير والمعلومات والاتصالات وعدم التعرض للتمييز من أي نوع وكذلك قدرة الأفراد على اختيار أشكال التعبير الثقافي وحقهم في المشاركة، أو عدم المشاركة في الحياة الثقافية للمجتمعات معينة مضمونة.

كما أكدوا أن وجود بيئة مواتية للتنوع الثقافي سيسهم بطريقة كبيرة في الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، بينما لا يجوز لأحد أن يستند للتنوع الثقافي كمبرر لانتهاك حقوق الإنسان أو أن يحد من نطاقها.

وشدد الخبراء على أن التنوع الثقافي لا ينبغي أن يستخدم لدعم الفصل العنصري والممارسات التقليدية الضارة التي تسعى باسم الثقافة إلى تقديس الاختلافات التي تتعارض مع العالمية وتجزئة الترابط مع حقوق الإنسان، وبمسئولية الدول بموجب القانون الدولي لخلق بيئة مواتية للتنوع الثقافي والتمتع بالحقوق الثقافية، التي تتيح لجميع الأشخاص الحق في التعبير عن أنفسهم وتلقي التعليم الجيد والاحترام الكامل للهوية الثقافية، والمشاركة في الحياة الثقافية وممارسة تقاليدهم الثقافية الخاصة التي تخضع لاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/آيار/2012 - 30/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م